سلمان ينقلب على عبد الله: ملف عن وفاة الملك السعودي

24-01-2015

سلمان ينقلب على عبد الله: ملف عن وفاة الملك السعودي

السعودية: عهد الحساب العسير
أريد لخبر وفاة الملك عبد الله أن يمر بهدوء والناس نيام وفي ساعة ميّتة من الليل، فكان توقيتاً إعلامياً بامتياز. لم ينل رحيل الملك حظّه من التغطية الصحافية كما جرت العادة، وكان إيقاع التغييرات سريعاً أكثر مما يتوقعه المراقبون؛ فما أصدره الملك الجديد من مراسيم ملكية أذهل كثيرين عن الحدث نفسه، ولربما كان الوقوف على رحيل عبد الله عابراً. هل في ذلك إشارة ما من الملك الجديد؟ ربما.
أمراءسعوديون بينهم متعب بن عبدالله يشيعون الملك السابق أمس (أ ف ب)
كانت أجندة الملك سلمان مليئة ومثيرة للانتباه، فقد دشّن وعلى الفور حساباً له على «تويتر» تحت اسم خادم الحرمين الشريفين، وأطلق أولى تغريداته وسأل الله أن يوفقه لخدمة شعبه وتحقيق آماله. وقبل أن يوارى جثمان سلفه الثرى، أصدر، وفي حالة غير مسبوقة، سلسلة أوامر ملكية بتعيين ابنه محمد وزيراً للدفاع ورئيساً للديوان الملكي، وابن أخيه محمد بن نايف، وليا لولي العهد، الى جانب منصبه وزيراً للداخلية، وبإعفاء خالد التويجري من رئاسة الديوان الملكي والحرس الملكي، في انتظار المزيد من الاعفاءات والتعيينات في الأيام المقبلة.
بطبيعة الحال، لم تكن قرارات الملك الجديد وليدة اللحظة، فقد كانت جاهزة بانتظار موت عبدالله، فصدرت تباعاً ما كشف عن خلاف عميق بين الجناحين الحاكمين (جناح عبد الله والجناح السديري) لم يكن الكشف عنه ممكناً الا بأوامر مضادة، كتلك التي كان يصدرها الملك عبد الله طيلة عقد من الزمان في سياق تقويضه للعصبة السديرية. اليوم، يحاول الملك الجديد ترميم التصدّعات التي أصابت بنية الجناح السديري عن طريق أوامر ملكية جديدة تقوم على الضم والإزاحة.
بدأ سلمان عهده بتصفية تركة عبدالله، والمؤشرات الأوليّة تكشف عن أنه يمارس دوراً تدميرياً ولكن سريعاً حتى يفرض سيطرته على زمام الدولة دون متاعب ولا ضغوط ويحيلها سديرية مطلقة، وسلمانية إن تطلب الأمر.
هي أشبه بلعبة شطرنج ولكن بايقاع سريع، فقد اختزن الملك الجديد حزمة خصومات مع الملك عبد الله حد الاحتقان بانتظار هذه اللحظة والانقضاض سريعاً. بدا طبق الانتقام لدى سلمان ساخناً ومبكراً ولافتاً، ولم ينتظر حتى انتهاء مراسم دفن سلفه، فقد أعلنها تصفية حساب سريع ضد جناح الملك عبد الله.

من الضروري لفت الانتباه إلى أن سلمان لم يحد قيد أنملة عن عبد الله في اعتماد قواعد الاشتباك ذاتها التي كانت في عهد سلفه. وبناءً عليه يمكن القول إن سلمان لا ينتمي الى عصر ما قبل الملك عبد الله، بل هو الوريث الفعلي له في سياسته وفي أدوات صراعه، ولم يختلف عنه حتى في نهجه في التعاطي مع الخصوم. ما يلفت أن الملك الجديد يتوسّل الآليات نفسها التي ابتكرها الملك السابق في إقصاء منافسيه.. وقد يلجأ الى (هيئة البيعة) التي أنشأها الملك عبد الله لتفادي تعيين الأمير محمد بن نايف في منصب نائب ثانٍ (قبل الاتفاق معه في وقت لاحق ضمن عملية تقاسم مناصب بينهما) لاعادة تشكيل السلطة، وقد يؤول الى اقصاء مقرن بن عبد العزيز، ولي العهد الجديد، وإعادة أحمد بن عبد العزيز (وزير الداخلية السابق) عبرالآلية نفسها. وقد يتطلب بناء تحالفات جديدة وهنا يبرز دور الأجنحة المهمّشة التي تكتسب أهمية أكبر بفعل حاجة الجناحين (جناح الملك والجناح السديري) اليها في معركة التجاذب على السلطة الآن وفي المستقبل.
على أي حال، فإن الملك الجديد أمام تركة ثقيلة من الخلافات والتغييرات، وسوف يضطلع بمهمة تصفية هذه التركة بصورة سريعة وحاسمة.
قرارات الملك الجديد أكّدت بما لا يدع مجالاً للشك أن صراع الاجنحة داخل الاسرة المالكة ليس هامشياً ولا عابراً، ولعل تصريح الأمير طلال بن عبد العزيز بالأمس يكشف عن جانب خطير منه حين رأى أن الخلافات داخل الأسرة قد تكون سبباً للانهيار. ونشير الى أنه بخلاف ما جاء في مرسوم تعيين محمد بن نايف في منصب ولي ولي العهد، الذي ورد فيه «بعد الاطلاع على ما عرض على أعضاء هيئة البيعة حيال اختيار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز آلسعود ولياً لولي العهد، وتأييد ذلك بالأغلبية..»، فإن الأمير طلال صرّح بأن الهيئة لم تُدع للبيعة، وأن مجلس العائلة لم يجتمع منذ أشهر.
أمراء آخرون تداولوا على مواقع التواصل الاجتماعي خلافات الأسرة المالكة، ولأول مرة في تاريخ السعودية يخرج أمراء من ال سعود الى الاعلام ويتحدثون عن خلافاتهم بشفافية. ولذلك، بدا التصويب على مستشار الملك عبد الله، الشيخ خالد التويجري، مجرد الغطاء المضلل للتمويه على أصل الخلاف داخل قصور الأمراء.
قبل وفاة الملك عبد الله، كان حديث الخلافات داخل ال سعود متداولاً في عالم الصحافة والعالم الافتراضي، وحالما أُعلن خبر وفاة الملك وتالياً قرارات التعيين والإعفاء الصادرة عن الملك الجديد بتنا وكأننا أمام معركة مفتوحة من الخلافات بين الأجنحة، لا يعلم حتى الآن أحد مداها.
ردود الفعل على أوامر الملك الجديد تنطوي على مؤشرات سلبية بالنسبة إلى الجناح السديري، فهناك من أبناء الملك عبد العزيز من لا يزال على قيد الحياة، وهو الأجدر بمنصب ولي ولي العهد، بحسب التقليد المعمول به في انتقال السلطة، وسوف يترك تأثيره على علاقة الملك الجديد بإخوته الذين يتعرضون لعملية إقصاء متعمدة في حياتهم دون حتى مجرد الحصول على قبولهم بالتعيينات الجديدة. فما كسبه الجناح السديري من تعاطف خلال الفترة الماضية نتيجة مراسيم ملكية أصدرها الملك عبد الله وصفت بكونها مجحفة بحق السديريين، يستنزفه الملك الجديد الآن بمراسيم مماثلة ما يجعله على قدم المساواة مع سلفه من حيث النزعة الاقصائية واستبعاد بقية الأمراء من الأجنحة الأخرى.
من الواضح، أن المعركة على السلطة أخذت طابعاً ثنائياً (عبد الله وسلمان)، وأن بقية الأمراء ليسوا سوى مجرد فاعلين ثانويين أو منقسمين بين رابحين وخاسرين تبعاً لنوع المراسيم الملكية وطبيعتها.
لم يبق من الجناح السديري اليوم سوى ثلاثة: الملك الجديد سلمان، والأمير أحمد (وزير الداخلية السابق)، والأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز (خارج معادلة السلطة)، فيما غيّب الموت الأقطاب الكبار وهم فهد بن عبد العزيز (2005)، وسلطان بن عبد العزيز (2011)، ونايف بن عبد العزيز (2012). وهناك توقعات راجحة بعودة أحمد الى معادلة السلطة، لكونه يحظى بمكانة داخل الجناح السديري، وله علاقة مع بعض القبائل المتحالفة مع آل سعود، وهناك من يعدّه الأجدر بولاية العهد من أخيه غير الشقيق مقرن. وبناءً عليه، يبقى سيناريو استبعاد الأخير من ولاية العهد قائماً، وقد يجري ذلك لسبب أو لآخر، ولا سيما بعد غياب العضيد الوحيد. ولا يبدو أن قرار إعفاء مقرن سوف يواجه برفض من داخل العائلة المالكة، فهو لا يحظى بشعبية أو نفوذ قوي فيها. الخيار الأمثل بطبيعة الحال يكون بإرغامه على التنازل للأمير أحمد، فيصبح مخرجاً مناسباً لإزاحة مقرن عن السلطة تماماً وعودة «مشرّفة» لأحمد.
على أي حال، سوف يبقى موقع مقرن في ولاية العهد مثار جدل مفتوح داخل السعودية لبعض الوقت، إذ من غير الممكن بقاؤه دون تحالف رصين في الأسرة، واعتماده على قوة الأمير متعب، وزير الحرس الوطني الحالي ليس كافياً من أجل مواجهة بقية الأجنحة بما فيها الجناح السديري الذي يقوده الملك سلمان. وقد يجادل البعض، بأن إبعاد مقرن لأي سبب كان وتحت أي مبرر، هو إعلان حرب على متعب وإخوته، لأن ذلك يحرمهم ربما إلى الأبد السلطة. وإذا كان لا بد من التنازل من وجهة نظر جناح متعب، فلن يكون البديل أحمد بل متعب الأولى به. في حقيقة الأمر، فإن أي ترتيبات في البيت السعودي لا تأخذ بحق متعب في الوراثة سوف تفجّر صراع الاجنحة.
من الجدير بالإشارة أن علاقة الملك الجديد بولي عهده الأمير مقرن ليست وديّة، وثمة شعور لدى الأخير بأن سلمان يتعامل معه بقدر قليل من الاحترام، لأسباب عديدة منها كونه ابن جارية، ومنها استغلال جناح الملك عبد الله له لإيصال متعب بن عبد الله الى العرش. كان تعيين الأمير مقرن ولياً للعهد إلزامياً للملك الجديد بناء على الأمر الملكي الرقم أ/86 الذي صدر قبل عشرة شهور، والذي ينص على مبايعة مقرن ولياً للعهد في حال خلو ولاية العهد. حينذاك، فهم المراقبون من مضمون الأمر الملكي ليس مجرد صراع أجنحة على السلطة، وإنما أيضاً تمهيد الطريق أمام وصول متعب الى العرش عن طريق مقرن، الملك التالي بعد سلمان. مصادر سياسية وإعلامية تتحدث عن إصابة الامير سلمان بالخرف «الزهايمر» الى جانب مرض القلب وأمراض الشيخوخة، وهذا من شأنه أن يبعث الأمل لدى جناح متعب.
في المقابل، كان قرار سلمان باعفاء خالد التويجري من مناصبه كرئيس للديوان الملكي، والحرس الملكي وأمين هيئة البيعة، متوقّعاً قبل الإعلان عن موت الملك. فالهجمة الاعلامية التي شنّها أنصار الجناح السديري في مواقع الاتصال الاجتماعي ضده طيلة الشهور الماضية توحي بأن قراراً انتقامياً ينتظر الرجل لحظة موت سيده، الملك عبد الله..
بالنسبة إلى الأمير متعب، وزير الحرس الوطني منذ عام 2013، فإنه سوف يواجه تحديّات جديّة بعد عودة السديريين بقوة الى السلطة، وما مراسيم سلمان الا رسائل شديدة الوضوح والخطورة الى الجناح المنافس وبقية الأجنحة بأنه سوف يمارس سلطته الكاملة التي يمنحها إياه النظام الأساسي (المعلن في مارس 1992) والذي يمنح الملك صلاحيات مطلقة في التعيين والاعفاء.
جرّب الأمير متعب بناء علاقة خاصة مع واشنطن بهدف تعزيز فرص وصوله الى السلطة، فكان يكثّف زياراته لعواصم الدول الحليفة للسعودية لناحية استدراج دعم له في مستقبل العرش.
ولكن محمد بن نايف بدا الأوفر حظاً لدى واشنطن، لما يتمّتع به من صلات وثيقة مع صنّاع القرار في الولايات المتحدة، والتي عمل عليها في زمان والده من خلال الاتفاقيات الامنية مع واشنطن ومن بينها أربع اتفاقيات استراتيجية عام 2007 التي منحت الأميركيين نفوذاً غير مسبوق في تاريخ السعودية، بما يجعل الأخيرة خاضعة بصورة شبه كاملة للسيادة الأميركية من خلال أنظمة الرقابة والتعقّب التي تطاول كل المقيمين داخل أراضي المملكة..
قبل وفاة الملك عبد الله، كان يدور في الكواليس كلام حول زهد محمد بن نايف في العرش، ويرجع ذلك الى كونه بدون خلف من الذكور، ما يجعل سباقه الى السلطة مقطوعاً، ولكن تعيينه في منصب ولي ولي العهد يجعله وريثاً محتملاً للعرش..

 

------

لا تغييرات حيال الملفات الإقليمية الساخنة
سؤال يطرح بعد غياب الملك عبد الله عن المشهد السياسي في المملكة: هل ثمة تغييرات مرتقبة في السياسة السعودية إزاء الملفات الإقليمية الساخنة، خصوصاً في اليمن والعراق وسوريا وإيران والبحرين؟
على خلاف المقاربات المتّصلة بالصراع على السلطة داخل العائلة المالكة، فإن التباين حول الملفات الخارجية يكاد يكون نادراً إن لم يكن معدوماً. فالاتفاق على الملفات الخارجية الإقليمية والدولية منعقد بين الاجنحة كافة، وإن التباينات تبدو شكلية في الغالب.

في الملف اليمني، على سبيل المثال، يتوحّد الموقف السعودي ضد أي تغيير داخلي يقود الى وصول الحوثيين والحراك الجنوبي والقوى الشعبية المستقلة الى السلطة وإحداث تغيير في شكل التحالفات التقليدية المرتبطة ويحرم الرياض نفوذها الواسع والقديم في السلطة الحاكمة في صنعاء.
في العراق، يبقى الحال كما هو باستثناء الخطر المتمثل في «داعش» وما يفرضه من تحدٍّ أمني على الداخل السعودي، وبناءً عليه سيبقى التعاون بين البلدين مقتصراً على الأخطار المحدقة بالسعودية، وتبقى للأخيرة خلافات أخرى عميقة مع بغداد، لأسباب طائفية وسياسية وجيوسياسية.هناك سياسات ثابتة تتبناها السعودية حيال القضايا الخارجية في الملف السوري، ليس هناك من تغييرات محتملة إلا بما تطوّر ميدانياً وفرض نفسه في السياسة، وقد بدأ التغيّر في الموقف السعودي منذ إعفاء رئيس الاستخبارات العامة السابق بندر بن سلطان من منصبه، حيث باتت الرياض لاعباً ثانوياً في الأزمة السورية بعد تبدّد فرص إسقاط النظام.
وفي الملف الإيراني لا جديد فيه سعودياً، وهناك مؤشرات تفيد بتراجع فرص التقارب الإيراني السعودي، فقد كان الملف في عهدة جناح الملك عبد الله منذ نحو عشرين عاماً، وإن غياب الأخير يعزز فرص التباعد مع طهران ما لم يحدث تطور دراماتيكي أو يوجد خطر مشترك يستوجب تقارب البلدين.
في البحرين كذلك، فإن الموقف السعودي الذي عبّر عنه الأمير نايف، وزير الداخلية الأسبق، في لقائه نظيره الإيراني حيدر مصلحي في ديسمبر 2011 بأن الحل في البحرين هو عودة المتظاهرين إلى بيوتهم سيبقى هو الموقف السعودي السائد. وعليه، لا تغيير جوهرياً في الموقف من الثورة الشعبية في البحرين.
أيضاً، السياسة السعودية النفطية ستكون ثابتة لن تتغير، وإن الارتفاع الطارئ في أسعار النفط بسبب موت الملك عبد الله لن يطول وستعود الأسعار للهبوط مجدداً، ما لم يحدث تطوّر أمني دراماتيكي يبعث القلق في الأسواق العالمية؛ فالسعودية تخوض حرباً ضد إيران بسلاح النفط وتشارك الولايات المتحدة في الحرب على روسيا. وستستمر حتى النهاية أو سقوط مفعول السلاح.
في كل الأحوال، الملفات الخارجية، التي ستبقى في أيدي سعود الفيصل، لا تحمل بشارة من أي نوع مع رحيل الملك، فهناك سياسات ثابتة تتبناها السعودية حيال قضايا الخارج، وإن الكلام عن صقور وحمائم يبقى مجرد رؤية خارجية لا نصيب لها في صناعة القرار السعودي.

فؤاد إبراهيم

-------

أبو متعب «مَلِكُ الإنسانية»... اضحكْ
من أسخف ما ابتدعه أفراد حاشية الملك السعودي الراحل عبدالله، اختراعهم احتفالية سنوية لم يعهدها الناس في البلد من قبل، سمّوها «ذكرى تجديد البيعة لخادم الحرمين الشريفين». لكنّ يوم هذا العيد الجديد جعل يتمطط حتى صار يستغرق أياماً وليالي. وأمّا أشكاله فتطورت، وأخذت تتخلله مهرجانات دينية وإعلامية وغنائية وشعرية... وكلها طبعاً تسبِّحُ بحمد أبي متعب، وتمجّد حكمته، وتتبارى في تعداد مناقبه ومواهبه. ثمّ إنّ النفاق في السعودية لم يلبث حتى شق له أنفاقاً جديدة وسككاً ومتحلقات، فصار الناس يرون عجباً! وكلما اقترب موسم الاحتفالية السنوية، ينبري رجال مأجورون ليطلقوا حملات في مواقع التواصل الاجتماعي تحث الرعيّة على تجديد البيعة والولاء لراعيها، وتدعوهم إلى كتابة تعليقاتٍ أو تغريداتٍ أو منشوراتٍ تمدحه وتؤيده وتزكّيه. (أطلق الناس على أولئك المأجورين، وأغلبهم من صغار المخبرين في الأجهزة السعودية، لقباً ساخراً هازئاً، فسمّوهم «البيض»).

منذ عامين حاول «البيض» إطلاق حملتهم السنوية لإحياء الذكرى السابعة لتولّي عبدالله المُلك. فساقوا هذا الهاشتاغ: (#أبو_متعب_نجدد_لك_الولاء). لكنّ المغرّدين السعوديين تلقفوا تلك الفرصة لكي يسخروا من العاهل شبه الأمّي، وليسيطروا على الحملة الدعائية الملكية، بتعليقات لاذعة، مثل:
-أبو متعب نجدد لك الولاء؛ بشرط: تتعلم القراءة والكتابة، ولا تعد إلى تسمية (تويتر) بـ(تتر).
-لو أبو متعب استثمر السبع سنوات ذي، وكمّل دراسته، مش كان خلـَّص المرحلة الابتدائية ع الأقل؟!
-(أبو متعب نجدد لك الولاء؟) بس مين «ولاء»؟!.. بنتك؟
-من عيوننا نجدد لك الولاء.. هات 100 ريال، طال عمرك، رسوم التجديد.
-لا والله.. ما أجدد لك الولاء إلاّ إذا أعطيتني سطل نفط.
-طيب، ليه ما نجدد له البراء؟
-السؤال: (هل نجدد لك الولاء؟) ـ ممكن الاتصال بصديق؟
- استشرت ابنتي. وقالت: إذا فيه إجازة، جدّد يا بابا.
- يقولون اللي ما يجدد راح يموت ميتة جاهلية! لكن اللي يجدد ترى يعيش بجاهلية، ويموت في جاهلية!
-اللهم إني أستغفرك عدد الريالات التي سرقها آل سعود!
-لتجديد البيعه يلزم التالي: النفث كل صباح ثلاث مرات على الخوارج والروافض والمرجفين، ثمّ رقص العرضة النجدية لمن استطاع.
-السبع العجاف من حكمك لا يبدو أنه سيتبعها سبع سمان، إلا إذا رحلتم وإخوانكم وعشيرتكم...
-بتحطو نفسكو في مواقف بايخة!!!

أيّوب ونوح

من العجيب أن قد نبتت لعبدالله من بعد موته كل تلك الخصال التي تصدح بها اليومَ وسائلُ الإعلام السعودية. فلم يكن أحدٌ يَعرفُ للرجل مزايا أو مناقب أو براعات أيام كان شاباً ولا أيام أصبح كهلاً، أو حينما عُيّن وليَّ عهد، أو حين أشرف على الدولة بعد إصابة الملك فهد بجلطة دماغية في كانون الثاني 1996، أقعدته جسدياً وقضت عليه عقلياً.. بل إنّ عبدالله ظلّ دوماً محل استهزاء إخوانه، لا سيّما «عصابة السديريين» منهم، لأجل ما دأب على إظهاره من خنوع وخضوع وبلادة. وأمّا بعدما تولى عبدالله الحكم إثر موت فهد في الأول من آب 2005، فإنه لم يخالف في بادئ عهده عادته في التقوقع والحذر المفرط، حتى تحقق له جليّاً من بعد وفاة وليّي عهده النافذين سلطان ونايف، أنّ أنجم منافسيه قد أفلت. فإذاك خلع عنه التردد والتمهل، وشرع يسارع في مسعاه لتوريث مقاليد المُلك لابنه متعب من بعده.مسؤول أميركي مستهزئاً: خيولك وصقورك ليس لديهم محامون إذا انكشف الأمر

ولقد بقي عبد الله منتظراً مجيء فرصته تلك في الحكم زهاء أربعين عاماً. وإنه خلال كل تلك المدة الطويلة، ظلّ متوكلاً على أمنيات تتذرّع بالصبر، منذ أن ولّاه أخوه سعود في سنة 1963 رئاسة الحرس الوطني. لكنّ زمن فهد الحاكم بأمره استطال عشرين عاماً.. ثمّ إنّ زمن فهد العليل الذي لا يموت استمرّ عشر سنين أخرى؛ حتى لقد بدا أنّ ذلك العصر لا تلوح له تباشير نهاية! وطال الاصطبار على عبدالله كثيراً حتى كادت تنطفئ فيه جذوة الأماني. في تلك الأيام انتشرت نكتة بين السعوديين تزعم أن الأمير عبدالله ملّ انتظار موت الملك فهد الذي لا يموت. ووصل الحنق بولي العهد السعودي حدّ أن عاف اسمه أيضاً، ففكّر في تبديله. ولقد هداه رأيه إلى أن يختار لنفسه اسم أيوب، علّ نبيّ الصبر يعينه على مزيد من التحمّل والجَلد. ولكنّ عبدالله وهو يلج إلى الإدارة المسؤولة عن تغيير الأسماء، فوجئ بالملك فهد على كرسيه المدولب يخرج من أحد المكاتب. فسأله عبدالله مستغرباً عن سبب مجيئه إلى هنا. ولقد ضحك فهد، وأجاب أخاه: «والله، طال عمرك، أنا جئت لأغيّر اسمي إلى نوح».
كان فهد هو لعنة عبدالله! فبإضافة إلى أنّ الملك الراحل دأب على تهميش دور وليّ عهده في الحياة السياسية السعودية تماماً، فإنه لم يتوان أيضاً عن تدبير كل ما يلزم لـ«تطفيشه»، أو لجعله يستقيل طوعاً من منصبه. وكان فهد يحبّ أن يورث العرشَ لأحد أبنائه، لا لأحد إخوته. وودّ لو أنّ ابنه الأصغر المدلل عبدالعزيز هو من يرثه. وإنّ فهداً سعى حقاً في أن يجعل منصب ولاية العهد خاضعاً لمشيئته، وليس مفروضاً عليه بحكم التراتب والتسلسل العمري لأبناء أبيه. وحينما قرّر الملك الراحل في 3 كانون الثاني 1992 أن يجعل لمملكته دستوراً سمّاه النظام الأساسي للحكم، فإنه دسّ في المادة الخامسة من الباب الثاني (البند ج) هذه العبارة: «المَلك هو من يختار ولي العهد ويعفيه، بأمر ملكي». ولقد رضي «السديريون» بهذه المادة، حينما أعلم فهد شقيقه الأمير سلطان بأنه إنما يبتغي بما صنعه إزاحة نائبه الأول عبدالله عن الطريق إلى العرش، لإفساح ولاية العهد له هو، باعتباره النائب الثاني.
والحقيقة أنّ فهد كان يكيد لغاية أخرى؛ ذلك أنه أخذ يسعى لمعرفة رأي الحلفاء في واشنطن في ما يشتهيه من تبديل لتوارث المُلك في السعودية عمودياً بين الأبناء، بعد أن استمر أفقياً بين الإخوة. ولكنّ الأميركيين رغبوا عن تزيين الفكرة لفهد، فانكفأ مؤقتاً عن مساعيه إلى أن تحين له فرصة أخرى أفضل. ثمّ إنّ خبر المَلك فهد ما لبث حتى فاح في واشنطن، وبلغ إلى أذن بندر بن سلطان سفير المملكة هناك. وسريعاً ما نبّه الولد أباه إلى مكائد عمّه. وكذلك انتهى فهد عن مساعيه، واستقرّت الحال على ما كانت عليه دون مغامرات تبديل، فبقي عبدالله في مركزه. وكان ذلك حظاً لم يَسْعَ الرجل فيه، ردّ عنه كيداً لم يكن بمستطاعه أن يتوَقى منه!
على أنّ الملك فهد ما لبث حتى تناوبت عليه سلسلة من الجلطات. وكان طبيعياً أن تتناوب عليه الأمراض؛ فهو كان حياته كلها، يأكل ويشرب بأكثر مما يجب لمعدةٍ، ويدخن بأكثر مما ينبغي لرئتين وقلب. وإنّ أطباءه طالما نصحوه بأن يقلل من هذه الأمور، فلم يأبه ولم يبال.. حتى جاءته الجلطاتُ، في آخر عمره، تترى! ولكنّ الملك فهد استطاع في بادئ الأمر أن يفلت بأعجوبة من عوارض تبعاتها وارتداداتها الأولية، حتى لقد سُمِّيَ الرجل في بداية التسعينيات من القرن الماضي، «قاهرَ الجلطات». ومن النكت التي كان يتناقلها السعوديون عن فهد، أنّه كان مرّة على مأدبة غداء فدخل في نوبة صمت مفاجئة، ثمّ شحب لونه، وانفرجت حدقتا عينيه أكثر من العادة. لكنّ المَلك ما لبث أن انفرجت أساريره أخيراً، وابتسم. فسأله الحاضرون: إن كان الصمتُ لفكرة عرضت له؟.. فردّ عليهم فهد قائلاً: «لا والله، جلطة وعدّت.. الحمد لله!».

أبو متعب في البئر

لم تنبت لعبدالله كل المناقب التي تصدح بها اليومَ وسائلُ الإعلام السعودية، ومعها المأجورون في «تويتر» (البيض) إلاّ بعد أن صار الرجل مَلكاً. فلم يكن أحدٌ يحمل عبدالله على محمل الجدّ، أو يعرفُ له مزايا ومناقب أيامَ كان شاباً. بل إنّ البعض مازال يتذكر قصة سجن هذا الذي صار يُعرف الآن بـ«خادم الحرمين الشريفين»، في بئر لا ماء فيه، في قلعة المصمك في الرياض، في حزيران وتموز سنة 1947.
وأصل تلك الحكاية أنّ ناصر بن عبد العزيز، وكان يومها الابن الخامس للملك، نصّبه أبوه عام 1937 أميراً على منطقة الرياض، فصارت له، وهو الذي لم يتجاوز حينها السابعة عشرة من عمره، سلطة الإشراف على جميع شؤون الإدارة في العاصمة السعودية، بما في ذلك عمل الشرطة والمحاكم. وشيئاً فشيئاً بدأ ناصر يخالط عالماً من الناس لم يكن مقدَّراً له في السابق أن يخالطهم. ويبدو أنّ الشاب المراهق أنس أنساً بالغاً بالديبلوماسيين الغربيين، وأحب كثيرا حفلاتهم، وما تستضيفه من نساء أوروبيات وأميركيات جميلات، وما يصاحب كل هذه الأجواء الحافلة من تحرّر في الرقص واللباس والشراب. وشيئاً فشيئاً أيضاً أغرم الأمير الشاب بالويسكي. ولكنّ هذا الشراب كان ممنوعاً استهلاكه أو توريده في المملكة إلاّ بإذن خاص لمصلحة السفارات الغربية، أو لقاعدة الظهران الأميركية (1). وجاء للأمير ناصر من يوسوس له بأن بالإمكان صناعة الويسكي محلياً، ومن ثمّ المتاجرة به، وجني أرباح مالية طيبة من الراغبين في الشرب. وتخمّرت في رأس ناصر الفكرة. ثمّ بعد شهور تحوّل قبو في بيت أمير الرياض إلى معمل صغير سريّ لتقطير العنب. وبعدئذ صار للأمير/تاجر الخمر، زبائنه. ولم يكن بعض الزبائن سوى إخوانه، ومنهم عبدالله. وبرغم أنّ نوع الخمر الذي يصنعه ناصر كان رديئاً، فقد توسعت أشغاله السرية في المدينة، حتى أصبح الرجلُ المزوّد الأكبر للخمور في الرياض. وطبعاً فإنّ الأمير كان يتستر على سرّه لكي لا يصل إلى آذان أبيه، أو إلى أسماع إخوته الكبار. وكان يشغّل عنده أعواناً يقومون بالأعمال، وهو يحميهم بسلطانه، ويذبّ عنهم. وكان عبدالله من الذين استعان بهم ناصر في أعماله.
وحدث في شهر أيار 1947 أن احتاجت حفلة ماجنة أقامها ناصر في قصره إلى كميات من الخمر. وكان من بين الضيوف رجال من آل رشيد (أخوال عبدالله). ودارت الخمر على المحتفلين، وشرب الجميع حتى الثمالة. لكنّ الأمر لم يمرّ هذه المرّة على خير، فلقد ظهرت أعراض التسمم على الحاضرين، ولفظ سبعة ــ معظمهم من النساء ــ أنفاسهم. والواقع أنّ جهاز التقطير في قبو ناصر كان معطباً. فصار الخمر الرديء المقطر الذي يصنعه غير نقي بالمرّة. لا، بل إنه أصبح ساماً!.. وشاع خبر الفضيحة الفاجعة في الرياض، ولم يكن بالإمكان التكتّم عليها. ووصل الأمر إلى أسماع الملك عبدالعزيز. وزاد الطين بلّة أنّ أحد أمراء آل رشيد كان من بين الضحايا. وكان هذا الأمير قد عاش تحت كنف عبدالعزيز في الرياض منذ سقوط حائل مطلع العشرينيات. وافترض أهله أن موته لم يكن قضاءً وقدراً، وأنّ السمّ دُسّ له عمداً. وفرّ اثنان من أبناء عمّ القتيل من الرياض إلى بغداد مستجيرين بالهاشميين. وطبعاً لم يفوّت حكام العراق زمن ذاك الفرصة لينالوا من أعدائهم اللدودين. وظلت صحفهم شهوراً تكتب وتنشر عن عربدة آل سعود.
وحين علم عبد العزيز بكل هذا الذي جرى من ورائه، أجرى تحقيقاً، وأدين ناصر بالجرم المشهود، وألقي القبض عليه، وأودع السجن، وجرّد من منصبه في 28 أيار 1947. ولكنّ عبد العزيز لم يكتف بذلك، فجمع أبناءه ليشاهدوه وهو ينهال ضرباً مبرحاً على أخيهم بعصاه الغليظة. ثمّ إنّ التحقيق في قضية ناصر سرعان ما توصل إلى دور أخيه عبدالله في المداومة على المعاقرة، والمساعدة على المتاجرة. وهكذا ألقي القبض أيضاً على الشاب عبدالله الذي لم يتجاوز آنذاك من عمره ثلاثة وعشرين عاماً. وكُلّف عبيدُ أبيه بجلده أمام إخوته. ثمّ رُمِي به في بئر مهجورة، في قلعة المصمك. وبقي عبدالله سجين تلك البئر شهرين كاملين، ذات صيف مقيت في الرياض.

أبو متعب في القصر

ومرّت الأيام... ومكّن الله لأبي متعب في الأرض. وآتاه حُكماً، ولم يؤته علماً. وصار سجينُ البئر «عزيزاً». وتروي لنا وثائق «ويكيليكس» مشاهد للملك عبدالله من بعد أن استوى على عرش السعودية. ومن أطرف ما روت «ويكيليكس» هذه القصة التي أوردتها جريدة «دايلي تلغراف» البريطانية في عددها بتاريخ 29 تشرين الثاني 2010، والتي كانت حدثت في 15 آذار 2009. يومها التقى «ملك الإنسانية» بالمدير الحالي لوكالة المخابرات المركزية الأميركية جون برينان، وكان حينذاك يشغل منصب مستشار البيت الأبيض لشؤون مكافحة الإرهاب. ودار الحديث بين الملك وضيفه عن معضلة إدارة الرئيس باراك أوباما مع المعتقلين في «غوانتنامو». فالرئيس وعد في حملته الانتخابية بإغلاق معسكر الاعتقال السيّئ الصيت، ولكنه لا يستطيع أن يضع معتقلي غوانتنامو في سجون الولايات المتحدة لأن بعضهم لن تنطبق عليه شروط المحاكمات، وبعضهم الآخر قد يُبَرّأ، وتضطر أميركا إلى إطلاق سراحهم، مع علمها بأنهم ما زالوا مصدر خطر على أمنها.
وهنا ابتسم أبو متعب، ومال برأسه قليلاً إلى المبعوث الأميركي، ثمّ قال له: «تريد أعطيك حل لمشكلتك؟». قال برينان متعجباً: «طبعاً، أنا أصغي إليك». زادت الابتسامة في التمطط على ثغر أبي متعب، وقد وثق أكثر من حاله، ثمّ قال للأميركي: «حنّا في البادية، نحط حلقة في رجل الصقر، ونعمل ذات الشيء مع الحصان. فهذي الحلقة تكون أمارة على اللي يملك الصقر. فأنتم لازم تعملوا مثلنا». سأل المسؤولُ الأميركي ملكَ السعودية: «كيف يعني؟». فشرح الملك لجون برينان الـ«بطيء الفهم» ما يقصده قائلاً: «يعني، انتم تجيبوا هذول المساجين، وتتقبوا لهم رجليهم، وتحطوا لكل واحد منهم، في نقب رجله، شريحة الكترونية صغيرة. ووقتها ما فيهم يروحوا على أي محل إلاّ وتعلمكم الشريحة اللي في رجليهم بمكانهم».
كتم جون برينان ابتسامة ساخرة، ثمّ قال لأبي متعب: «طال عمرك، الخيول والصقور تبعك ما عندهم محامين يدافعون عنهم إذا انكشف الأمر. هذول الصقور ما راح يفكروا يرفعوا قضايا ضد الحكومة الأميركية في المحاكم، بتهمة زرع شريحة إلكترونية في أجسامهم».

(1) ألغى الملك عبد العزيز، في بداية عام 1952، جميع امتيازات استيراد الخمر إلى السعودية، والتي كانت ممنوحة في ذلك الوقت للأجانب، وحرّم دخول المشروبات الكحولية كلية إلى المملكة. وكان سبب قراره هذا واقعة أخرى حدثت يوم 16 تشرين الثاني 1951، واقترفها ابنه مشاري بن عبد العزيز، البالغ آنذاك من العمر 19 عاماً، والذي قام بقتل القائم بأعمال القنصلية البريطانية في المملكة السعودية سيريل أوسمان. وتفاصيل الجريمة أنّ أوسمان كان يقيم، على عادة القناصل، حفلاتٍ في مناسبات مختلفة، في بيته في جدة. وكان أوسمان ديبلوماسياً عتيقاً في السعودية، وقد أنشأ أثناء إقامته التي امتدت أكثر من عشرين عاماً في البلد صداقات عديدة مع الأمراء والأعيان والتجار. وكان أوسمان يدعوهم إلى حفلات في بيته، حيث كان يقدم لهم الويسكي الذي كان يُسمح باستيراده في تلك الأيام لغير المسلمين فقط. وكان الأمير مشاري بن عبد العزيز من المدعوين التقليديين في حفلات القنصلية البريطانية. لكنه في حفلة ليلة 16 تشرين الثاني 1951 بالغ في الشرب، وبدأ بمراودة بعض السيدات علناً، وبطريقة مقرفة، مما استوجب تدخلاً حازماً من القنصل أوسمان الذي طرده من بيته. وحزّ الأمر في نفس ابن عبدالعزيز، فكيف يجرؤ أحد على أن يطرده؟ ووقع شجار بين الرجلين. ثمّ إنّ مشاري غادر الحفلة، ولكنه سرعان ما عاد ومعه مسدس، وراح يمطر بيت أوسمان بوابل من الرصاص. ووقف القنصل أمام زوجته دوروثي ليحميها، فأصابته رصاصة أردته قتيلاً. ودفن سيريل أوسمان في اليوم التالي في المقبرة المخصصة لغير المسلمين في جدة. وغادرت دوروثي أوسمان المملكة بعد أن قبلت صفقة تعويض من الحكومة السعودية. وألقي بمشاري في السجن بعد أن أنقذته (كما الأمير ناصر من قبله) مكانته الملكية من عقوبة الإعدام.

جعفر البكلي

--------------
«عته» القيادة السعودية يثير قلقاً أميركياً
تسري العادة غرباً كما في الدول العربية، بإطلاق العنان للتحليلات عقب وفاة أي ملك من ملوك السعودية، بناءً على استخلاص «العبر» (إن وجدت) من عهده واستشراف خصائص العهد المقبل استناداً إلى ما توافر من خصال الخلَف. بالنسبة إلى الأميركيين، وخصوصاً المراقبين المهتمين بالشأن السعودي، فإن مستقبل العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة، ليس أحجية، بل إن من المسلّمات أنه لن يتغيّر كثيراً. لكن الواقع الشرق أوسطي المتوتّر بالتوازي مع الوضع النفطي المستجد، يدفع إلى طرح تساؤلات كثيرة عن السلطة السعودية المقبلة وتأثيرها على السياسة الإقليمية ارتباطاً بالدور الأميركي أو خارجه، خصوصاً في ظل ما يرشح عن صحّة الملك الجديد، الذي يرى العديد من المراقبين، أنها لن تساعد في إدارة الملفات الداخلية أو الخارجية، بل قد تفتح على ما هو أخطر من ذلك، وهو تحدٍّ جديد سيواجهه تداول السلطة في المملكة.

قبل أيام، وتحديداً عند دخول الملك عبدالله إلى المستشفى، تساءل الباحث في «معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية»، أنطوني كوردسمان، عن تأثير الخلافة الملكية الجديدة على الأزمات التي يعيشها الشرق الأوسط، في ظل التقارير عن مرض الملك سلمان. ووصل إلى حد القول إنّ من الممكن أن تؤدّي التوتّرات ضمن الأسرة الحاكمة إلى أزمة داخلية أو خلافات، انطلاقاً من مخاوف من مواجهة السعودية أزمة سياسية كبيرة، ستؤدي بالعائلة المالكة إلى تدمير ذاتها.
وفي الفترة نفسها، كتب سيمون هندرسون في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، أن ما يوحي به الزوّار الذين التقوا سلمان قبيل تسلّمه الحكم، هو أنه «مصاب بالعته الذهني»، ذلك أنه «بعد مرور بضع دقائق من الحديث معه، يبدأ بالتكلّم من دون تناسق».
بناءً عليه، «سيكون هناك فراغ في السلطة في الرياض بعد وفاة العاهل السعودي»، أضاف هندرسون حينها: «وهذا الأمر سيؤدي إلى تنامي القلق في العواصم الدولية بسبب أهمية السعودية كأكبر مصدّر للنفط في العالم».
لكن ما يثير القلق أكثر، وفق الباحث المختص بالشأن السعودي، «هو تأثير ذلك على المملكة كمركز للزعامة في الدول العربية والدول ذات الغالبية المسلمة»، خصوصاً في ما يتعلق بالتعامل مع تهديد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام». خلص هندرسون بعد ذلك إلى القول إنه «مع احتمال اتجاه الأمور نحو انتقال فوضوي للسلطة، ستحتاج الولايات المتحدة إلى تأكيد أهمية مجيء قيادة تتمتع بالأهلية وتتسلّم مهمات السلطة على وجه السرعة، وإلى عدم الاعتماد على مجرّد الأمل في أن يتمكن بيت آل سعود من إيجاد الحلّ لذلك بنفسه».
وعاد هندرسون ليؤكد، قبل يومين، ما كان قد كتبه سابقاً. فقال في مقابلة مع صحيفة «ذي واشنطن بوست»، إن «السعودية متجهة إلى أوقات صعبة بوجود ملك يعاني من العته»، وهذا آخر ما يحتاجون إليه في هذه الأوقات. وانطلاقاً من اختيار مقرن كوليّ للعهد من قبل الملك عبدالله قبل وفاته، تبدأ المشكلة. فوفق هندرسون، رغم تمتّع هذا الأخير بعلاقات جيّدة مع أهم حليف للسعودية، أي الولايات المتحدة، إلا أن «ذلك لا ينفي أن اختياره أثار معارضة شرسة من قبل عدد من الأمراء المستبعدين، الذين اشتكوا من أن الملك عبدالله تحدى التقليد الذي يسمح لكل ملك باختيار خليفته»، ما يعني بالتالي أن انتقال السلطة مفتوح على المجهول في هذا البلد.
إضافة إلى ما تقدّم، فإن ما يتسرب، حتى الآن، في الإعلام الأميركي هو القلق على مستوى رسمي من حقيقة أن موت الملك عبدالله «أتى في فترة من الريبة المستجدة في العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية».
لذا، هل يمكن الملك السعودي الجديد أن يدير الشرق الأوسط المضطرب، بالتعاون مع أميركا، خصوصاً في ظل العلاقة المتوتّرة بين البلدين؟
جيرالد سيب وجاي سولمون أجابا عن هذا التساؤل في صحيفة «وول ستريت جورنال»، حيث اعتبرا أنه «على المدى القصير، فإن وفاة الملك قد تخفّف التوتر في العلاقة»، خصوصاً أن السعودية، التي تدخل في فترة انتقالية، «قد تشعر بأنها أكثر عرضة للتهديدات الخارجية، وبالتالي ستحرص على الظهور أمام العالم أنها لا تزال تملك التأييد القوي من قبل الولايات المتحدة».
وعلى المدى الطويل، يضيف الكاتبان، «سيؤدي الانتقال إلى تساؤلات عن ماهية الرؤية التي ستحملها القيادة السعودية الجديدة لعلاقتها مع المنطقة والعالم». وهي على الأرجح ستكون «قيادة جماعية»، وفق ما يراها الدبلوماسي الأميركي المختص بشؤون الشرق الأوسط، دنيس روس، الذي ينقل عنه سيب وسولمون قوله إن القيادة السعودية «قد تصبح أكثر حذراً في اتخاذ القرارات».
وبناءً عليه، أشار الكاتبان إلى أن هذا الواقع قد «يقلّل من قدرة السعوديين على التحرك بنحو حاسم في ما يتعلق بالقضايا الصعبة والمثيرة للجدل، إن كان تجاه إيران أو العراق أو الدولة الإسلامية (داعش)، وكذلك بالنسبة إلى السياسات النفطية»، التي كانت الولايات المتحدة والسعودية قد حاولتا التعامل معها سوياً.
أضف إلى ذلك أن واقع أن الملك الجديد، سلمان بن عبد العزيز، لا يعتبر زعيماً قوياً ولا يتمتّع بالصحة الجيدة، «يثير القلق بين مسؤولين أميركيين إضافة إلى تساؤلات يطرحونها بشأن السرعة التي سيتمكن من خلالها من توطيد سلطته»، وبالتالي سيسعون إلى «العمل بسرعة مع الحكام الجدد في المملكة العربية السعودية، لمعالجة الأزمات التي لا تعد ولا تحصى في المنطقة».

نادين شلق

-------------
إسرائيل «حزينة»: رحل القائد النموذجي الحكيم
حالما أُعلنت وفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز، رسميا، فجر يوم أمس، انهالت برقيات التعزية من عواصم العالم قاطبةً، مسبغةً المديح على الراحل، وفيما أوفدت معظم الدول ممثلين على مستوى عالٍ للمشاركة في مراسم التشييع في الرياض يوم أمس، كانت أكثر المواقف لفتاً للنظر، الموقف الاسرائيلي الذي أشاد بالراحل واصفاً إياه بـ «القائد النموذجي والملك الحكيم». وركز الموقف الاسرائيلي كما الموقف الأميركي والروسي، على دور الملك عبدالله في «المبادرة العربية للسلام» التي أطلقها من بيروت عام 2002.

وفي ما يكاد يقترب من قصائد المتنبي في مديح سيف الدولة، أشاد الرئيس الاسرائيلي رؤوفين ريفلين، يوم أمس، بحكمة الملك السعودي المتوفى، عبد الله بن عبد العزيز، مشيراً إلى أنه «قائد نموذجي بحكمه المتين والحكيم والمسؤول». وعبّر ريفلين في بيان عن «حزنه» لوفاة الملك عبد الله. وقال إن «خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله تحرك بحكم الاعتدال واحترام ما للقدس من حساسية وقدسية وسعى إلى تشجيع رؤية ازدهار في المنطقة». وأضاف أن «سياساته الحكيمة مثلت مساهمة كبيرة لمنطقتنا ولاستقرار الشرق الاوسط».
فيما أعلن الرئيس الإسرائيلي السابق، شيمون بيريز، أن وفاة الملك تمثل «خسارة كبيرة للسلام في الشرق الاوسط».
وقال بيريز على هامش المنتدى الاقتصادي في دافوس، إن الملك عبد الله «كان قائداً صاحب خبرة وملكاً حكيماً. كان يملك شجاعة إطلاق خطة للسلام في الشرق الأوسط»، في إشارةٍ إلى مبادرة السلام العربية التي أطلقت عام 2002. وأضاف «لست واثقاً بأنه كان يمكن أن نقبل كل البنود لكن كان هناك روح وقوة وحكمة في هذه المبادرة التي أفضت إلى عملية تبقى أساساً متيناً لصنع السلام».عزّت جماعة «الإخوان المسلمين» المدرجة على لائحة الارهاب في الرياض بالملك عبدالله
من جهته، وصف الرئيس الأميركي، باراك أوباما، المتوفى ليل أول من أمس، بـ «الصديق الأمين» و«القائد الصادق» الذي اتخذ قرارات شجاعة في عملية السلام بالشرق الأوسط. وقال أوباما في بيان «كان دائماً قائداً صادقاً يتمتع بالشجاعة في قناعاته»، متحدثاً عن «صداقة حقيقية وودية»، مع الملك عبدالله الذي توفي عن عمر 90 عاماً.
من جهتها، قدمت إيران تعازيها إلى الشعب السعودي، قبل أن توفد وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، إلى الرياض. وقالت وزارة الخارجية الايرانية، في بيان على موقعها الالكتروني، إن ظريف سيحضر مراسم رسمية في الرياض السبت (اليوم)، من دون إضافة أي تفاصيل.
وأوفدت موسكو، يوم أمس، رئيس الحكومة دميتري ميدفيديف لتمثيل روسيا في مراسم التعازي. وكان بوتين قد بعث ببرقية تعزية للملك سلمان بوفاة الملك عبدالله، قال فيها إن وفاة الملك عبدالله خسارة لا تعوض.
أما قطر التي شارك أميرها، تميم بن حمد آل ثاني، في مراسم العزاء، فاكتفت بالتعزية في برقيةٍ أرسلها نائب الأمير، عبدالله بن حمد.
من جهته، رأى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يوم أمس، أن الملك عبدالله، ساهم على نحو قوي في تعزيز التعاون والتضامن في العالم الإسلامي، مذكراً بإسهاماته في تعزيز وتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين خلال حياته. وأضاف أردوغان، الذي قطع زيارته إلى الصومال للمشاركة في التشييع في الرياض، أن «المرحوم كان حريصاً على خدمة شعبه وتنميته ورفاهيته كما بذل جهوداً كبيرة من أجل حل المشاكل ذات الاهتمام المشترك في منطقتنا وعالمنا الإسلامي وعلى رأسها القضية الفلسطينية والأزمة السورية».
وفيما نعى الأزهر الملك عبدالله، أعلن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، يوم أمس، أن السعودية والأمة العربية «فقدتا زعيماً من أبرز أبنائهما، طالما أعطى الكثير لشعبه وأمته». وقال السيسي في بيان، إن «التاريخ سيسجل للفقيد الراحل ما حققه من إنجازات عديدة في الدفاع عن قضايا العروبة والاسلام بشرف وصدق وإخلاص، متحلياً بالحق والعدل والنخوة وشجاعة الكلمة‏».‏
ونعى الأزهر الملك عبدالله، على لسان شيخ الأزهر أحمد الطيب، الذي قال «لا أحد يمكنه أن ينسى مواقف خادم الحرمين الشريفين حيال قضايا الأمتين العربية والإسلامية، التي تصب كلها في إيجاد مجتمع عربى إسلامي متضامن يسوده الحب والتعاون والسماحة».
أما جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، والمدرجة على لوائح الارهاب في السعودية، فقد نعت الملك عبد الله، ووجهت للعائلة الحاكمة في السعودية التعازي عبر موقع «تويتر»، متمنيةً له «الرحمة والمغفرة».
إلى ذلك، أعلن الديوان الملكي الأردني، يوم أمس، الحداد 40 يوماً على الملك، ناعياً «الفقيد الكبير»، وفيما قطع ملك الاردن زيارته إلى دافوس للمشاركة في العزاء، أعرب الديوان الملكي عن «تأثر وحزن الملك عبد الله الثاني والأسرة الأردنية بهذا المصاب الجلل والوقوف الى جانب المملكة السعودية وشعبها الشقيق في هذه الظروف الصعبة».

(الأخبار، أ ف ب، الأناضول)

------------------
الإعلام الأجنبي ينتحب على عبدالله
رحل الملك السعودي أمس عن تسعين عاماً. البلدان العربية لبست كما المملكة الوهابية ثياب الحداد، فيما غرق إعلامها في نقل كلمات المعزّين ومجريات الجنازة، وغيرها من التفاصيل التي ترافق «موت الكبار». كل شيء طبيعي حتى الآن. لكن مهلاً، لنلقِ نظرةً على مجموعة من المؤسسات الإعلامية الأجنبية. كثرة اهتمام الصحف والمواقع والتلفزيونات الغربية بوفاة عبدالله بن عبد العزيز قد تكون متوقّعة، خصوصاً أنّه حليف وفيّ. لكن ترجمة هذا الاهتمام لافتة من دون شك!

احتل الراحل مساحة كبيرة على الصحفات الأولى لمواقع صحف ومحطات عدّة. الـ«نيويورك تايمز» الأميركية مثلاً، خصّصته بمقال بعنوان «الملك عبدالله: قوّة محنكة أعادت تشكيل المملكة وسط الأزمة، ماتت في التسعين»، وحمل توقيع دوغلاس مارتين وبين هوبارد. بعد استعراض موقف الرئيس الأميركي باراك أوباما ونائبه جو بايدن من الحدث، إضافة إلى الإشارة إلى واقع أسعار النفط وموقف السعودية أيّام حكم عبدالله من «الربيع العربي»، وطريقة انتقال السلطة اليوم، أفرد الثنائي مساحة كبيرة من مقالهما الطويل أصلاً لـ«الإنجازات والتغييرات التي حقّقها».
«الإنجازات المهمّة» كثيرة طبعاً وتطال مختلف الأصعدة، من الإنماء إلى السياسة والاقتصاد، مروراً بالتعليم وغيرها.
ولمن يظن أنّ المرأة في السعودية محرومة من حقوقها لمجرّد أنّها محرومة من حقوق بديهية كثيرة منها قيادة السيارة، أنتم مخطئون! الـ«نيويورك تايمز» أكّدت أنّ النساء في عهد الملك الراحل «سُمح لهن بالعمل كعاملات صندوق في السوبرماركت، كما عيّن إحداهن معاونة وزير. في الجامعة، الأبحاث التي صرف عليها 12.5 مليار دولار أميركي، الصبايا كن يدرسن إلى جانب الشباب».
شخصياً، أوضح مقال الـ«نيويورك تايمز» أنّ الملك «تحدّث بصراحة زعيم قبيلة بين البدو الذين أُرسل للعيش بينهم في شبابه. رفض أن يخاطبه أحد بـ«جلالتك»، ومنع عامّة الشعب من تقبيل يده. كذلك صدم سبعة آلاف أمير وأميرة بتخفيض مخصصاتهم، في ما وُصف بالزاهد».
الحنكة، مسألة تبنتها صحيفة الـ«إندبندنت» البريطانية في مقالها الأساسي، إذ عنونت: «الملك عبدالله عاهل السعودية: حاكم محنّك تمتع بشعبية بين رعاياه». صحيح أنّها تغنّت بالكثير من «إنجازات» الراحل مثل بناء جامعة للشابات في الرياض، لكنّها بدت أكثر توازناً من زميلتها الأميركية. هنا، لفتت إلى أنّ هذه الجامعة رسّخت فكرة الفصل بين الجنسين والتي أصبحت «ربما أكبر مشكلة تهدد تطوّر الاقتصاد السعودي». من جهتها، ركّزت الـ«غارديان» في مقالها الرئيسي على أبرز مواقف عبدالله إزاء التطوّرات السياسية، وعلى ما قاله رؤساء الدول عن حدث وفاته، متحدثةً عن أسلوب انتقال السلطة وعن خلفه سلمان بن عبد العزيز ووليّ العهد مقرن.
صفحة «بي. بي. سي.» الأولى على الإنترنت احتلتها صورة كبيرة لـ"خادم الحرمين" السابق مع مقال اتّسم بالخبرية، يضع القارئ في صورة الحالة الصحية للراحل في الفترة الأخيرة، والأجواء في المملكة قبيل التشييع وبعده، إلى جانب ما قد تكون عليه الحال هناك في ظل حكم الملك الجديد.
المشهد نفسه تكرّر على الصفحة الأولى لموقع «سي. أن. أن.» الذي نشر ستة مقالات تتعلّق بموت الملك عبدالله. مقالات تنوّعت بين السيرة، و«الإنجازات والإصلاحات»، والتحديات أمام الخلف، فضلاً عن مدوّنة صور.
صحيفة الـ«هافنغتون بوست» الأميركية التي لم يغب الفقيد عن صفحتها الأولى أيضاً، صبّت اهتمامها على أنّ ما حصل «خسارة لحليف كبير للولايات المتحدة الذي سعى إلى تحديث الدولة الغنية بالنفط»، من دون أن تغفل طبعاً عن إطلاع جمهورها على صفات الملك سلمان.
الحضور القوي لصورة الملك على الواجهة، انسحب كذلك على الـ«تايم» التي غصّت بالمقالات التي تتمحور حول موت «الحليف المهم للأميركيين»، إضافة إلى أسعار النفط، وعلاقة الراحل بباراك أوباما، ونبذة عن العاهل الجديد، وغيرها من المواضيع المفصلة.
لكن يبقى ما فعلته الـ«فورين بوليسي» فريداً من نوعه. الصحيفة الأميركية لم تكتف بترؤس موت الملك السعودي قائمة الأخبار على الصحفة الأولى لموقعها الإلكتروني، بل وضعت خانة خاصة به في الأعلى إلى جانب أحداث مهمة تشغل العالم: منتدى دافوس الاقتصادي العالمي 2015، والتطوّرات في اليمن، وأزمة أوكرانيا، و«الدولة الإسلامية». أما العنوان العريض فهو: الملك عبدالله يموت، زعزعة السعودية في وقت خطر.
إذاً، بكت وسائل الإعلام، وخصوصاً الأميركية، عبدالله بن عبد العزيز، ساردةً «إنجازات» تصلح لمئات سنوات مضت، متناسيةً أزمات كبيرة كانت للسعودية في عهده اليد الطولى فيها. فجأة لم يعد واقع الحريات وحقوق الإنسان والقتل مهمّاً، وغدا الراحل «خسارة عالمية».

نادين كنعان
------------
الحزن على عبد الله يوحّد «حماس» و«فتح»
مرة أخرى تجمع المملكة السعودية بين حركتي «حماس» و«فتح»، ولكنها الآن توحدهما في نعي ملكها المتوفى، عبد الله بن عبد العزيز، الذي كان قد جمع الفريقين عام 2007 في ما عرف باتفاق مكة، حينما أقسم قادة الحركتين «الأيمان المغلظة» عند أسوار الكعبة على حرمة الاقتتال الداخلي، ثم ما لبثتا أن خاضتا مواجهة عسكرية في منتصف العام نفسه.
ونعت حركة «حماس»، يوم أمس، الملك السعودي، إذ قال عضو المكتب السياسي للحركة، خليل الحية، إنّ «الأمة فجعت برحيل خادم الحرمين الشريفين رحمة الله عليه وطيب الله ثراه»، مشيداً بمواقف «الملك الراحل في مساندة الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية». ودعا الحية، الذي كان يخطب الجمعة في أحد مساجد حي الشجاعية: «خادم الحرمين الجديد (سلمان بن عبد العزيز)» إلى الاستمرار في نصرة القضية الفلسطينية والمساعدة في رفع الحصار الإسرائيلي وإعادة إعمار غزة.

كذلك وجه نائبا رئيس المكتب السياسي، إسماعيل هنية، وموسى أبو مرزوق «خالص العزاء في وفاة المغفور بإذن ربه»، وتمنى أبو مرزوق أن «يعين الله جلالة الملك وولي عهده وولي ولي عهده على حمل الأمانة، وأن يجعل تحرير فلسطين والمسجد الأقصى على أيديكم».
موقف مشابه أعرب عنه رئيس السلطة، محمود عباس، الذي أعلن الحداد لمدة ثلاثة أيام. وقال عباس، خلال زيارته تونس أمس: «نعلن حزننا وأسفنا لفقداننا لفارس عربي عظيم، رجل من رجالات الأمة العربية الذي سمي فارسا وهو بحق فارس للأمة». وأضاف: «سنتوجه لتقديم التعازي للمملكة السعودية، كما تبادلت التعازي مع أخي الرئيس الباجي قائد السبسي في مستهل محادثاتنا».
ولم يفت القيادي المفصول من حركة «فتح»، محمد دحلان، المشاركة في النعي، إذ قال إن «رحيل الملك عبد الله خسارة فادحة، فقد كان فارساً عملاقاً ورجل مواجهة المحن في كل رقعة من العالم». وأضاف دحلان عبر «الفايسبوك»: «كان (عبد الله) الظهير الآمن لكفاحنا الوطني، ليس بالدعم السياسي والمالي الهائل فقط، بل في حرصه الشديد على تقوية اللحمة الوطنية، وطرح رؤيته لحل القضية الفلسطينية في إطار مبادرة سلام مميزة باتت اليوم خياراً عربياً ودولياً فريداً»، خالصاً إلى أن «سلاسة انتقال الراية إلى الملك سلمان بن عبد العزيز ومبايعة الأمير مقرن ولياً للعهد (...) كلها دلائل على قوة واستقرار الدولة ومؤسساتها».

-----------------
محمد بن نايف... الحفيد الملك
لم يطل الأمر كثيراً، حتى أعلن الملك السعودي الجديد، سلمان اسم وليّ وليّ العهد: محمد بن نايف ليكون بذلك أول أحفاد الملك المؤسس عبد العزيز من يتبوأ المنصب، وبالتالي حمل راية «آل سعود» في حكم السعودية مستقبلاً.
وقال الأمر الملكي بتعيين الأمير محمد بن نايف الذي بقي في منصبه وزيراً للداخلية، الذي بثته وكالة الأنباء السعودية «واس» إنه «بعد الاطلاع على ما عرض على أعضاء هيئة البيعة حيال اختيار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود ولياً لولي العهد، وتأييد ذلك بالأغلبية، وبناءً على ما تقتضيه المصلحة العامة، فقد اخترنا صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود ولياً لولي العهد وأمرنا بتعيين سموه نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للداخلية».
منصب وليّ وليّ العهد استحدثه الملك عبد الله في 27 آذار من العام الماضي، وعيّن أخاه غير الشقيق الأمير مقرن في هذا المنصب، على أن «يبايع ولياً للعهد في حال خلوّ ولاية العهد، ويبايع ملكاً للبلاد في حال خلوّ منصبي الملك ووليّ العهد في وقت واحد».

تعيين مقرن ألغى العمل وفق الآليات المعينة التي حددها نظام هيئة البيعة لتعيين وليّ العهد. وتنص المادة السابعة من نظام هيئة البيعة على أنه «يختار الملك بعد مبايعته، وبعد التشاور مع أعضاء الهيئة، واحداً، أو اثنين، أو ثلاثة، ممن يراه لولاية العهد ويعرض هذا الاختيار على الهيئة، وعليها بذل الجهد للوصول إلى ترشيح واحد من هؤلاء بالتوافق لتجري تسميته ولياً للعهد. وفي حالة عدم ترشيح الهيئة لأيٍّ من هؤلاء فعليها ترشيح من تراه ولياً للعهد».
الملك الجديد أبقى على خطوة أخيه عبد الله الذي كان قد ترك للملك القادم الحق في الإبقاء على الأمر الملكي القاضي بتعيين وليّ وليّ العهد من عدمه. ونص الأمر الملكي حينها على أنّ «للملك ـ مستقبلاً ـ في حال رغبته اختيار وليّ لوليّ العهد أن يعرض من يرشحه لذلك على أعضاء هيئة البيعة، ويصدر أمر ملكي باختياره بعد موافقة أغلبية أعضاء هيئة البيعة».
وبتعيين محمد بن نايف، تكون الأسرة المالكة قد حسمت عملياً مسألة الانتقال إلى الجيل الثاني.
ولد محمد بن نايف بن عبد العزيز في 30 آب 1959، وهو أحد أبناء وليّ العهد الراحل، الأمير نايف بن عبد العزيز من زوجته الأميرة الجوهرة بنت عبد العزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود.
تقول السيرة الذاتية المنشورة عنه إنه خريج علوم سياسية من الولايات المتحدة في عام 1981 عمل في القطاع الخاص إلى أن عين مساعداً لوزير الداخلية للشؤون الأمنية بالمرتبة الممتازة بأمر ملكي في عام 1999، ثم عيّن بعدها بعام مساعداً لوزير الداخلية للشؤون الأمنية بمرتبة وزير بأمر ملكي، وفي ذات الوقت ضمّه وليّ العهد حينها عبد الله بن عبد العزيز إلى عضوية المجلس الأعلى للإعلام، وبقي في منصبه لأربع سنوات.
عينه الملك الراحل، عبد الله، في منصب وزير الداخلية في 5 تشرين الثاني من عام 2012 خلفاً للأمير أحمد بن عبد العزيز آل سعود.
أخذ محمد بن نايف على عاتقه ضمن عمله الأمني مواجهة التنظيمات المتشددة في السعودية، وعلى رأسها تنظيم «القاعدة»، وقد نجح إلى حدٍّ كبير في تقويض «القاعدة» المسؤول عن موجة هجمات دامية في البلاد بين 2003 و2006، وهو يشرف على التنسيق الأمني مع الولايات المتحدة.
ويرى البعض أن وصول محمد بن نايف إلى منصب وليّ وليّ العهد يعني أن «الملك المقبل سيولي مهمة الأمن أولوية قصوى»، خصوصاً في ظل الأخطار الأمنية التي تواجه السعودية، وأهمها خطر تنظيم «داعش» على الحدود مع العراق، وفي ظل اشتراك السعودية في «التحالف الدولي» لمحاربة التنظيم. ويضيف أن «هذا يريح الشركاء الخارجيين وخاصة الولايات المتحدة»، وهو يعتبر صديقاً «مهماً» لواشنطن ورجلها «الأمين» بين أحفاد الملك المؤسس.
نجا محمد بن نايف من الموت إثر تعرضه لهجوم في 27 آب 2009 عندما اقترب مسلح منه مدعياً رغبته في تسليم نفسه ثم فجر قنبلة مخبأة في ملابسه تبناها تنظيم «القاعدة»، وقال دبلوماسي غربي لـ«الواشنطن بوست» إثر محاولة الاغتيال إنه «لو نجحت العملية لكانت أكبر تهديد لخطط السعودية في مواجهة الإرهاب». وتعرض محمد بن نايف ـ بحسب وزارة الداخلية ـ لعدة محاولات اغتيال، كان من بينها محاولة في مكتبه في الوزارة، ومحاولة أخرى من خلال إحدى الجماعات الإرهابية أثناء زيارته لليمن.
وصفته صحيفة «الواشنطن بوست» الأميركية قبل سنوات عدة بـ«المسؤول الذي يقود أكبر حملة لمكافحة الإرهاب في العالم»، في تقرير نُشر عام 2003 عن الأحداث الإرهابية التي شهدتها السعودية.
وكانت برقية للسفارة الأميركية يعود تاريخها لآذار 2009 نشرها موقع ويكيليكس قد وصفت الأمير محمد بأنه وزير الداخلية الفعلي، وقالت إنه «يحظى بمكانة عالية لدى العاهل السعودي عبد الله... ويحظى باحترام كبير بين عامة السعوديين».
وبغضّ النظر عن وجهات نظره الشخصية، اتبع محمد بن نايف خطى والده في الحفاظ على علاقات وثيقة مع المحافظين، وهم مجموعة ينظر إليها في الدوائر السياسية السعودية عادة على أنها أكبر تهديد محتمل للحكومة.
وكان المحافظون دينياً وراء انتفاضتين في 1927 و1979 وساندوا حركة الصحوة الإسلامية في التسعينيات. عبّر وليّ وليّ العهد الجديد في أكثر من موقف عن إيمانه الديني المتشدد، وفي تصريح سابق له أكد محمد بن نايف، أن مواقف الرياض تجاه المنطقة تنطلق من «العقيدة الإسلامية النقية من كل تحزب». ويقول صديق لمحمد بن نايف إن مكتبه لا يزال يعمل فيه رجال من غلاة المحافظين.
وفي حديثه عن محمد بن نايف، غرد «مجتهد» سابقاً على صفحته في موقع «تويتر»: «لا يوجد من يعلّق الجرس في الأسرة إلا محمد بن نايف»، موضحاً: «وهذا (محمد بن نايف) شخص حذر لا يتحرك إلا بخطوات محسوبة».
ومنذ توليه وزارة الداخلية قبل عامين، لم تخفّ قبضة الحكومة على المعارضة، إذ ألقي القبض على عدد من النشطاء وسجنوا لاتهامات من بينها الحديث إلى وسائل إعلام أجنبية في ظل ما عرف بأحداث القطيف التي انطلقت في أعقاب «الربيع العربي» في 2011.
لا تزال رؤى محمد بن نايف غير واضحة، فالدبلوماسيون والمحللون السعوديون والأكاديميون غير متأكدين من موقفه من القضية الكبرى الطويلة الأجل المتمثلة في المواءمة بين التغيير الاجتماعي وجيل الشباب وبين التقاليد المحافظة والاقتصاد المعتمد على النفط.
وفي أسرة حاكمة توضع فيها السياسات الكبرى بتوافق الآراء ... قد تسهم آراء الأمير محمد في رسم السياسة الخارجية أيضاً.
وتظهر برقيات السفارة الأميركية التي نشرها موقع ويكيليكس أنه كان متشدداً على نحو ما إزاء إيران وكان يستشير المسؤولين الأميركيين بشأن أفضل السبل لحماية البنية الأساسية «حال نشوب حرب مع إيران».
إلا أن تركيزه على خطر ظهور موجة جديدة من المتشددين في الداخل أهم في رسم السياسة السعودية تجاه سوريا التي أتاحت تقديم المزيد من المساعدات الحكومية للمعارضة مع ثنيهم المواطنين عن التبرع أو السفر للقتال في بلاد الشام.


9 زعماء عرب شاركوا في التشييع

شارك 9 رؤساء وملوك عرب في جنازة الملك السعودي عبد الله، فيما غاب 10 عن الجنازة؛ 4 منهم لم يتبين سبب عدم مشاركتهم، وتنوعت أسباب غياب الباقين. بعضها يتعلق بأحداث الإضرابات التي تشهدها بلادهم، أو بسبب سوء الأحوال الجوية، أو المرض أو حالة العداء مع المملكة، أو لظروف الوقت بسبب وجودهم في فعاليات دولية.
الرؤساء والملوك المشاركون هم: أمير قطر تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، وأمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح، وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، ورئيس السودان عمر البشير، والرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله، الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والرئيس العراقي فؤاد معصوم، والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، والرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز.
بينما الرؤساء والملوك الـ10 المتغيبون: ملك المغرب محمد السادس (الذي لا تسمح تقاليد بلاده للملك بحضور مراسم الزفاف أو الجنازة بالخارج) والرئيس التونسي الباجي قائد السبسي (يصل الرياض اليوم) ورئيس الجزائر عبد العزيز بوتفليقة (بسبب المرض) والرئيس الإماراتي خليفة بن زايد آل نهيان وسلطان عمان قابوس والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (الذي يزور الرياض اليوم) وملك الأردن عبد الله الثاني والرئيس السوري بشار الأسد ورئيس اليمن عبد ربه منصور هادي ورئيس جزر القمر ورئيسا لبنان وليبيا بفعل الفراغ الرئاسي.
(الأناضول)

نجوم الأمّة حزينة

فور الإعلان عن رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز، هبّ المشاهير العرب لنعيه على مختلف مواقع التواصل الإجتماعي. صورة الراحل نُشرت على معظم حسابات النجوم الذين كان أبرزهم الممثلَيْن أحمد حلمي وغادة عبد الرازق، والمغنيين عمرو دياب وشيرين عبد الوهاب وتامر حسني، والموزّع الموسيقي حسن الشافعي من مصر. أمّا من لبنان، فقد برزت الصورة التي نشرتها النجمة هيفا وهبي (الصورة) للملك السعودي وكُتب عليها عبارة «إنّ لله وإنّ إليه راجعون»، مقرونة بتعليق بتضمن تعزية للشعب السعودي. نجوى كرم طلبت من الله أن «تستريح نفس عبدك خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، وأعطه الراحة». ومن بين المعزّين هناك أيضاً المغني السعودي عبد المجيد عبد الله، والكويتي نبيل شعيل، فضلاً عن المغربية أسماء المنوّر، والكثير غيرهم.

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...