عن الحداثة العربية ومابعدها 

18-04-2024

عن الحداثة العربية ومابعدها 

الموانع السلفية للحداثة العربية:
نشر البريطانيون مؤخرا سلسلة فيديوهات صوروها في المستعمرات العربية بعد الحرب العالمية الأولى، في دمشق وحلب والقدس وبغداد والحلة والكويت، وهي لاتشبه أي شيء نراه اليوم: بيوت وأسواق ترابية وجمال وحمير وأولاد ورجال ونساء يرتدون ثيابا عربيه مع غطاء للرأس لكن أغلبهم حفاة، إذ لم يترك لهم العثماني شيئا سوى أرواحهم وأحلامهم يستندون عليها .. وخلال الفترة الممتدة بين الحربين العالميتين أدخل المستعمرون أنظمة الحداثة السياسية والإقتصادية والعسكرية إلى مستعمراتهم، وبعد جلائهم كانوا قد تركو بذرة الحداثة، ولأن الأمم المغلوبة تتشبه بالغالبة، كما يقول ابن خلدون، نهضت أجيال الحداثة العربية ببلدانها فطورت المؤسسات وارتفعت العمارات وعبدت الطرقات وحدثت المناهج وظهرت السيارات وارتدى الرجال والنساء أزياء غربية، ولم يعد مألوفا أن يمشي الناس حفاة أو يتنقلون على الحمير والجمال أو يتداوون عند الحلاقين والمشعوذين.. ولم يمر التحديث من دون ممانعة، وكان رجال الدين هم الأكثر تشددا، ولم يغيروا رأيهم رغم انصرام  مائة عامٍ على انتشار أفكار ومنجزات الحداثة العالمية، وانقلاب العالم على مجمل ماضيه السَّلفي حيث يصف الإمام ابن باز المنادين بالحداثة  بأنهم" ملاحدة، يدعون إلى الفساد، ويدعون إلى نبذ الشريعة، ويتوصلون إلى هذا بعبارات غامضة خفيَّة لا يعقلها الناس، ومبتغاها وغايتها نبذ القديم. فمَن كان بهذه المثابة فلا شكَّ أنه يجب هجره والبراءة منه، والتحذير منه، ودعوته إلى التوبة إلى الله "! وأفتى الشيخ القرني بأن "هؤلاء شرُّهم عظيم يجب الحذر منهم، وهم حدث يجب إزالته، سموا أنفسهم: حداثة، مَن عُرف منهم يُستتاب، فإن تاب، وإلا قُتِلَ"؟!
والواقع أن مناهضة الحداثة بدأت منذ بداية تماسِّ العرب المسلمين مع أفكار ومنتجات القوى الاستعمارية الأوروبية أواخر القرن التاسع العشر، وكان أئمة المذاهب في مؤسسة الأزهر الشريف يعارضونها دائماً بحيث أنهم بعد مدِّ شبكة المياه في القاهرة رفضوا جواز الوضوء بمياه الصنابير واعتبروها بدعة صريحة، باستثناء أئمة المذهب الحنفي الذين أفتوا بجوازها فدعي الصنبور حينها بالحنفية، كتأكيد لشرعيته، كما حرَّم شيوخ الأزهر الطباعة، وأفتوا بتكفير مستخدميها، فأخروا طباعة المناهج التعليمية لعقود طويلة، وكذا كان الأمر عند افتتاح مدارس لتعليم البنات، كونها تفسدهنَّ، حسب رأي الشيخ نعمان الآلوسي في كتابه "الإصابة في منع النساء من الكتابة"! وقبل ذلك بقرنين كان فقهاء السلطنة العثمانية قد حرموا شرب القهوة اليمنية باعتبارها مسكرة، وطارد رجال الدرك العثماني شاربيها، وكان الفقهاء متأهِّبون دائماً للتدخل في حياة الناس ومصادرة مستقبلهم بفتاوى مضادة لكل جديد باعتباره بدعة. 
فمنذ تحررها من العثماني، خرجت المجتمعات العربية من ثقافة العصور الوسطى، وتدرَّجت في تقبل أفكار الحداثة، في مجالات الفلسفة والشعر والفنون، مقابل انفتاحها على استيراد منتجاتها، بدءاً بالأسلحة والسيارات وانتهاء بالأسمدة والهرمونات والمنشطات الجنسية، حيث تفوَّقت الحداثة المادية على الثقافية في نسبة تقبُّلهم لها. ورغم مرور أكثر من قرن على رفع شعارات الحداثة والتحديث في البلدان العربية، إلا أن هذه البلدان لم تتحول بعدُ إلى بيئة ملائمة لإنتاج أو تطوير أفكار وأدوات الحداثة ومنافسة الأمم الأخرى، بسبب المؤسسة الدينية التي تعرقل استخدام المناهج العلمية الحديثة في إعادة قراءة السَّرديات والنصوص المؤسسة لخشيتها من انكشافها أمام جمهورها وفقدان امتيازاتها السياسية التي تحصلها من السلطات مقابل تهدئة وتنويم جمهورها السلفي. وقد رأينا مؤخراً ماذا يستطيع هذا الجمهور عند تحريضه على حكوماته، حيث دمَّر مؤسساتِه، وأفرغ الثورات من مضمونها التَّقدُّمي ليحولها إلى انتكاسة رجعية، حتى باتت بلدان (الربيع العربي) كما لو أنها أفغانستان! وما تزال مؤسساتنا الدينية مستمرة في هجومها على محاولات تجديد الفكر الإسلامي، كما فعلوا مع المفكرين محمد شحرور ونصر حامد أبو زيد وغيرهم ، غير أن الزمن لن يكون في صالحها وسوف ينقض أوهامَها المؤسَّسَةَ بفعل انفتاح أبواب المعرفة الإلكترونية أمام فضول الجمهور. فخلال قرن ونيِّف تشكَّل لدينا ثلاثةُ تيَّارات متصارعة على الساحة العربية: محافظٌ وحداثويٌّ وما بعد حداثوي، وكان على السلطات الحاكمة أن تجهد في موازنتهم لتتمكن من إدارة البلاد!؟
الحداثة السياسية:
انطلقت طلائع الحداثة العربية مع نشوء الأحزاب السياسية أواخر الحكم العثماني، حيث نلاحظ تأثُّرَ كتابات عبد الرحمن الكواكبي بالنظريات السياسية الأوروبية التي تعرَّف عليها من خلال احتكاكه مع أفراد البعثات الأوروبية في الديار الشامية ، ثم تطور الفكر السياسي والحزبي بعد الحرب العالمية الثانية على يد المثقفين العرب الذين تلقوا علومهم في بلدان أوروبا القومية، إذ لاءم التحزُّبُ والتَّعصُّب طبيعة المجتمعات العربية، وأقبلت عليها نظراً لوجود مايشبهها في تاريخ الإسلام المبتلى بالصراعات السياسية منذ وفاة النبي، فكانت حداثتها سلفية من حيث أنها استبدلت الذهنية الدينية بأخرى حزبية بمحتوى مستورد لأحزاب تشبه مذاهبهم التي تربوا في كنفها، حيث تعصب لها أتباعها، وقدَّسوا آباءها المؤسِّسين كما لو أنهم أنبياءها الخالدين، فلم يتغير شيء في بنية الاستبداد الشرقي، على الرغم من الحداثة الشكلية التي مارسوها، وتحولت صناديق الإقتراع إلى ما يشبه المبايعة السِّريَّة لأئمة الحزب المؤسِّسين وصحابتهم المرضيِّ عنهم، كما تحولت منطلقات الحزب النظرية إلى كتاب الحزبيين المقدس، القوميين منهم والماركسيين أو الليبراليين، لينتجوا أحزاباً سلفية في ثياب علمانية، وقد يكون مردُّ ذلك إلى أنَّ قيادات وأعضاء الأحزاب جميعاً وُلِدوا وتربَّوا في حضن عائلات أصولية محافظة، إسلامية ومسيحية، معتدَّة بماضيها دون حاضرها، تعتمد كتاباً واحداً، ونبياً مرسلاً واحداً، واجتماعاتٍ حزبية تشبه الصلوات، وخطاباتٍ تماهي خطبة الجمعة في بلاغتها وانعدام الجديد فيها. وقد رأينا كيف حاربت الأحزاب العربية بعضها بعضاً كما يفعل أتباع المذاهب، ومارست سياسة التوزيع الطائفي والعشائري في صفوفها وبين قياداتها، بالرغم من أن غالبيتهم لم يكونوا متدينين، هذا إذا لم يكونوا ملحدين، وبالتالي فإن حداثتهم لم تغير بنية الاستبداد الشرقي بقدر ما كرَّستها، وبقي ماضيهم يصنع حاضرهم ويخطط لمستقبلهم الذي يعيد إنتاج الماضي في دائرة لاتنتهي!؟
حداثة ماقبل الأديان الإبراهيمية:
بعد خروجه من جزيرة العرب وتمدده في بلدان العالم القديم بفعل فائض القوة والبلاغة، أحل الإسلام ثقافته محل ثقافة الديانات الزراعية المرتبطة بالأرض، وأكمل إلحاق أتباعها بالسماء، على خطى الديانات السماوية ولم يترك أية معرفة دينية سابقة عليه دون محو باعتبارها جاهلية وشركا باللهً، فطوى النسيان الكثير من الحقب التاريخية السابقة، إلى أن جاء نابشو القبور والباحثون عن الكنوز في المدن المنسية، فكان الذهب والفضة هما الدافع الأول لأعمال التنقيب عن آثار الأولين، ثم تضاعفت أسعار لُقاهم بعد دخول الإرساليات الإنجيلية على خط  تأكيد أسفار التوراة عبر تمويل بعثات الاستكشاف الأوروبية ، فانتقل التنقيب من يد النباشين واللصوص، إلى علماء الآثار واللغات الميتة، الذين ساهموا بترميم بعض ذواكر شعوب الشرق الممحوة وتزييف بعضها.. وبناء عليها تم إيقاظ قوميات نائمة تنتمي لحضارات مندثرة، ونشأت أحزاب شوفينية تنتمي إليها ثقافياً وعرقياً، حيث تم تأكيد مفهوم الأمة اليهودية بناء على التلفيقات التوراتية في فلسطين، كما استيقظت النزعة الفرعونية في مصر، والفينيقية في سورية ولبنان، والآشورية في العراق، والأمازيغية في شمال أفريقيا.. وباتت نصوصُ الحفريات ودراساتُها التاريخية المترجَمَة ملهِمَةً لأحزابٍ حديثة  تتبنَّى ثقافاتِ شعوب قديمة، بحيث انقلب مؤشر بوصلة التَّقدُّم لديها من الأمام إلى الخلف، إلى ما قبل العروبة والإسلام، لإحياء ثأر قديم معهما، واستنسخت في نظامها الداخلي نظريات الأحزاب الشوفينية التي ظهرت في إيطاليا وألمانيا قبل الحرب العالمية!؟
كما ساهمت عدوانية الحداثة العسكرية والاقتصادية الغربية تجاه دول المشرق العربي في تمسك مجتمعاتها بهوياتهم السلفية كقوقعة تظنُّ أنها ستحميها من غوائل الاستعمار، فقوَّضت محاولات التأصيل التي قام بها رواد النهضة، كما عرقلت لاحقاً إنجاز بنود المواطنة، وبقيت عصبيَّاتُنا كامنةً تحت قشرة الحداثة، حيث الجميع يسبحون في مستنقع السَّلف الصالح مختنقين برائحة رواياتهم غيرِ الودودة، بل والعدوانية تجاه الآخر البعيد غير العربي والآخر القريب المسلم الشِّيعي والمسلم السُّني!
الحداثة المنسية:
شكَّلَ تحرُّرُ الفرد من سطوة الكنيسة والعائلة، واحترام استقلاليته وخصوصيته كسيد على نفسه، طليعة الحداثة الغربية التي أرست دعائم الحرية والفردانية كحقٍّ مقدَّس، بعدما اقتنعت الكنيسة بدورها الرُّوحي وتخلَّت عن الدُّنيوي لصالح مؤسسات الدولة الوطنية. وهذا الأمر لم يكن متاحاً في المجتمعات العربية الإسلامية قبل الاستقلال، ذلك أنها لم تمرَّ بأطوار الحداثة الصناعية والفلسفية والدينية التي قامت عليها حداثة الغرب، كما أن الجيل العربي الثوري الذي قارع الاستعمار كانوا في عجلة من أمرهم لبناء دول وطنية حديثة على غرار دول العدو الذي حاربوه، فتحالف المثقفون والعسكر على نية تسريع عملية إنضاج مجتمعاتهم وتحديثها قبل أوانها، فأدخلوا المسرح والراديو والسينما، وكتبوا الشعر الحديث وأنتجوا كماً هائلاً من الترجمات الفلسفية والأدبية، وارتدوا الأزياء الأوروبية وفتحوا باب الاختلاط بين "الحرملك والسَّلملك" في المدارس والجامعات والمعامل والنوادي والمؤسَّسات، معتقدين أن نقل منتجات الحداثة وثقافتها وأزياءها سيجعل من جمهورهم شعوباً متقدمة بزمن قياسي، غير أن المجتمع المحافظ ارتدَّ إلى سلفيته العثمانية، وانقلب على دعاة الحداثة بعد نصف قرن من الاستقلال، بحيث عادت الكثير من النساء إلى "الحرملك"، وكثير من الرجال عادوا إلى طوائفهم يتدثرون بعباءتها، فكانوا عوناً وحطباً لحرائق الإسلاميين في إدارتهم (الّرَّبيع العربي)، ولم يكن خصومُهم العلمانيون أكثر وعياً في مهمة ترسيخ قواعد الحداثة السياسية والفكرية، بالرغم من رفعهم الشعارات التقدمية، فبقيت الحداثة قضية فردية دعت إليها النُّخَبُ الثقافية، وكان مصيرُهُم السِّجن أو الهجرة إلى بلدان الحداثة وكائناتها المعاصرة !
الخوف من ما بعد الحداثة: 
يرى واضعو موسوعة ستانفورد الفلسفية "عدمَ قابلية مصطلح ما بعد الحداثة للتعريف، وإنما يمكن توصيفه كمجموعة من الممارسات النقدية والاستراتيجية والسَّردية لتوظيف مفاهيم مثل الاختلاف والتكرار والأثر والمحاكاة والواقعية الفائقة من أجل زعزعة مفاهيم أخرى مثل الحضور والهوية والتقدم التاريخي واليقين المعرفي وأحادية المعنى".  وهناك اختلاف على فهمه بين الفرنسيين والطليان ثم الأمريكان منذ بداية استخدام المصطلح عام 1979، ومع كل عقد جديد كانت تتوضح ملامحه في مجتمعات الحداثة الذاهبة نحو نهاياتها الواقعية، وصولاً إلى يومنا هذا حيث بدأنا نتلمس أنه ليس مصطلحاً سفسطائياً بقصد المثاقفة وإنما هو واقع غير واقعي، بمعنى افتراضي، بدأ مع المدرسة البنيوية في الثمانينات، وأذكر أن أستاذنا المرحوم د. فهد عكَّام، العائد من السُّوربون إلى جامعة دمشق، كان قد درس البنيوية في حينها على يد مؤسسيها وأخذ يدربنا، نحن طلابه، على تحليل النص الشعري بنيويا حيث استهلك عاماً كاملاً في شرح قصيدة لنزار قباني، ولم نفهم تمامًا تقنية التفكيك التي كان يستخدمها كوننا كنا مبرمجين على مناهج النقد الحديث الذي ساد في الستينيات والسبعينيات، ولكننا اليوم يمكننا نحن تلامذته أن نفهمه أكثر مع توضُّح عوالم ما بعد الحداثة وتطبيقاتها التي تشكل القسم الافتراضي من حياتنا الإلكترونية الساحقة.  
فقد شكل ثالوث الحداثة (العقل والحرية والعلمانية) عقيدةَ المثقف العربي ومنهجه منذ منتصف القرن العشرين، حتى بات خائفاً عليها من كل قديم فكان يصمه بالرجعية، مثلما رأينا من مواقف القوميين والماركسيين والليبراليين تجاه عموم المحافظين، غير أنَّ شدة إيمانهم بدين الحداثة، دفعهم لتبنِّي المدارس الأدبية والفلسفية التفكيكية كالبنيوية والألسنية، بعد مرحلة السُّوريالية والعبثية، دون أن يستشرفوا الفوضى التي ستخلقها هذه المدارس التي قتلت خالق النص، وعَزَلته عن بيئته، ومهَّدت لفوضى ما بعد الحداثة.. فقد كانت مجتمعاتنا، التي تنتمي شرائحها إلى عصور ثقافية متعددة، مؤهلة للعبة الفوضى السياسية التي استخدمتها الإمبريالية الأمريكية تحت عنوان "الفوضى الخلاقة" لتقويض المجتمعات العربية والإسلامية، حيث توقفت الأنظمة العربية التحريرية عن مناهضة إسرائيل وانتكصت نحو الداخل، بينما دخلت طوائفها وقومياتها في صراع مع نفسها في حروب عبثية بلا أهداف واقعية، وانتقلت هذه المجتمعات، التي تلقت علومها في مدارس حديثة، من قراءة الكتاب إلى بهلوانيات شبكات التواصل والمحطات المصنَّعة غربياً للتلاعب بوعي الجمهور، فكان من السهل أن تنجح محطة تلفزيونية ممولة جيداً، كمحطة "الجزيرة"، بإدارة الحرب ضد الجيوش العربية الحديثة وأنظمتها العلمانية وهزيمتها من دون أن تمتلك رصاصة واحدة ! إنه مثال واضح عن كيفية تدمير الحداثة بأدوات ما بعد الحداثة..
الحداثة العربية الآن واقعة بين سندان الأصولية اليمينية، ومطرقة ما بعد الحداثة اليسارية، وهي بحاجة إلى حماية من أصنام الماضي وروبوتات المستقبل، حيث يلتقي الطرفان المتناقضان ضد ما تبقى من وجودية أجيال القرن العشرين، آخر قرون الثقافة الإنسانوية. وأنا اليوم ألمس من جيلي الوجودي المكافح من أجل حماية مكتسبات الحداثة خيبةَ أملهم من أديان وأحزاب الماضي الأصولي، وتخوُّفَهم من المستقبل الإلكتروني وميوعته الفكرية والأخلاقية، مع انتفاء المبادئ فيه. فهم محاصرون وكأنهم آخر جيل إنساني يمر على هذه الأرض، حيث يُلاحظ جاهزية أفراد الجيل الجديد المولود في الألفية الثالثة للاندغام ضمن برامج الشركات التكنولوجية وسياساتها اللاإنسانية، من دون أن يكون لديهم مشكلة في التخلي عن أية مبادئ أو أخلاقيات معرقلة لاندماجهم في تيار العولمة وشركاته المهيمنة، فهم يتخلون ببساطة عن مكتسبات الفرد الحر الذي شكلته حداثة القرن العشرين مقابل نجاحهم الفردي وأمانهم الاقتصادي، فباتوا جنوداً لنشر الفوضى الصحية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإعلامية وحتى الجنسية التي التي تعمل على إلغاء ثنائية الذكورة والأنوثة التي تشكل منطق الحياة والثقافة الإنسانية ! حيث يعيش كل فرد اليوم داخل فقاعته الافتراضية كسمكة بلهاء بلا ذاكرة تسبح في حوض زجاجي، فترى العالم ولاتؤثر فيه.. فالحداثة اليوم مهدَّدًة أكثر منها بالأمس، وكذا إنسانية الفرد الحر في الغرب والشرق، غير أن الأمر في الشرق أكثر سوءاً كون عالم ما بعد الحداثة من إنتاج غربي لسنا فيه أكثر من ضحايا أو مستهلكين غير فاعلين، وستغدو أوطاننا مجرد ساحات أسواق متوحشة يديرها سماسرة لايعرفون الرحمة، ولا يقيمون وزناً للأوطان التي خرجوا منها... 

نبيل صالح

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...