هل ستصبح سوريا "دولة فاشلة" أخرى؟

05-01-2013

هل ستصبح سوريا "دولة فاشلة" أخرى؟

الجمل - *كارلا ستيا- ترجمة:  مالك سلمان:
 
"تبعاً لروبرت باير, وهو أخصائي سابق في عمليات ‘سي آي إيه’ السرية’, تبنَت ‘سي آي إيه’ فكرة استخدام الإخوان المسلمين ضد عبد الناصر في مصر. وفي كتاب ‘النوم مع الشيطان’, يرسم باير الخطوط العريضة لآليات عمل الولايات المتحدة السرية للغاية: ‘الشيء الأساسي كان هذا السر القذر الصغير في واشنطن: فقد نظر البيت الأبيض إلى الإخوان المسلمين بصفتهم حليفاً سرياً. وقد بدأ هذا العمل السري في الخمسينيات من القرن العشرين مع الأخوين دَلس – آلن في ‘سي آي إيه’ وجون فوستر في وزارة الخارجية عندما باركا تمويل السعودية للإخوان المسلمين في مصر ضد عبد الناصر.
‘لو وافق الله أن يقاتل إلى جانبنا, فلا بأس.’ تبعاً لباير, ‘إذا قرر الله أن الاغتيال السياسي مسموح, فلا بأس بذلك أيضاً, شريطة ألا يتحدث عن ذلك أحد في المجالس المحترمة. فعلى غرار أي عمل سري فعال, لم يكن هذا العمل رسمياً. لم تكن هناك أية تقارير ﻠ ‘سي آي إيه’, ولا مذكرات توضيحية ترفع إلى الكونغرس. ولم تصرف وزارة المالية فلساً واحداً لتمويله. بكلمات أخرى, لم يكن هناك سجل من أي نوع. كل ما كان على البيت الأبيض فعله هو أن يغمزَ ويومىءَ إلى البلدان التي تؤوي الإخوان المسلمين, مثل السعودية والأردن.’" (روبرت دريفوس, "كيف ساعدت الولايات المتحدة في إطلاق الإسلام الأصولي")


مقدمة
إن ليبيا الحالية التي توصف في تقارير عديدة موثوقة هي دولة فاشلة, حيث تقف الآن عاجزة أمام استغلال ونهب مواردها وأهلها نتيجة لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1973 كما تم تطبيقه من قبل الولايات المتحدة والناتو. تبذل روسيا والصين الآن كل ما في وسعهما – بعد أن واجهتا النتائج المرعبة للقرار 1973 الذي تم تبنيه نتيجة تصويت امتنعتا عنه – لمنع تكرار هذه النتيجة الكارثية في سوريا, وقد استخدمتا "الڤيتو" ثلاث مرات ضد محاولات أعضاء الولايات المتحدة والناتو للحصول على تفويض من مجلس الأمن في الأمم المتحدة لارتكاب جريمتهم مرة ثانية في سوريا.
في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2012 صرح الأخضر الإبراهيمي, المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة, أمام الجمعية العامة في الأمم المتحدة:
"من الطبيعي أن لا أحد يريد أن يرى سوريا دولة فاشلة. لا أحد يريد أن يرى الدولة ومؤسساتها تتهاوى, وأن تنتشر الفوضى وغياب القانون, ويسيطرَ أسياد الحرب واللصوصية والمخدرات وتهريب السلاح, وأسوأ من ذلك كله أن يتمكنَ من سوريا ذلك الوجه القبيح للنزاع المجتمعي والطائفي. لذلك, إذا لم نكن نريد لسوريا أن تصبحَ الدولة التي وصفتها للتو, فالخيار الوحيد الذي يجب على الجميع تبنيه هو عملية المفاوضات السياسية. وإلا فإن سوريا سوف تصبح دولة فاشلة مع كافة العواقب المريرة المتوقعة لشعب سوريا والمنطقة بأكملها والأمن والسلام الدوليَين."

في ردهات مجلس الأمن/ الأمم المتحدة
بُعَيدَ نجاح الولايات المتحدة والناتو في استصدار قرار مجلس الأمن رقم 1973, في 17 آذار/مارس 2011, والذي نتج عنه دمار ليبيا كدولة قومية قابلة للنمو والتطور, وتبعاً للسفير الهندي إلى الأمم المتحدة, بيوري:
" في شهر أيار/مايو 2011, تم تقديم اقتراح لفرض عقوبات على سوريا, بعد إعلان فقدان الرئيس الأسد للشرعية. وقد تم تحريض المعارضة على عدم التعاطي مع الحكومة, ومن ثم بدأت المجموعات المسلحة بتلقي الدعم بزعم الدفاع عن نفسها."
وفي 18 نيسان/أبريل 2011, وبعد أقل من خمسة أسابيع من تبني القرار رقم 1973 حول ليبيا, عَنوَنَت "واشنطن بوست" مقالها: "الولايات المتحدة تقدم الدعم السري للمعارضة السورية." "قامت وزارة الخارجية بتمويل مجموعات المعارضة السياسية السورية والمشاريعَ المتصلة بها بشكل سري ... تبعاً لبرقيات دبلوماسية لم يتم الكشف عنها من قبل." وأكدت مقالة "واشنطن بوست" أن المظاهرات المناوئة للرئيس الأسد انطلقت في 18 آذار/مارس 2011, بعد 24 ساعة تماماً من تمرير قرار الأمم المتحدة رقم 1973 ضد حكومة القذافي في ليبيا؛ وقد حملت الحكومة السورية ‘العصابات المسلحة’ المسؤولية عن العنف الناتج. تشير السرعة الفائقة التي تم بها تنظيم وانطلاق مظاهرات المعارضة السورية بُعَيدَ تبني قرار الأمم المتحدة رقم 1973 إلى أنها لم تكن ‘عفوية’."
وتتابع "واشنطن بوست":
"بدأت الأموال الأمريكية الداعمة لشخصيات المعارضة في التدفق في فترة الرئيس جورج بوش الابن في سنة 2005. واستمر هذا الدعم في عهد الرئيس أوباما." ففي شهر شباط/فبراير 2005 قدمت إدارة بوش منحاً قدرها 5,000,000 دولار أمريكي بهدف "تسريع عمليات الإصلاح في سوريا ... . وفي السنة نفسها تقريباً, أسسَ المنفيون السوريون في أوروبا ‘حركة العدالة والتنمية’. وتدعو الحركة, الممنوعة في سوريا, إلى إزاحة الأسد بشكل علني. وقد وصفت البرقيات الأمريكية قادتها على أنهم ‘إسلاميون ليبراليون معتدلون كانوا في الماضي أعضاءَ في الإخوان المسلمين. ... وتبين عدة برقيات دبلوماسية من السفارة في دمشق أن المَنفين السوريين تلقوا الأموال من برنامج لوزارة الخارجية يدعى ‘مبادرة الشراكة شرق الأوسطية’ ... وتبعاً لهذه البرقيات, أرسلت وزارة الخارجية الأموال إلى هذه المجموعات في المنفى عن طريق ‘هيئة الديمقراطية’, وهي مؤسسة غير ربحية مقرها في لوس آنجليس. وتبعاً لموقعها الإلكتروني, تدعم الهيئة المشاريعَ في الشرق الأوسط وآسيا وأمريكا اللاتينية بهدف الترويج ﻠ ‘تدعيم وتعزيز العناصر الأساسية المكونة للمجتمعات المستقرة’ ... وقد تلقت ‘مبادرة الشراكة شرق الأوسطية’ أكثر من 12 مليون دولار بين 2005 و 2010."

زعزعة الاستقرار في سوريا
في 18 نيسان/إبريل 2011, أيضاً, تضمنَ مؤتمر صحفي عقد في وزارة الخارجية الأمريكية, كنت حاضرة فيه, هذا الحوار الشفهي من الأسئلة والأجوبة:
"سؤال: هل تحاول حكومة الولايات المتحدة, عبر أية برامج أو طرق, زعزعة استقرار نظام الأسد في سوريا؟
السيد تونر: في الحقيقة, سؤالك مبني على مقولة إن كنا متورطين في القضية.
سؤال: ليس هناك مقولة. ليس هناك مقولة. إنه سؤال مباشر. ليس هناك إسناد, ليس هناك مقولة.
السيد تونر: نعم, ولكن, كما تعرف ياجيمز, علينا أن نكون حذرين بخصوص – أن نحددَ ما نتكلم عنه لأنك إن كنت تتحدث عن قصة صحفية مبنية على مضمون – أو المضمون المزعوم لبرقيات سرية, عندها لا يمكنني أن أتحدث في هذا الخصوص.
سؤال: لم أطلب منك التحدث عن أي موضوع خاص. كان سؤالي, بشكل عام, هل تعمل حكومة الولايات المتحدة في الوقت الحاضر, عبر أية برامج أو وسائل, على زعزعة استقرار نظام الأسد في سوريا؟ إن كان الجواب ‘لا’ يجب أن تقول ذلك بحرية.
السيد تونر: في الحقيقة, نعم – واسمع, هذا – إذا أردنا أن نتحدث عن سوريا, علينا أن نتحدث على مستوى كوني هنا. البرامج الأمريكية حول الديمقراطية والحُكم في سوريا, إنها لا تختلف عن البرامج التي تديرها الولايات المتحدة في العديد من الحكومات الديمقراطية حول العالم – أو الدول حول العالم. فهذا جزء من دعمنا للمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية. المختلف, برأيي, في هذا الوضع هو أن الحكومة السورية تنظر إلى هذا النوع من المساعدة بمثابة تهديد لسيطرتها على الشعب السوري.
سؤال: حسناً, إذاً, إن كان بإمكاني أن أكمل, لقد أجبتَ عن نفس السؤال مرتين الآن. في المرة الأولى تحدثتَ عن مقدمات لم تكن موجودة في السؤال. وفي المرة الثانية قلت لي علينا أن نتحدث على مستوى كوني. لذلك أكون شاكراً لك إن أجبتَ عن السؤال الذي طرحتُه عليك, وهو –
السيد تونر: في الحقيقة, أنا – نعم. لا. أنا – أوكي جيمز. ما أحاول أن أفعله هو –
سؤال: هل نعمل على زعزعة استقرار تلك الحكومة أم لا؟ إنه سؤال في غاية –
السيد تونر: لا. إننا لا نعمل على زعزعة استقرار تلك الحكومة. ما نحاول فعله في سوريا, من خلال دعمنا للمجتمع المدني, هو بناء ذلك النوع من المؤسسات الديمقراطية, بصراحة, هو ما نحاول أن نفعله في كافة أنحاء العالم. تجربتي الشخصية, عندما كنت في بولندا في الثمانينيات من القرن الماضي, عملنا بشكل جبار مع المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية. الفرق هنا, كما قلت, يكمن في أن الحكومة السورية تنظر إلى هذا النوع من المساعدة بمثابة تهديد لوجودها.
سؤال: هل تتدفق الأموال الأمريكية بشكل مستمر – أو هل مازالت تستخدم في تمويل ‘حركة العدالة والتنمية’ بأية طريقة؟
السيد تونر: لا.
سؤال: هل يمكنك التكلم عم دعم الولايات المتحدة لتلفزيون بردى؟
السيد تونر: في الحقيقة, مرة أخرى, لا أريد أن أخوض في تفاصيل ما جاء في اﻠ - في قصة اليوم في ‘واشنطن بوست’ باستثناء حقيقة أننا نعمل مع مجموعة متنوعة من المؤسسات والمنظمات بهدف دعمها فيما تقوم به. حرية الصحافة, حرية التعبير تشكل عنصراً مهماً في هذا النوع من البرامج. ومن الواضح, أيضاً, أنها تعطي فكرة عن المعنى الأوسع لما نحاول أن نفعله, وهو دعم المؤسسات التي تروج للديمقراطية والمُثل الديمقراطية.
سؤال: طيب, لكن في الواقع, لا أعتقد أن المقالة – أعني, المقالة تحدثت عن تلفزيون بردى, لكنها لم تحتوي على أية معلومات حول دعم الولايات المتحدة لهذه المحطة التلفزيونية. ولكن أليس صحيحاً أن الولايات المتحدة تقدم دعماً لقدرات البث لمحطة التلفزيون هذه لكي تمكنها من الاستمرار في البث على الرغم من محاولات الحكومة الإيرانية لحجبها؟
السيد تونر: علي أن أحصل على تفاصيل دقيقة حول المساعدة التقنية التي نقدمها لهم.
سؤال: هل تمول الولايات المتحدة المجموعات المعارضة في سوريا؟
السيد تونر: في الحقيقة, مرة أخرى, نحن – نحن نعمل مع مجموعة متنوعة من ممثلي المجتمع المدني في سوريا, بهدف تعزيز حرية التعبير وذلك النوع من المؤسسات التي نعتقد أنها ستكون حيوية في التأسيس لمستقبل ديمقراطي في سوريا."
من الأهمية البالغة بمكان أن سفير الهند إلى الأمم المتحدة, هارديب بيوري, قد قال بوضوح:
" في شهر أيار/مايو 2011, تم تقديم اقتراح لفرض عقوبات على سوريا, بعد إعلان فقدان الرئيس الأسد للشرعية. وقد تم تحريض المعارضة على عدم التعاطي مع الحكومة, ومن ثم بدأت المجموعات المسلحة بتلقي الدعم بزعم الدفاع عن نفسها."
إن إشارة السفير بيوري إلى مجموعات المعارضة المسلحة في سوريا, التي تعمل وتتلقى الدعم منذ شهر أيار/مايو 2011, تثير العديد من الأسئلة حول التركيبة الفعلية لما يسمى المظاهرات السلمية التي بدأت في 18 آذار/مارس 2011 , أي قبل ذلك بستة أسابيع فقط. فالسرعة التي انضمت بها المجموعات المسلحة المنظمة, التي تتلقى سلفاً الدعمَ الخارجي, إلى ما يدعى المظاهرات السلمية تشير إلى تحضير وتنظيم فائقين, كما أن السرعة المفاجئة التي انفجر فيها العنف تثير العديد من التساؤلات. تبع ذلك ثلاث مسودات قرارات في الأمم المتحدة تدين الحكومة السورية لمهاجمة شعبها. وقد تم استخدام "الڤيتو" ضد مسودات القرارات الثلاث من قبل روسيا والصين, كما بينت المعلومات لاحقاً أن العديد من أعضاء المعارضة المسلحة ليسوا سوريين حتى.
 

المرتزقة الأجانب
في 19 تشرين الأول/أكتوبر 2012, قدم سفير سوريا إلى الأمم المتحدة, الدكتور بشار الجعفري, إلى مجلس الأمن, مع نسخة أخرى إلى الأمين العام للأمم المتحدة, رسالة تحتوي على قائمة من أسماء وجنسيات ل 108 شخص أجنبي دخلوا إلى سوريا بشكل غير شرعي وتورطوا في أعمال إرهابية في سوريا.
كان العديد من الأشخاص المعتقلين المذكورين في القائمة أعضاءَ في القاعدة. كانوا من جنسيات عراقية ومصرية وفلسطينية/لبنانية وفلسطينية/جزائرية ولبنانية وأردنية وتونسية وليبية وأسترالية. وقد أخبرني السفير الجعفري, في مؤتمر صحفي, أن مجلس الأمن لم يفعل شيئاً بخصوص هذه الرسالة ولم يقدم أي تفسير لذلك التأخير المتعمد في ترجمتها من العربية إلى الإنكليزية. وتضمنت الرسالة معلومات واضحة عن المنظمات والأعمال الإرهابية التي كان كل شخص متورطاً فيها.
ينص قرار الأمم المتحدة رقم 1963 (2010), الذي تبناه مجلس الأمن في 20 كانون الأول 2010, على:
"إعادة التأكيد على أن الإرهاب بكافة أشكاله وتجلياته يشكل أحد أخطر التهديدات على الأمن والسلم الدوليين وأن أية أعمال إرهابية هي أعمال إجرامية لا يمكن تبريرها بغض النظر عن دوافعها وزمن ارتكابها ومرتكبيها, والتمسك بالمساهمة في تعزيز تأثير الجهود الكلية لمحاربة هذا الوباء على مستوى كوني."
كما ينص قرار مجلس الأمن/الأمم المتحدة رقم 1371 على ما يلي:
" على كل دولة واجب الابتعاد عن تنظيم الأعمال الإرهابية والتحريض عليها والمساعدة فيها أو المشاركة فيها, أو التواطؤ مع الأنشطة المنظمة ضمن أراضيها الموجهة نحو ارتكاب مثل هذه الأعمال.
تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة,
يقرر أن على كافة الدول:
أن تعمل على تجريم جمع الأموال, بأية طريقة كانت, بشكل مباشر أو غير مباشر, من قبل مواطنيها أو على أراضيها بهدف استخدام هذه الأموال, أو بمعرفة أنها سوف تستخدم, في تنفيذ أعمال إرهابية."
في 21 حزيران/يونيو 2012, جاء في الصفحة الأولى من "نيويورك تايمز":
"‘سي آي إيه’ تساعد في إمداد المتمردين السوريين بالأسلحة. يعمل عدد صغير من ضباط ‘سي آي إيه’ بشكل سري في جنوب تركيا,لمساعدة الحلفاء في تحديد مقاتلي المعارضة السورية الذين سيتلقون التمويل لمحاربة الحكومة السورية, تبعاً لمسؤولين أمريكيين وضباط أمن عرب. ويتم تمرير الأسلحة, بما في ذلك البنادق الآلية والقذائف الصاروخية والذخائر وبعض الأسلحة المضادة للدبابات, عبر الحدود التركية في الأغلب من خلال شبكة سرية من الوسطاء بما في ذلك الإخوان المسلمين في سوريا, ويتم دفع ثمن هذه الأسلحة من قبل تركيا والسعودية وقطر, كما قال المسؤولون. ... من خلال المساعدة على التدقيق في المجموعات المتمردة, يأمل عملاء الاستخبارات الأمريكان العاملون في تركيا في التعرف أكثر على شبكة المعارضة المتغيرة والمتنامية داخل سوريا وتأسيس علاقات وروابط جديدة. ‘إن ضباط سي آي إيه موجودون هناك وهم يحاولون تأمين مصادر جديدة وتجنيد الناس, كما قال أحد مسؤولي الاستخبارات العرب الذي يتم إطلاعه بشكل منتظم على ما يحدث من قبل نظرائه الأمريكيين. ... وقال مسؤولون أمريكيون وضباط سي آي إيه متقاعدون إن الإدارة [الأمريكية] تقدم مساعدات إضافية أيضاً إلى المتمردين, مثل تزويدهم بصور أقمار صناعية ومعلومات استخباراتية مفصلة أخرى حول مواقع القوات السورية وتحركاتها. ... ولكن لم يتم اتخاذ قرار بشأن تلك الإجراءات أو فيما يخص خطوات أكثر عدوانية. ...’ الذي تغير منذ آذار/مارس هو تدفق الأسلحة والذخائر إلى المتمردين. ... ففي الشهر الماضي, كما قال هؤلاء النشطاء, قامت العربات العسكرية التركية بتفريغ أسلحة مضادة للدبابات على الحدود حيث تم تهريبها بعد ذلك إلى داخل سوريا. وقال هؤلاء الناشطون إن تشاوراً مع الولايات المتحدة قد تم بشأن نقل هذه الأسلحة."
خلال أربعة أسابيع, حصل تصعيد هائل للنزاع في سورية: فالهجوم الإرهابي الذي حدث في 19 تموز/يوليو, والذي ذهب ضحيته أربعة من كبار مساعدي الأسد, كان المقصود منه اغتيال الرئيس الأسد نفسه. وقد تم تنفيذ الهجوم الإرهابي بدقة وحرفية كبيرتين لا يمكن لأي شخص أن يتوقعهما من الميليشيات المشرذمة وغير المنظمة التي وصفها الإعلام الغربي بأنها مثيرة للشفقة وبحاجة ماسة إلى مساعدات ضخمة. وبعد أسبوع واحد, اعترفت "نيويورك تايمز" بأن القاعدة تقوم بأعمال إرهابية مكثفة داخل سوريا.
على الرغم من أن مقالة "نيويورك تايمز" المنشورة في 21 حزيران/يونيو قد ذكرت إن ضباطاً من اﻠ "سي آي إيه" متواجدون في تركيا جزئياً "للمساعدة في منع وصول الأسلحة إلى المقاتلين المرتبطين بالقاعدة أو المجموعات الإرهابية الأخرى," تبدو النتيجة على النقيض من ذلك بسبب التحسن الكبير الذي طرأ على العمليات الإرهابية التي استهدفت, ونجحت في اغتيال , مسؤولين سوريين حكوميين رفيعين, بالإضافة إلى تنامي قوة القاعدة وعملياتها الإرهابية بشكل كبير مباشرة بعد الزيارة السرية التي قام بها ضباط "سي آي إيه" إلى تركيا.
من الواضح أن الرفضَ الفضائحيَ للأعضاء الغربيين في مجلس الأمن/الأمم المتحدة بإصدار بيان علني يدين الهجومَ الإرهابي الصفيق الذي أودى بحياة كبار مساعدي الرئيس السوري وصهره هو عبارة عن محاولة لتجنب التهمة بالتواطؤ الإجرامي في هذه المحاولة الإرهابية من قبل المعارضة السورية لاغتيال الرئيس السوري الأسد.
في 21 حزيران/يونيو, أعلنت "نيويورك تايمز" في صفحتها الأولى:
"بعد إحراجها في الأمم المتحدة, الولايات المتحدة تجهز خطة لإزاحة الأسد. تخلت إدارة أوباما في هذه المرحلة عن محاولة إحلال تسوية دبلوماسية للنزاع في سورية, وبدلاً عن ذلك فهي تقدم مساعدات أكبر للمتمردين. فبعد محاولة المتمردين المثيرة لاغتيال الرئيس السوري الأسد, ومقتل أربعة من كبار مساعديه قبل يومين, غيرت واشنطن موقعَها بشكل علني وقررت دعمَ الإرهاب, مما يشكل خرقاً واضحاً لقراري مجلس الأمن/الأمم المتحدة رقم 1373 و 1963. وبعد التوقف عن الحديث عن أية عملية انتخابية ديمقراطية حقيقية, "دخل مسؤولو الإدارة في محادثات مع مسؤولين أتراك وإسرائيليين حول كيفية إدارة انهيار الحكومة السورية."
وفي 24 تموز/يوليو 2012, جاء على الصفحة الأولى لصحيفة "نيويورك تايمز":
"القاعدة تلعب دوراً جديداً مميتاً في النزاع السوري: إنها صورة أصبحت رمزاً للثورة السورية, شريط ڤيديو يظهر فيه رجال ملثمون يسمون أنفسهم ‘الجيش السوري الحر’ ويحملون بنادق ‘إي كي-47’ مع فارق يبعث على القلق. في الخلفية يتدلى علمان للقاعدة, مع كتابات عربية باللون الأبيض على مساحة سوداء. ‘نقوم بتشكيل خلايا انتحارية للجهاد في سبيل الله,’ قال أحدهم. ... منذ كانون الأول/ديسمبر 2012 تم تفجير أكثر من 35 سيارة مفخخة و 10 عمليات انتحارية مؤكدة. ...وفي شهر شباط/فبراير 2012 صرح جيمز كلابر, مدير الاستخبارات القومية الأمريكية, بوجود "كافة علائم هجمات القاعدة في سلسلة تفجيرات ضد أهداف أمنية واستخباراتية في دمشق."
وفي 14 تشرين الأول/أكتوبر 2012, جاء في "نيويورك تايمز":
"تدفق الأسلحة إلى المتمردين يفيد الجهاديين في سوريا." فيما أصبح الآن محاولة سخيفة من قبل القوى الغربية للتخلي عن المسؤولية عن دورها في التحريض على العنف المتزايد في الحرب التي تجري في سوريا التي راح ضحيتها آلاف الضحايا, تقول "تايمز": "إن معظم الأسلحة التي يتم شحنها بأوامر من السعودية وقطر لإمداد مجموعات المتمردين التي تقاتل حكومة بشار الأسد تذهب إلى الجهاديين المتشددين وليس إلى مجموعات المعارضة الأكثر علمانية التي يرغب الغرب في دعمها, تبعاً لمسؤولين أمريكيين ودبلوماسيين شرق أوسطيين. ... يحاول المسؤولون الأمريكيون أن يفهموا سبب تلقي الإسلاميين المتشددين لمعظم الأسلحة التي يتم شحنها إلى المعارضة السورية من خلال الأنابيب السرية القطرية, وإلى درجة أقل عبر السعودية."
تم تجاهل الرسالة التي وجهتها الحكومة السورية في 19 تشرين الأول/أكتوبر إلى مجلس الأمن/الأمم المتحدة وإلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون, والتي تسمي 108 إرهابياً ألقت الحكومة السورية القبض عليهم بسبب نشاطاتهم داخل الجمهورية العربية السورية. وفي 21 تشرين الثاني/نوفمبر, قدم السفير السوري رسالة أخرى إلى مجلس الأمن/الأمم المتحدة تحتوي على لائحة جديدة من "143 شخصاً أجنبياً وعربياً قتلوا في سوريا أثناء انخراطهم في أعمال إرهابية." وتحتوي اللائحة معلومات حول كل شخص من هؤلاء: الإسم, والعمر, وتاريخ ومكان الوفاة, والارتباطات الإرهابية, والجنسية. وقد دخلوا إلى الجمهورية العربية السورية بشكل غير شرعي من البلدان التالية: قطر, السعودية, تونس, تركيا, اليمن, العراق, أذربيجان, الشيشان, الكويت, فلسطين, لبنان, الجزائر, تشاد, باكستان.
وقد تم أيضاً تجاهل هذه الرسالة التي أرسلتها الحكومة السورية في 21 تشرين الثاني/نوفمبر, كما واجهت تأخراً غير مفهوم في الترجمة. وفي مثال مخجل آخر على المعايير المزدوجة, تبنى مجلس الأمن, بعد سبعة أيام, القرار رقم 2078 ضد "حركة 23 آذار/مارس" في جمهورية الكونغو الديمقراطية, الذي ينص على:
"8. يعبر عن قلقه العميق نتيجة التقارير التي تشير إلى استمرار تقديم الدعم الخارجي إلى حركة 23 آذار/مارس, بما في ذلك تعزيز المقاتلين والنصائح التكتيكية والإمداد بالمعدات مما يسبب زيادة كبيرة في القدرات العسكرية للحركة, ويكرر مطالبته بوقف أي دعم إلى الحركة على الفور."
لو تم منع الدعم الخارجي للمعارضة السورية, لما كان هناك حرب أهلية في سوريا.
مع حلول 28 تشرين الثاني/نوفمبر بدأت إدارة أوباما, في محاولة منها لإسقاط الحكومة السورية بشكل قسري وكامل, بالتفكير في تسليح المعارضة السورية بشكل مباشر. مع الأخذ بعين الاعتبار أن سوريا, كدولة غارقة في حرب أهلية الآن نتيجة المساعدة الغربية غير المباشرة لمعرضة اعترف الغرب نفسه بأنها إرهابية وموبوءة وتشتمل على القاعدة في سوريا التي تربط أعمالها بالإسلامويين المتطرفين في العراق, لا يبدو من الضروري تقديم أي دعم آخر للمعارضة السورية. لكن الرئيس الأسد قاوم, والولايات المتحدة متواطئة بشكل إجرامي في تقديم المساعدة, بشكل مباشر أو غير مباشر, للمعارضة التي أصبحت إرهابية بامتياز. وهكذا, وبضرب من البراعة والرشاقة, أعلن أوباما في 12 كانون الأول/ديسمبر أنه سوف يعترف بالمتمردين في سوريا. وقد اعترفت "نيويورك تايمز" أن الائتلاف المعارض الذي اعترفت به واشنطن بصفته السلطة السورية الشرعية "لن يتم اعتباره, على الأرجح, ممثلاً شرعياً من قبل الكثير من السوريين الذين لا يوالون يؤيدون الحكومة." أين هي الديمقراطية التمثيلية التي تم التطبيل لها في كل هذا؟ لقد تم حرمان قسم كبير من السوريين من حقوقهم في التصويت والتمثيل.
قامت الولايات المتحدة الآن بنشر صواريخ باتريوت أرض- جو في تركيا. وهناك حديث الآن عن تقسيم سوريا إلى مناطق علوية ومسيحية. ففي حال سقوط حكومة الأسد, هناك احتمال قوي أن يسيطر المتطرفون الإسلامويون على السلطة في سوريا مزعزعة ومتفككة تشكل خطراً كبيراً على إسرائيل والشرق الأوسط وخارجه. في 14 تشرين الثاني/ديسمبر, اقتبست "نيويورك تايمز":
"انتقدت موسكو بشدة لقاءات مثل ‘أصدقاء سوريا’ في المغرب والتي تدعم هيئة المعارضة. ... وتبعاً لألكسي ك. بوشكوف, رئيس لجنة العلاقات الخارجية الروسية, ‘تضع مراكش العصا في دواليب أي حل سلمي. وقد أصبح واضحاً الآن أن الخيار الوحيد هو الحرب.’ وقال فيودور لوكيانوف: ‘الفكرة الرئيسية هنا هي أن هناك تحضيراً لشيء ما – وإن لم يكن تدخلاً, فهناك شيء قوي وجريء.’ وقال إن هناك ‘تشابهات مع ليبيا, حيث كان الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي ذريعة للحرب.’"
وفي 17 كانون الأول/ديسمبر, جاء في "واشنطن بوست":
"كان البيت الأبيض غامضاً حول إن كان سيتصرف, وكيف, في حال سقوط الأسد وبقاء الأسلحة الكيماوية في سورية غير محمية أو وقوعها في أيدي المقاتلين المناوئين لأمريكا. ... يعمل مسؤولو الدفاع على تحديث خطط الطوارىء مع سيطرة الفوضى على سورية. قالوا إنهم يعملون عن قرب مع الإسرائيليين والأردنيين وحلفائهم في الناتو, بما في ذلك تركيا, لمراقبة عشرات المواقع حيث يشتبه أن سوريا تخزن الأسلحة الكيماوية وتنسيق خيارات التدخل في حال الضرورة. ... وفي هذه الأثناء قامت الحكومة الأمريكية وحلفاؤها الأوروبيون باستئجار مقاولين خاصين لتدريب المتمردين السوريين على كيفية مراقبة وحماية الأسلحة الكيماوية في حال فرار الأسد أو فقدانه للسيطرة على المخزون الكيماوي."
اختطفت المعارضة السورية مؤخراً الصحفية الأوكرانية أنهار كوشنيڤا. وتبعاً لصحيفة "نيويورك تايمز", 21 كانون الأول/ديسمبر:
"ليس الروس فقط من يتعرضون للتهديد. ... فقد قال هيثم المالح, أحد كبار حركة المعارضة, لقناة الجزيرة يوم الأربعاء إن المدنيين الروس والإيرانيين ‘يمثلون أهدافاً عسكرية مشروعة للمسلحين في سوريا لأن حكومتيهم قد ساندتا الرئيس السوري. ’ وقد صدر تهديد مماثل عن رجال ملثمين زعموا أنهم خاطفو كوشنيڤا, حيث قالوا على التلفزيون الأوكراني: ‘لا تدعوا روسياً أو أوكرانياً أو إيرانياً واحداً يخرج من سوريا حياً.," هؤلاء هم الأشخاص الذين اعترفت بهم للتو إدارة أوباما بصفتهم الحكومة السورية الشرعية.
لقد تم تفريخ المتمردين السوريين, الذين تسربت المجموعات الإرهابية إلى صفوفهم, نتيجة زواج المصالح البذيء بين القوى الرأسمالية التي ترتدي قناع الاحترام, والتي يكشف عن سرها القذر الصغير ضابط "سي آي إيه" روبرت باير في كتابه "النوم مع الشيطان".
يكاد يكون من المستحيل تصور طريقة يمكن من خلالها إنقاذ وحدة وسلامة الأراضي السورية. فالغرب مستمر في تسليح المتمردين الإرهابيين ويحاول أن يشرعنَ ويبررَ تورطه في التدمير المنهجي لسوريا, هذا البلد الذي كان أكثر البلدان العربية تقدمية. وفي محاولته المزعومة لفرض "الديمقراطية", بقوة القنابل أو من خلال العمل سراً على زعزعة الاستقرار, دمر الغرب أفغانستان والعراق وليبيا والآن سوريا, حيث جلب الخراب لبلدان أكثر من البلدان التي خربها أتيلا, وترك هذه الدول الفاشلة في أيدي الإرهابيين, وبكلمات الحكيم الكبير السيد الإبراهيمي:
" مؤسسات تتهاوى, وانتشارالفوضى وغياب القانون, وسيطرة أسياد الحرب واللصوصية والمخدرات وتهريب السلاح, وأسوأ من ذلك كله ذلك الوجه القبيح للنزاع المجتمعي والطائفي."
لقد تم تحويل هذه البلدان, التي كانت فخورة ومستقلة وأصبحت الآن دولاً مدمرة وفاشلة, إلى بلدان ضعيفة يسهل على ملوك الرأسمالية النهمين السيطرة التهامها.
منذ ثلاثين سنة طالب الرئيس الأفغاني نجيب الله, تبعاً للقانون, بأن يتلقى كل الأطفال, صبياناً وبنات, التعليمَ العلماني؛ حيث احتلت النساء – كما الرجال – مناصبَ وزارية حكومية, وكانت البلد في طريقها إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لكن الماس المتعلمين أقل عرضة وقابلية للاستغلال, ولذلك كان على نجيب الله أن يرحل. وفي أفغانستان نفسها بدأت حكومة كارتر تويل وتدريب وتسليح الإرهابيين الإسلامويين.
والذي ساعد في تدمير الحكومة التقدمية العلمانية في أفغانستان لم يكن سوى صديق تشارلي ولسون, قلب الدين حكمتيار, الذي كان مسؤولاً عن رش وجوه الفتيات اللواتي يذهبن إلى المدرسة بالأسيد. "كان اختصاص حكمتيار سلخ جلود السجناء أحياءً."
لكن الممثل الجمهوري عن تكساس تشارلز ولسون, الذي خلدته هوليوود, كان أحد المتحمسين لأسيد حكمتيار وبغضه للنساء. ومع اندلاع الحرب, ألهمَ حكمتيار وزبون السعودية المفضل, عبد الرسول سياف, الإسلامويين الإرهابيين المتطرفين في مصر والجزائر والسعودية والعراق وأماكن أخرى بما في ذلك الشيشان وأوزبكستان.
هذا هو الجيش الكوني الذي يدعمه الغرب بشكل سري, وهذه هي القوة التي يجب على المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة أن بواجهها, بالإضافة إلى رعاتهما في الغرب.
لا يمكن للمرء إلا أن يُعجبَ بالإبراهيمي لمجازفته بسمعته وقبوله بهذه المهمة. وليس بمقدور المرء إلا أن يأمل بنجاحه في إنهاء هذا الجشع المهووس للسلطة قبل أن يفجرَ حرباً عالمية. لأن الهدفين التاليين هما روسيا والصين.

*كارلا ستيا: مؤلفة ومحللة جيو- سياسية وصحفية معتمدة في مقر الأمم المتحدة في نيويورك

تُرجم عن "غلوبل ريسيرتش", 30 كانون الأول/ديسمبر 2012

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...