إنها سورية, أيها الإخوان

10-03-2014

إنها سورية, أيها الإخوان

الجمل ـ عبد المتين حميد:

مقدمّــة: تمتلك سورية دوراً محورياً في معادلة الشرق الأوسط لكونها الداعم الرئيسي للمقاومة في وجه الكيان الصهيوني و لتأثيرها الكبير على دول الجوار خصوصاً لبنان بالإضافة إلى علاقتها المميزة بكلٍّ من إيران و روسيا. من مصلحة القوى العظمى أن تبدي اهتمامها البالغ باستقرار نظام الحكم في سورية و ذلك لقدرة الرئيس السوري على التأثير على سير عملية السلام في الشرق الأوسط وعلى تحقيق الاستقرار الإقليمي و كذلك التأثير على العلاقات بين دول المنطقة. إلا أنّ الولايات المتحدة الأمريكية كانت و ما تزال تعمل على ضرب استقرار الدولة السورية. اعتمدت الإدارة الأمريكية بشكل كبير على أداتها "الإخوان المسلمون" لمحاربة نظام الحكم في سورية,  و محاولاتها لتقويضه لم تنقطع منذ الستينيات, و لكن كلمة الحسم كانت دائماً و أبداً للشعب السوري.
الإخوان في سوريا: تواجَد التنظيم الأصولي "الإخوان المسلمون" في سوريا منذ 1937 دون أي دور سياسيّ فاعل إلى أن كان العام 1963, و بالتزامن مع وصول حزب البعث إلى السلطة, تقمّص الإخوان دور الحزب المعارض, فمارسوا معارضتهم عبر إثارة أعمال الشغب و التحريض ضد حكم حزب البعث "العلماني". في شهر نيسان عام 1964 أعلنوا التمرد الشامل في حماة. التمرّد في القاموس الإخواني هو تنفيذ عمليات اغتيال لمسؤولين حكوميين و تفجيرات لمباني حكومية ولمكاتب حزب البعث. لم تدم بهجة الإخوان و داعميهم كثيراً, إذ شنّ الرئيس أمين الحافظ حملة عسكريةً على مدينة حماة و طوّقها و قمع الإخوان و قضى على تمردهم و أصدر قراراً بحظر تنظيم الإخوان. ألقي القبض على العديد من القيادات الإخوانية و بقي بعضها مختبئاً في سوريا و تمكّن بعضها الآخر من الهرب إلى لبنان و الأردن و دول الخليج خصوصاً السعودية. بعدها لجأ الإخوان إلى الاعتماد بشكل كامل على العمل السرّي. تمددت ذراعهم الخفيّة المعروفة باسم "الجهاز السرّي". عُرف هذا الجهاز السرّي بعدة تسميات منها "شباب محمد" و "جند الله" و لكن التسمية الأشهر كانت "الطليعة المقاتلة". صعَّد الجهاز السرّي من وتيرة عمليات الاغتيال والتفجيرات والمجازر الطائفية. بعد عدة أشهر و في العام 1965 أُلقي القبض على قائد الجهاز السرّي عدنان المصري و أُعدم. تولّى مروان حديد قيادة الجهاز السري. هكذا انتهت المواجهة الأولى و انهزم الإخوان. كانت هزيمة ساحقة.
بعدها خفت وتيرة الاغتيالات, نوعاً ما. اكتفى الإخوان ببعض المناوشات و التعبير عن مخاوفهم من الحكم العلماني لحزب البعث. اهتاجوا أكثر في آذار 1973 بعد اعتماد الحكومة السورية في عهد الرئيس حافظ الأسد لدستور جديد يخلو من الإشارة الصريحة بكون الدين الإسلامي هو الدين الرسمي للدولة السورية. توفي مروان حديد عام 1976. انتقلت قيادة الجهاز السري إلى عدنان عقلة. في أواخر السبعينات و على الرغم من ازدياد عمليات الاغتيال لتطال الكفاءات السورية من غير العسكريين و نتيجةً لرغبة الرئيس حافظ الأسد في البحث عن مخرج و وضع حدّ لدوامة العنف و العودة باللحمة الوطنية إلى واقعها المنشود حصلت مبادرة مصالحة بين الحكومة السورية و جماعة الإخوان المسلمون قادها من قبل الإخوان أمين يكن مما أدى إلى حالة من التوافق قادت إلى إطلاق سراح المئات من أعضاء التنظيم الإخواني وقياداته.
في العام 1979 نجحت الثورة الإسلامية في إيران و أطاح الإمام الخميني و رفاقه و أصدقاؤه بنظام الشاه التابع المخلص لأمريكا. آلت الأمور في إيران إلى نظامٍ مشبعٍ بالحقد على الشيطان الأكبر. آنذاك, تخبطت واشنطن جراء هذا الفشل الذريع في السياسة. لم تتقبل الإدارة الأمريكية ذلك فَسعَت إلى إنشاء نظامٍ بديل في منطقة الشرق الأوسط الكبير. وضعت الإدارة الأمريكية خطّة لإطلاق ثورة "شعبية" مشابهة للثورة الإيرانية في سوريا بالاعتماد على الإخوان. أطلق عليها اسم "الثورة الإسلامية في سوريا". فعلى الرغم من السير في عملية المصالحة إلا أنّ الطبع غلّاب و طبع الإخوان الغدر و اعوجاجهم لا إصلاح له و انتماؤهم للجماعة أقوى بكثير من انتمائهم لأوطانهم... حددت ساعة الصفر بارتكاب مجزرة مدرسة المدفعية بحلب. اندلعت أعمال العنف في المدن السورية. استمرّ القتال الدامي أشهراً عديدة بين الجيش العربي السوري بقيادة الرئيس حافظ الأسد و ميليشيات الإخوان المدعومة من الحزب الشيوعي السوري جناح رياض الترك و نظام العراق. في صيف 1980 قصم الرئيس الأسد ظهر الإخوان و انتهت المواجهة الثانية مع الإرهاب الدولي.
استخدم الإخوان خلال هذه الحرب النعرة الطائفية لحشد الدعم الشعبي لصالحهم. سارت الرياح بما لا تشتهي سفنهم. لفظهم الشعب السوري و التفّ حول قائده الرئيس حافظ الأسد و أيّده في حربه ضد الإخوان. فتّشت مراكز صنع القرار في الغرب عن السبب و برّرت: "إنّ الشعب السوري براغماتي بطبعه... فالرئيس الأسد وفّر لسوريا استقراراً سياسياً لم تحظ به منذ الاستقلال عام 1946".
في أواخر العام 1980 اجتمعت القيادات الإخوانية - الموجودة في المنفى – و حمّلت المرشد الأعلى عصام العطار مسؤولية تدهور الموقف السياسي للإخوان في سوريا نتيجةً لافتقاده الديناميكية في قيادة التنظيم بالإضافة إلى سوء صحته. تشكّلت قيادة جديدة للإخوان. أُزيح عصام العطار من منصب المرشد الأعلى لصالح عدنان سعد الدين. تسلًم سعيد حوّى منصب المراقب العام و صار صدر الدين بيانوني نائبه. تسلّم عدنان عقلة رئاسة الجهاز السرّي أي الطليعة المقاتلة. تبنّت حركة الإخوان اسماً مستعاراً جديداً و هو " الجبهة الإسلامية ". أصدرت القيادة الجديدة للإخوان "بيان الثورة الإسلامية المسلحة في سوريا ومنهاجها". كان البيان إعلاناً رسميّاً ببدء الهجمة الإرهابية الإخوانية الثالثة على سورية. لم تكن هذه الهجمة كسابقتيها. فقد تلقت دعماً دولياً هائلاً. كان دعماً غير مسبوق.  ترافقت بحملة إعلامية ضخمة امتدت من هونغ كونغ إلى بروكسل مروراً ببغداد و أنقرة و بون.
تكتيك الهجمة الإرهابية الإخوانية الثالثة على سورية: وضعت الخطة في بدايات العام 1981 بالتنسيق مع حكومة العراق. كانت الخطة قائمةً على عاملين رئيسيين؛ الأول هو القيام بتمرّد شامل في مدينة حماة باعتبارها المعقل الرئيسي للإخوان في سوريا و لتمركز مقرّاتها السريّة فيها, و الثاني هو وجود حملة إعلامية ممنهجة تبثّ البروباغندا اللازمة. كانت تقول الخطة بنشر أعمال الشغب في كامل حماة أولاً و من ثمّ نقلها إلى كل من حلب و دمشق و بقية المدن, و سيكون ذلك مترافقاً مع إضرابٍ عام بهدف شلّ الدولة السوريّة. في ظل هذه الفوضى العارمة يقوم المنشقون العسكريون بالانقلاب على الرئيس حافظ الأسد. أمّا عملية البروباغندا فكانت تقتضي بإذاعة البيانات الصحفية من أوروبا و أمريكا و كذلك بث الإشاعات و الفبركات عبر إذاعة صوت لبنان و إذاعة صوت سوريا العربية و صحيفة المنبر التابعتين للنظام العراقي. الهدف من البروباغندا هو تبرير الأعمال الإجرامية الإخوانية وفبركة أخبار الانتصارات التي تحققها المليشيات على الجيش العربي السوري و الحديث عن انشقاقات ضخمة في صفوفه. و في إطار الحرب الإعلامية أيضاً حاول الغرب تصدير نظرية "الأخ الكبير" و تعميمها بهدف حث الشعب السوري على التمرّد عليه. لم تنطلِ هذه الحيلة على الشعب السوري الذي لم يكن يرى في شخص الرئيس حافظ الأسد أخاً كبيراً. لقد كان "الأب".
في صيف 1981 تسلل العديد من أعضاء الجهاز السري الفارين عائدين إلى حماة من تركيا و الأردن و العراق بعد أن أنهوا تدريباتهم هناك, و اقتحموا مكتب المحافظة في حماة و استولوا على المئات من بطاقات الهوية ليستخدموها, و قاموا بالعديد من عمليات التفجير الإرهابية و الاغتيالات في أرجاء سوريا.
في بداية العام 1982 اكتشفت أجهزة الأمن السورية وجود بعض الانشقاقات في الجيش, فقامت على الفور بتنفيذ عمليات تفتيش دقيقة في محافظة درعا. خاف الإخوان من حملة التفتيش المماثلة التي ستطال حماة, فأطلقوا عمليات التمرد و الشغب في حماة قبل أوانها و صاحبتهم البروباغندا من لبنان و العراق. لم يكن الإخوان واثقين من نجاحهم و لكنهم كانوا يمنّون النفس بأنّه على الأقل ستتحول حماة إلى رمزٍ للنشاطات المضادة للحكومة السورية في المستقبل. بعد حصول العديد من الاشتباكات بين قوات الأمن السورية و ميليشيات الإخوان, انطلقت الدعوات إلى الجهاد من مآذن المساجد في حماة تحديداً. تمّ توجيه الناس نحو مساجد بعينها للحصول على الأسلحة. في ذات الوقت كانت الفرق التابعة للجهاز السرّي مرتدية الزي العسكري تهاجم المقرات الحكومية في حماة. أحد هذه الفرق هاجمت مكتب الشؤون المدنية و أتلفت السجلات المدنية لمحافظة حماة. فرقٌ أخرى هاجمت مراكز الشرطة و مقرات حزب البعث و المقرات العسكرية في حماة.
البروباغندا الإعلامية و الواقع الميداني: في التاسع من شباط بثت إذاعة صوت سوريا العربية بياناً صادر عن "الجبهة الإسلامية" – أي حركة الإخوان- حول سير العمليات القتالية في حماة, و كانت النشرات الإخبارية تتحدث عن تمكن المليشيات الإخوانية من السيطرة على حماة و إعدام 50 شخصاً تمّ وصفهم بالجواسيس و المخبرين. كما أذاعوا أخباراً عن انشقاق الفرقة 47 و انضمامها إلى المتمردين, و عن رفض الطيارين السوريين للأوامر الخاصة بقصف مدينة حماة. و نشرت إشاعات تقول بأن التمرد وصل إلى القوات البحرية في اللاذقية و القاعدة الجوية في تدمر و العديد من الاشتباكات في حلب. و وفقاً للبيان الرسمي فقد بلغ عدد القوات الحكومية التي تمّ قتلها أو إصابتها من قبل ميليشيات الإخوان حوالي 3000 شخص. بعدها تتالت البيانات الإخوانية في أوروبا عن قيام الإخوان بتحرير حماة و فشل المحاولات الحكومية في استرجاعها, و من ثمّ بيانات عن سيطرة "الثورة الإسلامية" على أجزاء كبيرة من الطريق الدولي حلب-دمشق و غيرها الكثير من البيانات التي تدعي حصول انشقاقات كبيرة و السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد, و كما أصدروا فتوى تحرّم دفع الضرائب للحكومة السورية.
ميدانياً و على أرض الواقع لم تنتشر الاضطرابات خارج حماة, باستثناء بعض التفجيرات الإرهابية التي قام بها الإخوان في دمشق و غيرها من المدن. في نهاية شباط كانت القوات السورية قد حررت مدينة حماة من قبضة الإرهابيين و كانت تلاحق ما تبقى من جيوب متناثرة للإخوان في الجزء القديم من المدينة.
لقد أدرك الرئيس حافظ الأسد بأنّ الشعب السوري يفضّل الاستقرار على رؤية الإخوان في السلطة, لذلك كانت استراتيجيته في حربه على الإخوان قائمةً على إعادة الاستقرار إلى سورية في أسرع وقت. من جهة أخرى, فإنّ التكتيكات التي اتبعها الرئيس حافظ الأسد هدفت إلى إفهام الغرب و أمريكا بأنّه متحكم بكامل مفاصل الأجهزة الأمنية و العسكرية في سوريا و بأنّه قادر على استخدام القوة وقت اللزوم و بأنّه – و هو الأهم - غير عابئ بالبروباغندا الإعلامية الضخمة مهما حاولوا تزييف الوقائع و نشر الأكاذيب. في السابع من آذار عام 1982 ألقى الرئيس حافظ الأسد خطاب الانتصار موضحاً فيه الطبيعة الإرهابية للإخوان و عدم احترامهم لبيوت الله و تدنيسهم للمساجد التي حوّلوها إلى مستودعات للأسلحة. هكذا انتهت الجولة الثالثة بالانتصار على الإخوان و من خلفهم الإدارة الأمريكية. كان انتصاراً ساحقاً.
ملاحظة: قلّما نقرأ أو نسمع عن حملة الرئيس أمين الحافظ ضد الإخوان بينما يتردد و بشكل متكرر الكلام عن مواجهتي الرئيس الأسد للإخوان, الهدف من هذا هو تغليف الصراع بين الإخوان و سوريا بالغلاف الديني و إيهام الشعب السوري بأنّ الصراع طائفي.

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...