ملف غياب محمود درويش (5)

13-08-2008

ملف غياب محمود درويش (5)

محمود درويش مع ماجدة الرومي والزميل طلال سلمان واحمد قعبور خلال مهرجان » حاصر حصارك « الذي اقامته »السفير« في المدينة الرياضية العام ٢٠٠٢محمــود درويــش ..لمــاذا تركــت الحصــان وحيــداً (٣)

¯ محمد ملص:
قـوس الألـوان
فراق مستبد يبعثر الصور والكلمات، ولا يترك لي لغة تليق برحيلك يا محمود أو بغياباتك المترامية .
كم مضى من العمر وأنت تلون فضاءاتنا فيحملنا كلامك وقصيدك ، ومذكراتك ورسائلك وصورتك وصوتك، من ما كانت عليه أيامنا إلى ما آلت إليه ؟
هل بدأ هذا من ذاك اليوم الذي هرعت فيه نحو تلك الصبية لألمس شفاهها، فأخرجت لي من صدرها ديوانك لتعلمني »العشق«؟!
يومها انتبهت إلى معالم عمري.
أم بدأ هذا يوم كان »في الشام مرآة« لروحك، فصرخت امرأة أخرى وهي تريني قعر فنجان قهوتي، وقد رسمت بقايا البن صورة فلسطين!
عندها تساءلت كم صار عمري؟ !
أم بدأ في موسكو يوم هربوا لنا من فلسطين مجلة نسيت اليوم اسمها، ربما كانت »الجديد«، وقرأنا اسمك وكلماتك، فالتمع الضوء فوق نيران الصبا في داخلنا، وتوهجنا للقاءنا بك من تلك الأرض وعنها ولها ومن أجلها... أيامها بدت لنا موسكو أكثر بهاء وأقل عبوساً واشتهينا أن نرمي القصائد بين أيدي من يمنحنا قبلة أو طعاماً أو رسالة... وازددت تمسكا بالسينما التي أحلم بها...
نحن الذين يا شاعرنا قد اعتادوا العيش في هذه الحياة لأنك أنت فيها... وعبرناها وأنت ترسم صورنا وتاريخنا ويومياتنا، وفي كل هذا كنت في الهواء وفي تلك الصور... كنت قوس الألوان الذي يشد الأشرعة نحو محرق الحكايا.
يأتي الصباح أوالمساء أو المنام وأنت كامن في زمننا .
قد نغيب أو نغرق في أوزار الدروب، لكن رسالة تحط بيننا وهي في طريقها لصديقك سميح القاسم، نحرك إبرة الراديو فيتناهى الينا مرسيل خليفة يحن لقهوة الأمهات، نخرج ويوسف شاهين من عتمة صالة الرقابة السينمائية بعد »العصفور« إلى الشوارع، فتفاجئنا بخوائها، فقد هرع الجميع إلى الملعب الكبير تشخص أرواحهم إليك لتخرجهم من حصار ومن سفر ومن رحيل إلى صورة فلسطين وحكاياتها .
بالحب وبالسينما وببحة صوتك كنا نقيس أعمارنا ونتساءل كم بقي لنا من الهزائم .
فهل حقاً تجرأت وطلبت أن يزيلوا عنك أجهزة الإنعاش !
ونحن؟!
متى نجرؤ فنطلب إزالة أجهزة الإنعاش التي نعيش عليها؟! ألم تحدث آلاف الأخطاء في القصيدة بعد؟!
لا يخرج الصوت من كلماته في هذا النهار فقد فارقتنا، وتركت لنا أصوات الرصاص في كل مكان، فنحن كما قلت »لولا السراب لما صمدنا« ومازالت غرفنا وزنزاناتنا في أقبية قصور السلاطين والملوك والأمراء والرؤساء ... توجعنا هذه الحياة : »يا يوسف...!؟« ولا أحد منا يقوى على إزالة أجهزة الانعاش من أجسادنا.

¯خضر الآغا:
شاعر الجميع
كثيرون من الشعراء العرب، ما بعد محمود درويش، أمضوا جزءاً من حياتهم بقراءة محمود درويش، وجزءاً بالتأثر به والكتابة على منواله، وجزءاً آخر بمحاولات تخليص قصيدتهم من آثاره. فكيف سيمضون ما بقي بعد رحيله؟
لا أهمية للإجابة كما لا أهمية للتساؤل. لقد رحل محمود درويش وحصل نقصان في الشعر، وزيادة في الرثاء والدموع. مع شاعر بحجم درويش يحق للجميع أن يشعر بالخسارة، بل بالخسارة الشخصية.. إذ إنه كان دالة الشعراء على بناء عمارة الشعر وتقويضها بآن معاً، على تأسيس مملكة الشعر والانقلاب عليها بآن معاً، على التجاوز والتخطي، على الوصول إلى الشارة في آخر الطريق ثم قلبها لتصير في أول الطريق وهكذا... باستمرار وبلا هوادة.
ما زلت أشعر بالتزام إزاء العبارة التي أطلقها على نزار قباني إبان رحيله، تلك العبارة الحاسمة والنهائية: »نزار قباني شاعر الجميع«. والآن إذا كان لا بد من تعريف محمود درويش، فإنه، بعد كل تلك التجربة معه، مع قرائه، أمسياته، ندواته، كتبه، اسمه، حضوره... بعد أن كنا شهوداً عيانيين على تشكله وتحوله إلى أسطورة، بعد أن شاركنا راغبين ومتواطئين بتكونه كأسطورة الشعر العربي الحديث، يمكن أن نقول بلا تردد: إنه شاعر الجميع.
إلى جوار امرئ القيس، المتنبي، المعري، أبي تمام، وولت ويتمان، لوركا، رامبو... وهذا النسق من صانعي الشعر في هذا العالم، تمدّدْ. إن قصائدك جزء من دمنا جميعاً.

¯ فارس خضر:
خسـارة الشعـر
رحيل محمود درويش مفاجأة من العيار الثقيل ككل مفاجآت وطننا العربي المأساوية، هو قامة شعرية أكبر من أن ننصفها في كلمات أو حتى صفحات، وسوف تظل الأجيال القادمة من الشعراء والكتاب تتزود بشعره ومواقفه، حمل شعلة القضية الفلسطينية وعبر عن جراح الفلسطينيين والعرب على السواء، دون أن ينتقص من شعريته، فلم يقدم شعرا شوفنيا متعصبا بل اتسمت قصيدته بكل المعاني الإنسانية التي تتجاوز القطرية والإقليمية. إنه شاعر استثنائي كبير، تكاد لا تختلف على شعريته كل التيارات والاتجاهات الشعرية والإبداعية في العالم العربي، هو خارج التصنيف والتقسيم، كل ديوان من دواوينه حالة إنسانية وشعرية، لقد كنا ننتظر دواوينه بشغف ومحبة ولهفة كأنما ننتظر الجديد في الشعر، إن رحيله خسارة للتجربة الشعرية العربية، فهو أعظم شعرائها دون أن ننتقص من قدر أحد.

علي عطا:
في وداع محمود درويش
ثمة ما يربط بالتأكيد بين عبد الوهاب المسيري ويوسف شاهين ومحمود درويش. رحل الثلاثة تباعاً بعدما ربطت بينهم »المقاومة« سنوات طويلة من دون اتفاق مسبق. كان كل منهم يقاوم على طريقته، وفي ذهنه يقيناً القضية الفلسطينية.
ذهبت مقاومة محمود درويش إلى ما هو أبعد من »القضية«، وينطبق الأمر نفسه على كل من المسيري وشاهين. مقاومة القبح قاسم مشترك بين الكبار الثلاثة.. وكذلك مقاومة الموت. كان درويش إذاً يودع أصدقاء الشعر عندما جاء إلى مصر في فبراير ٢٠٠٧ ليتسلم جائزة ملتقى القاهرة للإبداع الشعري، ولكنه كان في تلك اللحظة مفعماً بالحياة، تماماً كما كان عند سفره إلى أميركا للخضوع لمجرد فحوص طبية. لوح إلى أصدقائه هنا وهناك قائلاً إلى لقاء، كما فعل في مرتين سابقتين عندما جلس إلى الموت وجهاً لوجه خلال جراحتين في القلب. قال لأصدقائه إلى لقاء ولم يكذب، فها هم ينتظرون.

¯ فيصل خرتش:
أنا والموت ودرويش
عام ١٩٧٠ كنت عائداً إلى البيت، ووقفت أمام بائع الصحف والمجلات، وبعد أن فحصتها انتقيت مجلة، أعتقد أنها كانت الآداب، وفي داخلها كانت قصيدة لمحمود درويش، لا أذكر اسمها، قرأتها وأعدت قراءتها مرّةً، وثانية، وثالثة، ومن يومها تعرّفت على شاعرٍ... شاعرٍ يهشّ بعصاه فينطق شعراً، وكنت أيّامها طالباً في كلّيّة الآداب ـ قسم اللغة العربيّة، السنة الأولى، يومها تعرّفت إلى محمود درويش الشاعر والإنسان، وبقي هذا الاسم منحوتاً بذاكرتي إلى أن وجدت ديوانين، اشتريتهما له، وفي حضوره البهي في جامعة حلب ألقى بعض القصائد، فعرفت أنه شاعر العرب، ومنذ امرئ القيس إلى هذه الساعة، لم تعرف الأمّة شاعراً غيره.
اليوم، أعود إلى البيت ليلاً، فأصعق بالخبر وتنتابني حالةٌ من الأسى والحزن ورهبة الموت لأنني قرأت في شريط الأخبار خبر موت الصديق الودود محمود درويش، أولادي كانوا قد عرفوا الخبر، فتركوني أنا، والموت... ودرويش. ذهبت إلى غرفتي لأبكي، فمانعني البكاء، أصبت بحالةٍ من اللا جدوى والعبث، أيعقل أن تطال يد الموت هذا الإنسان النبيل مرهف الإحساس والمشاعر، الرقيق بطبعه، الشاعر بكلّيّته. ألم أقل لك؟ نعم يا صديقي... لقد مات محمود درويش، الشاعر العظيم، شاعر الأمة الذي توقّف الشعر عنده، مات شاعر فلسطين، فهل تموت القضيّة؟

¯ السيد نجم:
لا وداع لدرويش

من قبله، كان المصطلح هو »أدب الحرب« و»أدب المعركة« و»الأدب المحفز« وغيره.. من بعده بات المصطلح »أدب المقاومة« راسخا، جامعا، وفى المقدمة.
منذ بداياته الأولى: مع قصيدته التي ملأت الأسماع والقلوب »أكتب..«، التقريرية، ربما.. المباشرة، ربما.. وجملة قصائد مرحلة ما بعد النكسة مباشرة. ومع ذلك كانت بصدقها ورهافتها معبرة عن وجدان الملايين. وأي طموح لشاعر، أكثر من أن يبدو هكذا صوتا لشعب يعد بالملايين، لا صوته هو وحده.
وانتقل إلى شعرية جديدة ببساطة التنفس، وأيضا لم يتنازل عن »القضية«، فكتب »عودة الأسير« و»سرحان يشرب القهوة« وغيرهما. بفضل قاموسه الشعري البسيط، الانساني، والسردية والحوارية ومحاكاة صياغات الأغنية الشعبية مرة، والسرد القرآني مرة، والغنائية الرهيفة مرات.. رسخ درويش لشعره.. وأيضا لم ينس القضية.
فلما جعل اجتثاث الفلسطيني من أرضه، وحلمه بالعودة واسترداد الأرض، الغاية والمسعى وراء كل ما كتب. جعل من الفلسطيني/ آدم العصر الحديث/ وجعله بطعم الألم واللذة بطعم الزيتون والتفاح/ حتى قال في إحدى قصائده الأخيرة: »وداعا وداعا لقصيدة الألم«.
كل ذلك في رحلة مع القصيدة التقليدية حتى قصيدة النثر، وكأنه شاء ألا يرحل عنا إلا وقد أوجز شعر العربية في شعره شكلا.. وأيضا لم ينس القضية!
ترى هل كانت أشعار »محمود درويش« تسبق القضية؟ وان كان الأمر كذلك فهي مفخرة له ولجيله ولكل الشعراء العرب، والبسطاء في الشوارع والحارات.
رحم الله »درويش« رحمة واسعة، ووداعا لمن رسخ لشعر المقاومة، وجعله مثل فنجان قهوة الصباح.

¯جواد صيداوي:
لكن فلسطين باقية
صعقنا الخبر دون أن يشعرنا بالفجيعة. كلنا ميتون، ولا بد لكل قلب، وإن كان قلبا كبيرا كقلب محمود درويش، من أن يجنح الى الراحة والهدوء.
صعقنا الخبر لأنه فاجأنا بصلابة فظة كحد السكين، فلعثم المشاعر وأقض ليلنا والنهار. ثمة صوت نبوي آخر حكم الموت عليه بالصمت. بالصمت؟! خسئ الموت، »ظل« محمود دوريش »العالي« يرفرف برونقه الموقظ، على أشلاء واقعنا الآسن، فيحرك السواكن ويحيي موات النفوس، وخفقات قلبه المرهق تنبض، بكل دفئها، في قلوب الملايين، الذين آمنوا، عبر إيمانه، بأن »على هذه الأرض ما يستحق الحياة«.
وعلى الرغم من التزام محمود درويش، المطلق، بقضيته الأساس، وهي فلسطين، إلا أنه حرر القصيدة، في دفاعه عن تلك القضية، من أسر المناسبة، وأسر الانفعال، وأسر الحقد، وغدا دفاعه، شعريا، ليس دفاع مناضل فلسطيني يدعى محمود درويش ضد مغتصب أرضه الإسرائيلي فحسب، بل هو تصوير لنضال إنسان، مطلق إنسان، يحب بلده، ويحب الحرية، ويحب الجمال، ضد عدو بلده، وعدو الحرية وعدو الجمال، وعدو البشر جميعا. وبهذا النهج الشعري الفذ، نجح محمود درويش في إيصال جوهر قضيته، ليس الى المحافل الدولية المرتهنة، في غالبيتها، الى من نعرف جميعا، بل الى ضمائر الأحرار والمناضلين في العالم بأسره.
ولم يكن الجرح الفلسطيني النازف باستمرار، هو الهم الشعري الوحيد لدى محمود درويش، بل هناك الجراح القومية، التي لا حصر لها، نراها حاضرة في العديد من قصائده، ومنها، خصوصا، الجرح اللبناني. ففي لقاءاتنا في مقهى باريسي حميم، في أحد الشوارع الخلفية المتاخمة للشانزيليزيه، كلما زار العاصمة الفرنسية، كنت أراقب التماع عينيه وهو يتحدث عن بيروت، ومأساة بيروت، لدى الغزو الاسرائيلي للبنان سنة .١٩٨٢ وكانت بيروت وفية للشاعر الكبير في إطلالاته الشعرية عليها.

¯ هشام نشابة:
فاضت دموع وانحبست
غاب عنا محمود درويش فسكن الحزن قلوب الناس في فلسطين وسائر بلاد العرب، وفي اوساط الفكر والشعر والادب في العالم... فاضت دموع، وانحبست دمــــوع... غاب خير من عبّر عن مأساة العرب في حاضرهم، فقـــد احب الناس رغم المأساة، وسجل على جدران الشـعر اروع مشاعر العزة والكرامة... وآلام شعبه... فما أحلى الشعراء يوم يتألمون ويحبون؟!
اكتب عن محمود درويش عضو مجلس امناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية، والمناصر والداعم للبحث العلمي فيها. سيفتقد مجلس الأمناء صوته الهادئ يتلو آخر اشعاره، او يرتجل، في ختام جلسات المجلس مضيفاً بذلك بعداً إنسانيا لا انبل ولا اجمل الى مداولات مجلس يغلب عليها الجد الصارم الذي تفرضه هموم البحث العلمي وسد العجـــز في المـــوازنة... فإذا بخاتمة الجلسات مسك وعنبر، وامل مشـرق. دعوناه ذات يوم لإحــياء امسية تكريما لذكرى قسطنطين زريـــق فأصــر ان يكون مع الاستاذ مرسيل خليفة. لم اكـــن اتصــور ان عناق الشعر والموسيقى يمــكن ان يســـخّر لخـــدمة قضية كما كان الامر في تلك الامسية الرائعـــة في قصــر الاونيســـكو في بيروت. وكم كان الجمهور متجاوباً وفخوراً!! كأنما كل واحد فيه شاعر وفنـان او ذواقة شعـــر وموسيقى، وملتزم قضية العرب الاولى... يومها ايضا فاضت دموع، وانحبست دموع.
من الناس من اذا غاب عن هذه الدنيا ذاع صيته اكثر، وزاد قدره، وعظم حضوره، وترددت اصداء اقواله في كـــل مجـلس... هـذا شأن شاعرنا الراحل الكبير، صوت فلـسطين والعرب والانسان، يشـــدو بلغـ عربية حلـوة الجـرس، عميقة الاثر، أنيقة العبارة.
سيفتـــقدك زملاؤك كثيرا في مجالسهم ايها الزميل العزيز، وكلما اجتمـــعوا سيســتلهمون آمالك وأمنـــياتك وطموحاتك لمستقبل عزيز وكريم لأمتك وللناس كافة.

¯ رفعت سلام:
شاعــر سيــاســي
خسارة فادحة ضربت الشعر والثقافة العربيين ضربة كبيرة، ولعل الوضع الفلسطيني الراهن حيث يقتل الفلسطيني برصاص الفلسطيني هو ما كسر قلبه وحلمه الذي استمر قرابة الخمسين عاما من الشعر فآثر الرحيل، لكن صوته الشعري يمثل فرادة غير مسبوقة وبلا نظير في الشعر العربي، صوت يختصر نصف قرن من الحلم والهزيمة والصمود والانكسار والخيانة والشهادة، بما لم يحدث من قبل في الشعرية العربية، وهو في نفس الوقت الصوت الذي أعاد صلة الجمهور العادي إلى الشعر بعد أن انقض بسبب اللهاث وراء لقمة العيش وهمومه الصغيرة، لكن أعماله الأخيرة التي تمثل في تقديري أصفى ما كتبه شعرا هي التي ستلهم أجيالا قادمة من الشعراء والمثقفين.
إن صوت درويش بقامة نيرودا وناظم حكمت وطاغور ومايكوفسكي، إنه اختصار للشعرية الإنسانية أو الاختصار العربي لهذه الشعرية، رحل درويش ولم يرحل غاب ولم يغب، وسيكون أمامنا وقت طويل لتأمل ما جرى واستعادة قصائده من بطن الأوراق... تجربة درويش تنقسم إلى عدة مراحل واضحة حداها دواوينه الأولى (المقاومة ) والحد الآخر دواوينه الأخيرة الأكثر ركونا إلى التأمل والاستبصار والمراجعة والمسائلة إلى حد نفيه لبديهيات قصيدته السابقة الأولى، وبيــن الحدين هذين يتراوح بين التجريب الشـــعري واللغوي عموما كما في ديوان (أحبك أو لا أحبك) و(محاولة رقم سبعة ) وبين الاســـتجابة للحظة العابرة كما في (مديح الظل العالي) حيث يعلو صوته الهــجاء والرثاء والنشيد إلى آخر طبقات الصوت الشعري.
ورغم أنه في شهوره الأخيرة طالب بقراءته من دون اعتبار للسياسي إلا أنه شاعر يتبنى قضية محورية يتبين التعبير عنها شعريا من مرحلة إلى أخرى، وقد أدت فرادته الشعرية إلى أن يطبع جيلا كاملا من الشعراء الفلسطينيين وشعراء الجنوب اللبناني بصورة واضحة من دون إمكانية الانفلات من سطوة حضوره الشعري.

¯عبد المنعم تليمة:
المجــدد
لا ريب في أن تجديد الشعر العربي هو أكبر حقيقة في الحياة العربية الحديثة والمعاصرة ويعكر على هذا التجديد أحيانا أدعياء يفهمون التجديد على أنه الصخب ورفع الشعارات بينما يفهم المجددون الحقيقيون الموهوبون الأمر على أنه معاناة حقيقية تلم بتراث الأمة وتحيط بالمشترك الإنساني ولقد كان محمود درويش في القلب من هذا الأمر، جمع في إبداعه عبر خمسين عاما المتواصل والمتواتر والمروي من موروثات الشعب الفلسطيني ومن تقاليد الشعر العربي ومن الخوالد الثقافية الإنسانية، انطلق من الحقيقة الفلسطينية إلى الهوية العربية إلى الآفاق الإنساني ، وكل ذلك يجعله في الصف الأول من طليعة شعراء العرب المحدثين وواحدا من ألمح شعراء الإنسانية المعاصرين.

¯جمال القصاص:
الفنية والحماسة
برحيل درويش تفقد الشعرية العربية شيئا غاليا من جمالها وهويتها المخلصة. وفي تصوري أن شعرية محمود درويش جمعت بين شيئين نادرين قلما يستطيع شاعر أن يجمع بينهما وهما القيمة الفنية العالية والحماس الوطني المتأجج ، فمنذ بداياته الأولى ونصه الشعري ينفتح بعفوية وقوة على إرادة الإنسان الحرة وحقه في أن يعيش الحياة بكرامة وعدالة وحب، ولعل ما يحفظ لقصيدة درويش خصوصيتها وتمايزها وامتدادها في الزمان والمكان هو انفتاحها الدائم على الحلم والذاكرة من دون فواصل بينهما، فكلاهما الحلم والذاكرة يشكلان القصيدة والوطن والهوية والإرادة في الوقت نفسه. استند درويش بوعيه الفني الثاقب على الحلم كطاقة تنويرية وتثويرية في الوقت نفسه وهو ما اكسبه غنائيته بكل ظلالها وتدرجاتها ملمحا من الطقسية الحميمة حيث التصق الشعر باللغة وكأنه في كل نص يولد منها بشكل جديد ومغاير عن ولادته في النص السابق، بمنطق الحلم نفسه ترك درويش تراثا من النثر وحّد فيه بين قضيته الوطنية وبين قضايا الإنسان في التحرر والنضال في كل مكان.
قصيدة درويش في رأيي هي قصيدة تشبث بالحياة في المقام الأول وسعي دؤوب لتخليص هذه الحياة من الكدر والشوائب على شتى المستويات. وهذا التشبث هو ما أعطي لفكرة الحلم نفسها نوعا من يقين الإرادة ويقين الوطن في الوقت نفسه.
لقد تأثر جيلي بدرويش في فترات كثيرة وظل يمثل لنا نموذج الشاعر الذي يخلق من عثرات الحياة وتناقضاتها المعقدة والهشة شعرا جميلا تمشي فيه اللغة وكأنه طفل يطأ ترابها لأول مرة ، لذلك أتصور أن درويش كشاعر كبير سيظل شاغرا في حياتنا الشعرية والثقافية لسنوات عدة.

¯جبران سعد:
خمسة وجوه لشاعر واحد
وسوف أحمل للمسيح حذاءَه الشتوي
كي يمشي ككل الناس
من أعلى الجبال إلى البحيرة .
صديق الهنود الحمر محمود درويش مات البارحة في بيتهم في تكساس، ومنذ فجر اليوم العاشر من آب، أرواحهم التي لها أشعةٌ وجنود، تشعل النار حول جزيرة مانهاتن وكل الشاطئ الغربي لولاية نيويورك احتفالاً ووداعاً لصديقهم الذي بدّل عوالمه .
وداعاً محمود درويش، سيمضي على رحيلك ألف عام، وداعاً للإثم الكنعاني ولعنة تموز ملاكين حارسين على كتفيك، وداعاً للذي مات مقهوراً وهو يتفرج على أشلائه الفلسطينية. لقد أضاف درويش عبر تعدد الثقافات ووحدتها الانسانية التي آمن بها، وعبر التحولات المستمرة لحساسيته الشعرية، أشعاراً وقصائد وجماليات غير مسبوقة عربياً بكثافتها وموضوعها، فكتب عن الكاماسوترا والهندي الأحمر وفلسطين بنفس مستوى تردد النبرة الشعرية لديه، مستخدماً عن عمد حدسَه الشتوي، وجماليات المكان (أي مكان) والموضوع (أي موضوع (سواءً كان في الماضي أو الحاضر، وكتب كتاباً كاملاً عن فلسطين دون أن يذكرها بالاسم، منذ »وردٌ أقل« ندهته أسباب وأسرار شعرية من وراء الغيم والكوكب، فاعتنى بها جميعاً مبدياً رغبةً وانحناءً أمام لا وعيه الشعري المزروع فيه منذ آلاف السنين، ومتوجاً احتفاله الشعري بالحياة عبر جداريته التي قدم فيها لغة شعرية بالعربية أقوى من أسطورتها وتاريخيتها، استوَت على كرسي مجمع آلهة قصيدة النثر بالعربية، كأن فكرةً ما من بلاد ما، لا قبل لها ولا بعد، مرَّت كبرق لامس الأبصار الإلهية ومنحته الحرية والإذن كي يغير رائحة الأرض الشعرية في العالم العربي، إلى ذلك أفصحت قصيدته حول الكاماسوترا عن كاتدرائيات جنسية راقية في أعماقه، غير مهدورة في خيالات وأفعال، كأن الجنس عنده لا زمان له، وأعلى من الحسيَّات المتداولة بين الناس منذ مئات السنين. تمزَّق المدى بعد هذه القصيدة ونام الشيطان على كتف امرأة تاركاً مكانه وإلهه عارياً وفارغاً بلا نهاية .
تموز. الهندي الأحمر. المسيح. زوربا. محمود درويش ، خمسة وجوه لشاعر واحد.

¯ نجيب نصير:
كائـن لا ينسـى
كصوت المعلنين عن الرحلات في المحطات والمطارات أعلنت الإذاعة الداخليه لمعرض الكتاب بدمشق عن لحاقه بآخر رحلة تغادر جسده مع كأس النبيذ الأحمر الذي وعد به. هكذا بين صوره المتطايرة على الأغلفة المكدسة بإصرار فوق رفوف الوراقين، وكأنه (شقفة) من زوبعة علا نثارها اللامع وتابعتها العيون المزمومة وهي تغادر في وجوم لطخ وجنات الجموع التي تلفتت حولها كي تراه. كان هناك، وعن فوره دندن مرسيل خليفة احتفاء بالنبيذ الأحمر.
وقتها ونحن صغار في ستينيات القرن الماضي، لم نكن نعرف من الشعر الا كتابنا المدرسي ولم نكن نعرف من الشعراء الا المتنبي وأبو فراس والشابي وشوقي وأمثالهم الذين يشكلون لوحة الشعر الأسطورية، ولم يكن محمود درويش أسما مناسبا لنا لنضمه الى قافلة القوافي، ولكن نظرته التي اخترقت دوما زجاج واجهة المكتبة التي نقف حيالها، جعلته كائناً لا ينسى، كان ينساب باهرا بوسامة نحلم أن نكون على صورتها ... وعندما كبرنا وصادفناه في كل اروقة الجمال لم تغادرنا تلك النظرة المنطلقة من صورته التي زينت غلاف ديوانه، وكأنها استعادة لصوته ونبرته وشعره ونظارتيه وحركات يديه على المنبر واصلتنا معها وكأنها انبثقت من صورته الطازجة تلك وانوجدت خلف ذاك الزجاج الرائق... في الجامعة صار رفيق زهونا، وصار مباهاتنا، وعاشق فلسطين وشاعر المقاومة وأحمد الزعتر وجواز سفرنا وأمهاتنا وصار...الكثير ولكنه لم يكن الا... جميلاً.

¯رشا عمران:
مات الملك عاش الملك
هزمتك يا موت الفنون جميعها
هزمتك يا موت الفنون جميعها
هزمتك يا موت الفنون جميعها
غير أن الموت لم يعتد على قبول الهزيمة، لم يشح بوجهه أمام الشامتين، ولم يتلعثم كخجل البنت الوردي أمام الشاعر الكبير ، ولم يختبئ وراء الباب الموارب كطفل يحاول التلصص على قصيدة للكبار، بل بفظاظة مطلقة مد لسانه لنا جميعاً وسحب الشاعر الكبير خلفه وغابا معاً، بينما نحن نقف كالمشدوهين غاضبين من عجزنا عن منعه من الرحيل و غاضبين من تصديقنا أن الفن سيهزم الموت وغاضبين من حزننا العاجز و البليد كلما حلا للموت أن يطقطق أصابعه ليمسك بيد الشعراء واحداً وراء الآخر عابراً بهم ضفة الكلام نحو ذلك الصمت الغريب.
»لا شيء إلا الضوء، لم أوقف حصاني إلا لأقطف وردة حمراء من بستان كنعانية أغوت حصاني وتحصنت في الضوء«
و الشاعر المشغول بالضوء و باللعب بالمعنى وبافتتان الغاويات والغاوين لم ينتبه كيف غافله الموت وتغلغل بين الحشود ليقف خلفه تماما وربما كي يدخل كالبهلوان إلى شرايينه يلاعبه حيناً، ويمد له رأسه حينا آخر، ويختبئ كما الجبان أحيانا أخرى، حتى صدق الشاعر أن الموت مجرد لعبة وأن العطب في شرايينه وذلك الوجع في قلبه هو اختبار للشعر وليس للحياة، من حسن حظنا أنه صدق ذلك يومها لنقرأه جديداً في اختباره ونحبه أكثر، لكنه وهو يتابع إغواءنا انتبه إلى أن الحياة حظ المتوكلين والمسلٍّمين والراضين، بينما الشاعر حظه القلق وحظه الحزن وحظه التوتر وحظه السؤال وحظه العبث والهشاشة والانكسار، حظ الشاعر ضعف القلب وتوسع الشرايين حد الانفجار. فانحاز مجدداً إلى اختبارات الكتابة واللعب بالمعنى وبالشكل وبالإيقاع كمن يراوغ الألم ليقهره، أو كمن يريد أن يلاعب الموت لعبة (الاستغماية) أطول مدة ممكنة ليقطف الشمس ويخبئها تحت قلبه المريض لعل الضوء الناصع يرعب الموت ويبعده، لكن الوهم أيضا حظ الشاعر، صدق أن للموت جناحي فراشة يرتجفان عند الضوء وصدقنا معه أن اثر تلك الفراشة اقل مما يستحق الانتباه إليه، لكن الشاعر الكبير غافل وهمه وغافل تشبثنا بوهمه، وسقط مضرجاً بمنفاه الأخير داخلاً في غيبوبة حزنه الأزلي بينما كانت قصيدته الأخيرة (لاعب النرد) تضرجنا جميعاً نحن الذين استعرنا حجارة نرده كي نشبه الملك.
مات الملك، عاش الملك.

¯نبيه عواضة:
ضريح في السماء
لماذا ترجلت.. وتركت الحصان وحيدا؟
من هزم من؟ انت ام الموت؟
من انتصر على من؟ انت ام اليأس؟ هل قضى عليك الامل حين ظل كلامك يحاصرك وانت في المنام؟
هل مرت القصيدة فأودت بشاعرها؟
لماذا رحلت؟
هل اتعبك المشهد؟ ارضك المحررة ارضان. وشعبك صار واقعا بين »محققين جديدين« واسماء جديدة لمعتقلين من هنا ومن هناك.
هل ثقبت قلبك رصاصة اطلقها اخوك على اخيك وأنت في غرفة العناية الفائقة فأودت بك؟ ام انك اشرت على قصائدك ان تتسلل تحت جنح الظلام الى حجرتك وتنزع عنك جهاز التنفس الاصطناعي.
هل ابتسمت لهم مرددا عباراتك: »نحب الحياة غدا، وعندما يطل الغد سوف نحب الحياة.. سنحبها على الارض بين الصنوبر والتين وشجر الزيتون«. »لماذا كان الموت مفاجئا؟ أكي لا يحاصرك شهيد قديم. فيسألك اين كنت؟ وعلى اي جبهة سقطت؟ وبرصاص من؟ مهما يكن فسنظل نختلف على حصة الشهداء في الارض«.
لمن نعتذر عما فعلنا؟ وانت، لمن اعتذرت؟ هل اعتذرت لامك؟ فتركت لها اغنية مكتوبة على ورقة صغيرة من علبة سجائر في جدار غرفة ضيقة داخل سجن الرملة.
نحن لم نعثر على القصيدة، لكننا شممنا رائحة القهوة، وتذوقنا طعم الخبز، عشقنا طفولة العمر، فخجل الجدار من دمعنا.
لماذا رحلت؟ من يعلّم الحراس الانتظار؟ وموتك لم يعد مؤجلا، والياسمين صار حزينا. كيف سمحت للموت ان يقفل هاتفك، وان يقطع التيار الكهربائي عن جرس بابك؟ فيهجرك من هنا لتصير لاجئا ابديا هناك. لماذا دعوته الى مطبخك؟ اعد لك وليمة واختار ما شاء من اغنياتك، لكن لماذا صببت له النبيذ؟ لو انك اسقيته الشاي مع المريمية لفر كما يفر الحصار.
وحيدون حتى الثمالة. صار الشعر يتيما وأضحت الاغنية ارملة. فقدت بيروت روحها. تكسرت اجنحة الفراشة الحجرية. غاب الغمام. غطى الحزن وداعك. نحن لن نتمكن من السير في جنازتك. لا لاننا لا نعرفك. بل لان الارض لا تزال محاصرة. فليشيدوا لك مقاما منيرا وهاجا قرب سدرة المنتهى فوق المدن العربية الحالكة، وفي سماء القرى والمخيمات فوق المنتجعات والقصور الرئاسية وبلاط القصور الفارغة.
ليصنعوا لك ضريحا في الهواء أو في السماء، وكلما امطرت السماء نبتت من التراب قصيدة تصرخ بنا »ان على هذه الارض ما يستحق الحياة«.

المصدر: السفير

ما بال قلبك لا يجيب...؟ 
 كتب القصيدة بالقرنفل والدم
المسفوك من اشجار رام الله
ومن أنفاس اطفال
تساموا فوق أروقة السماء،
تسلحوا بمناصل الأحجار
ثم تكاملت احلامهم،
صارت قوافيَ في القصيد...
تكوّنت رسماً وموسيقى، ومثل وصايا أمه صارت
وروداً، زينت فردوس موطنه الفقيد...
يا درويش...
كنت غمامة الوطن المطارد في المهامه والوهاد
وكنت منديلا تكوّر وردة في ستره المنفى
وإكليلاً من الياقوت...
دورق حنطة للساجدين قبالة الأقصى
تدثر لاجئين من الجليل الى الخليل،
تدججوا بالحزن والبارود وانتبذوا الجدار
تسلحوا بقصيدتين
وقاوموا من وحي قافية لديك
جحيم ألوية الدمار
وتوجوك إمام اغنية تبشر بالرجوع الى فراديس الأمومة
كي نكون حجارة، او دغل اشجارٍ وأسيافٍ ونارْ
الغيمة المظلال تسأل من تظلل في الهجير
ومن سيرحل هكذا دون اعتذار؟
وغيبة الوطن التي سكنت قصائدك الجميلة
هل تعود وأنت أنبل من طوته ذرى السّحاب
ما بال قلبك لا يجيب وها رتل الجميلات،
انتظمن قبالة الجسد المسجى، فوق رام الله
ويسألن القصائد أين غاب...؟
في اي نرجسة ذوى...
اي البحور طوت زوارق شعره وسبَت قوافيه
فصار اللوز أبعد من أزاهره وأقرب من ذراه...؟
كنت الشعر...
مبتدأ الحداثة وانفجار الذرة الشعرية الأولى
وأوتار المغني في صباه...
قل لنا: ما بال قلبك والكمنجات الحميمة قطعت أنفاسه
أيضيع لحن الأرض، والوتر المعذب في وريدك منتهاه؟ 

جمال محمد ابراهيم
 المصدر: السفير

أصبنا في القلب مرة أخرى
يعرف كل منّّا أنّ الموت هو النهاية التي تنتظرنا، في منعطف ما، معتم وغامض أو أكثر وضوحاً من أيّ شيء آخر، بحيث نتساءل كيف لم نره؟! لكنه رغم ذلك كله، سيبقى مباغتاً ونافذاً إلى ذلك الحد الذي لن نستطيع معه أن نبرأ. ورحيل محمود درويش، رغم كلّ المقدمات، ورغم الفصول الثلاثة للموت، وأعني هنا العمليات الثلاث التي سبق أن أجريت لقلب الشاعر، رحيل محمود درويش يظل صاعقاً ومفاجئاً، ربما لأنّ فينا توقاً غير عادي للحياة، لفرط هذا الموت الذي حولنا، وتوقاً لجمال لم نصل إليه في وطننا، فعثرنا على ما يشبهه في القصيدة والرواية واللوحة والأغنية.
يمكن أن نعزي أنفسنا دائماً، كلما فقدنا كاتباً أو فناناً، بقولنا: لقد ترك لنا الكثير، وقدَّم مشروعاً أدبياً أو فنياً سيظل حياً في قلوب الناس؛ لكنّ الموت هزمنا، لأنّه حرمنا من قصائد جديدة كان يمكن أن تُكتَب، وبذلك حرمنا من حصتنا في حياة وجمال كان يمكن أن نعيشه مستقبلاً.
لقد أصبنا في القلب مرة أخرى، وليس ثمة صفة يمكن أن تقال هنا، سوى أنّ الإصابة قاتلة.

-إبراهيم نصر الله - روائي فلسطيني

هكذا ودّعَناه في عمّان
كل مَن عرف محمود درويش عن قرب، يدرك جيداً أنّ صداقته ليست كالصداقات العادية التي تنشأ بين بني البشر وتؤلف بين قلوبهم في مناسبات مألوفة ومعروفة عند الغالبية العظمى. كلما التقيت محمود، شعرتُ بأنني ألتقي أسطورة في الحب والجمال والصداقة والتسامح. يشدّك حديثه في أي موضوع، بسبب ما فيه من تلقائية وعمق وبساطة، يعيد إليك سحر الراوي في الزمن البدائي، لكنّه يتفوق عليه بما في سرده من أفكار وقضايا نعايشها وتعايشنا. حديثه مثل شعره ونثره يحمل رسالة اللغة والفكر، إيمانه بقدسية الكلمة يملي عليك رسالة الكلمة بدايةً ونهايةً. ومجمل القول إنّ خطاب محمود درويش شعراً ونثراً وشفاهاً يتكوّن من تقاطع بين الفكر والعاطفة أحدهما يشكّل الآخر. وإذا كان ديكارت يقول: أنا أفكر فأنا موجود، فإنّ محمود درويش يعتقد: أنا أفكّر وأشعر في آن، فأنا موجود.
وفي اعتقادي أنّ هذه الثنائية تكوّن مرتكزاً رئيساً في شعره، إذ يجعلك تفكَّر وتشعر في آن وأنت تقرأ شعره، فلا هو الكلاسيكي الذي يقيده العقل، ولا هو الرومانسي الذي تبع سجين العاطفة، إذ إنّه يزاوج بين العالمين من دون اختزال أحدهما على حساب الآخر.
فور ظهور ديوانه «كزهر اللوز أو أبعد»، عرضتُ على شاعرنا ترجمته ومن حسن حظي أنّ الترجمة لاقت قبولاً عنده، ما شجعني على أن أكرّر التجربة وأعرض عليه ترجمة «في حضرة الغياب». في كلتا الحالتين، كنتُ أطلب منه مراجعة الترجمة وقد أدهشني ما لديه من قوة ملاحظة ودقة وإتقان للّغة الأجنبية من ترقيمها إلى ظلال المعاني في مفرداتها وتراكيبها. ولا يصر على ما يراه صحيحاً البتة بل إنّه يؤثر عدم التصحيح على فرض رأيه الصحيح. ويأسرك بأدبه وتسامحه، وقد كتب لي الناشر البريطاني رسالة أطلعته عليها في آخر لقاء يقول فيها إنّه سينشر ديواناً يظل مفخرة لمحمود درويش وجمهور محمود درويش.
وبهذه المناسبة، فإني أود القول إنّ محمود درويش لا يعبأ كثيراً بنقل شعره إلى أي لغة، وإنّه متحرر تماماً من عقدة «الخواجا»، ولا أعتقد أنّه طلب في يوم من الأيام من أحد أن يترجمه، بل إنّ الترجمة تتم دائماً بطلب من المترجم لا بعرض من الشاعر. ثقته بالعربية تغنيه عن الترجمة التي ينظر إليها كأمر عارض ليس في أجندته أن يقفز إلى الكونية متخطياً هوية المحلية العربية.
ما يبعث على الحزن الشديد أنّ محمود درويش رحل في عز العطاء. «أسوأ شيء في الحياة العقم، أي التوقف عن العطاء» قال محمود درويش في لقائنا قبل الأخير (فيصل دراج وأنا) به. وقال أيضاً أمامنا في اللقاء نفسه «لو أتوقف عن الكتابة فربما يتوقف قلبي». هنا طبعاً، تكمن سخرية القدر الذي حوّل الفرضية إلى سياق فعلي معكوس. والسؤال الذي يظل قائماً إلى الأبد من دون توافر إجابة عنه هو أي إنجاز كان يمكن أن يصلنا لو لم يتوقف قلبه قبل الأوان!
تحدث إلينا عن بعض مشاريعه التي لا سبيل لذكرها هنا. وهو السؤال نفسه الذي يطرحه الناس بشأن عظماء الشعراء أمثال كيتس وشيللي وكوليردج الذين عصف بهم الموت قبل الأوان.
مع كل هذا، كان محمود درويش لا يخشى الموت. في الزيارة قبل الأخيرة، ذكر أنّه يخشى أن يعيش مشلولاً، وأنّه أوصى الأطباء أن يقتلوه إذا تأكدوا أنه سيعيش مشلولاً، لكنّهم أجابوه أنّ هذا الأمر مخالف للقانون في بلدان مثل فرنسا وأميركا، وأنّه قانوني في بلدان مثل بلجيكا. أضاف أيضاً إنّه أمضى وقتاً يتدرب على الإقامة في البيت يمشي على عصوَين لكنّه لم ينجح، ما جعله يؤكد لنفسه أنّ الموت أفضل من العيش مشلولاً. يبدو أنّ القدر كان صاحب الاختيار.
هاتفته أكثر من مرة عندما كان في رام الله ينتظر الفيزا لأميركا. وفي آخر مهاتفة، أخبرني أنّه حصل على الفيزا في ذلك اليوم، وأنّه سيكون في عمان يوم الجمعة. والمعروف أنّ حصوله على الفيزا استغرق زهاء شهرين. تذكّرت على الفور تأخّر وصول الدواء إلى حسين البرغوثي عبر الجسر بسبب السلطات الإسرائيلية. هل تدرج هذه التصرفات في لائحة حقوق الإنسان؟ أي إنسان وأي حقوق؟ قال محمود قبل سفره إلى رام الله للحصول على الفيزا إنّه يحمل لغماً قابلاً للانفجار في أي لحظة. طبعاً هو يردّد ما قاله له الأطباء، وذلك بسبب ازدياد تضخم الأورطيّ. يمكننا أن نتصوّر شعور محمود وهو بهذه الحالة ينتظر الفيزا (وقد نُمي أن كوندوليزا رايس تدخّلت في الموضوع). المهم لا بد من أنّ محمود كان يشعر بأنّ عدّاد الأورطيّ كان في تنازل، لكن صبره الأسطوري على جميع أنواع الشدائد، جعله يصمد صابراً. وفي هذا السياق، أتذكر ما قاله أدموند ليش (من أشهر علماء الأنثروبولوجيا في القرن العشرين) إنه لا يوجد تاريخ يعيد نفسه، كما هو الاعتقاد السائد، بل يوجد سلوك يعيد تكرار نفسه.... ويقصد ليش من ذلك أن يعطي القوس لباريها أي إنّه ينقل مسؤولية ما يحدث إلى البشر، بدلاً من تركها مرهونةً بزمن (تاريخ) خارج إرادة البشر، أي إنّ الذي منع وصول الدواء إلى حسين برغوثي هو الذي كان سبباً في تأخير الفيزا. ولا بد من أنّ ليش هنا يقصد أن نكفّ عن تحميل التاريخ والقضاء والقدر والزمن أكثر من اللازم. وفي هذا السياق أيضاً، أستذكر ما قاله إدوارد سعيد أمامي قبل عبور عرفات إلى الضفة، أو على وجه التحديد إلى غزة وأريحا. سألت إدوارد عندما التقيته هنا في عمان ماذا تود أن تقول لعرفات وهو في طريقه إلى مملكة غزة وأريحا؟ فأجاب: ليته يعلم أنّ الإمبراطورية من طبعها ومن أيديولوجيتها ألا تعطي، إنّها تأخذ بل إن أيديولوجيتها صناعة الموت ليس شنقاً أو رمياً بالرصاص بل بأساليب متنوعة، تتنوع الأسباب والموت واحد عندها.
حضر محمود إلى عمان يوم الجمعة، وزرته في صحبة فيصل دراج يوم السبت، كان منشرح الصدر وتبدو عليه علامات الراحة الجسدية على الأقل. كنت قد أحضرتُ معي شيئاً من العنب وبعض ثمار حديقتي، وفي كل مرة كنت أفعل ذلك، كان يتغزّل بعنب الخليل، وكنت قد أخبرته سابقاً أنّ أشجار الكرمة حول بيتي هي أصلاً من أغراس عنب الخليل. ذكر لنا أنّه تناول الكثير من عنب الخليل أثناء إقامته في رام الله. وكيف تميِّز عنب الخليل عن غيره يا محمود؟ كان سؤالي. «دائماً أبدأ بالسؤال عن المنبت، إذا وصل إلي العنب من غير أصحابه. لكنّي أحكم عليه من طعمه المميز. إنه يسمو على كل شعر قيل فيه».
ودّعناه فيصل وأنا، وكان في أحسن حال... كان من الواضح أنّ معنوياته عالية. بعد يومين، هاتفته معتقداً أنه وصل أميركا وإذا به يجيب بأنّه ما زال في باريس، وسيغادرها إلى نيويورك بعد ساعات. كان صوته أشبه بنور خافت، اختفت منه المعنويات العالية التي ودّعناه بها في عمان. قلت لنفسي ربما الغربة والمنفى يغيّران من درجة المعنوية، أو ربما شعور غامض مسبق بالنهاية أو ربما... سأعود إلى تأويل آخر لاحقاً.

محمد شاهين - مخرج سوري

محمود درويش... مديح الشعر العالي
ترك لنا شعراً غزيراً، فلنقرأ شاكرين
يودّع العرب اليوم صاحب «جداريّة» الذي سيرقد جثمانه في بعض فلسطين، إنما بعيداً عن الجليل. «الأخبار» تواصل احتفاءها بالشاعر الذي شكّل نموذجاً شجاعاً للعلاقة بين المثقف والسلطة، وبين المثقف والجماهير... وإن كان تحدّى الجماهير أكثر مما تحدّى السلطة

ينتابك حزن دفين في وداع كل فلسطيني وفلسطينية. تشعر أنّ العودة (الأكيدة) فاتتهم. يزداد حزنك وغضبك عندما تقرأ المرثيّات المتوالية في وفاة محمود درويش. الصحافة اللبنانية (والسعودية حيث يسرح عشّاق الأرز والبلوط ويمرحون) تحوّل المناسبة (كالعادة) إلى تعظيم مبتذل لمدينة بيروت. كأنها بمائها وتبّولَتها هي التي حولّت درويش إلى شاعر. وتقرأ رثاء طارق متري وسعد الحريري (فيما كُتب له من بسيط الكلام) فيه وتشعر بالغثيان. كادا أن يحوّلا محمود درويش إلى قومي لبناني ناشط في «تيّار المستقبل». واتصل السنيورة بأبو مازن معزياً، وكان يجب أن يعزّي أيضاً حامد كرزاي وأحمد أبو ريشا «المنتخبين ديموقراطياً» مثله. وتشعر بالاشمئزاز عندما تقرأ «تحية» جوزيف عيساوي له في نشرة آل الحريري. عيساوي (مقدّم برامج الوعظ في محطّة «الحرة») عتب على درويش لأنه لم يعتذر كفاية من... لبنان! يريد عيساوي أن يجلب درويش من القبر، ليطالبه بالاعتذار. مَن يعتذر لمن يا جوزيف عيساوي؟ يريد عيساوي من الجسد الذي أدمنته الشظايا في تلّ الزعتر أن يعتذر من ميليشيات وزير العدل اللبناني التي أحرقت مخيمات اللاجئين في لبنان. وعيساوي سيطالب الشعب العراقي بالاعتذار من الاحتلال الأميركي لتلقّف أجسادهم لقنابل ورصاص قوات الاحتلال. وموقع «إيلاف» السعودي لم يجد إلا إسرائيل لتقويم محمود درويش. والإعلام الأميركي رثاه كأنّ فلسطين كانت غير ذي بال في ذهنه، وكأن الاحتلال لم يتعرّض له يوماً وكأنّ وطنه لم يُحتل.
محمود درويش شكّل نموذجاً شجاعاً في بعض جوانبه للعلاقة بين المثقف والسلطة وبين المثقف والجماهير، وإن كان أكثر شجاعة وإقداماً في علاقته مع الجماهير. تحدّى الجماهير أكثر مما تحدّى السلطة. هو تحدّى الجماهير عندما انتمى إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي، فيما كان رفض الكيان ومؤسساته وعلاقاته عنواناً (غير خاطئ) للموقف من الاحتلال. وعندما ضاق ذرعاً بألاعيب الاحتلال (الديموقراطي بالمفهوم الغربي) الذي لم يتحمل... شعراً ونثراً من التغني بفلسطين، غادر وطنه المسروق إلى غير رجعة (وإن زاره عابراً في ما بعد). عاتبه الجمهور العربي ووبّخه عند الاستقبال الأول لتركِه أرض فلسطين، لكن درويش سرعان ما اندمج مع العرب خارج الوطن المسروق. خفّ العتاب واضمحلّ، ونسوا أنّه ولد وترعرع في أرضه هو، وإن أُكره على الضيق بالمكان. وفي هجرته القسريّة، في الوطن العربي وفي الغربة الغربيّة، قاوم عبادة الجمهور له. قال لهم في حفلة في الأونيسكو في أوائل السبعينيات أن يعفوه من هذا الحب. كانت شخصيته على ما يروي عارفوه لا تتفق مع الجماهيريّة. وهذا حقّه. لماذا نريد من كل شاعر أن يقرأ على وقع الطبلة والدربكة؟ وفي العالم العربي، يتحول الكاتب والمثقف المحبوب على قلّتهم هذه الأيام ــــ إلا إذا اعتبرنا ملحمة يحيى جابر في مديح رفيق الحريري ظاهرةً جماهيريّة ــــ إلى سياسي، شاء أم أبى. نذكر نموذج المناضلة جميلة بوحيرد. لم يرد درويش أن ينتهي في غربة ذاتية مثلها. تطرّفَ الجماهير في عبادة جميلة، وكُتب الكثير من القصائد فيها، وقامت ماجدة بدور البطولة (المزعجة) في فيلم مملّ عنها. هربت جميلة بوحيرد منهم ومن حبّهم القاتل، ورفضت اللقاء مع الصحافة العربية وخصوصاً مع جماهير العرب. درويش كان مختلفاً: عرف كيف يفرض حدوداً بينه وبين الجماهير. كان يعتبر أنّ الحب الحقيقي للشاعر ينعكس في تركه وشأنه... ليكتب.
وتجلّت شجاعة درويش في علاقته مع الناس في تطوّر شعره الفذ. كان ممكناً له أن يبقى أسير الشعر المبكر: الموسيقي والسياسي المباشر. هناك مَن أراد له أن يعيد إنتاج قصيدة «سجِّل أنا عربي» طيلة حياته، وأن يعيد قراءتها بمناسبة وبغير مناسبة... وهناك مَن لامه لكتابته عن الحب ــــ فالحب ممنوع عند بعض التقدميين وعند الوهّابيين والخمينيّين. لكنّ درويش أصرّ على الحب رغماً عنهم جميعاً. كان يمكن للجمهور أن يكون أكثر تقديراً له لو فعل. كان يتوجّع عندما يطلب منه الجمهور، أو يتوقّع، أن يقرأ قصائده الأولى التي اعتبر أنّه تجاوزها ـــ شعرياً. كسر قيد حب الناس الآسر، وفرض على قرائه نمطاً شعرياً متطوراً وخاصاً به. إذا كان طه حسين قد قال إنّ العربية هي شعر ونثر وقرآن، يمكن أن نزيد أنّ للغة محمود درويش حيّزها الخاص في التعبير العربي. وكان شاعراً من دون تكلّف أو تصنّع مثل الذين يبتكرون بجهد واضح، أساليب عويصة للهرب من السياسة التي تزعج آذان لجنة نوبل. كان درويش يُسرّ بالجوائز من دون أن يسعى إليها.
أما في علاقته مع السلطة، فكان أكثر التباساً وأقل شجاعة. ويجب أن يفهم معجبوه أنّ تقويمه سياسياً ممكن من دون أن يُسقط المرء موقعه الشعري والفني. ومن حقنا عليه ألا نهادنه، حياً كان أم ميتاً. وقعَ دوريش في فخ السلطة، كما وقع في فخ ياسر عرفات على كل الصعد. نفى درويش أن يكون قد قصد بعرفات «الظل العالي»، لكنه لم يخفِ أبداً إعجابه بعرفات. كتب له خطباً وبيانات وزاد عليها مناصب. وعندما عارض أوسلو، عاقبه عرفات بقسوة. وفي السياسة، أثّرت العالمية عليه عندما أدرك أنّ العدو يرصد له كل ما يكتب. والحذر السياسي لا يتفق مع إبداع وخلق درويش العظيمين. أصيب العالم العربي بعقدة العالمية منذ اكتشاف عمر الشريف (الذي انتهى منبوذاً في الغرب، ما دفعه إلى العودة وإعادة اكتشاف العالم العربي الذي كان يسخر منه سياسياً وثقافياً أثناء سنوات نجوميّته التي لم تطل). لكن محمود درويش الذي وصل إلى العالميّة في سنواته الأخيرة لم يعانِ من تلك العقدة. كان يأخذ مهنة وحياة الشعر بأقصى الجديّة، وكان يتضايق لأنّ الجمهور لم يفهم منه ذلك.
انتابت مواقفه السياسية في سنواته الأخيرة نخبويّة شبه فاقعة. لم يكن معجباً بفريق أبو مازن، لكنّ العلاقة معهم كانت أسهل من سواهم حياتيّاً. وقد حرص على عدم إزعاج وإقلاق أصدقائه في الغرب ومن بقي في إسرائيل. عارض أوسلو لكن بلين براغماتي، ينضح بالتوليف العرفاتي. ويُسجّل له في السياسة ابتعاده عن سلالات النفط احتقاره لها. وهو ترك لنا شعراً غزيراً، فلنقرأ شاكرين.

أسعد أبو خليل - أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا
المصدر: الأخبار


الشاعر الذي رفع قضية أرضه الى مصاف التراجيديا الانسانية ... محمود درويش اتكأ على القصيدة عندما خانه القلب
المرّة الأخيرة التي التقيتُ فيها الفقيد الكبير كانت في مساء السابع من حزيران (يونيو) المنصرم. كان مسرح «الأوديون» الفرنسيّ قد أعدّ برنامجاً مخصّصاً للأدب العربيّ بالتنسيق مع الكاتب السوريّ فاروق مردم بك، مدير سلسلة «سندباد» التي تعنى بترجمة الأدب العربيّ إلى الفرنسيّة في منشورات «آكت - سود». كانت الأمسية مخصّصة لقراءات للشاعر العراقيّ سعدي يوسف. جاء محمود درويش بصحبة الكاتب الفلسطينيّ الياس صنبر، مترجم معظم أشعاره إلى الفرنسيّة. بدا على سحنة محمود شحوب شديد. وما إن انتهت قراءة سعدي حتى غادر محمود، عجِلاً على غير عادته، ليس قبل أن يودّعنا بدماثته الودودة المعهودة. بعد مغادرته بدقائق، عرفتُ من فاروق الخبر الجلل: كان محمود في عصر اليوم نفسه قد تلقّى نتائج فحصه الطبيّ الأخير. أخبره الطبيب الفرنسيّ أنّ الشريان الأبهر في قلبه قد توسّع بصورة قد لا تمنحه سوى أسابيع أو أشهر من الحياة. فجأة وجد محمود نفسه في وضع تراجيديّ تماماً: البقاء بقلب معطوب إلى هذه الدرجة أمر غير مضمون العواقب، وإجراء عمليّة ثالثة للقلب أمر غير مضمون العواقب أيضاً.
 ينبغي أن يتخيّل المرء حالة امرئ يجد نفسه بين خيارين كلاهما محفوف بتهديد الموت. وعندما تعرف أنّ محموداً تلقّى هذا الخبر الصّاعق قبل أمسية سعدي بسويعات، وأنّه جاء مع ذلك ليحضر قراءة الشاعر الصديق، فلا تملك إلاّ أن تجلّ ما في موقفه هذا من وفاء نادر مقترن بشجاعة نادرة. بإمعان وعمق، راح محمود يصغي الى «أبي حيدر» وهو يقرأ قصائده. كنتُ شديد الانتباه لنوع من الحوار الصّامت يدور بين صديقين عملاقين: شاعر يقرأ ويوجّه أغلب نظراته لصديقه الكبير، والشاعر الآخر يستمع بجوارحه كلّها لقصائد صديقه. في صوت الشاعر المعتلي المنصّة كلام عن موت عراقٍ معيّن. وفي صمت الشاعر الجالس ما ينبئ بأنّه وجد في رحابة النشيد الشعريّ ما ينسيه موته الخاصّ الذي امتلأ هو ذلك المساء بإشاعته الزّاحفة بصورة أليمة. وإذ أراجع الآن حراجة تلك اللحظات، فإنّ بيت محمود الشعريّ الشهير القائل: «أمّا أنا وقد امتلأتُ بكل أسباب الرّحيل فلستُ لي، أنا لستُ لي»، يمتلئ لديّ بكامل معناه. قلّما عرف الشّعر العربيّ شاعراً قادراً مثل محمود على أنّ «يوزّع جسمه في جسوم كثيرة»، هو نفسه القائل: «أخرجْ من أناك...».
على حاشية هذه الذكرى، وبالاستناد إلى محادثات شخصيّة طويلة جمعتني بالفقيد العزيز، أذكر أنّ محموداً كان واعياً تماماً بأنّهما، هو وسعدي، الشّاعران الأكثر اقتداراً على ضمان مكانة أكيدة للقصيدة الحرّة التفعيليّة أمام الانتشار المتسارع والجذريّ لقصيدة النثر الخالصة ولما أدعوه القصيدة الحرّة اللاّ تفعيليّة (قصيدة النثر على شاكلة الماغوط). ولضمان هذه المنزلة للشعر الحرّ التفعيليّ كان عليهما أن يعملا، كلاًّ على شاكلته، على توسيع مهارات القصيدة الحرّة بحيث تستضيف مرونة إيقاعيّة كبيرة ومجالاً تصويريّاً باذخاً واستدخالاً للمعيش اللغويّ الفوّار، ما يدعوه الفيلسوف ميرلو - بونتي «نثر العالَم».
وما دام الكلام هنا عن محمود، فإلى شعره، طالما أعربتْ تحليلاته للعمليّة الشعريّة عن وعي واضح لخطورة مهمّته التحويليّة هذه. لم يكن محمود ممّن يحبّذون كتابة الأبحاث والمقالات النقديّة، وطالما كان يتعفّف من الحكم على تجارب الآخرين. ولكنّك تجد في إجاباته على أسئلة الصديقين الشاعرين عبّاس بيضون وعبده وازن، في حواراتهما الطويلة معه، التي تُرجمتْ إلى الفرنسية في كتاب حقّق أصداء واسعة في فرنسا، أقول تجد فيها معرفة مكتملة بدقائق اللّغة الشعريّة والموقف من التراث ومن الحداثة الغربيّة ومن العالَم والسياسة، سياسة القصيدة بخاصّة، ومن المعنى وصراعه الدائم مع غواية اللاّ معنى وإغراء الموقف العبثيّ بإزاء عبث التاريخ. وبايجاز أقول إنّني لا أوافق البعض القول إنّ محموداً بقي متناهَباً بين رغبته في إبداع شعر متحرّر أو شخصيّ واضطراره، بباعث من القضيّة التي هو مؤمن بها والتي تسكن كيانه وتؤسّس تاريخه الشخصيّ نفسه، أقول اضطراره إلى إنتاج كلام لا يغرّبه كثيراً عن ذائقة الجمهور. بل تكمن فرادة محمود درويش وعلوّ موهبته في سيره المضني والعنيد على الخيط الضئيل الرّابط بين شروط القصيدة الخالصة والوضوح الكليّ الذي يُطالَب بامتلاكه كلّ من يعنى بالشأن العامّ.
لقد أملى محمود على جمهوره أن يرقى إلى صفاء معيّن للقصيدة، وفي الأوان ذاته أجبر هواة الشعر الخالص على أن يستمعوا عبر شعره إلى عذابات المجموع. ولولا نجاحه في هذا التحدّي الصعب لما اتّبعه الجمهور ولا احترمه حتّى نقّاده من مناوئي «جماهيريّة» القصيدة. وأنا أحسب أنّ الصيّغة العادلة التي تشهد له بهذا النجاح هي هذه التي أطلقها الصديق الشاعر بول شاوول في نعيه للفقيد العزيز، نعي يحيّي فيه ما اجترحه محمود درويش من «لغة مركّبة» تتجلّى في «إنجازاته الأخيرة، الممتدّة على عقدين، والتي اتّسمت بقلق حيّ بالتجديد وبالخروج من العموميّ إلى الخصوصيّ، ومن الشعر كمجرّد سلاح للقضية، إلى الشعر كسلاح للشعر، من دون أن يفترق عن «قدَره» النضاليّ المقاوم. وهكذا تآخت عنده النبرتان، واستوت عنده اللغتان، واحدة تهجس بقلق الناس، وأخرى بقلقه الشعريّ، لكنْ على غير انفصال، وعلى غير تنافر، وعلى غير تضادّ».
ينبغي أن يدرك المرء أنّ ما يطلق عليه البعض هذه التسمية التجريديّة والاختزاليّة: «القضيّة»، كان يشكّل لدى محمود تجربة تأسيسيّة وجرحاً أصليّاً. فإذا كان وراء إبداع كلّ فنّان، على ما يرى مؤسّسو النقد الموضوعاتيّ (أو الثيميّ)، جرح بدئيّ يتمحور حوله مجموع تجربته الإبداعيّة وشبكات رموزه وصوَره، فإنّ جرح محمود، الشخصيّ والوطنيّ في آن واحد، بقي يعيده على الدّوام إلى تلك الليلة الليلاء التي اضطرّ هو فيها، قبل أن يبلغ سنّ العاشرة، إلى الهرب من قريته بصحبة ذويه أمام زحف الفصائل الغازية. شاء سوء حظّ الصبيّ أن يتيه في أثناء الهرب، بعدما فقد أثر ذويه وإخوته، فراح يتخبّط في الليل البهيم، حتّى انتبهت والدته إلى غيابه وعادت لتبحث عنه في الظلام على رغم تهديد العنف الزّاحف. مراراً عدة عمل محمود على تطويع أثر تلك الصّدمة، شعراً ونثراً، وإليها عاد في رائعته الأخيرة «لاعب النّرد»، التي نشرتها «القدس العربيّ» في الثالث من تموز (يوليو) المنصرم. كتبَ محمود، في استعادة لا تخلو، كالعادة، من السخرية المرّة التي تشكّل أحد أهمّ عناصر شعره: «نجوتُ مصادفةً: كنتُ أصغرَ من هدفٍ عسكريّ/ وأكبرَ من نحلةٍ تتنقّل بين زهور السّياج». ويضيف: «ومن حسن حظّيَ أنّ الذئاب اختفتْ من هناك/ مصادفةً، أو هروباً من الجيش...» في مثل هذه الرحلة «في قلب الظلام» حصلت ولادة مبكّرة لوعي جريح. حصلتْ في سنّ هي للآخرين سنّ لعب وطيش واكتشاف للأنا عبر ألعاب الطفولة العابثة.

كاظم جهاد

المصدر: الحياة

شاعر «الكرمل»

طيلة ما يقرب من خمسة عشر عاماً من العمل المشترك في مجلة «الكرمل» التي كان هو مؤسّسها ورئيس تحريرها، لمستُ عند محمود شغفاً بالشعر والمعرفة ندر أن وجدتُهما لدى غيره. ولأنّه كان على سفر دائم، ولأنّي غير محبّ لطويل اللقاءات، فقد كانت لقاءاتي به محدودة، وتسير على إيقاع الإعداد لمحتويات المجلّة. كنتُ آتيه بترجمات وخلاصات لأعمال فكريّة وأدبيّة أعتقد الآن أنّها متوسّطة القيمة ولعلّي أقدر اليومَ أن أقوم بما هو أفضل منها. ولكنّه كان يفرح بها ويفرح خصوصاً بتنوّعها.
كان يدعو حقيبتي «حقيبة السّاحر»: مرّة آتيه بنصوص لرنيه شار، ومرّة بنصوص لدريدا، أو لدولوز، أو لجينيه، أو لغويتسولو، أو لباث... وكان قارئاً شديد النباهة لما ينشره في «الكرمل» ولما يصدر في المكتبة العربيّة من ترجمات. أطرح على هذا مثالين اثنين. في العام 1992 حلّت الذكرى المئوية الخامسة لغزو أميركا الجنوبيّة من الإسبان. أوحى لنا الصديق الروائيّ الاسبانيّ خوان غويتيسولو بضرورة تخصيص ملفّ فكريّ لهذا الحدث المروّع الذي ألقى ببصمته النهائيّة على التاريخ. فوضعتُ أنا قراءة مطوّلة لدلالات الغزو وأواليّاته انطلاقاً من نصوص أنطونان آرتو وأوكتافيو باث وجان - ماري غوستاف لوكليزيو وآخرين. ووضع الصديق الناقد السوريّ صبحي حديدي دراسة في مغزى الغزو استناداً إلى الدراسات ما بعد الاستعماريّة. وما هي إلاّ أسابيع وإذا بالشاعر الكبير يطلع علينا بقصيدته الكبرى «خطبة الهندي الأحمر ما قبل الأخيرة أمام الرّجل الأبيض»، التي ستتضمّنها مجموعته الشعريّة «أحد عشر كوكباً» الصادرة في العام نفسه.
استوعب لشاعر الدلالات الفلسفية والتاريخيّة للحدث ووضع قراءته الخاصّة لما يمكن أن يكونه حوار بين ضحيّة وجلاّدها. بصورة مبرمة وبلغة الشعر وحده كشفَ عن تناظرات وتلاقيات بين إبادة الهنود الحمر والمشاريع الساعية إلى محو الوجود الفلسطينيّ. قبل ذلك، في 1988 أو 1989، سلّمتُه ترجمة لقصائد مختارة لرنيه شار. في اليوم نفسه أعلن عن اندهاشه بشعره وعبّر عن ذلك في رسالة إلى الشاعر سميح القاسم سيضمّها كتاب رسائلهما المتبادلة. لقد استوقفه خصوصاً بيت لشار يحدّد فيه مهمّة الشاعر في «تحويل الأعداء القدماء إلى خصوم صُرَحاء». ردّد العبارة الشعريّة في أكثر من مناسبة. كان يحلم بخصومة صريحة أو أمينة طالما افتقدها لدى الإسرائيليّين، هو الذي طالما اشتكى من لبسهم المعهود ومن عنادهم في إفراغ كلّ تفاوض من فحواه الحقيقيّة. إستقالته من منظمة التحرير بعد اتفاقات أوسلو ما هي في اعتقادي إلاّ ترجمة عمليّة لإيمانه هذا بمقولة شار.
برحيل ابن «البروة» الفريد هذا، سيخيّم على نفوس محبّي الشعر والإنسانيّة رزء كبير لا عزاء له.

ادفنوه في الجليل

وجّه بعض أصدقاء الشاعر محمود درويش نداء طالبوا فيه بأن يدفن في الجليل مسقط رأسه. وجاء في النداء: «في هذه اللحظات المليئة بالأسى، ونحن نودع شاعرنا الكبير محمود درويش، نرى الحزن مرسوماً على خريطة فلسطين، «...» هذا النداء موجه الى أهلنا في فلسطين ويتعلق بحق شاعر الجليل في ان يعانق أرض الجليل ويستريح في المكان الذي شهد ولادته الشعرية. يحق لابن الجليل وشاعره أن يدفن في أرضه، ويجب أن لا يكون في مقدور أحد أن يمنع هذا الفلسطيني الكبير من العودة الأخيرة الى بلاده».
ومن الموقعين: انطون شماس، ليلى شهيد، مارسيل خليفة، الياس صنبر، محمد برادة، فاروق مردم، صبحي حديدي، عباس بيضون، فواز طرابلسي، الياس خوري، انطوان شلحت...

الحياة

لا... لا نحبك ميتاً أيها المتمرد على الشعر والحياة
"يحبونني ميتاً ليقولوا: لقد كان منا وكان لنا"... (من ديوان) "ورد أقل" لا يا محمود أيها الشاعر العظيم نحن لا نحبك ميتاً لنقول لقد كان منا بل نحن سنقول لقد كنا نحن منك كنا منك كما يكون جمهرة القراءة والمتذوقين وأصحاب الذوق الرفيع جميعاً ينتمون إلى فنانهم الكبير ويستهدون بإبداعاته ويرددون ما يحفظونه منها ولهذا ستظل حياً بيننا إلى جوار أندادك الكبار من شعراء العربية. ستظل حياًَ مثل امرئ القيس والمتنبي والمعري. هؤلاء الذين علمونا وصقلوا وجداننا وأحيوا فينا شعلة الفن المقدسة. علمونا وأنت أيضاً علمتنا. علمتنا أن التمرد الأول أن تتمرد على نفسك أن تتمرد على فنك فلا تستنسخ ذاتك ولا تكرر غيرك.
فمنذ دواوينك الأولى التي طلعت بها علينا كالشهاب منتصف الستينات عاشق فلسطين وآخر الليل إلى حبيبتي تنهض من نومها والعصافير تموت في الجليل وأوراق الزيتون، منذ هذه المرحلة الأولى التي أوقعتنا فيها من دون أن تقصد أو وربما وأنت تقصد في فخ عانينا طويلاً لكي نتخلص منه. هذا الفخ الذي تترجمه هذه الصرخة: نعم عرب ولا تخجل ونعرف كيف نمسك قبضة المنجل ونبــني المصــنع العصري والمنزل ومدرسة وموسيقى ونكتب أجمل الأشعار".
لقد سقطنا في فخ الهتاف الذي كان يترجم روح المرحلة ولكنك أنت أيضاً الذي أعنتنا في مرحلة تالية على أن نتخلص من هذا الفخ لأنك سبقتنا إلى التخلص منه ودخلت في مرحلة جديدة تابعناك فيها بصوتك الجديد الهادئ العميق الذي يتمرد على لافتة شاعر الأرض المحتلة ويأبى إلا أن يخرج إلى لافتة أكبر لافتة إنسانية كلها وفي يده سلاح لا يقوم به المحتل الإسرائيلي وحده ولكنه سلاح جديد يقاوم به الطغيان والاستبداد في كل مكان ويدافع عن الإنسان مهما كان لونه ودينه وجنسه. هذه المرحلة شديدة الرحابة رفيعة المستوى تجلت في دواوينك الجديدة وقتها منذ ديوان "أحبك أو لا أحبك" وديوان "المحاولة رقم 7" وديوان "تلك صورتها وهذا انتحار العاشق".
هذه الأعمال التي ألهمت كثيراً من الشعراء في عقد السبعينات وفتحت طرقاً جديدة للقصيدة العربية ولكنك لم تلبث أيضاً أن فاجأتنا كعادتك بفتوحات جديدة في مرحلة تالية جسدتها أعمالك اللاحقة التي اكتشفت منجماً ثرياً هو منجم الذات. عكفت على ذاتك فأخرجت لنا "ورد أقل" و "أحد عشر كوكباً"، و "أرى ما أريد"، وظللت في طريقك تمضي من كشف إلى كشف وكل عمل ليس فيه شبهة من تكرار أو إعادة إنتاج أو ركون إلى تقاليد ثابتة راسخة حتى لو كانت هي تقاليدك أنت وحدك. هكذا وجدناك في أعمالك الأخيرة منذ "جدارية" إلى "كزهر اللوز أو أكثر" إلى "في أثر الفراشة".
هذا هو تمردك الباقي. تمردك ليس على ما أنجزه الآخرون فقط ولكن على ما أنجزته أنت. علمتنا أيضاً أن واجب الشاعر إزاء وطنه هو واجب مقدس ولكن هناك واجباً آخر أكثر قداسة هو واجبه تجاه لغة فحملت لغتك في قلبك نبضاً حياً مشعاً ورفعتها بيديك راية خفاقة فأصبحت لغتك هي وطنك وأصبح وطنك لغتك. لغة هي لا غامضة ولا واضحة وإنما واضحة حتى الغموض، أو غامضة حد الوضوح. أوَلم تقل لنا من قبل: "لن تفهموني دون معجزة. إن الوضوح جريمة وغموض موتاكم هو الحق الحقيقة".
 وهكذا مضيت باحثاً بقلق نبيل كأن الريح تحتك عن ذلك الغموض البليغ الذي حدثتنا عنه في ديوانك "أحد عشر كوكباً".
تعلمنا منك أيضاً كيف يتسع صدر المبدع الكبير لسائر المحاولات الجادة متجاوزاً التيارات والتصنيفات الجاهزة والمذاهب المتعارضة. حاولت أن تكتب قصيدة النثر وقدمت لنا نصوصاً مبكرة في "صباح الخير يا ماجد" و "في حالتنا الراهنة"، وقلت لنا مرة إن أخشى ما تخشاه هو ميليشيات قصيدة النثر المنتشرة في كل مكان لكنك لم تخش النثر نفسه.
فقد حاولته وربما تكون صدفت عنه لأنك لم تنجح فيه لا لعجز فيك فأنت أكبر من استطاع أن يقرب بين النثر والشعر، وهــل ننسى كتـــاباتك النثرية التي تنضح بروح الشاعرية وتتفوق حتى على كثير من نصوص الشعر الموزون. هل ننسى كتباً مثل "يوميات الحزن العادي، وشيء عن الوطن ووادعاً أيتها الحرب وداعاً أيها السلام". كنا نقرأ هذه النصوص فلا نعرف أشعر ما نقرأه أم نثر.
لا أيها الشاعر الكبير لن نحبك ميتاً لنقول لقد كان منا، وإنما نحن أحببناك حياً وسنظل نحبك ونقول لقد كنا منك ولن نجد ما نؤنبك به أفضل مما قلته أنت منذ منتصف السبعينات عن رفيقك الكبير بابلو نيرودا: "لك القرنقل واعترافات النساء العاشقات وأبعد قرية في الأرض أول خطوة بعد الزنازين الأغاني في حوانيت الفواكه... آه يا محمود".

حسن طلب 

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...