مسرحية دمشقية عن تحالف السلطة والمافيا: أيمن زيدان «يختطف» داريو فو

28-03-2017

مسرحية دمشقية عن تحالف السلطة والمافيا: أيمن زيدان «يختطف» داريو فو

لن نرى وجوه الممثلين طوال عرض «اختطاف» بتوقيع أيمن زيدان. كأننا أمام حفلة أقنعة جماعية. سنختزل المسافة بين ضفتي المتوسط - من دون عناء - في تشريح نصّ المسرحي الإيطالي الراحل داريو فو (1926 ــــ 2016) «الأبواق والتوت البري» في نسخته المحليّة (إعداد أيمن زيدان ومحمود الجعفوري) لجهة الاحتجاج والغضب وتعرية الشراكة العفنة بين السلطة ومافيا رأس المال.من العرض

وكان داريو فو قد التقط تفاصيل حادثة اختطاف منظمة «الألوية الحمراء» لرئيس وزراء إيطاليا ألدو مورو وتصفيتها له (1978) على إثر رفض الحكومة التفاوض مع تلك المنظمة بإطلاق ثلاثة من أعضائها مقابل الإفراج عنه. سيفترض صاحب «موت فوضوي صدفة» بأن المختطف هو مالك شركة «فيات» للسيارات المدعو جياني أجنيللي، وكيفية تعامل الحكومة مع الحادثة. بالطبع لن تضحّي الحكومة بشخصية اقتصادية مؤثرة مثل أجنيللي بمخالبه الممتدة إلى كل مفاصل الحياة السياسية وألغازها.
نحن إذاً، إزاء شخصية نموذجية لصناعة السخرية من طبقة سياسية غارقة في الفساد والفضائح الاقتصادية. ستكتفي النسخة المتخيّلة بحادث سير يتعرّض له صاحب شركة «فيات» تنتهي بتهشّم وجهه. سينقذه أحد عمّال شركته بسبب وجوده بالمصادفة في مكان الحادثة، بعد أن يخلع معطفه ويغطي وجهه المشوّه، من دون أن يتعرّف إليه. هكذا تستنفر محطات التلفزة لنقل تفاصيل الحادثة نظراً إلى قوة تأثير صاحبها، كما سيعتمد محققو البوليس على الوثائق التي وجدوها في المعطف وتخصّ العامل انطونيو. في المستشفى، سنجد دمغة شركة السيارات «إطارات، مقود، قمع، مضخات، أبواق». خردة معادن مقابل خردة بشرية ممدّدة في سرير غرفة العمليات. بناء على الوثائق الموجودة في المعطف، سيتعامل المحققون وزوجة العامل على أن المصاب هو انطونيو، وأن عملية استعادة ملامحه ليست مستحيلة، كما لو أن الأمر يتعلّق بتصليح أعطاب سيارة. هكذا تنشأ مفارقة قوية في بناء عرض يعتمد الارتجال، في كشف القناع عن الشخصيّة الحقيقية والشخصية المزيّفة، والمسافة بين هموم الشخصيتين بعد ارتدائهما ــــ بعملية تجميل ــ ملامح رجل واحد، لكن من منطقتين طبقيتين على تضاد تام.
لعلها فرصة داريو فو في الثأر للطبقة العاملة من وحشية الطبقة المافيوزية. عند هذا المنعطف، يذهب العرض إلى فضاء آخر، عن طريق تهديد أجيلي الذي وجد نفسه نسخة شكلية عن انطونيو المتهم بمحاولة اغتياله، بفضح الممارسات السريّة للسلطة والتي تنتهي بالخضوع لمطالبه خشية انهيار الحلف مع رأس المال، إلى درجة إسقاط الحكومة والإفراج عن ثلاثين معتقلاً من أعضاء المافيا. الدمغة الإيطالية في العرض - كنوع من التقية ربما - لن تمنع المتلقي السوري من تفكيك الإشارات بما يخصّه في اللحظة الراهنة باتساع حضور مافيا أخطبوطية تكاد تخنق الأوكسجين عنه، وهي تمدّ أذرعها في كل الاتجاهات، محمولة على خطاب لفظي يحمي تغوّلها التدريجي في مفاصل عيشه. انخراط النص في تشريح المفارقة على رافعة «الكوميديا ديلارتي» إلى نهاية العرض تقريباً، أثقله الختام بخطبة تلقينية بدت بعيدة عن نسيج العمل وحبكته. لكن شغف أيمن زيدان المسرحي قاده في نهاية المطاف إلى عرض لافت ينتصر إلى مسرح الشارع، من خلال إعادة الاعتبار إلى الفرجة الشعبية الراقية التي أتت تتويجاً لأعماله المسرحية السابقة («سوبر ماركت» مثلاً)، إذ تتواشج عناصر الفرجة في سبيكة متينة سواء على صعيد أداء الممثل، أم نحو خياره الإخراجي والحركي مستثمراً مادة البلاستيك الشفّاف في أزياء الشخصيات كدلالة فكرية وبصرية في آنٍ واحد عن عالم مشيّد من البلاستيك والمعادن، وصولاً إلى دمية محشوة بالقش تمثّل نسخة ثالثة من شخصية أجيلي. لكنها شخصية «معاقة» تحتاج إلى كرسي متحرّك كعلامة على تناسخ صورة السلطة وسطوة رأس المال في دائرة لا نهائية من الفضائح والاستغلال وتزييف الحقائق، وتالياً فإنه لم يخسر رهانه في توليف عرض دسم، باتكائه على حماسة كوكبة من الممثلين الشباب هم: لوريس قزق، توليب حمودة، نجاح مختار، لجين اسماعيل، أنطوان شهيد، خوشناف ظاظا، بمرافقة موسيقى سمير كويفاتي.
هكذا استعادت خشبة «مسرح الحمراء» ألقها في يوم المسرح العالمي (27 مارس) بعرض يطمح بجسارة إلى إخفاء رضوض المسرح السوري وإخراجه من غرفة الإنعاش.

«اختطاف»: الساعة السادسة مساء ــ خشبة «مسرح الحمراء» في دمشق
للاستعلام: 0096311222201600963112222016

خليل صويلح 

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...