صرخة حق أمريكية: ارفعوا أيديكم عن سوريا

29-05-2013

صرخة حق أمريكية: ارفعوا أيديكم عن سوريا

الجمل - سول لاندو - ترجمة: د. مالك سلمان:

ألهمت الحرب الأهلية السورية البعض في الكونغرس والإعلام. هل هذا غباء أم جنون؟ البعض لا يتعلم من أخطاء الماضي. لماذا نبدأ, مرة أخرى, بعَد القتلى في نزاع شرق أوسطي لا علاقة له بالأمن الأمريكي؟ يقول بيل كيللر, الصحفي في "نيويورك تايمز", "تغلبوا على عقدة العراق", وكأنه يطالب مرضى "الإيدز" بالتغلب على مرضهم , و "آبراكادابرا", كل شيء سيكون على ما يرام بلمسة من العصا السحرية.
كذبَ بوش وتشيني واستخدما معلومات استخبارية مزيفة مصممة لتبرير تعطشهما للحرب. لم يكن العراق يمتلك أية أسلحة دمار شامل, كما لم يكن له أي ارتباط مع القاعدة, كما زعمَ كلاهما, لكن القوات الأمريكية الغازية دمرت وحدة العراق. وفي النهاية, فإن قتلَ صدام يبقى إنجازَهما الوحيد – إلا إذا أخذ المرء بعين الاعتبار لائحة قتلى الولايات المتحدة والناتو, والجنود والمدنيين العراقيين.
واليوم, سوف ينتج عن التدخل الأمريكي العسكري في سوريا الكثير من القتلى من الجنود الأمريكيين, والسوريين, والمزيد من الألم والمعاناة في المستقبل للجنود الأمريكيين لكونهم قوة محتلة. وسوف نتحالف مع المملكة السعودية, التي تدعم المعارضة السورية لأن السعوديين يريدون كسر التحالف السوري – الإيراني الذي يشكل خصمهم الرئيس في الهيمنة على الخليج الفارسي. كما أن السعوديين يخشون من "الربيع العربي", وقد حاولوا احتواءَ الاضطرابات قبل أن تصلَ إلى بلادهم.
في ربيع 2011, قدمت الانتفاضة السورية للسعوديين (سُنة) الفرصة لضرب حليف إيراني العربي الرئيسي الذي تقوده الشيعة [!]. وبما أن السعودية تفتقر إلى القدرة العسكرية للتدخل المباشر, فقد استخدمت ثروتها النفطية في محاولة شراء نظام بديل عن نظام الأسد يكون حليفاً للعائلة المالكة السعودية.
يتجاهل النقاد الأمريكيون العدوانيون الدورَ السعودي, لكنهم يدفعون أوباما إلى التدخل العسكري. وقد حذرت آن ماري سلوتر, من جامعة برينستون: إذا لم يتدخل أوباما عسكرياً, سوف "يذكره التاريخ كرئيس ادعى بداية عهد جديد مع العالم الإسلامي لكنه تربع على فصل مميت في القصة القديمة نفسها." من الجائز أن أوباما قد تعلمَ أن الحرب الأمريكية على العراق لم تجعل المسلمين يحبون الولايات المتحدة ولم تحسن موقعنا الأمني.
كما زعمت عصابة "اغزوا سوريا" أن قوات الأسد استخدمت غاز السارين ضد المتمردين, وقالت إن مثل هذا العمل الوحشي يبرر التدخل الأمريكي. لكن لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة زعمت أنها تمتلك أدلة قوية على أن المتمردين, وليس الأسد, قد استخدموا الغاز.
إن لغة أوباما التلفيقية حول سوريا فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيماوية (حيث سماه "خطاً أحمرَ" و "يغير قواعد اللعبة") لها رنين مطلب أخلاقي ملح, لكنها تتجاهل حقائقَ رئيسة: استخدم الجيش الأمريكي القنابلَ الفوسفورية في هجومه على الفلوجة خلال الحرب على العراق, كما أن طائرات سلاح الجو الأمريكي ألقت أطناناً من "العامل البرتقالي" على فيتنام. إن أنصار الحرب مهتمون بمبدأ استعراض القوة الأمريكية أكثر من اهتمامهم بمستقبل وسلامة سوريا والسوريين.
أرغى آميتاي إتسيوني, من جامعة جورج واشنطن, ثم أزبدَ وقال: "إذا استمرت إدارة أوباما في التريث والمماطلة, فسوف تمعن في تقويض مصداقية الولايات المتحدة كقوة عظمى, وهو موقع مهزوز سلفاً نتيجة فشلها في العراق وأفغانستان." منذ الحرب العالمية الثانية, قصفت الولايات المتحدة كوريا, وفيتنام, ولاوس, وكمبوديا, وليبيا, والعراق, وأفغانستان, وغرينادا, وبَنما. فأي زعيم أجنبي يمكن أن يشك في مصداقية الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بالتدخل العسكري؟
بعد مستنقع أفغانستان, لماذا يُعَرض أوباما الجنود الأمريكيين للقتل في سوريا ويخلق, في الوقت نفسه, مزيداً من الأعداء في المنطقة التي تلوم واشنطن على تدخلاتها وارتباطها بإسرائيل؟
لقد كره مخططو هجوم 9/11 السياسة الأمريكية, وليس حريتنا, كما أن الأعمال الإرهابية المنعزلة التي ينفذها بعض المسلمين الغاضبين تشكل تهديداً أمنياً يتفاقم مع ازدياد التدخلات الإقليمية. فعندما تقصف الطائرات الأمريكية المدنَ والقرى, أو عندما يطلق الجنود الأمريكيون النارَ على الناس, فإننا نخلق بذلك مزيداً من الأعداء. فالجثث الناجمة عن هذه الاعتداءات لها أقرباء يقسم بعضهم على الانتقام.
لم نُعِد بناء العراق, ولم نجلب له الديمقراطية المستقرة؛ كما لم ننجح في أفغانستان, أو قبلها في فيتنام. فنادراً ما تؤدي الحروب إلى النتائج التي يتصورها الغزاة. إذ إن الحروب تقود إلى عواقبَ غير مقصودة. فعلى سبيل المثال, يتمتع الصينيون الآن بحرية الوصول إلى كميات أكبرَ من النفط, كما أن الحكومة العراقية صارت حليفاً لإيران. لقد تعلم الناس في المنطقة دروساً منسجمة مع الحقائق أكثر مما تعلمَ صقورُ الحرب في واشنطن الذين يعانون من النسيان.
جرى استطلاع رأي حديث شمل 11,771 شخصاً من لبنان, والأردن, وتركيا, ومصر, و إسرائيل, والأراضي الفلسطينية, وتونس, وألمانيا, وفرنسا, وبريطانيا, والولايات المتحدة, وروسيا. وتبعاً ﻠ "كريستيان ساينس مونيتور", "قال 90% من اللبنانيين إنهم قلقون من امتداد العنف غرباً إلى بلدهم, وقال 68% منهم إنهم ‘قلقون جداً’ بينما قال 27% منهم إنهم ‘قلقون بعض الشيء’. كما عبرَ 80% من الأردنيين, الذين يعيشون إلى الجنوب من سوريا, و 62% من الأتراك, الذين يعيشون إلى الشمال من سوريا, عن قلقهم."
لماذا التصعيد إذاً؟ لم يهدد الرئيس الأسد بمهاجمة الولايات المتحدة أو الحكومات المتحالفة معها, مثل إسرائيل؛ كما ليس بمقدوره الاعتداء على أحد لأن حكومته تصارع من أجل البقاء. فقد قصفت إسرائيل سوريا مرتين في الشهر الماضي, ولم يصدر عن سوريا أي رد.
لكن واشنطن قررت مساعدة المتمردين السوريين, كما قامت سابقاً بتسليح المتمردين الأفغان في باكستان. وهكذا لعبت الولايات المتحدة دوراً حيوياً في مساعدة الطالبان, المكروهين الآن, على الخروج منتصرين في التسعينيات من القرن الماضي.
تعقدت الحرب الأهلية السورية, التي كانت معركة داخلية, عندما قامت السعودية وقطر بدفع الأموال للجهاديين للقتال ضد الأسد. وقد زاد تدفق هؤلاء المقاتلين الأجانب إلى سوريا من عدد القتلى (أكثر من 70,000) كما ساهمَ في تحويل أكثر من مليون سوري إلى لاجئين.
كما أن الصراع في سوريا يواجه واشنطن مرة أخرى بدراما "الربيع العربي": تواجه الأنظمة الدكتاتورية الموالية للولايات المتحدة في البلدان العربية خليطاً من الديمقراطيين, والاشتراكيين, والسلطويين الدينيين, وهو مسرح ناضج لتوليد نزاعات أخرى.
يمكن لإسقاط الأسد أن يقودَ البلاد إلى مزيد من التدهور. فقد أعلن بعض المتمردين سلفاً تطبيق قانون الشريعة في المناطق التي يسيطرون عليها وقاموا بذبح المسيحيين, والعلويين, والأقليات الأخرى المؤيدة للأسد.
كما يمكن لتدخل الولايات المتحدة أن يعيقَ عمليات الإغاثة الإنسانية ويورط الولايات المتحدة, في الوقت نفسه, في التزامات عسكرية غير مضمونة. بالإضافة إلى أن العمل العسكري من طرف واحد سيؤدي إلى توتر في العلاقات الدولية الرئيسة, مع غياب التوافق الدولي أو الإقليمي على التدخل العسكري. وفوق ذلك, يمكن لمثل هكذا تدخل أن يزجَ بالولايات المتحدة في نزاع إقليمي واسع. يجب ألا يلتزم أوباما بتوصية البنتاغون الذي يقول بالحاجة إلى 75,000 جندياً لضمان مخزون الأسلحة الكيماوية السورية التي لا تهدد مصالح الولايات المتحدة.
ارفعوا أيديكم عن سوريا.

 

تُرجم عن ("فورين بوليسي إن فوكس", 23 أيار/مايو 2013)

الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...