85 طبيباً نفسياً لأكثر من 23 مليون مواطن

28-04-2010

85 طبيباً نفسياً لأكثر من 23 مليون مواطن

تنبهت الدول الكبرى للتحدي الخطير الذي تشكله الاضطرابات النفسية في زمن مبكر، بينما ما زال الاكتئاب والفصام والوسواس القهري وتوحد الطفولة وغيره من الاضطرابات التي تحصد الكثير من النفوس وراء جدران الخوف من المجتمع ووصمة الاتهام بالجنون.

وإذا كانت منظمة الصحة العالمية أعلنت عن ضرورة توفر طبيب نفسي مع فريق كامل مجهز لكل عشرة آلاف شخص، فإن الواقع لدينا يشير إلى أن 23 مليون شخص يتوجهون إلى أقل من 85 طبيباً نفسياً موزعين على عدد قليل من المشافي والعيادات والمراكز.‏

وباعتبارنا جزءاً من عالم مهدد بارتفاع نسبة الأمراض النفسية من 10٪ إلى 15٪ بحلول عام 2020 لابد من طرح التساؤلات حول درجة امتلاكنا لتقنيات التشخيص والعلاج النفسي، وحول واقع اختصاصات الطب النفسي على المستوى التعليمي في وزارة التعليم العالي وعلى المستوى المهني في وزارة الصحة- وحول وعي الناس لهذه الأمراض وضرورة العلاج دون اللجوء إلى الرقي والدجل!‏

- يقول الدكتور اياد يانس رئيس دائرة الصحة النفسية في وزارة الصحة: إن عدد الأطباء السوريين المختصين بالطب النفسي والمسجلين في مديرية الصحة حوالي 85 طبيباً فقط، وأغلب هؤلاء متواجد في دمشق.‏

وبالنسبة لما هو متوفر حالياً، فهناك مشفى ابن سينا في ريف دمشق وهو يتسع ل 561 سريراً ويعمل فيه حوالي 15 طبيباً نفسياً، ويوجد مشفى ابن خلدون بسعة 400 سرير ويعمل به طبيبان نفسيان، ويوجد المرصد الوطني لرعاية الشباب، بسعة 31 سريراً ويعمل فيه 7 أطباء نفسيين. وهناك أيضاً عدد من المراكز الصحية والعيادات والتي يبلغ عددها حوالي 40 عيادة نفسية، موزعين بمختلف المحافظات ويشرف عليها إما طبيب مختص أو طبيب أسرة أو طبيب صحة عامة، وبشكل عام هناك نقص بشعب الأمراض النفسية بالمشافي العامة وعلى سبيل المثال ما هو متوفر في مشفى المجتهد ليس شعبة بل هي عيادة خارجية تعطي المرضى العلاج فقط ولا يوجد حالات استقبال لهم. كما أنه لا يوجد توزع جغرافي عملي بالنسبة للصحة النفسية، فالمشافي موجودة في حلب ودمشق فقط.‏

 ونحن بحاجة لمشافٍ صغيرة ولشعب نفسية في المشافي الأخرى ولدينا نقص فيما يسمى «بيوت علاجية» التي تخصص للمريض الذي لا يحتاج إلى مشفى ولكنه يحتاج للمراقبة والمتابعة.‏

لا يصح عزل المريض‏

ويقول د. يانس: لا يجوز عزل المريض النفسي عن المجتمع، والمرض النفسي عبارة عن اضطراب له أسباب وله علاج وبالتالي ليست جميع الحالات بحاجة إلى مشاف خاصة بالطب النفسي وعلى سبيل المثال ابعاد المريض عن الناس الآخرين كما هو الحال في ابن سينا أو ابن خلدون، لا يصب في مصلحة المريض فليست كل الحالات صعبة أو خطرة وهناك فرق بين المريض العقلي وبين الاضطراب النفسي وبالتالي وجود الشعب النفسية في المشافي هو خطوة نحو دمج المريض النفسي بمن حوله من المرضى والناس.‏

ويؤكد: أنه تم مؤخراً الاعلان عن تأسيس المجلس الأعلى للصحة النفسية يرأسه وزير الصحة، ويهدف المجلس ودائرة الصحة النفسية إلى رسم خطط وسياسات لتطوير القطاع الصحي النفسي، حيث تنبهت الوزارة إلى تراجع هذا الجانب بالنسبة للجوانب الصحية الطبية الأخرى.‏

وحيث أن هذا الاختصاص لا يوجد فيه استقصاءات أو جراحة، ولا يقدم دخلاً مادياً جيداً للطبيب، فإن الأطباء النفسيين يأخذون طبيعة عمل 100٪ كعمل بالدولة، ومن جهة أخرى نجد أن العدد القليل للأطباء جعل مجالات العمل واسعة.‏

نقص الكوادر‏

وحول واقع الكوادر البشرية لهذا القطاع أفادنا قائلاً: يوجد أطباء مسجلون وحاصلون على تراخيص لمزاولة المهنة، لكنهم ليسوا جميعاً موظفين في وزارة الصحة، ومنهم من سافر للعمل في الدول المجاورة، وعملياً من يمارس المهنة تقريباً 85 طبيباً، وفي كل سنة هناك من يسافر خارج القطر وللأسف هناك محافظات لا يوجد فيها أي طبيب نفسي مثل المنطقة الشرقية والحسكة وبحسب التوزيع الحالي يوجد بالرقة طبيب واحد وبالقامشلي طبيبان، بالسويداء لايوجد أي طبيب، وفي كل من درعا واللاذقية طبيب واحد، وطبيبان في كل من حمص وحماة، ولا يوجد لدينا ما يسمى تمريضاً نفسياً مستقلاً، وهناك نقص شديد في بعض الاختصاصات كالطب النفسي للأطفال، اذ لايوجد سوى اثنين في سورية ولا يوجد طب نفسي للشيخوخة، ومثله للكوارث.‏

أما الاختصاصات النفسية الاجتماعية فهذا موضوع آخر يتعلق بالعلاج النفسي ويدخل ضمن ما يسمى فريق عمل يضم « طبيباً نفسياً، معالجاً نفسياً، معالجاً اجتماعياً» ولكن عملياً لا يوجد لدينا فريق عمل نفسي، وإنما هناك اختصاصيون نفسيون واختصاصيون اجتماعيون موزعون للعمل في المراكز والعيادات وعدد كل منهم على مستوى القطر لا يتجاوز ال 30 اختصاصياً.‏

وحول عمل المعالج النفسي يؤكد د. يانس: ان ذلك يدخل ضمن المهن المساعدة للطبيب النفسي، ولكن لا يوجد قانون ناظم لعمل المعالج النفسي لأن هؤلاء ليسوا خريجي طب نفسي، وهم خريجو علم نفس تربوي « كليات نظرية» ويفترض أن يوكل لهؤلاء في المشافي النفسية والعيادات ساعات تدريب سريري وهذا موجود لدينا حالياً ويدخل فيما يسمى عمل الفريق الطبي النفسي إلا أنه غير مطبق بشكل جيد.‏

نسب عالمية‏

لاشك أن الحياة مليئة بالمشكلات التي لها دور في اظهار الاضطرابات النفسية ولكن وحسب احصائيات الدائرة الصحية ان نسبة انتشارها عالمية اذ لايوجد لدينا دراسات بهذا الخصوص. وهناك أمراض لا تختلف بين شعوب العالم. مثلاً 10-20٪ فصام، 17٪ اضطرابات القلق، و25٪ من الناس سيمرون في مرحلة ما من حياتهم باضطراب نفسي يحتاج إلى العلاج ويعتبر الفصام أسوأ مرض يصيب البشرية حسب تصنيفات منظمة الصحة العالمية.‏

واستكمالاً لكل ما تقدم يرى د. يانس أنه علينا محاربة الوصمة الاجتماعية فهناك نفور من قبل الناس فيما يخص اللجوء إلى الطبيب النفسي، والأمر يستوجب توعية المجتمع بأن الاضطرابات النفسية ليست جنوناً وأن المرض النفسي ليس عيباً أو عاراً وهو قابل للعلاج..‏

مشيراً إلى ضياع الكثير من المرضى النفسيين بين العيادات الأخرى البعيدة عن مرضهم بسبب الخوف من الوصمة. وان كان الأمر الآن يسير نحو التطور.‏

في التعليم العالي‏

وباعتبار أن الطب النفسي هو أحد فروع الطب البشري كان لابد من تقصي واقع هذا الاختصاص في وزارة التعليم العالي.‏

الدكتور يوسف لطيفة رئيس شعبة الطب النفسي في مشفى المواساة وأستاذ في كلية الطب البشري قال: كان عدد الطلاب المقبولين لهذا الاختصاص منذ عام 2000 حتى عام 2008 بمعدل طالبين لكل عام.‏

ويؤكد: أن قلة عدد الطلاب في هذا الاختصاص لا يعود لعدم رغبة الطلاب فقط بل يعود لضيق المكان اذ لا يوجد سوى شعبة واحدة للطب النفسي في مشفى المواساة بين كل مشافي الوزارة ويوجد فيها عشرة أسرة فقط، وحتى الآن تعتبر الشعبة صغيرة لا تستوعب أكثر من هذا العدد من الطلاب ومرضى للتدريب.‏

والواقع يفترض وجود شعبة طب نفسي في جامعة حلب، وجامعة تشرين لتخريج عدد أكبر من الأطباء.‏

30 مريضاً بالشهر‏

حول أعداد المرضى المراجعين للشعبة قال: يوجد في المشفى عشرة أسرة وهي دائماً مشغولة وتتراوح مدة إقامة المريض بين 5-12 يوماً أي بالاجمال أن الأسرة العشرة كل عشرة أيام تتجدد وبشكل وسطي 30 مريضاً بالشهر.‏

وهناك هدفان لقبول المرضى:‏

الأول: العلاج.‏

والثاني: تعليمي، ويكون ذلك عن طريق العيادة النفسية التي تفتح يومين بالأسبوع، ومن خلال العيادة يمكن القول: ان الاقبال على الشعبة النفسية في ازدياد وأكثر الحالات هي اكتئاب، فصام، هوس، ادمان، قلق، أي جميع الامراض وطبعاً «الكلام للدكتور لطيفة» نحن نطالب بتوسيع هذه الشعبة وبهذه الحالة يمكن ادخال علاج سلوكي وعلاج نفسي.‏

- قد لا يكون هناك ما يشجع الطلاب على دخول الطب النفسي من الناحية المادية ولكن ومن خلال دراسة أجراها الدكتور لطيفة عام ال 2007 على طلاب الطب قبل وبعد تدريس مقرر الطب النفسي للسنة الخامسة، يرى أن الوضع قد تغير كثيراً، فالدراسة أجرت مقارنة بين الأطباء الذين يختارون الطب النفسي قبل تدريس المقرر وبعده وكانت النتيجة أن مواقف الطلاب تغيرت بما يعادل الضعف، حيث كانت النسبة 30 ٪ لكنها بعد تدريس مادة الطب النفسي وصلت النسبة الى 60 ٪.‏

ومن جهة أخرى نجد أن ثقافة المجتمع نحو العلاج النفسي غير مشجعة أيضاً فهناك أفكار خاطئة تمنع الناس من مراجعة الطبيب النفسي، ويرى الدكتور لطيفة أن التخلص من هذه الحالة هو تعريف الناس أن المرض النفسي هو مرض عضوي ليس له علاقة بالظروف الاجتماعية وليس عيباً، وبالتالي الخوف من الطبيب النفسي هو خوف وهمي وليس كل مراجعي الأطباء النفسيين لديهم مرض عقلي أو اضطرابات بالتفكير، واي انسان مهما كانت ثقافته ومستواه ممكن أن يصاب بمرض نفسي وعليه مراجعة الطبيب النفسي.‏

- وحسب الواقع الاحصائي المتعلق بالتعليم العالي نجد اختصاصاً واحداً في كلية الطب جامعة دمشق، هو الطب النفسي العام، وفي الاحصائيات الأخرى يوجد طبيب نفسي أطفال واحد فقط، بينما لا يوجد طبيب نفسي مختص بالمسنين، أو مختصون بالادمان، أو المراهقة.‏

ومن حيث العمل: يوجد عيادة طب نفسي أطفال واحدة، موجودة في مشفى الأطفال، تستقبل الأطفال يومين في الاسبوع، افتتحت عام ال 2007، وتقديرياً عدد الأطباء النفسيين في كل سورية أقل من 100 طبيب، بينهم خريجو دراسات عليا، ومعهم شهادات ماجستير ومنهم أطباء خريجو دول غربية.‏

ما يروج غير صحيح‏

وحول سؤالنا له عن مراكز البرمجة العصبية ومدى صحتها أكد: أن البرمجة اللغوية العصبية ليست فرعاً من فروع الطب النفسي كما أنها ليست فرعاً من فروع علم النفس، وهي عبارة عن فرع من تنمية الموارد البشرية، تفيد الأشخاص الطبيعيين الذين لديهم مشاريع تنموية لزيادة مواردهم، وبالتالي لا تعالج أي اضطراب نفسي أو مرض نفسي..‏

وما يروج له في مجتمعنا حول هذا الاختصاص، يعتبر غير صحيح كما أن التراخيص لهذه المراكز ممنوعة قانونياً، وحتى الآن في سورية لا يوجد قانون يسمح للمهن الطبية المساعدة وبكل الاختصاصات بافتتاح مراكز، وبالتالي وجودها غير قانوني وغير رسمي.‏

- وبمقارنة أخرى يفسر الدكتور يوسف أسعد نقيب أطباء دمشق قلة الأطباء النفسيين لسبب هام هو أن الأفراد في الدول المتقدمة يعتمدون على الطبيب النفسي في كل شيء حتى في المدارس وفي اماكن العمل ويوجد مرشد نفسي، مرشد اجتماعي، وأطباء نفسيون، في حين هذا المفهوم يختلف في مجتمعنا، لاأحد يذهب الى طبيب نفسي إلا وينظر اليه أنه شخص غير سوي.‏

وبالمقابل علينا أن نفكر بالوضع المادي للطبيب النفسي الذي درس ست سنوات ثم تخصص اربع سنوات ولايدخل المرضى الى عيادته.. فهو بالنهاية جزء من المجتمع وبحاجة الى مورد رزق يتناسب مع وضعه العلمي.‏

ولهذا نجد/ والكلام لنقيب الاطباء/ أن العدد الحالي لايلبي حاجات المجتمع المتزايدة، فهناك حالات متنوعة وحاجة كبير لهذا الطب.‏

48 طبيباً لدمشق‏

ويوضح الدكتور أسعد: ان المسجلين لديهم بالنقابة هم فقط اطباء نفسيون وليسوا خريجي علم نفس أو معالجين أو مرشدين وعددهم في مدينة دمشق 48 طبيباً، اغلبهم لديه عيادة خاصة ويعملون في المراكز والمستشفيات العامة والخاصة.‏

وبمقارنة هذا العدد مع اختصاصيي القلبية وجراحتها نلاحظ عددهم في دمشق 140 طبيبا مقابل 48 طبيبا نفسياً.‏

- وحول الذين يزاولون المهنة من غير الاطباء قال: ليس لنا معرفة بهذه المراكز ومع ذلك فهي مخالفة، فنحن نسمع عن عيادات نفسية تحت اسم البرمجيات العصبية أو استشارات نفسية وغيرها، لكنها بالقانون ممنوعة وأي مركز للطب النفسي يجب أن يكون مرخصا ومسجلاً في وزارة الصحة وبنقابة الأطباء لكي يسمح له بمزاولة المهنة.‏

- حتى الآن يعتبر المرصد الوطني لرعاية الشباب هو المشفى التخصصي الوحيد لمعالجة الادمان، ومايرافقه من اضطرابات نفسية سلوكية ويضم عيادة نفسية تخصصية يقوم عليها اطباء اختصاصيون بالطب النفسي وتستقبل بالاضافة الى الادمان، الاضطرابات النفسية المختلفة حيث يعمل في المرصد 7 أطباء نفسيين، ويتسع الى 31 سريراً.‏

يقول د. غسان شاكر مدير المرصد وهو طبيب نفسي: منذ إنشاء هذه العيادة وهي تستقبل المرضى الذين يعانون من طيف واسع من الاضطرابات العصابية كالقلق والاكتئاب بأنواعه المختلفة، واضطراب الوسواس القهري والخوف المرضي والاضطرابات الشخصية والاختلاجات، بالاضافة الى الاعداد الكبيرة من مرضى الإدمان.‏

العلاج مجاني‏

ويوضح د. شاكر: أن آلية القبول في المشفى تكون عن طريق العيادة النفسية التخصصية، وهي تقدم الادوية مجاناً للمرضى،وفق بطاقات يراجع بها المريض شهرياً.‏

ويعتمد العلاج في المرصد على شقين الاول هو علاج دوائي فيزيائي والثاني علاج نفسي. اذ غالباً مايترافق مرض الادمان مع اضطرابات نفسية. وطبيعة هذه الحالات تقتضي العمل وفق مبدأ الفريق النفسي الواحد.‏

-وحسب ماأشار إليه العاملون في المرصد ان الحالات لاتقتصر على فئات عمرية شابة، فهناك اشخاص تجاوز عمرهم العقد الخامس، ولو أخذنا إحصائية الشهر التاسع من عام 2009 نجد أن عدد المراجعين 499 حالة فصام و352 حالة اكتئاب و381 حالة صرع، بالاضافة الى 1872 حالة ادمان متنوعة.‏

وحسب الاعمار نجد 72 حالة هم قبل ال 12 سنة، و210 حالات بين 12- 18 سنة، و1100 حالة بين 19-60 سنة.‏

هذا يعني أن الشدات النفسية ممكن أن تصيب كل الأعمار ولكنها أكثر شيوعاً في مرحلة الشباب وهي فترة العطاء لدى الافراد،كما أن هذه الاعداد وخلال شهر واحد، يفسر تزايد وعي الناس بضرورة مراجعة المراكز النفسية، وان هناك ارتباطاً للشدات النفسية بموضوع الادمان. ليأخذ بعد ذلك موضوع الفصام والاكتئاب المرتبة الثانية.‏

إنه طب اجتماعي‏

الى جانب الاطباء النفسيين يوجد في المرصد عدد من الباحثين والمرشدين النفسيين والاجتماعيين، يتركز دورهم على أخذ القصة المرضية النفسية، وسبر الشخصية حسب تصنيفها في علم النفس.‏

تقول الباحثة الاجتماعية أليسار فندي من المرصد ايضاً: نأخذ القصة المرضية من المريض أو أقاربه من حيث التطور البنيوي والمراحل الدراسية المختلفة والبيئة الاجتماعية والتربوية التي جاء منها هذا المريض، بالاضافة الى نوعية التعامل والتأقلم مع النظام الاجتماعي الموجود فيه، فكل ذلك يعطي دلالة تشخيصية عن وجود هذا الاضطراب نتيجة لعوامل مؤثرة اجتماعية ولاننسى أن الطب النفسي هو طب مجتمعي من عهد الفلاسفة القدماء وحتى عصرنا الحاضر، فهناك نظريات كثيرة داعمة بأن أي اضطراب نفسي فيه جزء كبير من تأثيرات اجتماعية وبالتالي تحسين مجمل الأمور التي ذكرناها والوقوف على المسببات وتحسينها يكون جزءاً من العلاجات الأساسية السائدة للأدوية النفسية والتخلص من الاضطراب بأقل الخسائر النفسية.‏

بريق من الضوء‏

ومن خلالها تجربتها العملية أكدت فندي أن النظرة الحديثة لمجتمعاتنا وبالذات في سورية قد تطورت نتيجة التوعية النفسية والاجتماعية أيضاً، فقد كانت الاستشارة النفسية عيباً وانتقاصاً لمكانة العائلة.. ولكن تدريجياً أصبح المترددون على العيادات النفسية يثقون بالاداء وبالنتائج فهناك الاستشارات التربوية وأيضاً الخلل الدراسي واضطراب السلوك وبقية الاضطرابات النفسية يجدون في العلاجات المختلفة إن كانت دوائية أو علاجات نفسية واجتماعية سلوكية، داعمة - معرفية لها أثر كبير في تحسن الحالات وشفائها.‏

- في الواقع المحلي نجد أن واقع الصحة النفسية لا يماشي واقع الخدمات الصحية في باقي الاختصاصات وعلى مستوى المشافي والعيادات نجد أن المشافي الخاصة بالأمراض النفسية لا تتجاوز الرقم 5 على مستوى القطر في حين نجد مئات المشافي الخاصة لباقي الأمراض والاختصاصات.‏

من هنا كان لنا حديث مع الأستاذ أحمد الحلباوي مدير مشفى الطب النفسي الحديث الذي قال:‏

تتعدد الشكايات والأمراض ويراجع الناس العيادات لكي يتلقوا العلاج اللازم، ويكون هدف الطبيب تشخيص المرض، بعد استقصاءات محددة من مخبرية وشعاعية، وقد يشعر الطبيب أن شكاية المريض لا تتلاءم مع الموجودات والنتائج التي توصل إليها، فهناك نسبة معينة يكون فيها العامل النفسي والضغوطات محفزاً لاضطراب بعض أجهزة الجسم ومن هنا كان وعي الأطباء لإحالة مثل هذا المريض إلى الاختصاصي النفسي.‏

- ومن خلال عمل المشفى يرى الحلباوي أن الجانب التوعوي الذي كرسه الاعلام بمختلف أشكاله والخبرات الشخصية لدى بعض المرض والمجتمع بشكل عام كان لهم دور في وعي الناس عند المعاناة النفسية، ويقول: لاتخلو أي شريحة من تجاذب الأحاديث عن الشكايات النفسية ومدى إحراز تقدم في العلاج.‏

وبالتالي وعي الشخص لمرضه، والدور الذي يلعبه الأطباء بتوجيه هذه الحالات إلى العيادات أو المشافي النفسية، وتعامل الكادر الطبي، ووجود الاجراءات والاستقصاءات العلاجية.. تجعل المريض أكثر قناعة بأنه لا غنى عن المشفى التخصصي.‏

الفصام في المقدمة‏

وحول أكثر الحالات التي تتردد إلى المشفى قال: أن أغلبهم من فئة الشباب من العقد الثاني والثالث، وحيث أن المشفى تعالج جميع الاضطرابات النفسية والعقلية، نجد أن نسب الحالات تتوزع حسب الأولويات التالية: اضطرابات الفصام وتأتي بالدرجة الأولى، ثم اضطراب الاكتئاب، وهناك اضطراب ثنائي القطب بين الهوس والاكتئاب» وبعده الوسواس القهري، والقلق بنسبة واحدة، ولا يخلو، المشفى من الاضطرابات الشخصية وحالات إدمان المخدرات المتعددة، وإدمان الكحول.‏

وبالتالي المشفى يعبر عن حالة تطورية نحو واقع الطب النفسي لدينا من حيث ضرورة وجوده ومن حيث عمل الكادر وفق فريق طبي موحد.‏

نتائج‏

مما تقدم أشار المعنيون إلى عدة نواقص يجب تداركها لتطوير هذا القطاع الصحي وفي مقدمتها معهد للطب النفسي، إيجاد اختصاصات متعددة للطب النفسي في جميع كليات الطب، جعل التمريض النفسي اختصاصاً مستقلاً، تبني مفهوم الفريق متعدد الاختصاصات، وزيادة الشعب النفسية في المشافي تدريب خريجي علم النفس السريري وضرورة إقرار اختصاص الارشاد النفسي والعلاج النفسي والارشاد الاجتماعي. ومع كل هذه الحاجات هناك حاجة ماسة لقانون صحة نفسية يجسد المفهوم الحديث للأمراض النفسية وينظم عمل الفريق وفق الاختصاصات والحاجات للاختصاصات المرادفة والمساعدة.‏

- ولكن ومن باب العلم والتساؤل: فقد كان هناك خطة لانشاء أربع مشاف صغيرة سعة 60 سريراً موزعة في المناطق الساحلية، الشمالية،الجنوبية والوسطى، ويرافقها مراكز نفسية إسعافية قريبة من سكن المواطنين، الا أنها حتى الآن لم تر النور، وأيضاً كان هناك مقترح مدروس ومناقش ضمن الفعاليات التنفيذية للخطة الخمسية العاشرة لتأسيس معهد وطني للصحة النفسية، ولكنه أيضاً لم ير النور حتى الآن.‏

ميساء الجردي

المصدر: الثورة

التعليقات

ثمة حقيقة نهائية و ساطعة قد تفوت الطبيب الانتهازي و لكن لا تفوت الطبيب الحريص و هي أن الصحة النفسية مرتبطة مثل الاقتصاد بصحة الجهاز القضائي. فعدى عن الاستعدادات البنيوية, فإن لب المشكلة النفسية يكمن في القياس الى منظومة قيم. إن اضراب المنظومة الأخلاقيةو وبالتالي السببية المنطقية بين المقدمة و النتيجة و اختلال المرجعيات المدنية كل هذا يؤدي الى اضطراب في السلوك و الشخصية, و هذا يجعل الحلول ليس في العيادات النفسية و لكن في مكاتب التشغيل و العمل, في مؤسسات الجباية , و في مؤسسات الاتصالات الخلوية - ياللفداحة- . فمن الطبيعي أن يشعر الشاب الثلاثيني بالاضطهاد و بالشعور المعاكس و هو الدونية عندما لا يكون لديه لا عمل و لا عائلة و لا هدف. الجنون هو السمة الوحيدة للعقل أو للضمير. كلينيكياً يمكن القول أن سوريا يجب ان تتبنى الحل الكيميائي و ليس السلوكي أو الاجتماعي. فالحل الكيميائي مستقل عن الشرط الاجتماعي و الاقتصادي و يعمل على تثبيط أو تفعيل المشاعر و السلوك بالتأثير على التوازن الكيميائي في الجسم بدون التدخل بالسياق الاجتماعي. و هكذا تحل المشكلة دون تدخل الأطباء بالبنية السياسية و الاقتصادية للدولة. لأن مجرد تفكيرهم بالتحليل السلوكي و اقتراح الحلول سيحول العيادات النفسية الى أوكار - تعبير أمني- للتآمر على الحلم الاقتصادي السوري. لهذا يجب على الاقتصاديين السوريين أن يدعموا الخيارات الكيميائية و ليس من المستبعد أن يفكروا بتقديم منح كيميائية للشعب مثل منح الأعياد أو دعم المحروقات. أو حتى يمكن ان تعزز مياه الشرب يجرعات دوائية . يا الله ما احسننا

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...