هل سـ"يفتي" صادق العظم برجم أدونيس؟

26-07-2013

هل سـ"يفتي" صادق العظم برجم أدونيس؟

 من حق صادق جلال العظم أن يكون مع ما يعتقد (أو يتوهم) أنه ثورة شعبية سوريّة, وإن كان من حق آخرين أن يعارضوه أو يخالفوه الرأي والموقف والتوجّه, تماماً كما هو من حق أدونيس أن لا يؤمن بوجود ثورة شعبية في سوريا وأن لا يهلل لما يجري في مسقط رأسه من مجازر ترتكبها التيارات الإسلامية المتشددة, مع الأخذ بعين الاعتبار أن وسائل الإعلام الأعرابي والوهابي (الأكثر صخباً و ضجيجاً وتلفيقاً ونفاقاً) هي في خدمة موقف صادق والخط الذي يتبناه دونما غبطة أو حسد, مع الاعتراف بالفهم العميق لأبعاد ذلك التبني من قبله؛ ما يعني أن أدونيس قد يكون في موقف لا يحسد عليه, والله أعلم!
غير أنه من غير المبرر ولا المفهوم أن يستمر صادق في حملته التحريضية بامتياز ضد أدونيس, مع العلم أنه ليس مهووساً به وفق ما أفصح في رده على خالدة سعيد! (بالمناسبة, لا يعيب صادق أن يكون مهووساً بأدونيس), لكن دائماً في لقاءاته ومحاضراته.. الخ, يُسأل عن أدونيس, فيبيح لنفسه إسقاط ما يشاء من تهم بحق الرجل كأننا به يريد إجباره على الانخراط في ثورة قطع الرؤوس وشيها وسط صيحات التكبير, وهو شيٌ لم يره العظم باعتبار أنه يستحلي إعلام آل سعود المشهود له بـ"الصدق" و"النزاهة" و"الاستقامة"! هل يسرّ صادق رؤية مناظر قطع الرؤوس و التمثيل بالجثث؟ وهل يعتبرها حقاً أمراً عارضاً في "الثورة"؟ هل سمع طفلة سوريّة تشكر الله كون جثة والدها عادت إليهم كاملة من دون تقطيع أو حرق و تشويه في زمن "السلمية" و"الشعبية"؟ ألم يخدشه أو يطرق مسمعه شعار من قبيل "العلويّة ع التابوت والمسيحية لبيروت"؟ وهل يعيبه فعلاً أن يلحظ شيئاً من تلك المشاهد في إعلام "سوريا الأسد" بمعزل عن موقفه من ذاك الإعلام؟ ألم يسمع بنضال جنود والعميد تلاوي وعائلته ومجزرة نوى في ريف درعا.. الخ, وهذا كله جرى في الشهرين الأولين من عمر "الثورة" الشعبية "السلمية!؟ من "سوء حظ" من ذكرتهم وغيرهم من ضحايا "السلمية" في سوريا أنهم ليسوا تلك المرأة الإيرانية الزانية التي رجمها ملالي قم وطهران منذ بضع سنوات, وإلا لكان سمع بهم الدكتور العظم من خلال "العربية" والجزيرة", وفق ما أُرجّح (1).
أُلفت الانتباه هنا, إلى أن وزير إعلام "الثورة" السورية, السيد ياسين الحاج صالح, صحح في إحدى مقالاته (الأرجح كانت المقالة منشورة في صحيفة الحياة السعودية) خطأ وقع فيه الرئيس السوري في إحدى خطاباته عندما أفاد أن المتظاهرين لم يحملوا السلاح في الأشهر الستة الأولى أي إلى ما بعد شهر رمضان 2011 (سيصوب الرئيس خطأه في لقاءات صحفية لاحقة), ذاكراً السيد ياسين أن هذا الكلام غير دقيق, وأن السلاح كان موجداً قبل هذا التاريخ بكثير!
ذريعة صادق في استحلائه التحريض على أدونيس هو أن الشارع الثقافي مصدوم من أدونيس الحداثة وأدونيس العلمانية وأدونيس الثورة وأدونيس التقدم وأدونيس الشاعر وأدونيس الحرية والثورة والتقدم والتنوير.. الخ(ترى من هو الشارع الثقافي؟ هل هو "الشاعرة" هلا محمد, والممثلة كندا علوش والمغنية آصالة نصري, أم السيد هيثم حقي, أم هو هيثم المالح وإن شئتم هيثم سطايحي, مثلاً؟), وهو -وفق زعمه- من هذه الزاوية يتناوله عندما يُسأل عنه, بيد أن تناوله له لم يعد يُفهم من هذه الزاوية, عدا أنه ليس صعباً أن "يتعفف" عن تناوله على الأقل باعتبار أنه ليس "مهووساً" به! ومن منطلق أنه قال رأيه فيه مرة ومرتين وست مرات .. ويكفي هذا لمن يريد معرفة رأي العظم بالموقف "السلبي" لأدونيس من ثورة شي الرؤوس ونبش القبور! ولا مبالغة في القول إن التطرق المستمر لأدونيس من قبل صادق لم يعد يفهمه كثيرون إلا من جهة التحريض على الرجل, خاصة في مثل هذه الظروف, وبالأخصّ أنه تلقى تهديدات سابقة بالقتل عبر الفيسبوك في العام الأول من "الثورة", وهو تهديد تضامن بموجبه كثيرون مع أدونيس في بيان نشروه في صحيفة الأخبار اللبنانية (راجع الرابط http://www.al-akhbar.com/node/94542 "دفاعاً عن حرية الفكر") لم يكن صادق ضمنهم (2), ومع ذلك لا يجد الأخير حرجاً أن يُذكّر خالدة سعيد بعدم تضامن زوجها مع سلمان رشدي عقب الفتوى الشهيرة للخميني (لا نبرر لأدونيس موقفه السلبي من قضية رشدي)! لنقل إنها سياسة الكيل بمكيالين وهي من أبرز ما أنتجته "الثورة" السورية حتى اللحظة.. التحريض الذي عنيته ربما هو ما دفع بالسيدة خالدة سعيد للكتابة في 17 أيار الماضي رداً على صادق (تجدون أدناه مقال د. خالدة, ورد د. صادق على مقالها).

من مآخذ صادق على أدونيس كما جاء في رده على السيدة خالدة, أنه كان يكتب في صحيفة الثورة السورية, وهي صحيفة صفراء من وجهة نظره.. من الوارد أن تكون "الثورة" صفراء, لكن هل يعني اصفرارها أن صحف آل سعود تستحق الاحترام والتقدير أو هل هي بمنأى عن الابتذال والتحريض الطائفي المقيت وغير المسؤول؟ المفارقة أن صادقاً ذاته كتب في صحيفة الثورة السورية التي يتهجّم عليها! فإذا كان هو يُذكر في كتابه "ذهنية التحريم" (الكتاب صادر عن مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية. نيقوسيا. ط3. 1997) أن صحيفة تشرين السورية نشرت مداخلة له بتاريخ 3/3/1984 تحت عنوان "الغزو الثقافي مجدداً" كان ألقاها في ندوة بكلية الآداب بجامعة دمشق شباط 1984, كما يذكر هو في ص 111 من كتابه سابق الذكر, مع التوكيد أنه لا يوضح إن كانت صحيفة تشرين هي من نقل المداخلة أو إن كان هو أرسلها للصحيفة, غير أنه لن يمر زمن طويل على تاريخ ورود مداخلته في "تشرين" حتى يرى له القرّاء مقالاً في صحيفة الثورة التي يُعيب على أدونيس الكتابة فيها! ففي 4/4/1984 نشر فيها مقالاً بعنوان "الرئاسة الأمريكية عند الحكام العرب" (راجع ص 119 كتاب "ذهنية التحريم"), ويلاحظ هنا أنه هو من أرسله للصحيفة المذكورة دون وجود احتمال أن تكون هي نقلته كالاحتمال الوارد بخصوص المقال الذي نشرته صحيفة تشرين, وفق ما يستشف القارئ من الهوامش ذات الصلة في الكتاب آنف الذكر للعظم.
ومن مآخذه على أدونيس أنه درّس في جامعة دمشق! طبعاً, تطرق أدونيس إلى هذه المسألة في حوار له مع صقر أبو فخر (صدر الحوار في كتاب مستقل), كما أجلت السيدة خالدة في مقالها حقيقة القصة مجدداً وفحوى القصة أن الدكتور الراحل محمد الفاضل طلب منه أن يدرّس في الجامعة لكن استشهاد الأخير أنهى الموضوع/الفكرة عدا عن المتاعب الأمنية التي لحقت بأدونيس مجرد معرفة تلك الجهات بالفكرة! لكن يتجاهل الدكتور صادق أنه قَبل هو أن يرأس قسم الفلسفة في جامعة دمشق طوال سنوات! وضمن حدود معرفتي المتواضعة أن قبول الأساتذة في الجامعة –على الأقل في ذلك الزمن- كان يحتاج إلى موافقة القيادة القطرية لحزب البعث, وتعيين الدكتور العظم في الجامعة تمّ دون المرور إلى القيادة القطرية كما كان العرف! (3). ويتحدث في رده -على خالدة- عن راتبه التقاعدي في الجامعة الذي لا يتجاوز 150 دولاراً, وهنا كانت تنقصه النزاهة, فالسنوات التي أمضاها بالتدريس في الجامعة لا تؤهله أن يتقاضى تقاعداً كاملاً! بمعنى أنه لم يكن مظلوماً إلا كما ظُلم غيره من الموظفين السوريين من حيث تدني المعاشات في سوريا.

أياً يكن الأمر, يعيب صادق على أدونيس ما سبق أن أشاعه عنه منذ نحو عقود ثلاثة, بأنه دافع عن الثورة الإسلامية في إيران آواخر سبعينات القرن الماضي (وكانت ثورة سلمية بامتياز لا شبيه لها من حيث سلميتها سوى الثورتين المصرية في طورها الأول, والتونسية في بدايتها! كما اعتبرها محمد حسنين هيكل في كتابه "مدافع آية الله" أهم ثورة تحدث بعد ثورة 1917 في روسيا) وبالتالي, بحسب رأي العظم "- لا يحق لأدونيس نقد الإسلاميين لا في المجلس الوطني السوري ولا خارجه". مكملاً أن أدونيس "في السابق وضع قصيدة يمدح فيها الإمام الخميني كما دافع في كتاباته عن الثورة الإيرانية، ولم ينقد في شكل جريء سيطرة آيات الله على مفاصل الحكم في إيران. وهذا يعني أنه لم يكن موضوعياً في نقده لتجارب الإسلاميين، فهو من جهة يتحدث عن سيطرة الإسلاميين على المجلس الوطني وعن دور الإخوان المسلمين في المجلس ومن جهة أخرى لم يقدّم وجهة نظر نقدية تجاه الحكم الديني في إيران.." ( نقلاً عن موقع رابطة الكتّاب السوريين /http://syrianswa.org/ar/article/2012/12). كأننا بصادق العظم يقول هكذا كي يبرر تحالفه مع الأخوان المسلمين راهناً, وليعطي لتحالفه ذاك "مشروعية" من خلال اتهامه الآخرين بما يفعله ويتبناه هو؛ ولِمَ الغرابة؟ أليس هو المروّج لحزب لص حلب رجب طيب أردوغان قاصف الأكراد الأتراك بالنابالم؟ معذرة: فربما كان شأن الأكراد كالعلويين من وجهة نظر طائفية وعنصرية أستاذنا العظم, أي دون درجة المواطنة, وربما خارج التصنيف البشري!
الطريف في اتهامات صادق -المتعلّقة بالشق الإيراني- لأدونيس, أنّ الأخير أجاب عليها قبل نحو ثلاثين عاماً, واتهم في معرض إجابته العظم بالتزوير, إذ يقول: "إن أقلّ ما يمكن أن يوصف به كلام صادق العظم, هنا, هو تزوير محض, بنيّة سيئة عامدة.. " (راجع ص 103 من "ذهنية التحريم").
بالرغم من ذلك, هل كان أدونيس كما يزعم صادق فعلاً؟ أستميح القارئ هنا عذراً إن وثّقتُ الأسئلة التي وُجهت لأدونيس بخصوص موقفه من ثورة ملالي إيران وأجوبته عليها, على أمل أن لا يُصاب القارئ بالملل, ومبعث خطوتي هذه هو حساسية اللحظة التي تشهدها سوريا كي لا أقول لحظة الجنون والانفلات العقلي الطويلة (مع الأسف) التي نعيشها كسوريين أميين ومثقفين وما بينهما على حدّ سواء.

بتاريخ 5/8/1979 يُسأل أدونيس من قبل الأديب اللبناني حسن داود عبر صحيفة السفير اللبنانية: {في قصيدة لك, نشرت في (السفير) صبيحة الثورة الإيرانية تقول: "وجهك يا غرب مات" ماذا تقصد بالغرب هنا؟} وكان يقصد داود, قصيدة أدونيس عن الثورة الإيرانية.
فيجيبه أدونيس: {... وهذه القصيدة لا أنظر إليها من ناحية فنية, وإنما أنظر إليها كشهادة قيلت في إطار "التعاطف الأخلاقي" مع الثورة الإيرانية..}, ومن ضمن ما أجاب عليه في السؤال التالي من الحوار نفسه: {... لا أزال أشهد بحماسة للثورة الإيرانية ضمن حدود إسقاطها الإمبراطورية الشاهنشاهية من جهة, وضمن الطريقة الشعبية النضالية التي حققت هذا الإسقاط.. كل ما عدا ذلك أتحفظ إزاءه}. بالرغم من الجواب الواضح والمبكّر جدّ لأدونيس بخصوص الثورة الإيرانية وموقفه منها, إلا أنه يُعاد طرحه عليه مرات عدة إعلامياً, وإن كانت أجوبته باتت أكثر وضوحاً وحسماً(مع التأكيد أنه كان واضحاً في جوابه خلال سجاله مع صادق قبل نحو عقود ثلاثة, راجع كتاب "ذهنية التحريم"), ففي مارس/ابريل 1980 في حوار أجراه معه أحمد الحبيشي لصالح "الثقافة الجديدة" (يجده القارئ في نهاية الجزء الأول من "الحوارات الكاملة"- دار بدايات. ط1. 2010), أجاب رداً على سؤال أتى فيه: {... لقد أثارت كتابات أدونيس الأخيرة في "النهار" حول الثورة الإيرانية الإسلامية اهتماماً ملحوظاً من لدن بعض المفكرين العرب...}, بالقول: {... معظم القرّاء الأخوان لم يقرأوا مقالي الثالث والذي تناولت فيه الثورة الإيرانية من حيث هي ثورة دينية. حيث قلت في هذا المقال الثالث أنني أشك شكاً كاملاً في إمكان قيام ثورة دينية بالمعنى الديني.. وكان واضحاً من المقال أنني ضد قيام ثورة دينية وضد قيام دولة دينية. لكن مع الأسف لم يُقرأ هذا المقال كما ينبغي..}.
وفي حوار له مع مجلة الحرية في 28 نيسان 1985 – العدد 113, (أجراه فاضل الربيعي وغسان زقطان وشارك فيه راسم المدهون وليانة بدر) يُسأل مجدداً عن القصيدة والموقف من الثورة الإيرانية, فيجيب: {موقفي من الثورة الإيرانية, يجب أن يوضع في سياق تاريخي محدد.. كنتُ آنذاك مهيأ نفسياً لأن أقف مع أي نظام يُسقط الشاه, أي نظام دون تردد.. هذه العوامل وسواها, جعلتني أتأثر بالثورة الإيرانية (الإسلامية) وأكتبُ تحية لها, كنوع من المشاركة تعويضاً, عن مشاركة من نوع آخر. هذه المشاركة كتبتها بشكل قصيدة (هي أقرب إلى المقالة), ولا أعدها من شعري, مهداة إلى الشعب الإيراني وثورته, التي وصفتها وصفاً. وإذا كانت الثورة قد تغيرت وخيبت أحلامي, فلستُ مسؤولاً عنها}.
وبالرغم من كل الوضوح في إجابات صاحب "أغاني مهيار الدمشقي", بيد أن بعض العاملين في مهنة المتاعب يصيرون عبئاً على المتلقي من خلال تكرارهم للمسألة ذاتها, وسيجيب المعني بالأمر بأكبر قدر ممكن من الإيضاح والتوضيح, فهاهو يعيد على مسامع عيسى مخلوف في باريس- مجلة اليوم السابع 10/11/1986- ما سبق أن ذكره مراراً: {.. ما كتبته هو تحية لشعب عظيم قام بثورة عظيمة, أطاح بأكبر وآخر إمبراطورية في الشرق بدون سلاح, وبدون نظرية ثورية, وبدون عناصر الثورة التقليدية كما رسمتها الماركسية والمنظرون الثوريون... ومن تابع مقالاتي في "النهار العربي والدولي" يجد أنني طرحت تساؤلات جوهرية حول الثورة الإيرانية... في حين كان معظم الذين ينتقدونني في هذا الصدد يصفقون للثورة الإيرانية ويدعون إلى زيارة إيران (طبعاً, لم أدع أبداً إلى إيران, ولم أزرها)}.
وهنا, وفي بضعة أسئلة وأجوبة منتقاة من حوار مع أدونيس, أحدها سؤال مركّب يتطرق إلى "طائفية" الشاعر وفق ما "يحلو" للبعض اتهامه, نجد أجوبة من شأنها الرد على اتهامات صادق جلال العظم المتعددة لأدونيس, إذ يقول السائل: {بالإضافة إلى الشعبية, هناك تهمة الباطنية, حتى أنهم يقولون إن بعض كتبك لا تفهم إلا "بمفاتيح" معينة, خاصة كتاب "المسرح والمرايا"؟}.
الجواب: {... فكيف يمكن أن ترد على شخص يعد ولادتك ذاتها تهمة؟ وإذا كانت "الباطنية" تهمة, فلماذا لا تكون "الظاهرية" هي أيضاً تهمة؟ ثم إن من يعطي لنفسه الحق بأن يصف "الشيعية" مثلاً بأنها تهمة, يعطي في اللحظة نفسها الحق للمتهم بأن يصف "السنية" أو "المسيحية" بأنها هي أيضاً تهمة... الإنسان بمشروعه وعمله, وليس بولادته وانتمائه}.
وفي الحوار ذاته يُسأل صاحب "الثابت والمتحول": {ماذا عن قصيدتك عن الخميني التي نشرتها في جريدة "السفير"البيروتية. يتهمك البعض بأنك ما زلت تعتنق المذهب الباطني وتصدر أحكاماً عنصرية, وتساند الدم وإهدار كرامة الإنسان؟}.
يجيب أدونيس: {أنت أيضاً تشارك في ترويج هذه الشائعة, والنظر إليها على أنها حقيقة. أنا متأكد أنك لم تقرأ هذه القصيدة؟ فهذه القصيدة –إن صحت تسميتها كذلك- لا تمدح الخميني, ولا ذكر له فيها إطلاقاً, وإنما هي تحية للشعب الإيراني كله, عشية إسقاط النظام الإمبراطوري, وأنا أرجو بإصرار أن يعاد نشر هذه القصيدة مصورة عن جريدة "السفير"}.
ويتابع أدونيس: {يبقى السؤال: لماذا نبني أحكاماً على أشياء لم نرها بأنفسنا؟ ولم نتأكد منها؟ ولماذا نزوّر؟ لماذا لا نقول: هذه قصيدة عن الثورة الإيرانية ضد الشاه ونظامه, كما هي في الواقع, ونفضل القول, تزويراً أنها قصيدة في مدح الخميني. فننتزع القصيدة من سياقها الواقعي التاريخي وننظر إلى الشخص الذي قاد الثورة الإيرانية, خارج عمله التاريخي المحدد, ونقول إن القصيدة تمتدحه؟ ... لم ينتقد أحد الثورة الإيرانية وهي لا تزال في بدايتها كما فعلت, ومقالاتي في "النهار العربي والدولي" تشهد على ذلك- (لكن, من يقرأ؟), ففي هذه المقالات وبخاصة مقالة: "من المثقف العسكري إلى الفقيه العسكري" أوضح رأيي القاطع بأنني ضد إقامة الدولة على أسس دينية, وبأن الدين يجب أن يكون أمراً شخصياً, بحتاً, ولا يجوز أن يكون مدنياً}.
وفي السؤال اللاحق يسأله الصحفي: {قيل إنك زرت إيران بعد القصيدة, وإن لك حظوة عند حزب الله في بيروت.. و.. و..؟}.
فيجيب مبدع "قالت الأرض": {إن جميع "التقدميين" و"الثوريين" في لبنان, من كل جنس ونوع, دعوا إلى زيارة إيران وزاروها, باستثنائي شخصياً, والقائمون على الثورة يعرفون أنني إذ أيدتها إنما أيدتها في سياقها التاريخي, بوصفها إطاحة بنظام إمبراطوري, ويعرفون أنني ضدها بوصفها تقوم على الدين, وتقول بتأسيس دولة دينية, ونظام ديني, لهذا يعرفون جيداً أنني لا يمكن أن أكون في التحليل الأخير, صديقاً لهم, لأنني لا يمكن أن أكون مناصراً لدولة دينية.. وهذا يؤكد أن أصحاب هذا الكلام يريدون أن يظهروا أنني انطلقت من تأييدي من موقف ديني شيعي, مما يسمح لي بالاستنتاج أنهم يعارضون النظام الجديد في إيران لأنه ديني أو شيعي تحديداً وليس لأنه ضد الديمقراطية, مثلاً, أو ضد الحريات. ولو كان الأمر بخلاف ذلك لعارضوا أنظمة دينية أخرى موجودة في البلاد العربية ولا يقل الطغيان فيها عن الطغيان "الشيعي".. ومن العجب أن يصدر هذا الكلام عمن يسمون أنفسهم قوميين عرباً وعلمانيين, ذلك أن كلامهم يجعل دين الإنسان تهمة, وفي العالم العربي أكثر من عشرين أقلية دينية أو طائفية. وهذه جميعها, بحسب كلامهم, لا بدّ من أن تكون متهمة سلفاً, لأن لها ديناً آخر}. (مجلة المصور- القاهرة 20/1/1989).
وفي مجلة النهج (20 شباط- 19 آذار 1989 باريس), يجيب بعد أن يقسو على الصحفي: {... فهذه القصيدة (وهي ليست قصيدة, بل تحيّة) لا تمدح الخميني, وليس له فيها ذكر إطلاقاً, وإنما هي تحية للشعب الإيراني ولثورته التي أسقطت النظام الإمبراطوري. لماذا والحالة هذه, تزوّر الوقائع, وتبنى أحكام على أشياء لم نرها بأنفسنا, ولم نتأكد من صحتها؟ لماذا لا يقال, مثلا: هذه قصيدة عن الثورة الإيرانية ضد الشاه ونظامه, كما هي في الواقع, ونفضل القول تزويراً إنها قصيدة في مدح الخميني, فننتزع القصيدة من سياقها الواقعي الحقيقي- التاريخي, ونضفي عليها تأويلات خاطئة؟.. يمكن أن نقول إنها فنياً قصيدة رديئة, وهي فعلا كذلك. ففيها, فنياً, ضعف, كان كافياً لكي يدفعني أنا نفسي –كاتبها- لكي أحذفها من شعري, كما فعلتُ مراراً بالنسبة إلى قصائد أخرى كثيرة. لكنني أحذف هذه القصائد فنياً –دون أن أتنكر للموقف الأساسي الذي دعاني إلى كتابتها. ولا أرى حاجة إلى اختلاق حجج أخرى-.. لم ينتقد أحد الثورة الإيرانية, وهي لا تزال في بداياتها, كما فعلت. وتلك هي مقالاتي في "النهار العربي والدولي" تشهد على ذلك.. إن معظم التقدميين والثوريين في لبنان, من كل اتجاه, دُعُوا إلى زيارة إيران- الثورة, ولبوا الدعوة, باستثنائي شخصياً- (أنا "مادح الخميني" بحسب دعواكم}. الخ.

لم أذكر هذه المقتطفات كلها من الحوارات -وهي مجرد عينة- مصادفة ولا عبثاً, إنما ذكرتها لقناعتي الراسخة أن أستاذنا العظم يفتري (مع بالغ الأسف) على أدونيس, ويعيد إحياء "سجال" (مع تحفظي على كلمة سجال كونه لم يعد كذلك) يُفترض أنه انتهى بصدور كتاب "ذهنية التحريم" للعظم! وكوني أجد في أجوبة أدونيس رداً غير مباشر ولا مقصود من قبله على افتراءات صادق بخصوص موقفه من ثورة ملالي قم واتهامه زوراً وبهتاناً بالطائفية والمذهبية, تمريراً وتبريراً لطائفية بات صادق يتخندق فيها مع الآسف (للمزيد من الاطلاع على هذا الجانب أُحيل القارئ إلى مقال أسعد أبو خليل "صادق جلال العظم: نقد الفكر الطائفي بعد الهزيمة" على الرابط http://www.al-akhbar.com/node/182102 ).
في الحالات كافة, يتحدث أدونيس عن هذا الجانب –وبكلام أدق عن سبب موقفه الإيجابي "إن جاز التعبير" من العلويين- موضّحاً وبإسهاب: {والواقع أنني أحمل شعوراً بالتعاطف حيالهم, لأنهم شعب تعرّض للاضطهاد, والتعذيب, والطرد, والتدمير, عبر التاريخ. إنني أتعاطف مع هذا الشعب الذي عانى التهميش والإقصاء. أفكر الآن في برغسون الذي كان يهودياً, ثم قرر أن يتحوّل إلى المسيحية, ويغدو كاثوليكياً. ولكنه مع صعود النازية, واضطهاد اليهود, شعر بالتضامن معهم, وتخلّى عن صيرورته كاثوليكياً... لم يكن ذلك لأسباب دينية. بل كان بالأحرى نوعاً من اتخاذ موقف, فعلاً أخلاقياً. على النحو ذاته, أعتقد بأن موقفي تجاه العلويّين, موقف أخلاقي بالأحرى}. (راجع كتاب "أحاديث مع والدي أدونيس" لنينار إسبر, ص 187- 188. دار الساقي. ط1. 2010م).
لا أعرف إن كان صادق زار طهران بعد ثورتها أم لا, لكنه زار البحرين بدعوة من بعض أميراتها منذ نحو سنوات ست أو سبع, هل تراه يدين الأمس والآن وغداً قمع آل خليفة لثورة شيعة البحرين, وهي ثورة سلمية بامتياز إذ لم نشهد فيها تمثيلاً بالجثث ولا قتلاً على الهوية ولا شياً للرؤوس وشقاً للصدور ولا أكلاً للأكباد ولا نبشاً للقبور؟ وهل تراه يجرؤ على التحدث عن الربيع في البحرين (ليس بالضرورة أن يتحدث عنه في وسائل إعلام آل سعود وقطر)؟ أم ترى أن الربيع في نظر "أمير" الماركسيين هو خاص بأهل السُنّة والجماعة فقط؟ أم ترى أن صادقاً أُصيب بلوثة الطائفية والمذهبية وصار إسلامانياً وهو "الكافر الدمشقي" والملحد العربي الرسمي الوحيد كما يحبّ أن يميز نفسه عن الآخرين, فأراد إلصاق تهمة المذهبية بمن يراه نداً له أو من يفوقه نتاجاً وعمقاً, تبريراً لمذهبيته (الطارئة) وأرجو "صادقاً" أن تكون طارئة؟ وإلّا لن نستغرب أن يصبح صادق عما قريب "فقيهاً" إسلامانياً يفتي ذات يوم بهدر دم أدونيس أو رجمه!

شخصياً, لا أعرف أدونيس إلا من نتاجه, ولي ملاحظاتي عليه, وإن كنتُ لستُ في وارد ذكرها, غير أنني أكتفي بالإشارة إلى خطابه التلفيقي (وربما, النفاقي) عندما كان يبرر قبوله دعوات أدبية في أوربا فيها شعراء إسرائيليين.
الصدرُ يجيشُ, وفي الفم كلام كثير وماء غزير, وصادق جلال العظم -الذي كان طوال عقد من الزمن وسيبقى ما بقيت شمس و دام قمر "أكثر من أب ودون المُعلّم"- كبير, ربما من هنا كان مبعث ألمي, وباسم الأبوة (بمعزل إن كان يقبل بنوتي أم لا) أرجو صفحه عن قساوتي, ولن أزيد.


الهوامش: 1- - تخيلوا المشهد التالي: رجلاً سورياً يمسك قطة ويذبحها, مصور لفضائية العربية أو الجزيرة وما شابهها, يصور الحدث, فتعرض المشهد "المؤلم" إحدى تلك الفضائيات المجبولة على "الرحمة". ماذا ستكون ردة الفعل؟ سيتبارى ضيوف الفضائيات لإدانة الحدث "الجلل" مدينين بربرية الرجل ذابح القطة! ولا شك أن منظمات حقوق الإنسان (قبل الحيوان) ستشمر عن سواعدها للإدانة, ولا أستبعد أن نقرأ بياناً لما يُسمى ثلة من مثقفي العرب يدينون به هذا الفعل الإجرامي والوحشي الذي لا ينسجم وثقافة العصر, ولا غرابة أن نقرا مقالاً للفهلوي عباس بيضون في صحيفة السفير اللبنانية يترحم في ختامه على القطة ويعرب عن اشمئزازه من "المجرم", والراجح أن تخصص المصونة رجاء بن سلامة ملفاً في موقع الأوان لدراسة هذا الحدث الجلل! نعم, فالثقافة التي تزعم أن امرأة دخلت النار بسبب قطة حبستها .. الخ المروية, قبالة دخول الكثير من أبنائها الجنة لاعتقادهم أن ذبح الإنسان المختلف عنهم جزئياً أو كلياً (بحكم الولادة) لن تنتج عقولاً يُعتدّ بها على الإطلاق إلا من رحم ربي.

 

2- كان كاتب هذه السطور وقّع على البيان التضامني المذكور لكن فيما يبدو أن إدارة تحرير الصحيفة (الأخبار) أسقطت اسمه لاعتبارات شخصية.
3- يرجّح البعض أن تعيينه كان ردة فعل من قبل النظام على الأخوان المسلمين, فالدكتور العظم بدأ مشواره في جامعة دمشق 1984, أي بعد الانتهاء من حرب النظام مع الأخوان المسلمين, ويبدو أن النظام كان يريد إيصال رسالة ما إلى التيارات الإسلامية المتشددة من خلال تعيينه للعظم (الملحد والماركسي) رئيساً لقسم الفلسفة.

 

أُبي حسن- فينكس

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...