تفاصيل مخططات الحرب الباردة التي تشنها أمريكا على المنطقة

27-01-2007

تفاصيل مخططات الحرب الباردة التي تشنها أمريكا على المنطقة

الجمل:   بدأت تبرز بوضوح حالة الحرب الباردة المتصاعدة السخونة بين كيانات الشرق الأوسط (بمعناه الأمريكي) الذي يشمل ويغطي المنطقة الممتدة من باكستان وأفغانستان شرقاً وحتى موريتانيا والمغرب على ساحل المحيط الأطلنطي غرباً.
أول من استخدم مصطلح (الحرب الباردة) كان الباحثان الأمريكيان برنارد باروخ، ووالتر ليبمان، وذلك عند قيامهما في 1947 بوصف حالة التوترات المتزايدة فين القوتين العظميين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية حليفي فترة الحرب العالمية الثانية.
تتميز الحرب الباردة بعدم الانخراط في المواجهة العسكرية الشاملة، وبتزايد عمليات الحشد العسكري وتسابق التسلح واندلاع حروب الوكالة.
النظرة الفاحصة إلى الخارطة الجيوسياسية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط، تبين حالة الحرب الباردة التي تشهدها هذه المنطقة:
تنقسم مناطق الحرب الباردة في الشرق الأوسط إلى منطقتين هما:
- منطقة الحرب الباردة مرتفعة الشدة: وتتضمن:
* بلدان شرق المتوسط: سوريا، لبنان، الأردن، وإسرائيل والمناطق الفلسطينية.
* بلدان الخليج العربي: السعودية، إيران، الكويت، قطر، البحرين، عمان، العراق، والإمارات.
* بلدان وادي النيل والقرن الافريقي: (السودان، الصومال).
* بلدان أخرى مرتبطة بالشرق الأوسط: أفغانستان، باكستان.
- منطقة الحرب الباردة منخفضة الشدة:
* المغرب العربي (ليبيا، الجزائر، المغرب، تونس، وموريتانيا).
* اليمن.
* مصر.
* بلدان أخرى مرتبطة بالشرق الأوسط: تركيا، قبرص.

ديناميكيات الحرب الباردة في الشرق الأوسط:
من أبرز محرضات ومحفزات الحرب الباردة:
• العوامل الداخلية:
- الخلافات الاثنية والدينية والمذهبية التي أصبحت أكثر عدائية في طبيعتها ووسائلها.
- الخلافات السياسية بين قوى الحكم وقوى المعارضة، وبين حكومات دول المنطقة.
- تدهور الأوضاع الاقتصادية.
• العوامل الخارجية:
- المشروع الإسرائيلي المتعلق بالسيطرة على المنطقة.
- التدخل الأمريكي.
- عدم فعالية أداء المنظمات الدولية والأقلية، والذات غياب الأمم المتحدة، وتحيز مجلس الأمن الدولي.
- سلبية الدول الكبرى الأخرى في التعامل مع قضايا المنطقة.

الأداء السلوكي لحرب الشرق الأوسط الباردة:
يتميز أداء الحرب الباردة التعبوي والعملياتي، بجملة من المسارات الحركية التكتيكية، والتي من أبرزها: التفاعلات والحركيات التي حدثت في المسارات الآتية:
• كانت إيران لا تقوى على ممارسة أي تهديد في المنطقة، وذلك بسبب وجود نظام صدام حسين في العراق، ووجود حركة طالبان السنية الأصولية في أفغانستان، ولكن بعد قيام الولايات المتحدة بإزالة نظام طالبان واحتلال العراق، سعت الإدارة الأمريكية نفسها إلى محاولة إقناع العالم بأن إيران أصبحت تشكل قوة إقليمية تسعى لتمديد نفوذها وهيمنتها على دول الجوار وبالذات العراق، ودول الخليج.
• في منطقة شرق المتوسط، بعد قيام الأيادي الخفية الأمريكية- الإسرائيلية بتنفيذ اغتيال رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني الأسبق.
• في العراق، تعاونت الولايات المتحدة مع الفصائل الكردية، وشيعة جنوب العراق، وقامت بإزالة نظام صدام حسينن ثم تحالفت معهما، من أجل القضاء على (المعارضة السنية) ونصبت نظاماً يسيطر عليه الشيعة لأول مرة في تاريخ العراق، والآن بدأت في عملية استهداف شيعة العراق بحجة القضاء على النفوذ الإيراني الشيعي.
• في منطقة شرق المتوسط بعد قيام الأيادي الخفية الإسرائيلية- الأمريكية بتنفيذ جريمة اغتيال الحريري رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، تحركت أمريكا وفقاً لثلاثة مسارات متزامنة:
- إخراج سوريا من لبنان وعزلها.
- إضعاف المقاومة الوطنية اللبنانية.
- محاصرة الفلسطينيين وقطع الدعم عنهم.
• في منطقة وادي النيل والقرن الافريقي ركزت التحركات الأمريكية على:
- تصعيد حربي دارفور، وجنوب السودان، بما يؤدي إلى تقسيم السودان، وتقوم حالياً بإضعاف الدور العربي، وتحاول استخدام مجلس الأمن الدولي لفرض المزيد من العقوبات على السودان.
- في الصومال: اتهمت الإدارة الأمريكية حركة المحاكم الشرعية الصومالية بالعمل لبناء دولة دينية سنية متطرفة على غرار النموذج الطالباني في الصومال، ثم لجأت لإفشال المفاوضات وقطع الطريق أمام احتمالات أي مصالحة وطنية صومالية، وذلك بأن لجأت الإدارة الأمريكية إلى دفع حلفائها وأياديها الخفية إلى تقديم المساعدات العسكرية إلى حركة المحاكم الشرعية (شحنات السلاح إلى حركة المحاكم الشرعية نقلتها طائرات تاجر السلاح اليهودي الروسي فيكتور بوت، عضو المافيا الروسية- الإسرائيلية)، الأمر الذي دفع وأدى إلى تعنت حركة المحاكم الشرعية في المفاوضات على النحو الذي شكل ذريعة لاثيوبيا لكي تقوم بغزو الصومال ضمن عملية جرى التخطيط لها مسبقاً مع الإدارة الأمريكية، هدفت إلى الإطاحة بنظام المحاكم الشرعية الصومالية.
أدت الصراعات إلى تبلور حركة استقطاب لقوى وكيانات الحرب الباردة الشرق  أوسطية على النحو الآتي:
• على أساس الاعتبارات المذهبية، برزت كتلتان هما: الكتلة الشيعية والسنية، ولكن بشكل مثير للجدل والغرابة:
- في لبنان يتحالف السنة مع أمريكا وإسرائيل ضد الشيعة وسوريا، بينما يتحالف الشيعة مع سوريا وإيران، ويعارضون أمريكا وإسرائيل والقوى السنية المدعومة أمريكياً وإسرائيلياً.
- في العراق: يحارب السنة ضد أمريكا وإيران، وضد الشيعة المدعومين أمريكياً وإيرنياً، وأيضاً ضد الحكومة العراقية المدعومة شيعياً وأمريكياً، كذلك يؤيد السنة سوريا والسعودية وبلدان الخليج.
- في فلسطين: يحارب السنة ضد إسرائيل، وتدعمهم في ذلك إيران الشيعية، أما القوى السنية الموجودة في الأردن والسعودية وبلدان الخليج ومصر، فتشدد الضغط على الحركات السنية الفلسطينية.
• على أساس اعتبارات الحكومات برزت ثلاث مجموعات وفقاً للتصنيف الأمريكي السائد في الخطاب السياسي للبيت الأبيض الأمريكي ووزارة الخارجية الأمريكية:
- معسكر تجمع المعتدلين العرب، ويضم الدول العربية المرتبطة بإسرائيل:
* دول عربية مرتبطة بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل: مصر، والأردن.
* دول عربية مرتبطة بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل: تونس، المغرب، موريتانيا.
* دول عربية مرتبطة بعلاقات غير معلنة مع إسرائيل: السعودية، قطر، الكويت، سلطنة عمان، ولبنان.
- معسكر تجمع المتطرفين ويضم: سوريا، السودان، وبدرجة أقل اليمن والجزائر وليبيا.
كذلك هناك تصنيف للقوى السياسية الموجودة في المنطقة، ضمن خارطة توزيع تصنيفات القوى، فالحركات التي تعتبرها أمريكا إرهابية مثل حزب الله، حماس، الجهاد الإسلامي، والمنظمات والفصائل السنية العراقية تصنف جميعها ضمن معسكر تجمع المتطرفين العرب. أما الحركات والفصائل السياسية المؤيدة لأمريكا وإسرائيل (مثل قوى 14 آذار، جماعة أحمد الجلبي العراقي* فتصنف ضمن معسكر تجمع المعتدلين العرب.
تمارس أمريكا حالياً في منطقة وادي النيل والقرن الافريقي، نفس اللعبة المزدوجة، التي سبق أن قامت بتنفيذها في لبنان والعراق.
• في مصر: برغم دعم أمريكا وإسرائيل الظاهري لنظام حسني مبارك، فإن أمريكا تضغط بشدة من أجل تعديل الدستور المصري وإجراء الإصلاحات السياسية ، وذلك على أساس اعتبارات (معلنة) تتمثل في تعزيز الديمقراطية، وأخرى (غير معلنة) تتمثل في تعزيز حركة الاخوان المسلمين المصرية لكي تسيطر على الأوضاع في مصر، بما يوفر الذرائع للقيام بالآتي:
- قيام  أمريكا بقطع مساعداتها لمصر والتي تبلغ 10 مليارات دولار، على النحو الذي يعمق الأزمة الداخلية في مصر، ويصعد العداء لأمريكا وإسرائيل في الشارع المصري.
- قيام إسرائيل بالعدوان ضد مصر بما يتيح عملية احتلال سيناء مرة أخرى، وإغلاق قناة السويس بما يؤدي إلى تحكم إسرائيل بتجارة النفط العالمي عن طريق تنشيط حركة نقل النفط عبر خط النفط الذي يربط بين ميناء إيلات على البحر الأحمر، وعسقلان على البحر الأبيض المتوسط، وأيضاً تمديد خطوط أنابيب نقل النفط من السعودية والخليج والعراق عبر الأردن إلى الشواطئ الإسرائيلية على البحر الأبيض المتوسط.
وعموماً نقول: إن القطر العربي السوري يمثل في حد ذاته أهم الحلقات المستهدفة في الحرب الباردة الشرق أوسطية، وبرغم عدم وضوح العمليات المباشرة التي تستهدف سوريا في هذه المرحلة، إلا أن كل الحركات والنقلات في مسارح الحرب الباردة الشرق أوسطية تؤكد وتفيد بوجود تحرك منسجم متناغم يستهدف سوريا، وحالياً أصبحت خارطة الصراع الجيوبوليتيكي في منطقة شرق المتوسط على هيئة وشكل مثلث جيواستراتيجي ترتبط أضلاعه بثلاثة بؤر رئيسية هي:
- بؤرة الصراع اللبناني.
- بؤرة الصراع الفلسطيني.
- بؤرة الصراع العراقي.
ووسط المثلث المكون من هذه البؤر الصراعية الثلاثة، تقع سوريا، وتركز المؤامرة الأمريكية- الإسرائيلية على أطروحة الربط بين سوريا وهذه البؤر الثلاثة بشكل يصعّد العداء ضد سوريا باعتبارها:
- مسؤولة عن زعزعة الاستقرار في بؤرة الصراع اللبناني وذلك بسبب دعمها لحزب الله، وتدخلها في الشؤون الداخلية اللبنانية.
- مسؤولة عن زعزعة الاستقرار في بؤرة الصراع الفلسطيني وذلك بسبب دعمها لحركتي حماس والجهاد الإسلامي وبقية الفصائل الفلسطينية المعارضة لعملية السلام مع إسرائيل.
- مسؤولة عن زعزعة الاستقرار في بؤرة الصراع العراقي وذلك بسبب دعمها للفصائل السنية التي تقاتل الوجود الأمريكي، ومساعدتها للمقاتلين والمسلحين الذين يحاولون العبور والتسلل إلى داخل العراق.
أما التحركات على الأرض فجميعها تشير إلى أن سوريا أصبحت مستهدفة بمواجهة كل الاحتمالات، والتي من أبرزها: فرض العقوبات الدولية بواسطة أمريكا وحلفائها، أو تنفيذ إسرائيل لمغامرة عسكرية جديدة خلال الأشهر القليلة القادمة، تستهدف المقاومة اللبنانية، وسوريا وإيران، وخلال اليومين الماضيين عاود الطيران العسكري الإسرائيلي طلعاته ا لكثيفة في جنوب لبنان مصعداً بذلك الحرب الباردة في المنطقة إلى مرحلة الاستفزاز والتحريض على المواجهة، وذلك دون أن تلقي إسرائيل أي اعتبارات لوجود القوات الدولية في لبنان.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...