أمريكا: سياسة الدولارات والطلقات

18-12-2007

أمريكا: سياسة الدولارات والطلقات

الجمل: بين طرفي الخط الواصل بين نقطة النجاح ونقطة الفشل توجد العديد من النقاط الانتقالية، والتي على أساسها يزعم ويتذرع الفاشلون بأنهم حققوا نصف النجاح وتبقى لهم إكمال النصف الآخر لتحقيق النجاح الكامل.
وتأسيساً على ذلك، انخرطت إدارة بوش في مسيرة الحرب ضد الإرهاب، وبعد حصاد ستة سنوات من الحرب في أفغانستان وما يقارب الخمس سنوات من الحرب في العراق، فإن مشهد المزاعم الأمريكية بات على النحو الآتي:
• من جهة تزعم إدارة بوش بأنها حققت نصف النجاح وتبقى أمامها إكمال النصف الآخر، وصولاً إلى النجاح الكامل، وعلى الجميع إمهالها وإفساح المجال أمامها حتى تتفرغ لتحقيق ذلك.
• من الجهة الأخرى يزعم المعارضون لإدارة بوش بأن الإدارة الأمريكية حققت نصف الفشل، وينبغي عدم إمهالها أو إفساح المجال أمامها حتى لا تقود أمريكا لتحقيق الفشل الكامل.
* دبلوماسية الحرب ودبلوماسية السلام: قصة مدينتين:
يضم مسرح واشنطن الكثير من اللاعبين الذين ينهمكون في لعبة التجاذبات بين طرف يريد المزيد من التصعيد وممارسة الهروب إلى الأمام عن طريق إمهال إدارة بوش الفرصة لأنها أكملت نصف النجاح، وطرف آخر يطالب بعكس ذلك، وبين الفريقين يوجد الحل الوسط، والذي يتمثل في الخيار الدبلوماسي.
ولكن، هل حقيقةً أن كل خيار دبلوماسي يؤدي إلى التهدئة وتنفيس ضغوط الأزمة والسلام، أم أن هناك خيارات دبلوماسية تؤدي إلى التوتر وتصعيد ضغوط الأزمة والحرب؟؟
تشير معطيات الخبرة التاريخية إلى أن:
• فشل الدبلوماسية في تحقيق الأهداف يؤدي إلى التصعيد واللجوء إلى الحرب، حيث أن كل الحروب قد اندلعت بعد فشل المساعي الدبلوماسية.
• فشل الحرب في تحقيق الأهداف يؤدي إلى التهدئة واللجوء إلى المساعي الدبلوماسية، وكل المساعي الدبلوماسية تم اللجوء إليها بعد فشل المتحاربين في تحقيق أهدافهم.
* دبلوماسية واشنطن القادمة: مواجهة الخيارات الصعبة:
من الواضح أن الخيار الدبلوماسي، الذي يتحدث عنه فريق الحرب، ليس هو ذات الخيار الدبلوماسي الذي يتحدث عنه فريق السلام. بكلمات أخرى، يوجد حالياً في واشنطن خياران دبلوماسيان هما:
• خيار دبلوماسية السلام: ويقوم على أساس اعتبارات التعاون وحماية وتعزيز الروابط المشتركة.
• خيار دبلوماسية الحرب: ويقوم على أساس اعتبارات تشديد الضغوط والعقوبات وإضعاف الآخر.
مع ملاحظة أنه بين الخيارين يتداخل خيار أصحاب الطريق الوسط، الذي يحاول الجمع بين الخيارين عن طريق موديل «الشيء ونقيضه».
* اللوبي الإسرائيلي ومعركة إعادة ترتيب الإدارة الأمريكية:
يحاول فريق الحرب (المكون من اللوبي الإسرائيلي وصقور الإدارة الأمريكية وأنصار المسيحية الصهيونية) في حال فشل الدفع باتجاه المزيد من الحروب، اللجوء إلى الخيار الدبلوماسي الذي يؤدي إلى تحقيق ما لم تنجح الحرب في تحقيقه. أما فريق السلام (المكون من مناهضي الحرب) فيحاول الدفع باتجاه الخيار الدبلوماسي الذي يؤدي إلى التهدئة والتفاعل السلمي مع الشعوب في منطقة الشرق الأوسط.
وبين هذا وذاك تحمل نذر المستقبل بوادر معركة أخرى بين الطرفين، بدأت معالمها تتضح أكثر فأكثر، وقد تمثل أولها في بدء فريق الحرب بشن معركة جديدة داخل الولايات المتحدة، وتحديداً داخل الإدارة الأمريكية، على غرار المعركة التي سبق أن قام بها الليكود الإسرائيلي بزعامة بنيامين نتينياهو -مدعوماً بحاخامات إسرائيل- ضد حزب العمل الإسرائيلي وزعيمه إسحاق رابين ومنظمات الهستدروت واليهود الشرقيين، فإن معركة فريق الحرب تهدف إلى تصفية وتطهير الإدارة الأمريكية والكونغرس من أصحاب التوجهات غير "الصقوريّة". وحالياً أصبحت وزيرة الخارجية الأمريكية أولى الأهداف الموضوعة على "قائمة القصف" الخاصة بجماعة المحافظين الجدد:
• اليهودي الأمريكي مايكل لايدن (ميكافيلي جماعة المحافظين الجدد) نشر تحليلاً مطولاً في مجلة ناشيونال ريفيو أون لاين الأمريكية متهماً كوندليزا رايس بالعمل سراً، من وراء ظهر الأمريكيين، من أجل عقد "صفقة سرية" مع ملالي إيران.
• اليهودية الأمريكية دانييلا بليتيكا، نشرت تحليلاً في صحيفة نيويورك تايمز، انتقدت فيه توجهات كوندليزا رايس إزاء ملف كوريا الشمالية وملف عملية السلام في الشرق الأوسط وسلبية ردود أفعالها إزاء الاتهامات الإسرائيلية – الأمريكية بوجود برنامج نووي سوري جاري العمل فيه بدعم من إيران وكوريا الشمالية. كما اتهمتها بـ"اللامبالاة" و"عدم الاهتمام"، مشيرة إلى أنه عندما تم إطلاع الوزيرة على التقارير والمعلومات الإسرائيلية المتعلقة بالبرنامج النووي السوري "المفترض"، ردت باقتضاب قائلة: ينبغي أن لا تؤثر مسائل وقضايا نشر الأسلحة النووية على عملية السلام في الشرق الأوسط.
• اليهودية الأمريكية أني إبليباوم، نشرت تحليلاً على موقع معهد المسعى الأمريكي التابع للوبي الإسرائيلي حمل عنوان "لغز كوندي رايس" وجهت فيه أبشع الشتائم النسائية لوزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس.
• جون بولتون، السفير الأمريكي السابق لدى الأمم المتحدة، وأحد أتباع المسيحية الصهيونية وجماعة المحافظين الجدد. نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت تعليقه الذي انتقد فيه كوندوليزا رايس، وطالب الرئيس الأمريكي بوش بإحكام رقابته وسلطته على السياسة الخارجية الأمريكية، وأشار فيه إلى أن سيطرة رايس على قرار السياسة الخارجية الأمريكية قد أدى إلى تدهور هذه السياسة، على النحو الذي وضع الولايات المتحدة عرضةً لمخاطر التهديدات الأمنية القادمة من الشرق الأوسط وإيران وكوريا الشمالية.
وعلى ما يبدو، فإنه برغم بقاء عام واحد على انتهاء ولاية الرئيس بوش، فإن فريق الحرب بقيادة اللوبي الإسرائيلي وصقور الإدارة وجماعة المحافظين الجدد وأتباع المسيحية الصهيونية قد قرروا المضي قدماً والعمل حتى آخر 24 ساعة في عمر إدارة بوش على أمل الانفراد بعملية صنع واتخاذ القرار الهام والحاسم لمصلحة إسرائيل وهو قرار الحرب ضد إيران وتوسيعها على النحو الذي يؤدي إلى نشوء مسرح حربي جديد يتضمن المنطقة من قطاع غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان والعراق وإيران، وتقول المعلومات الواردة على موقع أون لاين ديموكراسي الأمريكي، بوجود خطة يشرف على إعدادها حالياً فريدريك كاغان (الباحث بمعهد المسعى الأمريكي) وأوهاتلون (الباحث بمركز سابان لسياسة الشرق الأوسط التابع لمؤسسة بروكينغز) تهدف إلى ضم باكستان لمسرح الحرب الموحد الشرق أوسطي "الكبير".
* الشرق الأوسط: حقل التجارب الدبلوماسية:
يقول الخبير الاستراتيجي الأمريكي أنطوني كورديسمان في ورقة العمل التي أعدها ونشرها اليوم الموقع الالكتروني لمركز الدراسات الدولية والإستراتيجية، بأن إدارة بوش أصبحت عالقة في معضلة النجاحات الجزئية (فكرة نصف النجاح التي أشرنا إليها)، ويضيف كورديسمان قائلاً بان الفشل في العراق يمكن التعامل معه بسهولة، لأن معناه أن تقوم واشنطن "بكل سهولة" بالانسحاب من العراق، أما النجاحات المضطردة الكاملة فهي أمر يمكن "بكل سهولة" وضع مخططاته النظرية على الورق، ومن "السهولة" أيضاً و"بكل بساطة" تحويل هذه المخططات إلى برامج عمل، وتوفير الميزانيات اللازمة لتنفيذها. ولكن، ما لم يشر إليه كورديسمان هو أن الصعوبة الحقيقية تكمن في تنفيذ هذه البرامج بالشكل الأمثل وبكفاءة عالية على أرض الواقع، وهو ما لم ولن تستطع إدارة بوش تحقيقه لا في العراق ولا في أفغانستان ولا في أي مكان آخر، طالما أن الشعوب المعنية بالأمر لا ترغب بذلك، وحتى الشعب الأمريكي نفسه أصبح أكثر تأييداً لفكرة رفض التوجهات السياسية التدخلية.
سياسة "الترغيب والترهيب" أطلق عليها خبراء السياسة تسمية سياسة "العصا والجزرة" وكانت هذه التسمية معتمدة حتى نهاية الحرب الباردة. والآن، وعلى خلفية الحرب الأمريكية ضد الإرهاب تحولت هذه السياسة لتحمل اسم سياسة "الدولارات والطلقات".
كذلك، تشير إلى أنه برغم تشابه الدلالة المفهومية، فإن سياسة "الدولارات والطلقات" تعتبر الأكثر خبثاً لأنها تفترض:
• أن يخضع الجميع لخطر الطلقات.
• من يرفض يتم رميه بالطلقات.
• من يقبل يوعد بالدولارات ولكن بشرط أن يعمل ويتعاون، ومن عائدات تعاونه وعمله تأخذ أمريكا كل شيء ثم تلقي له بـ"الفتات".
تعاونت قوى 14 آذار مع الإدارة الأمريكية، وتم تقديم الكثير من الوعود لها: مؤتمر باريس للمانحين، مؤتمر باريس الثاني للمانحين.. ثم الثالث.. وحتى الآن ما الذي حصلت عليه قوى 14 آذار وحكومة السنيورة من الوعود التي تم إدراجها على محاضر مؤتمرات باريس للمانحين؟ لا شيء سوى أن الإدارة الأمريكية ضغطت عليهم في نهاية الأمر للقبول بالأمر الواقع!!
تعاونت المعارضة العراقية مع الإدارة الأمريكية في عملية غزو واحتلال العراق، من أجل "تحرير" العراق، وفي نهاية الأمر استولت إدارة بوش على العراق ودفعت باتجاه تحطيمه!!
تعاونت الفصائل الانفصالية الكردية مع الإدارة الأمريكية والقوات الأمريكية والإسرائيليين من أجل فصل كردستان. والآن، تقوم أمريكا بتزويد تركيا بالمعلومات الاستخبارية التي تمكنها من القيام بقصف المواقع العسكرية الكردية التي ساعدت أمريكا في إنشاءها!!!
تعاونت دول المعتدلين العرب مع أمريكا وإسرائيل في القيام بعزل سوريا، ولكن عندما اقترب موعد انعقاد مؤتمر أنابوليس أصبحت أمريكا وإسرائيل تمارسان الضغط على المعتدلين من أجل تكثيف جهودهم الدبلوماسية إزاء سوريا و"الحج إلى دمشق" لجهة إقناع السوريين بحضور أنابوليس.
السؤال الأكثر أهمية: هل حصلت كل هذه الأطراف التي عملت وتعاونت مع الولايات المتحدة على "الدولارات"؟؟
بكلمات أخرى، هل تحسنت اقتصادياتها وأصبحت أفضل مما كانت عليه خلال فترة ما قبل تعاونها مع أمريكا؟ والجواب يقول بعكس ما هو متوقع فقد:
• انخفض الدخل الوطني.
• انخفضت القدرات الشرائية.
• انخفضت الصادرات.
• تزايدت أعباء المديونية.
• تزايد معدلات البطالة والفقر.
إضافة إلى تزايد حالات التوتر السياسي والطائفي الداخلي على النحو الذي بات يهدد بإشعال حريق العنف السياسي في هذه البلدان:
• أزمة الصراع اللبناني – اللبناني بين قوى 14 آذار (حلفاء أمريكا) وقوى 8 آذار (الرافضة لتبعية الغرب).
• أزمة الصراع العراقي – العراقي بين المؤيدين والرافضين للاحتلال.
• أزمة الصراع المصري – المصري بين النظام المؤيد لأمريكا والقوى السياسية الرافضة لعلاقات التبعية مع أمريكا وإسرائيل.
• أزمة الصراع الأردني – الأردني بين النظام الملكي الموالي للغرب وأمريكا والقوى السياسية الرافضة لعلاقات التبعية مع أمريكا والغرب.
• أزمة الصراع الفلسطيني – الفلسطيني التي أدت إلى الصراع الأهلي الدامي بين الفلسطينيين.
وتقريباً توجد أزمات حادة وضغوط داخلية في كل البلدان العربية التي اختارت الارتباط بأمريكا والتي اختار البعض منها الارتباط علناً بإسرائيل واختار البعض الآخر الارتباط "سراً" مع إسرائيل، ولكننا نكتفي –على الأقل هذه المرة- بهذه الأمثلة من الأزمات.
عموماً، إن تهديد الإدارة الأمريكية وإسرائيل بـ"الطلقات" هو تهديد تحاول إدارة بوش توظيف نتائجه ومعطياته باتجاه الترغيب بـ"الدولارات" عن طريق توليد ما أصبحت تطلق عليه حالياً تسمية "الصفقات" وهدف الإدارة الأمريكية تجميع مشروع خارطة الشرق الأوسط الكبير ضمن مشروع خارطة صفقات فرعية يتم تجميعها في النهاية ضمن صفقة الصفقات والتي سوف تكون صفقة "الشرق الأوسط الكبير".
التصور الكامل لـ"صفقة الشرق الأوسط الكبير" لم تتضح ملامحه بعد ولكن يمكن حالياً القيام بمحاولة "التعرف الأولى" على هذه الصفقة وذلك عن طريق القيام بعملية "استطلاع" محتوى الصفقات الجارية حالياً، والتي ربما ما يزال بعضها طي الكتمان وحبيساً في خزائن الإدارة الأمريكية.
* "صفقة" محمود عباس – أولمرت
خصص المؤتمر الدولي للمانحين مبلغ 7.4 مليار دولار لتمويل السلطة الفلسطينية لتغطية نفقات ميزانيتها خلال الثلاثة أعوام "القادمة". بكلمات أخرى، نشير إلى الملاحظات التالية:
• إن مبلغ الـ7.4 مليار دولار هو مبلغ التزم المانحون بـ"تخصيصه" وليس "منحه"، ولم يتحدد حتى الآن هل سيتم تقديمه على شكل تبرع أم ديون؟
• إن الفترة المحددة هي ثلاث سنوات، أي أن المانحين سيبدؤون عملياً بالنظر في "كيفية" تنفيذ التزاماتهم بعد انتهاء المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية الجارية حالياً على خلفية مؤتمر سلام أنابوليس الذي تم عقده في نهاية الشهر الماضي.
• لم تقرر الإدارة الأمريكية ولا الكونغرس الأمريكي كيفية السماح بتقديم هذه المبالغ إلى السلطة الفلسطينية في ظل وجود قانون مكافحة الإرهاب الفلسطيني الذي أصدره قبل عامين مجلس النواب الأمريكي الذي يحرم تقديم المعاونات والمساعدات للفلسطينيين تحريماً قاطعاً.
* صفقة حكومة السنيورة - أمريكا:
خصصت مؤتمرات المانحين في باريس الأولى والثانية والثالثة وغيرها مليارات الدولارات إلى لبنان، وحتى الآن لم يتم تنفيذ هذه الالتزامات.
إن وجه الشبه كبير للغاية بين مؤتمرات المانحين التي انعقدت لدعم أصدقاء أمريكا  الفلسطينيين واللبنانيين. بكلمات أخرى، فإن باريس أصبحت مركز انعقاد مؤتمرات المانحين التي تقدم الوعود بمنح المليارات للعرب الراغبين في التعاون والتعامل مع أمريكا وإسرائيل وتساؤلاً على ذلك نقول:
كيف يضمن الفلسطينيون تنفيذ المانحين لوعودهم؟ علماً بأنهم نفس المانحين الذين سبق أن أجمعوا في باريس وقدموا الوعود بـ"مليارات الدولارات" على النحو الذي جن جنون أصدقاء أمريكا اللبنانيين معه وطارت عقولهم، ودفعهم إلى التهافت على تسويق المزيد من العداء ضد سوريا، وفي النهاية لم يحصلوا على شيء سوى قيام الموساد الإسرائيلي باغتيال بعضهم وتوجيههم بالتعاون في إلصاق التهم والذرائع ضد سوريا!!

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...