خطة واشنطن الافتراضية للحرب السنية - الشيعية

12-12-2007

خطة واشنطن الافتراضية للحرب السنية - الشيعية

الجمل: برغم الإحباطات والانتكاسات التي تعرضت لها إدارة بوش في منطقة الشرق الأوسط، فإن جماعة المحافظين الجدد التي تسيطر على دائرة صنع واتخاذ القرار في الإدارة الأمريكية والبيت الأبيض ما تزال أكثر تمسكاً بتطبيق سيناريو الحرب السنية – الشيعية في منطقة الشرق الأوسط.
* النموذج "الافتراضي" للحرب السنية – الشيعية:
مذهبياً، يتكون العالم الإسلامي المعاصر من كتلتين رئيسيتين هما السنة والشيعة، وتقوم فكرة النموذج الافتراضي للحرب السنية – الشيعية على أساس دفع هاتين الكتلتين باتجاه دائرة الصراع الإسلامي البيني السني – الشيعي، وقد نجحت الفكرة إلى حد ما في العراق عندما اتسعت دائرة القتل والإرهاب المتبادل (السني - الشيعي) خلال عامي 2005م و2006م على النحو الذي كاد يقضي تماماً على النسيج الاجتماعي العراقي. أما المحاولة الثانية فكانت في لبنان، وعلى وجه الخصوص في الفترة التي أعقبت هزيمة القوات الإسرائيلية على يد حزب الله في حرب الصيف عام 2006م، فبرغم الجهود الحثيثة التي بذلتها وكالة المخابرات الأمريكية والموساد الإسرائيلي وبعض الأطراف العربية والمحلية اللبنانية إلا أن  الفكرة لم تنجح وكان مصيرها الفشل.
أصبح واضحاً، واستناداً إلى المعطيات الميدانية، أن فكرة النموذج "الافتراضي" للحرب السنية – الشيعية لا تقوم فقط على أساس الاعتبارات الداخلية المحلية، أي الحرب بين السكان السنة والسكان الشيعة، بل هي فكرة تحاول الأطراف التي تقف وراءها تطويرها لتأخذ شكل صراع إقليمي في منطقة الشرق الأوسط. بكلمات أخرى، فإن ما هو مطلوب محلياً هو المواجهة السنية – الشيعية، وما هو مطلوب إقليمياً هو المواجهة بين الدول والقوى السنية والدول والقوى الشيعية.
* المعطيات الجديدة في نظرية "المؤامرة":
يقول اليهودي الأمريكي رويل مارك فريخت، الخبير في معهد المسعى الأمريكي التابع للوبي الإسرائيلي، مشيراً إلى عبارة مايكل أوحانلون، اليهودي الأمريكي أيضاً وخبير شؤون الشرق الأوسط في معهد بروكينغز الأمريكي، القائلة "يتوجب علينا فقط أن ننتصر" وذلك في:
• السيطرة على العراق.
• إشعال الحرب الأهلية السنية – الشيعية.
• تطوير الحرب السنية – الشيعية إلى حروب سنية – شيعية بين دول الشرق الأوسط.
• تطوير هذه الحروب السنية – الشيعية إلى مواجهة إقليمية سنية – شيعية.
وتشير المعلومات إلى أن خبراء معهد المسعى الأمريكي يقومون حالياً ببذل أقصى الجهود في عمليات:
• تجميع المزيد من المعلومات حول خصوصيات الكيانات السنية والشيعية.
• رسم خارطة المصالح السنية – الشيعية بحيث يتم:
* تحديد نقاط التعاون السني – الشيعي من أجل إضعافها.
* تحديد نقاط الصراع السني – الشيعي من أجل تقويتها.
• إعادة رسم خارطة طريق التوجهات الأمريكية بحيث تتغير طريقة السياسة التدخلية الأمريكية في المنطقة، بما يؤدي إلى تحقيق الهدف المطلوب.
• تحديد وسائل التدخل الأمريكي الجديدة في المنطقة وترسيم الدور الوظيفي الخاص بـ:
* الوسائل التدخلية الاقتصادية.
* الوسائل التدخلية السياسية.
* الوسائل التدخلية الدبلوماسية.
* الوسائل التدخلية العسكرية.
الوسائل التدخلية الاستخبارية.
* معالم "خارطة الطريق" الجديدة باتجاه الصراع السني – الشيعي:
تثبت إدارة بوش عملية التحول الديمقراطي في منطقة الشرق الأوسط ضمن مبادرة الشرق الأوسط الجديد، لكن الإسقاطات والمعطيات الميدانية أكدت بأن أسلوب إدارة بوش القائم على مخططات مجلس الأمن القومي الأمريكي، ووزارة الخارجية الأمريكية، ومراكز الدراسات مثل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية ومؤسسة بيت الحرية ومؤسسة منحة الديمقراطية، لن تستطيع نقل عدوى "الثورات الملونة" إلى منطقة الشرق الأوسط بالشكل المطلوب، أو بالأحرى الشكل الذي يترتب عليه "سيطرة جماعات المجتمع المدني" المدعومة أمريكياً على النحو الذي يؤسس لـ:
• نشر النموذج الأمريكي في المنطقة.
• صعود النخب التي تقبل بدمج إسرائيل.
• تقديم التنازلات لإسرائيل.
وكان المؤشر الأكثر خطورة يتمثل في:
• صعود الحركة الأصولية الإسلامية عبر صناديق الاقتراع.
• الاحتمالات المؤكدة لسقوط النظامين المصري والأردني (المواليين لأمريكا والمرتبطين باتفاقيات سلام مع إسرائيل) على يد جماعات الإخوان المسلمين في حال تطبيق النظام الديمقراطي الليبرالي في كلا البلدين.
• صعود حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي وسقوط اليمين العلماني  (الموالي لأمريكا والمرتبط باتفاقيات صداقة وروابط وثيقة مع إسرائيل).
واستناداً إلى هذه المؤشرات بدأت الإدارة الأمريكية تتحفظ إزاء المضي قدماً في برامج دعم الديمقراطية (التي سبق أن صممتها جماعة المحافظين الجدد واستطاع اللوبي الإسرائيلي إيصال اليهودي الأمريكي المتشدد إيليوت إبراهام إلى منصب نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي لشؤون نشر الديمقراطية) وتأسياً على ذلك، فقد غضّت "منظمات حقوق الإنسان" المرتبطة بالإدارة الأمريكية انتقاداتها لتجاوزات النظامين المصري والأردني في الانتخابات الأخيرة وذلك على النحو الذي مكّن نظام حسني مبارك المصري من القيام بإنجاز التعديلات الدستورية الضرورية لاستدامة عمر النظام وإطلاق يده في فرض المزيد من الضغوط على الشارع المصري المعادي لإسرائيل وأمريكا.
* إغراءات وجاذبية "النموذج"، والمحاولة مرة أخرى:
برغم الفشل وعدم النجاح فإن جماعة المحافظين الجدد ما تزال واقعة تحت تأثير جاذبية النموذج الخلاب للحرب السنية – الشيعية في الشرق الأوسط. والمحاولة الثانية إعادة إنتاج النموذج تقوم هذه المرة على تحديد عوامل الضعف في النموذج السابق وتحديد عوامل القوة في النموذج الجديد.
تعتقد جماعة المحافظين الجدد أن سبب فشل النموذج السابق يعود إلى الأسلوب الـ"تروتسكي" الذي حاولت الإدارة الأمريكية استخدامه في إشعال الحرب السنية – الشيعية ونقطة ضعف هذا الأسلوب الرئيسية تقوم على خطوات الإدارة الأمريكية المتسرعة، والتي كانت تحاول حرق المراحل عن طريق القفز فقها.
أما النموذج الجديد، فيقوم هذه المرة على أساس الانتقال من إستراتيجية الاقتراب المباشر إلى إستراتيجية الاقتراب غير المباشر. بكلمات أخرى:
• أن يتم التخلي عن أسلوب الاقتراب المباشر الذي يقوم على أساس دفع السنة والشيعة بشكل مباشر إلى الاقتتال والحرب عن طريق استخدام معطيات نظرية المؤامرة المباشرة كتفجير المساجد وعمليات فرق الموت والتفجيرات في المناطق السنية والشيعية وتجنيد الجماعات السنية والشيعية المتطرفة... وغير ذلك.
• أن يتم استخدام برنامج التحول الديمقراطي كوسيلة "غير مباشرة" تحقق "الاقتراب غير المباشر" من هدف إشعال الحرب السنية – الشيعية وذلك عن طريق:
* تقديم الدعم السري للحركات الأصولية السنية والشيعية.
* الضغط على دول المنطقة لكي تسمح لهذه الجماعات بالعمل كأحزاب سياسية.
* إضعاف الحركات العلمانية في المنطقة.
* تنشيط التعبئة الفاعلة والشحن السلبي السني والشيعي في البيئة السياسية الشرق أوسطية.
• تصعيد الخلافات المذهبية السنية – الشيعية وتوصيلها إلى مرحلة التسييس الكامل.
• الدفع النهائي في اتجاه المواجهات الثانوية والفرعية مثل الاغتيالات والتفجيرات وغير ذلك، على النحو الذي يؤدي إلى إشعال المواجهة الشاملة.
عموماً، السؤال الأهم يتمثل في إلى متى يظل "جسد" الشرق الأوسط عرضة للانكشاف أمام الضربات والاعتداءات الخارجية منذ أيام الإسكندر الأكبر وحتى إسرائيل؟. لقد ظللنا في منطقة الشرق الأوسط نفكر في "العلاج" عندما تقع المصائب، ولم نفكر مرةً في "الوقاية" التي تدرأ وقوع المصائب وذلك إلى الحد الذي أصبح من الممكن معه وصف دوائر صنع القرار في الشرق الأوسط بالانهماك في استخدام "الأساليب العلاجية" وغير مدركة تماماً لمدى أهمية استخدام "الأساليب الوقائية". بكلمات أخرى، "الأسلوب العلاجي" عند وقوع الحرب السنية – الشيعية هو تحقيق المصلحة على غرار ما يحاول العراقيون الآن إنجازه، أما "الأسلوب الوقائي" فهو أن تعمل باتجاه إنجاز التكامل الاجتماعي والوطني والقومي ولن يتم ذلك في هذه الحالة إلا بتنشيط وتفعيل الحوار السني – الشيعي على النحو الذي يعزز الثقة والمصداقية بين الأطراف التي لو تم تجاهلها فإنه سوف يسهل على خبراء مراكز الدراسات الأمريكية تصميم النماذج التي سوف تنفذها بكل سهولة الإدارة الأمريكية وحلفاءها على النحو الذي يحقق حلم إسرائيل وجماعة المحافظين الجدد المتمثلة في إشعال المنطقة وإغراقها في الحروب الأهلية المستمرة.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...