سوريا: ترجيحات ببقاء خطوط التماس.. وتعزيزها مؤقتاً

05-06-2015

سوريا: ترجيحات ببقاء خطوط التماس.. وتعزيزها مؤقتاً

لا تزال الاختراقات في علاقة دمشق مع بغداد تقتصر على العامل الإيراني المحفز لدور شعبوي كـ «أضعف الإيمان في المعركة ضد التكفيريين»، وذلك متمثل بأداء «الحشد الشعبي» المكون من المقاتلين الشيعة في العراق، والذي يخضع لإدارة «الحرس الثوري» الإيراني.
عدا ذلك، لا تقدم على المستوى الرسمي بين البلدين، ولا زالت الاتصالات باردة بين الحكومتين السورية والعراقية، لأسباب مرتبطة أساسا بإدارة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي لسياسته الخارجية، والتي تقع تحت تأثيرات قوى إقليمية ودولية متضاربة المصالح، بينها الولايات المتحدة والسعودية وإيران، على عكس سلفه نوري المالكي الذي كان تأثير طهران عليه متفوقاً.سوريون فروا من المعارك بين الاكراد و«داعش» على الحدود التركية امس (رويترز)
الشرح لمصدر محلي، يعلق على مستجدات ميدانية وسياسية، في محاولة لتوضيح العلاقة الشائكة بين مواجهة الطرفين لعدو واحد هو «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، وانكفاء التعاون بينهما للحد الأدنى، تماماً.
وكان لافتا على هذا المستوى الاحتلال المتزامن لمعبري التنف والوليد المتجاورين من قبل «داعش»، بعد سيطرة التنظيم على تدمر وباديتها قبل أسبوعين، بشكل جدد تحدي «الدولة الإسلامية» للطرفين معاً، ولكن من دون أن يترك هذا أثره على تعاونهما الرسمي حتى اللحظة.
وتعيق عوامل عدة إمكانية هذا التعاون، من بينها محاولة العبادي استخدام «جناحي تحليق لطموحه السياسي»، يتمثلان في تأمين رضا الطرفين الأميركي والإيراني، ولا سيما في ضوء حاجته الماسة لدعمهما العسكري في مواجهة «داعش»، كما رغبته المتزامنة في «إصلاح» العلاقة مع السعودية، وضمنيا مع المكون السني العراقي، ومن بعده مع دول الخليج مجتمعة، بما يسمح باجتذاب أموال هذه الدول للعراق.
من جهتها، تعتبر دمشق أن التنسيق المشترك يشكل حجر زاوية أساسيا في المعركة التي يخوضها الطرفان ضد «داعش» على جبهات مختلفة، حتى في الأوقات التي يخوض بها التنظيم معاركه ضد خصومها أيضاً، ولكن دون استجابة بعد.
لذا لا تزال العلاقة مع العراق، من هذه الناحية، باعتراف رسمي، تقتصر على الكتائب (إن صحت التسمية) الشبيهة بـ «الحشد الشعبي» التي تأتي إلى سوريا بحملات منظمة، وبأعداد محدودة، متوجهة إلى جبهات معينة، تراعى فيها الحساسيات المذهبية والإثنية المتنامية في سوريا، وبشكل «لا تؤدي إلى تأثير معاكس» في سير المعركة أو حتى انعكاساتها.
وتراعى ضمن هذه الترتيبات هذه الحساسية بشدة، الأمر الذي يتم تجاوزه، باستدعاء المزيد من القوات الشابة في سوريا، والتي تقع تحت توجيه خبراء ومستشارين من «الحلفاء»، بغرض الاستغناء قدر الإمكان عن المكون الأجنبي، والحد من تعداده.
وقد عمد مسؤولون سوريون، كما وسائل إعلام مقربة من حلفاء سوريا، إلى التوضيح أن معارك تحرير المدن، حين تجري، ستكون بقدرات الجيش السوري الذي «استقدم تعزيزات عسكرية إضافية بعد تخريج عدد كبير من فوج المغاوير من المعسكرات التدريبية، وإرسالهم باتجاه منطقة القريتين بريف حمص، بهدف تشكيل خط دفاعي متين حول المناطق في تدمر وفي سهل الغاب وقراها في ريف حماه مقابل منطقة أريحا في إدلب».
ورجح مسؤولون وديبلوماسيون، أن تبقى خطوط التماس القائمة حالياً في موقعها الراهن لفترة من الوقت، بسبب صعوبة قفز القوى المتقاتلة فوقها، كونها ارتسمت بفعل عوامل متعددة، من بينها التحالفات الإقليمية الجديدة، والحشد المذهبي المتقابل، وصعوبة تحديد سيناريو أو استراتيجية مناسبة أو مقنعة لـ «اليوم التالي»، ناهيك عن استحالة التكهن بإمكانية الانضباط القائمة لدى الفصائل المسلحة، ولا سيما التكفيرية منها والمرتبطة بتنظيم «القاعدة»، إذا حصل تقدم نوعي باتجاه قرى الساحل السوري.
وتقوم استراتيجية الجيش والقوى المتحالفة معه، في ضوء هذه التقديرات، على تعزيز آلية تنسيق بينها، علما أنها كانت من أهم عوامل التراجع والانسحابات التي جرت في ريف إدلب.
وتؤكد مصادر ميدانية،  وجود كثافة عددية مقبولة لمقاتلي الجيش والدفاع الوطني وكتائب المغاوير ومقاتلي «الحلفاء». وزاد الجيش من كثافته العددية في مواقع ريف إدلب المتأخرة على طريق أريحا ـ اللاذقية، وعلى تلال استراتيجية في محمبل والمشيرفة وكفرشلاميا، حيث تتركز الأهداف حالياً على «حماية المنطقة ومنع أي نكسات إضافية باتجاه الشريان الحيوي القائم بين حلب وحماه وحمص من جهة، ومنطقة الغاب وصولا إلى اللاذقية ومن ثم الساحل من جهة أخرى».
وثمة «قناعة محبطة» لا مفر منها، في الوقت الحالي تتمثل في «العمق المفتوح بين ريف إدلب وتركيا، التي تشكل خزان المقاتلين ونقطة إمدادهم اللوجستي أيضاً»، وهو عمق لن يتغير ما بقي التحالف الثلاثي، القطري ـ السعودي ـ التركي قائماً، وما بقي «حزب العدالة والتنمية» حاكما في أنقرة.
كما تخضع حسابات الميدان بطبيعة الحال لتدقيقات السياسيين، ولا سيما حين يتم النظر إلى العلاقة الاستراتيجية القائمة بين تركيا وإيران، والتي أكد نائب وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان، خلال زيارته موسكو مؤخراً، أن البلدين «لن يسمحا لتلك التناقضات (بشأن سوريا) بالتأثير على العلاقة الاستراتيجية بين البلدين».
ونقلت وكالة «فرانس برس» عن مصدر أمني سوري قوله «وصل نحو سبعة آلاف مقاتل إيراني وعراقي إلى سوريا، وهدفهم الأول هو الدفاع عن العاصمة»، موضحا أن «العدد الأكبر منهم من العراقيين». وأضاف «الهدف هو الوصول إلى عشرة آلاف مقاتل لمؤازرة الجيش السوري والمسلحين الموالين له في دمشق أولا، وفي مرحلة ثانية استعادة السيطرة على مدينة جسر الشغور التي تفتح الطريق إلى المدن الساحلية ومنطقة حماه وسط البلاد».
ويزيد من تعقيدات هذا الواقع أيضاً صعوبة توقع ضربة «داعش» التالية، والتي يربح ويخسر خصومه المختلفون من هجماته بين مكان وآخر، ولكن من دون أن تضعف قوته.
وباعتبار أنه كتب لهذه الحرب العمر الطويل، بتقديرات من داخل سوريا وخارجها، ربما تنتظر دمشق تجدد «حرب الإخوة» في ريفي إدلب وحلب، قبل الشروع بالانقضاض لتغيير مسارات الميدان العسكري، علما أن جهوداً تكثفت في الأسابيع الأخيرة لتعزيز قوات الدفاع الوطني تحت تسميات مختلفة، بينها «درع الساحل» الذي يفترض أن يحشد المتطوعين في مدينتي اللاذقية وطرطوس، وقوات الدفاع الوطني في حلب التي تعيد تنظيم نفسها وجلب المزيد من المتطوعين، والأمر ذاته في كل من السويداء وحمص حيث تجري تحضيرات تشبه في طبيعتها مؤسسة «الجيش الشعبي» التي وجدت في التسعينيات. كما يجري أمر مشابه في حماه أيضا، بمساهمات من ضباط جيش منتدبين لهذه المهمة، كما الفعاليات المدنية والحزبية، بتأييد ومرافقة من الرموز الدينية أيضاً، ولا سيما مناطق التنوع الطائفي، والتي هدفها تذكير المتطوعين السوريين بأن «القتال الدائر ليس قتال مذاهب، بل حرب وجود حضارية، بين فكر إلغائي وآخر وطني».

زياد حيدر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...