المشهد الدولي الجديد يرتسم بدم السوريين

27-02-2014

المشهد الدولي الجديد يرتسم بدم السوريين

لم يخطئ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حين أكد، في 9 حزيران العام 2012، أن «مستقبل العالم بأسره يتوقف على كيفية حل الأزمة السورية». فالحراك الذي بدأ بمطالب شعبية، في آذار العام 2011، كشف شناعة ما هو مخطط لسوريا، فيما عاصمة الحضارة تنزف يومياً وتنعى العشرات من أبنائها، وتنشغل الدول الكبرى بمصالحها وحصتها من «الكعكة» السورية.
انتظر العالم، والسوريون خاصة، مفاوضات «جنيف 2» على أمل أن تضمّد بعضاَ من جروح الوطن، فتمهّد الطريق لإيجاد حلٍّ سياسي لوقف الإرهاب الذي ينهش الجسم السوري، إلا أن كل الآمال تلاشت بعد فشل جولتي المفاوضات.
وفي هذا الإطار، رأى أستاذ العلاقات الدولية في «جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا» في الكويت الدكتور محمد نور الزمان أن «المخرج الفعلي يكمن في تحقيق أحد الفريقين انتصاراً عسكرياً».
ورأى نور الزمان، في مقال نشره «معهد العلاقات الدولية والأمن» (أي اس ان) في سويسرا، أن «التطورات الميدانية الأخيرة تصب في مصلحة الرئيس بشار الأسد في ظل النجاحات العسكرية التي حقّقها الجيش السوري عبر سيطرته على عدد من المناطق المهمة في سوريا، خاصة في ريف دمشق، وهو ما يترافق أيضاً مع استمرار الاشتباكات بين الكتائب المقاتلة بالإضافة إلى تراجع الدعم الدولي للمسلّحين في سوريا»، مذكراً بأن وفد «الائتلاف الوطني السوري» المعارض رضخ للتهديدات الأميركية والبريطانية للانضمام إلى «جنيف 2» تحت طائلة سحب الدعم.
وبالرغم من إقصاء طهران في مؤتمرات واجتماعات جنيف، إلا أن إيران تؤدي دوراً محورياً في دعم السلطات السورية مادياً، فيما انخرط «حزب الله» في الأزمة السورية «مدفوعاً بأسباب إستراتيجية»، بحسب الكاتب، الذي شدد على أن انتصار الأسد لن يعوّض فقط الدعم الإيراني، الذي لا يتزعزع، لسوريا، بل سيقدّم طهران كلاعب دولي أكثر قوّة وجرأة في وجه خصومها. ورأى أن انتصار الأسد سيؤمن أيضاً فرصاً اقتصادية لطهران، عبر بناء خط أنابيب للنفط بين إيران والعراق وسوريا، وهو ما سيربطها بسوق الطاقة في منطقة المتوسط.
وفي الوقت الذي يحقق فيه الجيش السوري إنجازات في الميدان، تتخلى الدول المتورطة في الملف السوري عن الملف.
قطر، كانت الدولة الأولى التي ظهر فيها التغيير بعد أن تسلّم الأمير الشيخ تميم مقاليد الحكم في حزيران الماضي. الدوحة لم تخفِ قط مشاركتها في الحرب السورية إعلامياً وسياسياً ودعماً مالياً للمسلّحين، بالإضافة إلى سعيها الحثيث لاستصدار قرارات ضد سوريا، أكان في الجامعة العربية أم حتى في المحافل الدولية. وقد بدأت «الفورة القطرية» في ليبيا حين شاركت «الدولة العربية» قوات حلف شمال الاطلسي (الناتو) في ضرب ليبيا. ورأى نور الزمان أن الدولة الخليجية حاولت أن تؤدي دوراً أكبر من حجمها ومساحتها، وحتى قوتها الديموغرافية.
رئيس الاستخبارات السعودية الامير بندر بن سلطان، مسؤول آخر يستبدل ليتسلّم مهامه وزير الداخلية الامير محمد بن نايف، فيما تنقل صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية عن مستشار لدى العائلة الحاكمة أن الأدوار الجديدة لمحمد بن نايف ووزير الحرس الوطني متعب بن عبدالله، تعني أن العالم سيرى «إستراتيجية جديدة حيال سوريا، هادئة، أكثر انفتاحاً، وليست متشددة جداً. سيكون هناك سياسة أكثر، وربما أقل عسكرة».
وفي هذا الإطار، أشار باتريك كوكبيرن، في صحيفة «الاندبندنت» البريطانية، إلى أنه «مما لا شك فيه هو أن المسلحين فشلوا في إسقاط الحكومة السورية، وهو ما يفسر تهميش الأمير بندر، الذي بصفته رئيساً للاستخبارات السعودية كان المسؤول عن توجيه وتوريد وتمويل المسلحين».
وقد أشار المتخصص في الدراسات الإسلامية أحمد سئيوا إلى أن السعوديين يخشون من وصول العلاقات الإيرانية مع الغرب إلى مستوى يجعل طهران تؤدي أي دور في تسوية الأزمات الإقليمية، خاصة في لبنان وسوريا والعراق واليمن، معتبراً أن الرياض لطالما عملت على عزل طهران وتقليص نفوذها، لأسباب طائفية وقومية.
وأشار سئيوا، الذي يدرّس عدداً من المواد المرتبطة بالإسلام في «جامعة أيوا»، إلى أن الحكام الخليجيين فقدوا رباطة جأشهم أمام التقارب الأميركي - الإيراني، وهو ما ظهر في رفض السعودية الحصول على مقعد في مجلس الأمن الدولي، وتجلّى في تصريح بندر، الذي نقلته «وول ستريت جورنال»، حيث أعلن وقف التنسيق مع الأميركيين في إطار دعم المعارضة السورية، بالإضافة إلى رفض السعوديين لقاء المبعوث الأممي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي.
وأكد سئيوا أنه في حال التوصل إلى أي حل سياسي في سوريا فسيؤدي ذلك حتماً إلى تقويض الدور السعودي، مشيراً إلى أن ارتداد الإرهاب على السعودية هو مسألة وقت في ظل سيطرة السعودية على عدد من التنظيمات وليس جميعها.
ورأى أن تبرير الأسر الخليجية الحاكمة لاستخدام العنف في سبيل تحقيق أهداف «الربيع العربي» في سوريا، يجعلهم في الوقت ذاته يخطّون مصائرهم في معادلة «من يحكم بالسيف يقتل بالسيف».
روبرت فورد، السفير الأميركي في دمشق، ورقة ثالثة تتهاوى في ملف دعم المسلحين في سوريا، في الوقت الذي يعاني فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما من انتقادات حادّة تجاه سياسته بشأن الملف السوري.
«فشلت إستراتيجية الرئيس (أوباما) تجاه البلاد (سوريا) ولكن بقيت بعض الخيارات»، كتب المؤرخ والصحافي الأميركي ماكس بوت في صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، مشدداً على أنه «حان الوقت ليعترف أوباما بفشل سياسته في سوريا».
وقد رأى روبرت ميري، في مقال في «ذي ناشيونال انترست»، أن سياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعتمدت على تأمين كل ما يحتاجه الأسد من أجل صموده في ظل التهديد الذي يتعرّض له مع مناصريه، مذكراً بالشعار الذي أطلق في بداية التظاهرات في سوريا «المسيحية عبيروت والعلوية عالتابوت»، الشعار الذي توقّف عنده نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، معرباً عن قلقه حول مصير الأقليات، وخاصة المسيحيين.
أما محرر الشؤون السورية في معهد «كارنيغي» ارون لوند فرأى أن روسيا لعبت بحنكة فائقة فكانت «المعيق والمسهّل»: المعيق لقرارات مجلس الأمن والمسهّل في موضوع إزالة الكيميائي السوري.
واعتبر لوند أن سوريا، المشتعلة، أعادت روسيا إلى الساحة الدولية كلاعب أساسي، مشيراً إلى أن موسكو انتقلت من مرحلة ما بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي إلى دور ريادي في الشرق الأوسط، حيث بات ينظر إلى بوتين على أنه قائد لقوة عظمى «عائدة إلى الحياة»، مشدداً على أن تعزيز قوة الأسد يعني تعزيز قوة بوتين.
أما إسرائيل، فكانت تشعر بالغبطة جراء تدمير سوريا، فيما تفضّل سقوط الأسد مع ما سيترتّب عنه من دمار، بحسب مقال لفيليب غريفز في «كاونتر بانش»، الذي أشار إلى ان «التواطؤ الإسرائيلي مع المسلحين يتجلى في نقل مئات الجرحى من المسلحين للعلاج في المستشفيات الإسرائيلية، بالإضافة إلى منحهم ألف دولار للعودة إلى سوريا»، مؤكداً أن «إسرائيل بذلت جهداً لتعزيز تواصلها مع المسلحين في الجنوب السوري، وتعاونت معهم خلال الهجمات التي شنّتها على سوريا».
وأكد «ضرورة التنبّه إلى المحاولات الإسرائيلية للتطبيع مع سكان الجنوب السوري، لخلق مناطق آمنة في محيط الجولان المحتل، بهدف تحقيق الأهداف التوسعية الصهيونية، عبر الاستيلاء على الأراضي السورية أو شن عدوان على الجيش السوري».
وفي الوقت التي تعاني فيه تركيا من أزمة سياسية حادة، يتحوّل انتشار الإرهاب التكفيري في سوريا إلى خطر محدق بأنقرة، التي حثّت، على مدى أكثر من عامين، السوريين على إسقاط النظام، فيما وصلت طائرات إلى مطار في لواء إسكندرون تحمل على متنها عناصر ومقاتلين من تنظيم «القاعدة» للقتال في سوريا، بحسب تقرير مصوّر نشرته قناة «سي ان ان» الأميركية.
إعادة التموضع في المواقف التركية تظهّرت على لسان الرئيس التركي عبدالله غول، الذي دعا إلى «إعادة تغيير في النظرة التركية إلى سوريا»، مضيفا: «نحن ندرس ما يمكن أن نفعله للخروج بوضع يخدم مصلحة الجميع في المنطقة. إن الوضع الحالي يشكل سيناريو خاسراً لكل دولة ونظام وشعب في المنطقة».
مع اشتعال الشرارات في أوكرانيا وفنزويلا، تظهر تأثيرات الحرب السورية على معالم السياسات الدولية. ففي الوقت الذي ينشغل فيه قادة الدول بالتطورات السياسية والمعادلات الدولية والاستئثار تنمو في المنطقة بيئة مرعبة من التطرّف والإرهاب، تنبّه لها الأوروبيون وأرعبهم خطر ارتداداتها عليهم. وفي الوقت الذي يتلهّى قادة الدول بالعدد الأكبر من «أحجار» اللعبة، ترتسم ملامح المشهد الدولي الجديد بدم الشعب السوري.

كارمن جوخدار

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...