شخصيات اعتنقت الإسلام

27-10-2006

شخصيات اعتنقت الإسلام

في كتاب صقر ابو فخر سوريا وحطام المراكب المبعثرة حوار مع نبيل الشويري: عفلق والبعث والمؤامرات والعسكر، (الصادر حديثاً لدى المؤسسة العربية للدراسات والنشر)، يروي الشويري انه لمع في الحركة الوطنية المناضلة ضد الانتداب على سوريا اسم فارس الخوري وشغل مناصب مهمة وأساسية. وتولى في الحكم رئاسة البرلمان ورئاسة الوزارة. وبعد مماته سرت شائعات عديدة تقبلها الناس، بأنه أسلم. وشائعة إسلامه تستند الى ان المشايخ في دمشق قرأوا له القرآن في مأتمه سنة ,1962 والى انه كان يحب الاستماع الى تجويد القرآن في حياته. يقول الشويري ان السند الحقيقي للشائعة هو راحة النفس من التناقض القائم بين قبولهم بزعامته وبين كونه مسيحيا. بينما الحقيقة تكمن في ان مسيحيته بالذات كانت سلاحا في وجه الفرنسيين وسحبا للبساط من تحت أقدامهم كحماة للاقليات كما زعموا!
على ان مسألة إسلام استاذ البعث ميشال عفلق في جوهرها تشبه إسلام فارس الخوري، فالقيادي العروبي جلال السيد يروي تعليقا على تولي عفلق رئاسة حزب البعث: نحن اخترناه لرئاسة الحزب اصلا لكونه مسيحيا، مع ان هناك من هو أكفأ منه للرئاسة، ولكننا قصدنا بذلك ان يكون عنوانا لعلمانية الحزب. أما في العراق فكان عفلق، بحكم نظام الحزب الحاكم، هو الاول رسميا وان كانت أولوياته شكلية ولكن صدام حسين في خضم الحرب العراقية الايرانية سرّب عبر مخابراته ما سماه وثيقة تثبت إسلامه. لم يكن في الوثيقة أي جديد إلا في السطر الأخير الذي يقول انه أوصى بأن يدفن مسلما. وصيغة السطر الأخير هذا، تختلف جذريا عما قبلها، الأرجح انها من صنع صدام.
إسلام عفلق من وجهة نظر شويري على هذا النحو، له معنى واحد لا غير، وهو ان ليس لغير المسلم الحق في تعاطي السياسة بالمعنى الكامل للكلمة. أي ان مسألة الذمي ألغيت في الواقع لا في القانون. هذا الواقع المرير كان جزءا من ايديولوجيا البعثيين وبعض العروبين، وقد شرحها نبيل الشويري على أحسن ما يرام، وهي ان دلت على شيء فهي تدل على العلمانية المزعومة أو المبطنة بالاسلمة، فعفلق لطالما صرح بأن العروبة بلا إسلام كالجسم بلا عظام، وبعضهم لطالما ربط العروبة بالإسلام على رغم من ان أول العروبة كان من صناعة رواد الثقافة اللبنانية.
ليس همنا الحديث عن العروبة والاسلام، بقدر من نود تبيان النظرة الى بعض الشخصيات التي تعتنق الإسلام، فمسألة الانتقال من دين الى آخر، كانت دائما مفتاحا لحكايات ومتاهات، لعل أسطع دليل عليها، ليس عفلق أو الخوري بل الاديب واللغوي احمد فارس الشدياق. فهو عندما توفي اختلفت بعض الطوائف اللبنانية حول من يريد ان يتبناه. واخيرا تم الاتفاق على ان يرفع الصليب والهلال فوق ضريحه في منطقة الحازمية. كذلك اختلف أهل الفكر في تفسير ظاهرته، فيعتبره مارون عبود أبا الكتاب الادبي في النهضة الحديثة، وباني دولة أدبية شرقية غربية، واول من كتب المقالة الصحافية. وبعضهم قال انه كان اشتركيا وعلمانيا.
يعتبر يعضهم ان اعتناق الشدياق الدين الاسلامي كان الحدث البارز في حياته، مع ان كتاباته ومؤلفاته تدل على ان تفكيره كان في مكان آخر، فهو اكثر تقدما من بعض نهضويي اليوم، وأكثر اطّلاعا على ثقافات العالم من أبناء جيله، ربما ينبغي قراءة إسلامه من جانب انه انعكاس لواقع ما لا ككليشيه إيماني. نعلم ان الشدياق اهتم بنسخ الكتب لنفسه أو لغيره، وصارت له بهذا شهرة واسعة فاستدعاه الأمير حيدر الشهابي أحد الأمراء الشهابيين ومؤلف التاريخ المشهور، وكلفه نسخ تاريخه وتقلبت به الأعمال، إلى أن حدثت لأخيه أسعد حادثة كانت الشرارة الأولى في تغيير مجرى حياته. فقد تحول أسعد من مذهبه الماروني إلى المذهب الإنجيلي، وأثار هذا التحول سخط البطريرك الماروني على أخيه، فنفاه إلى دير قنوبين سجيناً معذباً حتى قضى نحبه وهو في ريعان شبابه. وكان لهذا الحادث أثره في نفس فارس، فكره الحياة في لبنان الذي بلغ من التعصب الطائفي هذا المبلغ، وشد الرحال إلى مصر سنة ,1825 وبدعوة من المرسلين الأميركيين الذين دعوه ليعلمهم العربية، وكأنهم بذلك أرادوا أن يطيبوا خاطره نظير ما لقيه أسعد بسبب اعتناقه لمذهبهم. أتاحت الإقامة بمصر لفارس الشدياق أن يتلقى اللغة والأدب والنحو والبلاغة والصرف والشعر. في سنة 1834 دعاه الأميركيون إلى مالطة لغرضين أولهما: التعليم في مدارسهم هناك، وثانيهما: تصحيح ما يصدر من مطبعتهم من كتب عربية. وهناك أخذت ميوله وعواطفه تتجه نحو المذهب الإنجيلي. وكان هذا التحول في نظره انتقاماً لما حدث لأخيه على يد الموارنة. جاءت إلى الشدياق دعوتان استجابة للمدائح الشعرية، الأولى لزيارة الأستانة بدعوة من السلطان عبد المجيد في الاستانة، والثانية من أحمد باي تونس الذي دعاه لزيارته والإقامة معه في تونس لقاء القصيدة التي مدحه بها الشدياق. هناك اعتنق الإسلام وتسمى باسم أحمد فارس الشدياق، بل أضيف إلى اسمه لقب الشيخ، وتكنى بأبي العباس. انتماءات الشدياق تشبه لبنان، انه نموذج للبلاد التي قطعت شوطاً طويلاً، في التحديث مستبقة الشرق الأوسط بأسره. ولكنها أيضاً، وفي الوقت نفسه، بلاد وفيّة بصورة لا يمكن تفسيرها للإرث القبلي. بتعبير الروائي فارغاس يوسا في مقالة كتبها عن لبنان بعد زيارته الاخيرة. على ان نظرة الطوائف اللبنانية الى دين الشدياق بعد وفاته، تشبه نظرة البعث الى أسلمة عفلق والخوري، أو نظرة بعض الكتاب الى أسلمة الشاعر الالماني غوته المزعومة، انهم من النسيج ذاته والذهنية ذاتها.
نكتب عن الشدياق أيضا، ونتذكر شخصية بطرس في رواية بدايات لأمين معلوف. بطرس الذي تعلم في مدارس المرسلين، وتقولب نتيجة اختلاطه بهم. ولكنه أبى ان يتبعهم في المجال الذي كان الاهم بنظرهم، لأنه لن يقبل اعتناق البروتستانتية أبدا. وتظهر رواية بدايات كيف تشعبت عشيرة المعلوف تبعا للمصالح، في الطوائف والانتماءات والبلدان والصوفية والماسونية والعلمانية... لعبة التبدل في الانتماء الطائفي في لبنان تحتاج كتابة كثيرة، كثيرون يؤرخون ان كسروان كانت شيعية، والجبل كان درزيا، والبقاع كان سنيا. وكان آل فلان من الروم. وآل الهاشم المسيحيون هم من سلالة نبي الاسلام، وآل شهاب كانوا من السّنة، وإنشاء الجامعة الاميركية في بيروت رافقت دخول الطائفة الانجيلية.
- لعبة الطائفية درس من الدروس التي تختلف الآراء في تفسيرها، في كتابه ثقافة الطائفية (دار الآداب ترجمة ثائر ديب) يبين أسامة مقدسي ان الطائفية في لبنان ليست دهرية، بل انبثقت في شكل واضح جداً في القرن التاسع عشر، وعليه، ليست مؤامرة عثمانية، ولا اختراعاً اوروبياً، ولا طبيعة لبنانية، وانما تعكس تحلل النظام الاجتماعي اللبناني التقليدي وسط وجود أوروبي متنام وإصلاحات عثمانية كبرى في الشرق الاوسط، كما ان العنف الديني بين الموارنة والدروز، والذي توج بمجازر العام ,1860 كان تعبيراً مركباً ومتعدد الطبقية عن التحديث لا رد فعل بدائيا له. لقد بزغت الطائفية كممارسة حين نشب الصراع بين النخب المارونية والدرزية، وبين الأوروبيين والعثمانيين، فبعدما تم إصلاح جبل لبنان جغرافياً، بدأت النخب المنقسمة والحكومة العثمانية والمبشرون الأجانب بالتفكير في كيفية بناء مجتمع حديث، وتحول خطاب الاعادة خطاب التقدم، لم يكن مطيفو جبل لبنان جماعة نخبوية واحدة بل ساهمت كل النخب القائمة في تفكيك أسس النظام القديم الأخلاقية والمادية، وتحت عنوان إعادة الصياغة التاريخية والجغرافية والثقافية لجبل لبنان بوصفه بلداً طائفياً في جوهره، كانت تكمن أزمة غير محلولة، فجماعة المعرفة، التي كانت جماعة نخبوية تقليدية تشتمل على مؤرخين ورجال دين ووجهاء من مختلف المذاهب جمعهم النظام القديم في اطار سياسته اللاطائفية، راحت تتفكك بتأثير من ضغوط الإصلاح وراحت تتشكل على هيئة جماعات معرفة طائفية وحققت الحداثة الطائفية عدداً من الانتصارات البارزة. هكذا الطائفية البدائية كان نتاجا حداثويا في لبنان، أو هي الاحزاب التي يتشكل منها هذا البلد الصغير، وكل حزب يحاول أن يجد بدلا عن ضائع في الحزب الآخر. هذا هو حال المسيحيين الوطنيين في زمن الحركة الوطنية اللبنانية، إنهم مثل فارس الخوري في سوريا.
- الدين ليس الطائفية، لكن المسيحي الذي يكون مع المسلمين أو الذي يعتنق الإسلام يكون له هالة خاصة، يذكر الف مرة أكثر من المسلم العادي، انه أقرب الى الاكزوتيك النفسي والإيماني. في طفولتنا كان اشهر من اعتنق الاسلام بطل الملاكمة (السابق) محمد علي كلاي. كنا نسأل لماذا اختار هذا الدين؟ اهلنا ينظرون اليه باعتباره عبرة لمن اعتبر. وبعضهم يقول انه أتى الى مصر ولم يجد تمييزاً ضده باعتبار انه من أصحاب البشرة السمراء. من بعده صار حديثنا عن روجيه (رجاء) غارودي اعتنق البروتستانتية وهو في سن الرابعة عشرة، وانضم إلى صفوف الحزب الشيوعي الفرنسي (الملحد)، ثم أصبح مسلما وضد اليهود. تحولاته تشبه تحولات أحمد فارس الشدياق مع الاختلاف النوعي في الافكار والتوجهات.
ليس هناك روايات كثيرة عن أسلمة محمد علي أو غارودي، يكفي اعتناقهم الاسلام لنتحدث عنهم، أما يوسف إسلام أو نجم موسيقى البوب السابق كات ستيفنز فهناك ألف رواية ورواية عنه، وهو لم يعتنق الاسلام فحسب، بل أضحى ناشطاً اسلامياً بارزاً في المجتمع اللندني وله علاقات وثيقة مع جماعات الدعوة الاسلامية في المنطقة، وأيّد الفتوى التي أطلقها الخميني بحق الكاتب الهندي الاصل سلمان رشدي. هذا بينما تبدو أسلمة مصمم الرقص موريس بيجار ملتبسة، فهذا الفنان الرائد نال شهرة عالمية بفضل أعماله التي تنهل من الحضارات المختلفة، وأثار ضجة عندما تسربت أنباء عن اعتناقه الاسلام على المذهب الشيعي. لكن المحيطين به أكدوا انه درس هذا الدين وتعمّق فيه ليزداد اقتراباً من جذوره، باعتباره يتحدر من جدة أفغانية. وقد أعلن بيجار هذا الانتماء بنفسه. لا يبدو الاسلام بالنسبة اليه قضية شائكة، الارجح انه ثقافة متعددة الاتجاهات. وهناك عشرات الأسماء اللامعة في العالم اعتنقت الإسلام، خصوصا بين الفلاسفة والكتّاب والرياضيين والمغنين.
- في زمن الإيديولوجيات والأصوليات الإسلامية، لم يعد اعتناق الاسلام يقتصر على المثقفين والفنانين بل امتد الى أوساط الشباب، فهم يختارون أسماء جديدة (إسلامية). الاسم هو بداية المشوار في التحول أو علامة النكهة الايمانية. تشير التقارير إلى أن عدد المعتنقين الجدد للإسلام من الفرنسيين يصل إلى 60 ألفًا مؤخرًا، سواء أولئك الذين أسلموا بدافع حبهم وإعجابهم بهذا الدين، أو بدافع البحث عن الهوية والبحث عن الذات، الكثير منهم من شباب المدن، ويتراوحون ما بين الأصولية والاعتدال. هكذا بات اعتناق الإسلام ظاهرة اكزوتيكية نسمع عنها في غرناطة أسبانية أو عند السكان الأصليين في المكسيك أو في ضواحي المدن الفرنسية.

أحمد حجار

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...