القناصة المجهولون و تاريخ غربي في إسقاط الأنظمة

02-02-2012

القناصة المجهولون و تاريخ غربي في إسقاط الأنظمة

لعب قناصة مجهولون دورا محوريا فيما يسمى "ثورات الربيع العربي" ، و مع ذلك فمن المفاجأ أن القليل من الاهتمام منح لدورهم و الهدف من وجودهم  رغم تقارير وسائل الإعلام الرئيسية المتحدثة عنهم.
و قد وضع الباحث الصحفي الروسي نيكولاي ستاريكوف كتابا تناول دور قناصة مجهولين في زعزعة استقرار دول كانت الولايات المتحدة و حلفاؤها يهدفون إلى تغيير أنظمتها. و المقالة التالية محاولة لشرح بعض الأمثلة  التاريخية  لهذه التقنية بهدف منح خلفية لفهم الحرب الخفية الحالية ضد الشعب السوري عن طريق فرق موت في خدمة الاستخبارات الغربية.
رومانيا 1989:
في فيلم سوزان براندستاتير الوثائقي "كش ملك: استراتيجية ثورة" و الذي عرض على) Arte شبكة تلفزة ألمانية - فرنسية) قبل سنوات ، يعترف ضباط استخبار غربيون كيف استخدمت فرق الموت لزعزعة استقرار رومانيا و تحريض  شعبها ضد رئيس الدولة نيكولاي شاوشيسكو . و يجب أن يتابع فيلم براندستاتير أي شخص معني بطريقة تآمر وكالات الاستخبارات الغربية و جماعات حقوق الإنسان والإعلام لأجل تدمير منظم لدول تتعارض قياداتها مع مصالح رأسمالية و إمبراطورية كبيرة.
و دون أي تحيز تحدث دومينيك فونفيل، و هو عميل سري سابق لصالح وكالة الاستخبارات الفرنسية الخارجية DGSE  ، عن دور رجال الاستخبارات الغربية في زعزعة استقرار الشعب الروماني.
كيف تنظم ثورة؟ أعتقد أن الخطوة الأولى تكمن  في وضع  قوى معارضة في الدولة المستهدفة, و من الكافي أن تملك خدمة استخبارات متطورة جدا  لتحدد من هم الأشخاص المؤهلين لامتلاك نفوذ لأجل زعزعة استقرار الشعب بما فيه ضرر النظام الحاكم.
و هذا الاعتراف الصريح و النادر بالرعاية الغربية للإرهاب برر على أساس  "الفائدة الأكبر" التي جنتها رومانيا عن طريق رأسمالية السوق الحرة ، و وفقا لاستراتيجيي الثورة الرومانية كان من الضروري موت البعض.و لكن رومانيا اليوم واحدة من أفقر الدول في أوروبا ، و عانى  معظم الرومانيين خلال  العقدين الماضيين من عملية مستمرة  تضم إفقارا و إفسادا لمعايير الحياة.
و في الفيلم الوثائقي تحدث مسؤولو الاستخبارات الغربيون عن الدور  المركزي الذي لعبه الإعلام في التشويه، فعلى سبيل المثال، كانت تلتقط صور  ضحايا القناصة المدعومين من الغرب و تعرض للعالم كأدلة على قيام الدكتاتور المجنون بقتل شعبه.
و حتى هذا اليوم يوجد متحف في رومانيا لتعزيز  خرافة " الثورة الرومانية". و الفيلم الوثائقي الذي بثته  Arte كان من الحالات النادرة التي أفشت فيها وسيلة إعلام رئيسية بعض الأسرار السوداء للديمقراطية الليبرالية الغربية. و سبب الفيلم فضيحة عندما عرض في فرنسا و ناقشت صحيفة لوموند ديبلوماتيك المعضلة الأخلاقية في دعم الغرب للإرهاب مع رغبته بنشر الديمقراطية. و لكن منذ تدمير ليبيا و شن الحرب الخفية ضد سورية، و اللوموند ديبلوماتيك تقف في الجانب الآمن متهمة بشار الأسد بجرائم قامت بها DGSE و ال CIA . و في النسخة الحالية لم تعد المقالة التي تنشر تحت عنوان( أين اليسار؟ )موجودة في صفحات لوموند ديبلوماتيك.
روسيا 1993:
خلال ثورة   بوريس يلتسين المضادة في روسيا عام 1993 ، حين  قصف البرلمان الروسي مسفرا عن موت الآلاف ، استخدم مضادو الثورة التابعون ليلتسين  الكثير من القناصة.و وفقا لتقارير الكثير من شهود العيان،  شوهد القناصة و هم يطلقون النيران على المدنيين من أعلى بناء مواجه للسفارة الأميركية في موسكو . و وفقا لوسائل الاعلام الدولية نسب القناصة للحكومة السوفييتية.
فنزويلا 2002:
حاولت الCIA الاطاحة برئيس فنزويلا هوغو شافيز في انقلاب عسكري. ففي الحادي عشر من نيسان عام 2002نظمت مسيرة معارضة تجاه القصر الرئاسي من قبل المعارضة الفنزويلية المدعومة من الولايات المتحدة. اختبأ قناصة في أبنية قرب القصر و فتحوا النيران على المحتجين مودين بحياة ثمانية عشرة منهم. و ادعت وسائل الاعلام  الدولية و الفنزويلية أن شافيز كان يقتل شعبه و لهذا برر الانقلاب العسكري على أنه تدخل إنساني. و فيما بعد ثبت أن الانقلاب نظم من قبل ال CIA  و لكن لم تذكر ابدا هوية القناصة.
تايلاند ، 2010:
في الثاني عشر من نيسان 2010 ، نشرت Christian Science Monitor تقريرا مفصلا عن الشغب في تايلاند بين ناشطي (القمصان الحمر) و الحكومة. و كان عنوان المقالة: (استعراض التوابيت، محتجو القمصان الحمر التايلنديون يحجبون على يد قناصة مجهولين). و كحال نظرائهم في تونس ، كان أصحاب القمصان الحمر في تايلاند يطالبون باستقالة رئيس وزراء تايلاند . و بينما ذكر التقرير بأن قوات الأمن التايلاندية ردت بقسوة على الاحتجاجات ، أورد ايضا وجهة نظر الحكومة حول الأحداث فقال: لجأ السيد أبهيسيت لخطاب تلفزيوني وقور لرواية قصته. لقد اتهم رجال مسلحين مارقين ، أو إرهابيين ، بالعنف الشديد( قتل على الأقل 21 شخصا و جرح ثمانمائة) و أكد على الحاجة لتحقيق كامل في قتل كل من الجنود و المتظاهرين. و بث التلفزيون الحكومي صورا لجنود تعرضوا لنيران الرصاص و التفجيرات.و ذهب تقرير الصحيفة لدرجة الاستشهاد بكلام  مسؤولين عسكريين تايلانديين و دبلوماسيين غربيين دون ذكر أسمائهم، فورد فيه : 
قال مراقبون عسكريون أن الجنود التايلنديين  وقعوا في فخ نصب من قبل مثيري شغب ذي خبرة عسكرية، و قد سبب الرجال المسلحون المجهولون إصابات كبيرة في كلا الطرفين.
بعض الحالات التقطت من قبل الكاميرات بما فيها تلك التي تظهر قناصين يستهدفون آمرين عسكريين أرضيين، و يتجلى التخطيط المتقدم و المعرفة العميقة بتحركات الجيش . و بينما أنكر قادة التظاهرات استخدام اسلحة نارية قائلين أن كفاحهم غير عنيف ، بقي من غير الواضح ما اذا قام بعض المتطرفين في الحركة بنصب هذا الفخ.
و في اتصال مع قادة الاحتجاج قال دبلوماسي غربي: ( لا يمكنك الادعاء بأنك حركة سياسية مسالمة و بنفس الوقت تملك ترسانة من الأسلحة جاهزة عند الحاجة).
قرغيزستان 2010:
اندلع عنف عرقي في جمهورية قرغيزستان في آسية الوسطى  حزيران 2010. و ذكرت تقارير كثير أن قناصة مجهولين فتحوا النيران على أعداد من الأقلية الأوزبك في قرغيزستان. و ورد في موقع Eurasia الالكتروني: في الكثير من المناطق الأوزبكية قدم السكان شهادات مقنعة عن رجال مسلحين كانوا يستهدفون احياءهم من مواقع هامة. فمثلا ذكر بعض الرجال أنهم شاهدوا رجالا مسلحين في الطوابق العليا لنزل معهد طبي تطل على الشوارع الضيقة للمنطقة. و قيل أنه في أوج العنف كان هؤلاء الرجال المسلحون يشكلون غطاءا واقيا للمهاجمين و السالبين و يهاجمون مناطقهم بنيران القناصة. و روى الناس في أحياء اوزبكية أخرى قصصا مشابهة.
و من بين الشائعات و التقارير غير المؤكدة التي انتشرت في قرغيزستان بعد عنف 2010 تلك القائلة بأن مصادر المياه في المناطق الأوزبكية سوف تسمم. و شائعات كهذه انتشرت أيضا ضد حكومة شاوشيسكو في رومانيا خلال الانقلاب الذي دعمته ال CIA عام 1989. و يتابع موقع Eurasia فيقول:
كان الكثير من الناس واثقين من أنهم شاهدوا مرتزقة أجانب يعملون كقناصة.و هؤلاء القناصة الأجانب المزعومين كانوا مميزين بمظهرهم ، اذ تحدث السكان عن رؤية قناصة سود و قناصات شقراوات طويلات القامة من دول البلطيق. كما و شاعت فكرة أن قناصة انكليز كانوا يجوبون شوارع اوش مطلقين النيران على الأوزبيك.
و لكن لم يكن هناك أي تأييد لهذه المشاهدات من قبل صحفيين أجانب أو منظمات دولية، و أي من هذه التقارير لم يتم التحقيق فيها بشكل حر، لذا كان من المستحيل التوصل لنتائج قوية من هذه القصص.

 تونس 2011:
في السادس عشر من كانون الثاني 2011، ذكرت CNN بأن "عصابات مسلحة" كانت تقاتل قوات الأمن التونسية. و الكثير من الجرائم التي ارتكبت خلال الانتفاضة التونسية كانت على يد "قناصة مجهولين". و يوجد أيضا فيلم فيديو نشر على الانترنيت و يظهر اعتقال أشخاص سويديين  من قبل قوات الأمن التونسية.و كان من الواضح أن أولئك الرجال يحملون بنادق قناصة. و قد بثت محطة Russia Today هذه الصور الدراماتيكية.
و رغم المقالات التي كتبها البروفيسور ميشيل تشوسودوفسكي  و ويليام اينغداهل  و آخرون ، و التي تظهر كيف أن الانتفاضات في شمال إفريقيا كانت خاضعة لنماذج الانقلابات التي تدعمها أميركا أكثر من كونها ثورات شعبية حقيقية، استمرت أحزاب الجناح اليساري و المنظمات بتصديق شكل الأحداث الذي قدمته لهم الجزيرة و إعلام التيار الرئيسي . و لو أن اليسار أخذ أفكار اليسار من كتاب لينين القديم لكان فهم الأمر كما يلي:
ان مجريات الأحداث في ثورة كانون الثاني/شباط تظهر بوضوح بأن السفارات الأميركية و الفرنسية و البريطانية و عملاءها و المرتبطون بها  قاموا  بشكل مباشر، و بالتعاون مع مجموعة من الضباط و المسؤولين التونسيين، بتنظيم خطة لاسقاط بن علي. فالغرب لم يدرك  أنه من الضروي، في بعض الأوقات، أن تقوم الامبريالية بإسقاط عملائها.
و بشعاراتهم الثورية و اصرارهم المتعجرف على اعتبار الأحداث في تونس و مصر عفوية و انتفاضات شعبية، ارتكب اليساريون ما اسماه لينين أخطر آثام الثورة و هو إحلال المثاليات مكان الملموسات. و بكلمة أخرى و ببساطة انخدعت مجموعات الجناح اليساري بالكلام السفسطائي عن أحداث الربيع العربي المدعوم من قبل الغرب.
و لهذا السبب تم خلال الانتفاضة التونسية اغفال عنف المتظاهرين و الاستخدام الواسع لقناصة ربما يرتبطون باستخبارات غربية . و استخدمت  التقنيات ذاتها في ليبيا بعد عدة أسابيع، ما أرغم اليسار على التراجع و تعديل حماسه الأولي للربيع العربي المدعوم من الCIA
و عندما نتحدث عن اليسار هنا فإننا نشير إلى أحزاب الجناح اليساري الأصيلة ، أي تلك التي دعمت الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية الشعبية العظمى في كفاحها الطويل و الشجاع ضد الامبريالية الغربية، و لا نعني تلك البورجوازيات الصغيرة التافهة  المغفلة التي دعمت إرهابيي بنغازي المدعومين من الناتو. فالبلاهة  الصارخة لهذا الموقف أمر يجب أن يكون واضحا بجلاء  لكل انسان يفهم السياسات العالمية و الصراع الطبقي.
مصر,2011:
في العشرين من تشرين الأول 2011، نشرت صحيفة Telegraph مقالا بعنوان "مات أشقاؤنا لأجل مصر أفضل" . و ورد في الصحيفة ان مينا دانييل ، و هو ناشط معادي للحكومة في القاهرة، قد أصيب في صدره بجرح قاتل بسبب نيران قناصة مجهولين. 
و لكن و بشكل غير قابل للتفسير، لم تعد المقالة متوفرة على موقع الصحيفة على شبكة الانترنيت. غير أنك ان بحثت عبر موقع google  على (Egypt, unknown snipers, Telegraph) ستجد بوضوح التفسير لموت مينا دانييل. إذن، من عساهم يكونون أولئك القناصة المجهولين؟؟؟
في السادس من شباط ذكرت الجزيرة أن الصحفي المصري ، أحمد محمود، أصيب بنيران القناصة مع محاولاته تغطية الاشتباكات بين قوات الأمن المصرية و المتظاهرين. و إشارة إلى التصريح الذي أدلت به ايناس عبد العليم، زوجة محمود، عملت الجزيرة على دس معلومة أن محمود ربما قتل من قبل قوات الأمن المصرية فقالت:
(ذكرت عبد العليم أن العديد من شهود العيان أخبروها بأن نقيب بزي الشرطة يعمل لصالح قوات الأمن المركزي المصرية سيئة السمعة كان يصرخ في وجه زوجها لكي يتوقف عن التصوير، و قبل أن يقوم محمد بأية ردة فعل أطلق قناص النار عليه).
و بينما قامت الجزيرة على تعزير نظرية أن القناصين يعملون لصالح حكومة مبارك ، لايزال دور أولئك القناصين  في الانتفاضة لغزا.  و محطات تلفزيون  الجزيرة ، و مقرها قطر و المملوكة من قبل الأمير حمد بن خليفة الثاني، قد لعبت دورا أساسيا في إثارة الاحتجاجات في تونس و مصر قبل شن حملة بروبوغاندا كاملة من أجل دعم حرب الناتو و الكذب خلال تدمير ليبيا.
لقد كانت المحطة القطرية لاعبا أساسيا في الحرب السرية الخفية التي يشنها الناتو و عملاؤه ضد الجمهورية العربية السورية . و كذب  الجزيرة المستمر  ضد ليبيا و سورية أسفر عن استقالة  العديد من الصحفيين البارزين مثل مدير مكتب بيروت غسان بن جدو و المدير التنفيذي وضاح خنفر الذي اجبر على الاستقالة بعدما كشفت وثائق ويكيليكس  تعاونه مع وكالة الاستخبارات المركزية.
قتل الكثيرون خلال الثورة المصرية المدعومة من الولايات المتحدة. و رغم أن القتل قد نسب إلى عميل أميركا السابق حسني مبارك، فان تورط الاستخبارات الغربية أمر لا يمكن استثناؤه. و يجب الاشارة الى أن دور القناصة المجهولين في المظاهرات الجماهيرية لا يزال معقدا  و له عدة أوجه لذا يجب عدم القفز مباشرة الى الاستنتاجات.و يبقى السؤال من كان أولئك القناصة في مصر و أي هدف كانوا يخدمون؟؟؟
ليبيا،2011:
خلال عملية زعزعة استقرار ليبيا ،بثت الجزيرة شريط فيديو يهدف إلى عرض المتظاهرين السلميين(المؤيدين للديمقراطية) و هم يصابون بنيران (قوات القذافي). لقد تم  تعديل الفيديو لاقناع المشاهدين بأن متظاهرين معادين للقذافي قتلوا من قبل قوات الأمن. و لكن نسخة غير منقحة من الفيديو متوفرة على موقع Youtube  تظهر بوضوح أن المتظاهرين كانوا مؤيدين للقذافي يحملون الأعلام الخضراء و قد أصيبوا بنيران قناصة مجهولين. و القيام بنسب جرائم ارتكبها الناتو إلى قوات أمن الجماهيرية الليبية كان السمة المستمرة للحرب الإعلامية الوحشية التي شنت ضد الشعب الليبي.
سورية,2011:
 تعرض الشعب السوري لهجوم فرق الموت و القناصة منذ اندلاع العنف في آذار، و قتل المئات من الجنود و رجال الأمن السوريين و تعرضوا للتعذيب و التشويه من قبل مقاتلين من الأخوان المسلمين و السلفيين. و مع هذا استمرت مؤسسات وسائل الإعلام العالمية بنشر الكذبة المثيرة للشفقة القائلة بأن الموت سببه "دكتاتورية النظام السوري".
عندما زرت سوريه في نيسان هذا العام، قابلت شخصيا تجار و مواطنين في حماه أخبروني بأنهم رأوا إرهابيين مسلحين يجوبون الشوارع التي كانت يوما آمنة، و يروعون الأهالي. أذكر بائع فاكهة في مدينة حماه أخبرني عن الرعب الذي شهده في ذاك اليوم. و مع وصفه لمشاهد العنف، لفت انتباهي عنوان في صحيفة واشنطن بوست ظهر على التلفزيون السوري يقول: ( الCIA تدعم المعارضة السورية). فوكالة الاستخبارات المركزية تؤمن التدريب و التمويل لجماعات تعمل لصالح الامبريالية الأميركية، و تاريخ ال CIA  يظهر أن دعم قوات المعارضة يعني تزويدها بالسلاح و المال و نشاطات غير قانونية وفقا للقانون الدولي.
و بعد عدة أيام و حين كنت في نزل بمدينة حلب القديمة المثقفة، تحدثت إلى رجل أعمال سوري و أسرته، و يدير الرجل الكثير من الفنادق و هو مؤيد للرئيس الأسد. أخبرني بأنه اعتاد متابعة   تلفزيون الجزيرة و لكنه الآن يشك بمصداقيتها. و بينما كنا نتبادل أطراف الحديث كان تلفزيون الجزيرة يعرض مشاهدا قائلا أنها  لجنود سوريين يضربون و يعذبون متظاهرين. وأحيانا يكون من المستحيل التأكد فيما إذا كانت الصور المعروضة على التلفزيون حقيقية أم لا. فالكثير من الجرائم المنسوبة للجيش السوري ارتكبتها عصابات مسلحة، مثل رمي الجثث المشوهة في نهر بحماه، و الذي قدم للعالم على أن دليل إضافي على جرائم النظام السوري.
يوجد أقلية من المعارضين للنظام السوري الساذجين يصدقون  كل ما يسمعوه أو يروه على الجزيرة أو محطات أخرى مؤيدة للغرب. هؤلاء الناس ببساطة لا يفهمون تعقيدات السياسات الدولية. غير أن الحقائق على الأرض تظهر أن معظم الشعب في سورية يؤيد الحكومة. و المواقع الالكترونية و المحطات الفضائية متاحة للسوريين. و بإمكانهم متابعة ال بي بي سي  و ال سي ان ان و الجزيرة و قراءة نيويورك تايمز و لوموند على الانترنيت قبل الالتفات إلى وسائل إعلامهم المحلية، و في هذا  السياق، يعرف الكثير من السوريين عن السياسات الدولية أكثر مما يفعل الأميركيون أو الأوربيون لأن معظم الأخيرين يؤمن بوسائل إعلام بلدانهم، و القليل قادر على قراءة الصحف السورية في لغتها العربية الأصلية أو مشاهدة التلفزيون السوري. فالقوى الغربية هي المسيطرة على الحوار لامتلاكها وسائل الاتصال. و الربيع العربي كان أفظع مثال على الاستخدام الفاسق لهذه القوة.
و المعلومات المضللة فعالة في زرع بذور الشك بين من أغوتهم البروبوغندا الغربية. و قد دحضت وسائل الإعلام الحكومية السورية المئات من أكاذيب الجزيرة منذ بداية الصراع. و مع ذلك رفضت وسائل الإعلام الغربية عرض موقف الحكومة السورية خشية أن تثير  التغطية العادلة للجانب الآخر من القصة  القليل من التفكير النقدي في أذهان  الناس.
إن استخدام المرتزقة و فرق الموت و القناصة من قبل وكالات الاستخبار الغربية أمر تم توثيقه جيدا. و أية حكومة عاقلة تسعى للبقاء في السلطة لن تلجأ إلى استخدام قناصة مجهولين لإرهاب معارضيها.فإطلاق الرصاص على متظاهرين أبرياء  أمر ضار  مع وجود الضغط الكامل من الحكومات الغربية بغية تعيين حكومة تابعة لها في دمشق. و إطلاق النيران على متظاهرين غير مسلحين أمر مقبول فقط في الدكتاتوريات التي تتمتع بدعم الحكومات الغربية.
و حكومة تتمتع بدعم كبير من الشعب في سورية لن تدمر نفسها باستخدام قناصة ضد متظاهرين يشكلون أقلية صغيرة. ففي الواقع المعارضة للحكومة السورية قليلة، و الغاز المسيل للدموع و الاعتقالات الجماعية و الطرق الأخرى غير المميتة ستكون كافية تماما بالنسبة لحكومة تسعى للسيطرة على متظاهرين غير مسلحين.
استخدم القناصة لخلق الذعر و الخوف و لأجل بروبوغندا معادية للحكومة، فهم جزء مكمل لعملية تغيير النظام  التي يرعاها الغرب. و ربما ليس هناك دليل قاطع على أن القناصة الذين قتلوا رجالا و نساءا و أطفالا في سورية هم عملاء للامبريالية الغربية. و لكن يوجد دليل ساحق على أن الامبريالية الغربية تحاول تدمير الدولة السورية. و كما في ليبيا لم يتحدثوا و لو لمرة عن إمكانية التفاوض بين ما يسمى المعارضة و الحكومة السورية، فالغرب يريد تغيير حكومي و مستعد لإعادة مجزرة ليبيا لتحقيق هذا الهدف الجيوسياسي.و الآن يبدو أن مهد الحضارة و العلم تتعرض لهجوم من همجيين شبه أميين مع قيام الغرب بمعالجة أمراضه  في صحارى الشرق. 

جيارويد أو كولوماين- صحفي ايرلندي مقيم في باريس
ترجمة رنده القاسم
عن موقع Dissident Voice

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...