أزمة الاقتصاد العالمي بين قمة الثمانية وقمة العشرين وابتزاز واشنطن

26-06-2010

أزمة الاقتصاد العالمي بين قمة الثمانية وقمة العشرين وابتزاز واشنطن

الجمل: تحدثت التقارير والتحليلات الجارية عن الحدث الأبرز في مسيرة الاقتصاد السياسي العالمي, والذي تمثلفي الفعاليات الاقتصادية العالمية التي تجري وقائعها حاليا في كندا, ففي أونتاريو تدور فعاليات قمة الثمانية (G-8) وفي تورونتو تدور فعاليات قمة العشرين (G-20): فما هي حقيقة ما يجري, وما مدى مصداقية تحركات القوى الاقتصادية الدولية الكبرى في إخراج الاقتصاد العالمي من الأزمة وقيادته نحو بر الأمان, وما مدى تأثير هذه الفعاليات على اقتصاديات الشرق الأوسط؟

الاقتصاد السياسي العالمي: المعطيات الجارية
تشير التقارير والتحليلات الاقتصادية والسياسية الدولية إلى أن وقائع ومعطيات مسيرة الانزلاق والانحدار في الاقتصاد العالمي الحالي, يمكن رصدها وتتبع محطاتها الرئيسية على النحو المتسلسل الآتي:
• خلال الثلاثة أشهر الأخيرة من عام 2005م, والثلاثة أشهر الأولى من عام 2006م, حدث انخفاض مفاجئ في أسعار العقارات الأميركية, ومجموعة الثمانيةرصدت الإحصائيات ومؤشرات البورصات والأسواق المالية الأميركية والعالمية أن الانخفاض كان في حدود 3,3%.
• تسارع انخفاض أسعار العقارات الأميركية خلال بقية عام 2006م, وعام 2007م, بما أدى إلى أزمة سداد (المسار) في قطاع التأمينات العقارية, الأمر الذي أدى بدوره إلى قيام أكثر من 25 شركة ائتمانية بالإعلان عن إفلاسها, الأمر الذي انعكس سلبا في مؤشرات البورصات الأميركية, وفي بورصة وول ستريت (كبرى البورصات الأميركية) سجل مؤشر دواوجونز خسائر بلغت 416 نقطة في يوم 27 شباط (فبراير) 2007م, وهي أكبر خسارة تسجلها بورصة وول ستريت في يوم واحد منذ أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001م.
• بحلول يوم 2 نيسان (أبريل) 2007م, كشفت التقارير بأن شركة القرن الجديد المالية (NCFC) قد تقدمت بطلب للإعلان عن إفلاسها, وقد أدى ذلك إلى حدوث توتر في أسواق العقارات والتأمينات العقارية, لأن هذه الشركة بالذات تعتبر من بين الشركات الرئيسية الناشطة في أسواق العقارات الأميركية.
• في يوم 31 تموز (يوليو) 2007م, أعلنت شركة بيير شترينس (BS)  التي تعتبر واحدة من كبريات المنشآت المالية العقارية, بأن اثنين من صناديق محافظها الاستثمارية قد فقدا رأس المال, وتبعا لذلك فقد رأت الشركة تقديم طلب إعلان إفلاسها.
• بحلول مطلع آب (أغسطس) 2007م, بدأت ضغوط الأزمة العقارية المالية تنتقل إلى خارج الأسواق المالية الأميركية, وتحديدا إلى أسواق الاتحاد الأوروبي, حيث بدأت المنشآت العقارية المالية الأوروبية المرتبطة بالمنشآت العقارية المالية الأميركية في المعاناة, وعلى وجه الخصوص المنشآت الأوروبية التي كانت لها استثمارات مشتركة مع المنشآت الأميركية التي أعلنت إفلاسها, على النحو الذي جعل المنشآت الأوروبية تفقد أموالها المستثمرة في المنشآت الأميركية, إضافة إلى تكبد شركات التأمين الأوروبية خسائر فادحة, بسبب اضطرارها إلى سداد وتغطية قيمة التأمينات للكفالات التي التزمت بها للأطراف والمنشآت الأميركية, وفي هذا الخصوص أعلنت شركة بي إن بي (BNP) الفرنسية عن عدم قدرتها على معالجة مشكلة أصولها الاستثمارية في ثلاثة من محافظها الاستثمارية, وإضافة لذلك أعلنت بعض البنوك الأوروبية عن مواجهتها لبعض المشاكل والصعوبات الاستثمارية, الأمر الذي دفع البنك المركزي الأوروبي إلى السعي باتجاه مساعدة هذه البنوك, عن طريق تزويدها بقروض منخفضة الفوائد, بما يتيح لهذه البنوك الصمود والافلات من خطر الإفلاس والانهيار.
• خلال نفس شهر آب (أغسطس) 2007م, بدأت الأسواق الأوروبية والأميركية تعاني من أزمة شح السيولة, الأمر الذي دفع البنك المركزي الأميركية (بنك الاحتياط الفيدرالي-فيدرال ريسيرف) والبنك المركزي الأوروبي, والبنك المركزي الياباني, والبنك المركزي الاسترالي, والبنك المركزي الكندي إلى الإسراع بعملية ضخ المزيد من السيولة في الأسواق.
• بحلول يوم 13 أيلول (سبتمبر) 2007م, برزت أولى أعراض الأزمة في بريطانيا, عندما قدم بنك نورثرن روك, طلب الحصول على قرض إسعافي طارئ من البنك المركزي البريطاني, وذلك, من أجل تغطية الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها مع الأميركيين.
• بحلول يوم 18 أيلول (سبتمبر) 2007م, بدأ البنك المركزي الأميركي سلسلة معالجة معدلات أسعار الفائدة على الأموال الفيدرالية لتهبط من 5,25% إلى 4,75% وتوالت التنزيلات, حتى وصلت بحلول تشرين الثاني (نوفمبر) 2008م, إلى 1% وفي كانون الأول (ديسمبر) 2008 أي بعد شهر واحد, وصلت التنزيلات إلى مستوى انحصر بين صفر إلى 25%.
• تواصل الانحدار في مؤشر بورصة داوجونز (بورصة وولستريت) بحيث حدث هبوط مستمر من 14164 ليصل في شباط (فبراير) 2009م إلى حوالي 6500 نقطة.
هذا, على خلفية التدهور المستمر, وعدم إفلاح المعالجات فقد تمكنت الأزمة من الاقتصاد الأميركي, وانتقلت ضغوطها إلى الاقتصاديات العالمية الكبرى المرتبطة بالاقتصاد الأميركي: اقتصاديات الاتحاد الأوروبي – الاقتصاديات الآسيوية – اقتصاديات الخليج العربي, وبدرجة أقل الاقتصاد الروسي والاقتصاد الصيني.

مجموعة الثمانية ومجموعة العشرين: سيناريوهات كندا إلى أين؟
تتكون مجموعة الثمانية من (أميركا – روسيا – بريطانيا – فرنسا – ألمانيا – اليابان – كندا – إيطاليا), وتمثل هذه المجموعة الدول الاقتصادية الكبرى ذات التوجهات السياسية الديمقراطية الليبرالية, أما مجموعة العشرين فتتكون من (أميركا – بريطانيا – روسيا – تركيا – إيطاليا – فرنسا – كوريا الجنوبية – المكسيك – الهند – إندونيسيا – الصين – كندا – البرازيل – أستراليا – الأرجنتين – اليابان – جنوب أفريقيا – ألمانيا – إضافة إلى الاتحاد الأوروبي الذي يتم تمثيله بواسطة مندوب المفوضية الأوروبية, ومندوب المجلس الأوروبي).
هذا, ويكمن الفرق بين مجموعة الثمانية (G-8) ومجموعة العشرين (G-20) في أن مجموعة الثمانية هي حصر لأكبر ثماني قوى اقتصادية ذات توجهات ديمقراطية ليبرالية, أما دول مجموعة العشرين فهي لأكبر 20 قوة اقتصادية عالمية بغض النظر عن التوجهات السياسية, لذلك نجد أن الصين والسعودية, ضمن مجموعة العشرين, برغم أنهما مؤهلتان لنيل عضوية مجموعة الثمانية.
تقول المعلومات والتقارير بأن الصراع الذي سوف يحدث بين مجموعة الثمانية ومجموعة العشرين, سوف يكون بسبب توجهات الولايات المتحدة الأميركية والرامية إلى:
• التفاهم مع دول مجموعة الثمانية, على أجندة جدول أعمال موحد, ثم إلزام أعضاء مجموعة الثمانية إلى العمل لفرض هذه التوجهات داخل مجموعة العشرين.
• العديد من دول مجموعة العشرين, ترى بأن المرجعية الأساسية يجب أن تكون لمجموعة العشرين, وليس لمجموعة الثمانية.
أما عن تفاصيل الصراع والخلافات الجارية فهي تتمثل في الآتي:
• سعي واشنطن لإلزام مجموعة العشرين باعتماد الآتي:
- توظيف وضبط المساعدات والمعونات الاقتصادية والتعاون في مجالات التنمية بما يتماشى مع التوجهات الأميركية إزاء بقية دول العالم, وبكلمات أخرى, فإن دول العالم التي تستهدفها واشنطن, يجب على أعضاء مجموعة الثمانية الامتناع عن تعزيز علاقات التعاون والتنمية الاقتصادية معها.
- أن تلتزم دول مجموعة الثمانية بضرورة توسيع وزيادة الانفاق في ميزانياتها المالية باستثناء أميركا, والتي يجب احترام موقفها الخاص, بتقليص النفقات في ميزانياتها.
- أن تلتزم دول مجموعة الثمانية بالتدخل لجهة تغطية خسائر مؤسساتها المالية التي تعاني من الانهيار والإعسار, باستثناء أميركا, والتي اعتمدت موقف الحد من دعم الشركات الخاسرة الأميركية.
- إلزام دول مجموعة الثمانية بتخفيض أسعار الفائدة, ضمن مستوى يقل عن مستوى أسعار الفائدة في الأسواق الأميركية, إضافة إلى عدم فرض أي قيود حمائية تمتع حركة الاستثمارات الداخلية والخارجية (هذا معناه أن تتحول الاستثمارات إلى أميركا طالما أن أسعار الفائدة فيها هي الأعلى).
- إلزام دول مجموعة الثمانية بالضغط على الصين لكي تقوم برفع قيمة عملتها (اليوان) ضمن سعر صرف أعلى مقابل الدولار, (وهذا معناه أن تقل الصادرات الصينية إلى أميركا, وترتفع الصادرات الأميركية إلى الصين).
- إلزام دول مجموعة الثمانية بتقليل نسبة الكربون المنبعث, باستثناء أميركا, طالما أنها سوف تلتزم بتقديم المساعدات للدول الراغبة في تقليل مستوى الانبعاث الكربوني.
- إلزام دول مجموعة الثمانية بالحد من مستوى الانفاق العسكري, وتوجيه المال باتجاه الاستهلاك والصرف على البنود الأخرى, باستثناء أميركا, والتي سوف تحتفظ بحقها في معالجة بنود ميزانية الدفاع بواسطة الأجهزة الأميركية المعنية بالأمر.
تقول التسريبات والمعلومات, بان الموقف الأميركي داخل مجموعة دول الثمانية يجد تأييد ومساندة فرنسا وبريطانيا وإيطاليا, ولكنه في نفس الوقت يجد معارضة روسيا وإضافة إلى تحفظات اليابان, وبريطانيا التي لأول مرة أكدت حكومتها المحافظة الجديدة على ضرورة الالتزام بمبدأ الحد من النفقات طالما أن الاقتصاد البريطاني يعاني مثله مثل الاقتصاد الأميركي من ضغوط وخسائر الأزمة.
من الواضح أن الخلافات سوف تنتقل إلى مجموعة العشرين, لأن العديد من أعضاء هذه المجموعة أصبحوا أكثر رفضا لمساعي واشنطن الرامية ليس إلى فرض النفوذ على الاقتصاد العالمي وحسب وإنما إلى جملة من البنود الجديدة, والتي من أبرزها:
• توظيف الاقتصاد السياسي العالمي في الضغط على خصوم أميركا.
• إرغام الدول الأخرى على اتباع توجهات اقتصادية تحقق الخسائر لاقتصادياتها وفي نفس الوقت تحقق الفوائد والمرابح الكبيرة للاقتصاد الأميركي.
تقول المعلومات والتسريبات, بأن واشنطن تقوم الآن في كندا بتنفيذ واحدة من أكبر عمليات الابتزاز الاقتصادي السياسي في تاريخ الاقتصاد العالمي, فهي تسعى إلى ابتزاز دول مجموعة الثمانية, ثم تسعى بعد ذلك لاستخدام دول مجموعة الثمانية من أجل ابتزاز دول مجموعة العشرين, بما يتيح لأميركا في نهاية الأمر فرض واقع جديد في الاقتصاد السياسي العالمي, بما يرغم الدول الأخرى على تحمل نفقات وأعباء ليس الأزمة الاقتصادية الأميركية الحالية وحسب, وإنما الأزمات الاقتصادية الأميركية القادمة.
هذا, وتشير التسريبات إلى أن توجهات أميركا سوف تصطدم داخل مجموعة العشرين بمواقف كل من: تركيا – البرازيل – الصين – الهند – المكسيك – جنوب أفريقيا – كوريا, والتي ترى بضرورة عدم إلزام مجموعة العشرين بتوجهات مجموعة الثمانية, وإنما بضرورة إلزام مجموعة الثمانية بتوجهات مجموعة العشرين.
تقول بعض التسريبات, بأن أميركا تخطط لضم بعض حلفاءها المخلصين إلى عضوية مجموعة العشرين, وحلفاء واشنطن المرشحين للانضمام هم: مصر والفلبين وربما إثيوبيا التي من بين أكثر دول العالم فقرا.
وإضافة لذلك أشارت التسريبات إلى أن واشنطن أبدت المزيد من القلق إزاء تصاعد الرفض التركي لتوجهاتها الاقتصادية, وفي هذا الخصوص علق أحد المسئولين الأميركيين قائلا بأن أنقرا تمثل الحليف الرئيسي لأميركا, وعلى أنقرا أن تثبت مصداقية ذلك من خلال اعتماد المواقف الداعمة لأميركا في الفعاليات الدولية والإقليمية!!!

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...