خارطة دبلوماسية دمشق والخروج من عنق الزجاجة

24-09-2008

خارطة دبلوماسية دمشق والخروج من عنق الزجاجة

الجمل: ينطوي النظام الدولي المعاصر على نمطين من العلاقات بين الكيانات الموجودة في هذا النظام وتتمثل هذه العلاقات إما في علاقات التعاون المؤدية إلى تكامل أو علاقات الصراع المؤدية إلى الحروب، هذا وتشير خبرة معطيات الوقائع الجارية أن سوريا قد انخرطت بحكم موقعها بعمق في علاقات التعاون والصراع على النحو الذي أكسبها وزناً جيو-سياسياً مؤثراً، في كافة المعادلات الإقليمية والدولية، وعلى وجه الخصوص تلك المعادلات المتعلقة بقضايا أمن الشرق الأوسط وعلاقات عبر المتوسط.
* دبلوماسية دمشق: تغيير قواعد اللعبة:
برغم استمرار "غلواء" واشنطن في النظر إلى دمشق باعتبارها تنتمي إلى محور الشر بمعناه الريغاني، والذي أخذ مؤخراً معنى الريغانية الجديدة الذي أسس له اليهودي الأمريكي إبليوت إبراهام نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي الحالي وروبرت كاغان زعيم جماعة المحافظين الجدد، فإن هذه الغلواء لم يعد كافياً لإقناع الدول الأوروبية وحتى إسرائيل نفسها تنازلت عنه وبدأت تحاول التفاهم مع سوريا من وراء الحجاب التركي، مخافة إحراج واشنطن.
صممت واشنطن مخطط عزل سوريا دبلوماسياً وبنت مخططاتها على أساس اعتبارات أن إبعاد القاهرة – الرياض – عمان – بيروت – رام الله، سيترتب عليه بالضرورة عزل دمشق عن سياقها الإقليمي وبعد ذلك تصبح هدفاً معزولاً عن محيطه على النحو الذي يسهل لواشنطن القيام بابتزازه أو القضاء عليه.
لم تنتبه واشنطن إلى حقائق التاريخ والجغرافيا ومدى قدرة دمشق على التفاعل بمرونة وحيوية مع أوضاع المسح الدولي والإقليمي وذلك على النحو الذي ترتب عليه المزيد من التأكيد على استحالة عزل سوريا فقد استطاعت دبلوماسية دمشق أن تخرج من معركة دبلوماسية واشنطن وهي أكثر قوة وانفتاحاً على العالم إضافة إلى انه استطاعت إلحاق المزيد من الخسائر الفادحة بالدبلوماسية الأمريكية ومن المعالم والشواهد المؤكدة على ذلك نجد:
• تمرد إسرائيل على واشنطن وذلك عندما وجدت إسرائيل نفسها مضطرة للذهاب إلى اسطنبول للتفاهم وإجراء المحادثات مع سوريا متجاوزة بذلك المحاذير والقيود التي وضعتها أمريكا كشرط مسبق للحوار مع سوريا.
• تمرد زعماء الكونغرس الأمريكي على القبول بالترتيبات الدبلوماسية المحددة بواسطة الإدارة الأمريكية وقيام هؤلاء الزعماء إضافةً إلى بعض الشخصيات السياسية المرموقة في الكونغرس بالقدوم إلى دمشق.
• تمرد باريس على دبلوماسية عبر الأطلنطي التي نسجت خيوطها واشنطن لجهة منع الأوروبيين من التواصل مع سوريا، وبفعل تأثير دبلوماسية دمشق جاء الرئيس الفرنسي طالباً من دمشق المساعدة والتعاون في حل أزمات المنطقة ودعم علاقات عبر المتوسط.
• إضعاف تأثير الدبلوماسية الأمريكية في المنطقة وذلك لأن عدم سعي واشنطن للتفاهم والتعاون مع دمشق أدى إلى عزل واشنطن نفسها إضافةً إلى إضعاف وعزل حلفائها.
• تمرد أنقرة على واشنطن وتل أبيب لأن جهود دبلوماسية سوريا التي أسست لقيام محور دمشق - أنقرة قد أقنعت أنقرة بمدى جدوى إدماج نفسها في بيئتها الإقليمية بدلاً من البحث عن الحلول في أروقة محور واشنطن – تل أبيب التي لم تعد تجدي نفعاً.
الاختراق الذي استطاعت دبلوماسية دمشق تحقيقه أدى ليس إلى فتح المزيد من الآفاق الجيو-سياسية الجديدة أمام سوريا، وإنما شكل عاملاً للضغط على واشنطن على نحو أصبح فيه البيت الأبيض الأمريكي أمام خيارين لا ثالث لهما: إما السعي من أجل التعاون مع دمشق أو الاستمرار في الغلواء ومواجهة الخسارة.
* خارطة طريق دبلوماسية دمشق: إعادة صياغة التوازن:
لم تعد نظرية توازن القوى تطبيقاً حصرياً على المجال العسكري وإنما أصبحت إسقاطات تطبيقاتها تشمل المجال الدبلوماسي – الأمني، وبهذا الخصوص تشير التطورات التي شهدتها خارطة توازن القوى الدبلوماسي – الأمني في المنطقة خلال الأعوام القليلة الماضية:
• وضع التوازن الأول: تخفيض واشنطن لعلاقات الدبلوماسية بما وصل إلى ما يشبه القطيعة وتزايد التصريحات العدائية الأمريكية ضد سوريا.,
• وضع التوازن الثاني: بعد اغتيال الحريري تحركت واشنطن بالتحالف مع باريس بما أدى إلى صدور القرارات الدولية المعادية لسوريا، إضافةً إلى خروج القوات السورية من لبنان والذي ترتب عليه نشوء فراغ أمني – عسكري – سياسي أدى إلى انفتاح المسرح اللبناني باتجاه المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار وانفراد تل أبيب لجهة التأثير على الساحة اللبنانية مستخدمة عملائها من جهة ومن الجهة الأخرى عملاء وحلفاء أمريكا في لبنان والمنطقة.
• وضع التوازن الثالث: نجاح محور واشنطن – تل أبيب في إقامة تحالف المعتدلين العرب لجهة دفع المعتدلين لمساعدة إسرائيل في إنجاز أهدافها بالوسائل السياسية والدبلوماسية بعد أن فشلت الوسائل العسكرية بسبب هزيمة القوات الإسرائيلية في لبنان صيف 2006م.
• وضع التوازن الرابع: ظهور معسكرين في الساحة العربية أحدهما بقيادة المعتدلين العرب المرتبطين بالتحالف المعلن مع خط واشنطن – باريس وغير المعلن مع واشنطن – تل أبيب، والثاني بقيادة سوريا إضافةً إلى بعض الدول العربية الثانوية التأثير في أزمة شرق المتوسط مثل السودان والجزائر واليمن.
• وضع التوازن الخامس: صعود معسكر دمشق وهبوط معسكر المعتدلين العرب بسبب تأثيرات قوة دمشق الناعمة على الرأي العام العربي ونشوء تفاهم خط دمشق – أنقرة الذي أدى إلى توسيع معسكر دمشق وتمدده باتجاه مناطق الشرق الأدنى.
• وضع التوازن السادس: دخول معسكر المعتدلين العرب مرحلة الأزمة الزاحفة وظهور الأعراض الأولى لبداية تفكك المعتدلين العرب، وذلك بسبب العديد من الانتكاسات والتي يأتي في مقدمتها:
- فشل المعتدلين العرب في السيطرة على الساحة اللبنانية.
- فشل المعتدلين العرب في خيط المقاومة الفلسطينية.
- خروج حزب العدالة والتنمية التركي منتصراً من قضية المحكمة الدستورية.
- تداعيات الحرب الروسية – الجورجية على المنطقة.
إزاء التغييرات والتبدلات السريعة المضطردة في صيغ توازن القوى في المنطقة إضافةً إلى فشل ملفات نظرية المؤامرة في استهداف دمشق وعلى وجه الخصوص ملف المحكمة الدولية وملف البرنامج النووي المزعوم فقد بدأت صيغة جديدة لتوازن القوى تأخذ مكانها في المسرح الدبلوماسي – الأمني الخاص بمجال منطقة الشرقين الأوسط والأدنى.
وعند تحليل الوقائع الجارية في المسرح الدبلوماسي – الأمني الخاص بالشرقين الأدنى والأوسط ويمكن التكهن بحدوث الآتي:
• لجوء إدارة بوش إعادة ترتيب أولوياتها في المنطقة وعلى وجه الخصوص البنود والأجندة المتعلقة بدبلوماسية سوريا.
• لجوء إدارة بوش إلى محاولة بناء تفاهم جديد بين حكومة تسيبي ليفني وبقايا تجمع المعتدلين العرب وعلى وجه الخصوص القاهرة – عمان – الرياض.
• احتمالات انهيار السلطة الفلسطينية ككيان مؤسسي فلسطيني جامع وذلك بسبب:
- معارضة الرأي العام الفلسطيني لتوجهات السلطة.
- تزايد قوة ونفوذ حماس في الضفة الغربية والأردن.
- فشل مخطط استخدام القاهرة كبروكسي في القيام بالسيطرة نيابة عن إسرائيل على قطاع غزة بسبب رفض حماس للخطة المصرية – السعودية وفشل صفقة إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جيلعاد شاليت.
• احتمالات تغيير زعماء قوى 14 آذار لتوجهاتهم الموالية لأمريكا وإسرائيل بسبب:
- ضعف السند والتأييد الشعبي اللبناني لهم.
- تخلي محور واشنطن – تل أبيب عنهم.
• تزايد الروابط على خط دمشق – أنقرة.
برغم ذلك، فهناك مؤشرات تفيد لجهة محاولة تل أبيب – واشنطن إعادة ترتيب أوراقهما تمهيداً لحملة دبلوماسية جديدة تسعى لـ"ترميم وترتيق" المخطط السابق وهذه المرة عن طريق استخدام القوة في التعامل مع حماس وحزب الله إضافة إلى محاولة إبعاد أنقرة عن دمشق والعمل على ربطها مع المعتدلين العرب بدلاً من سوريا.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...