حمد يهدد دمشق ويقود جامعة الدول العربية لتنفيذ العقوبات عليها

28-11-2011

حمد يهدد دمشق ويقود جامعة الدول العربية لتنفيذ العقوبات عليها

في خطوة هي الأولى من نوعها في تاريخ الجامعة العربية، أقر وزراء الخارجية العرب بالغالبية، أمس، فرض عقوبات اقتصادية على سوريا، نأى لبنان بنفسه عنها وتحفظ العراق عليها، وثارت الشكوك حول فرص تنفيذها وما اذا كانت ورقة ضغط إضافية على النظام السوري ام ورقة مساومة جديدة معه، بينما حذر رئيس الحكومة وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني دمشق من انه «إذا لم تتمكن الدول العربية من حل الأزمة فقد تتدخل قوى أجنبية أخرى».
وانتقد وزير الاقتصاد السوري محمد نضال الشعار قرار العقوبات العربية على سوريا، واصفاً إياه «بالمحزن»، مشيراً إلى أن هذه العقوبات ستؤذي كل مواطن عربي يتعامل مع سوريا، إضافة إلى المواطن السوري. وانتقد الشعار، في تصريح  حديث الشيخ حمد عن أن العقوبات «موجهة للنظام»، معتبراً أنها تنطوي على «تضليل وإخفاء حقائق». وأوضح أن «قطع العلاقات مع المصرف المركزي سيضر بالمواطن، لأن المصارف المركزية في كل العالم هي وكلاء للمواطنين وليس للأنظمة، وهذا هو الحال في سوريا»، معتبراً أن القرار «سياسي، وسابقة خطيرة» ستلقي بتبعاتها على المواطن في النهاية. داود أوغلو خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة أمس (أ ب أ)
واعتبر الشعار أن السلبيات ستكون متبادلة مع الدول العربية التي لديها نمط متشابه من الاستهلاك، سيتفكك بسبب القرار المذكور. وأكد أنه لا بديل لسوريا «سوى تقوية الداخل، خصوصا أن لدى سوريا اكتفاءً ذاتياً غير موجود في أي بلد عربي».
وكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم، الذي يعقد مؤتمراً صحافياً اليوم، اعتبر، أول أمس، أن قرار الجامعة العربية الذي صدر الخميس الماضي وطلب من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون اتخاذ الإجراءات اللازمة لدعم جهود الجامعة العربية في تسوية الوضع المتأزم في سوريا ليس سوى «موافقة ضمنية على تدويل» وضعها و«تدخل في شؤونها الداخلية».
وأقر وزراء الخارجية العرب توصيات وزراء الاقتصاد بفرض حزمة من العقوبات الاقتصادية ضد سوريا. وتتضمن العقوبات «منع سفر كبار الشخصيات
والمسؤولين السوريين إلى الدول العربية وتجميد أرصدتهم في الدول العربية». (نص القرار صفحة 13).
حمد والعربي
ووصف الشيخ حمد، في مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي بعد إقرار الوزراء العرب للعقوبات خلال اجتماع في فندق «فيرمونت» في القاهرة، «يوم صدور قرار هذه العقوبات الاقتصادية ضد الحكومة السورية بأنه يوم حزين ومؤسف»، معرباً عن أمله «في أن يسارع الجانب السوري إلى الموافقة على وثيقة بروتوكول بعثة الجامعة العربية إلى سوريا، والعمل على وقف القتل وسفك الدماء وإطلاق سراح المعتقلين وسحب المظاهر العسكرية من المدن والقرى، والبدء في حوار وطني شامل بين الحكومة السورية والمعارضة، ووضع حد للممارسات القمعية ضد المحتجين».
وقال إن «سوريا دولة مهمة ومحورية في المنطقة، وهناك حرص عربي على أن يتم حل الأزمة السورية في إطار البيت العربي لدرء أي تدخل أجنبي»، لكنه حذر في الوقت ذاته «من أن هذا التدخل قد يكون البديل المتاح في حالة عدم تجاوب القيادة السورية مع خطة العمل العربية».
ورداً على سؤال حول اتهام وزير الخارجية السوري وليد المعلم، أول امس، الجامعة العربية بتدويل الازمة، قال الشيخ حمد «كل ما قمنا به هو لتفادي عمل عسكري او اي تدخل اجنبي»، مضيفاً «اذا لم نتصرف بجدية فأنا لا استطيع ان اضمن انه لن يكون هناك تدخل اجنبي».
وأوضح انه «كان هناك حرص شديد خلال الاجتماع على تجنيب الشعب السوري لأي تداعيات سلبية من جراء هذه العقوبات التي سيبدأ تنفيذها على الفور»، معرباً عن أمله في «ألا تنعكس هذه العقوبات سواء بشكل مباشر أو غير مباشر على الشعب السوري، وألا يتم الوصول إلى هذه المرحلة بل الانتقال إلى مرحلة مغايرة وفق المبادرة العربية».
وأشار الشيخ حمد إلى «أن القرار راعى ما يمكن أن ينتج عن هذه العقوبات على اقتصاديات دول الجوار، وقرر النظر في تقديم بعض الاستثناءات من هذه العقوبات لهذه الدول»، موضحاً أن «تحفظ العراق يعود إلى طلبه تحديد آلية لتطبيق هذه العقوبات، بما لا ينعكس سلباً سواء على اقتصاده الوطني أو على أبناء الجالية العراقية الكبيرة العدد الموجودة في سوريا».
وأعلن أن «اللجنة الوزارية العربية المعنية بالأزمة السورية ستجتمع في الدوحة السبت المقبل للنظر فيما ستتوصل إليه اللجنة الفنية التنفيذية المشكلة من كبار المسؤولين والخبراء برئاسة دولة قطر، والتي تتركز مهمتها في النظر في الاستثناءات المتعلقة بالأمور الإنسانية التي تؤثر بشكل مباشر على الشعب السوري، وكذلك المتعلقة بالدول العربية المجاورة» لسوريا.
وأوضح أن تركيا، التي شارك وزير خارجيتها احمد داود اوغلو في اجتماعات اللجنة الوزارية الخاصة بسوريا، «أكدت التزامها بتنفيذ الحد الأدنى من العقوبات التي أقرها المجلس الوزاري العربي»، مشيراً إلى أن «هناك توافقاً على بناء شراكة عربية تركية في التعامل مع الأزمة السورية، بحيث لا تتصرف أنقرة بشكل منفرد».
وعما يمكن عمله في حالة مضي النظام السوري في سياسته الحالية، قال الشيخ حمد «إلى الآن نحن نحاول معالجة الموضوع عربياً، ولكن السؤال هل ستكون هناك نتيجة لذلك أم لا». وأضاف «إن المؤشرات غير إيجابية، وسنستمر عربياً في مناقشة السبل الكفيلة بوقف العنف والقتل والعقوبات لا تزال اقتصادية، ولكن إذا لم يكن هناك تحرك سوري، فإننا كبشر علينا جميعاً مسؤولية تجاه وقف القتل»، محذراً من «أن الوقت ليس في صالحنا».
وأكد أن «الدول التي صوتت بنعم على العقوبات، وهي 19 دولة ستنفذ العقوبات فوراً، ومنذ اليوم (أمس) فهذه مسؤولية أخلاقية، ومن لم يرد التنفيذ كان عليه أن يصوت بالرفض خلال الاجتماع». وأوضح ان «العراق تحفظ على القرار» ولن ينفذه، في حين ان «لبنان نأى بنفسه» عن القرار. وهذه هي المرة الاولى التي تفرض فيها الجامعة العربية عقوبات اقتصادية ضد دولة عضو فيها.
وحول إمكان فتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإغاثية للسوريين اذا ما قام النظام بمنع السلع الاستراتيجية من الوصول الى المدن، قال الشيخ حمد «نأمل ألا نصل إلى هذه المرحلة، ونتطلع إلى تعاون حقيقي مع الحكومة السورية لإنهاء الأزمة في أسرع وقت ممكن».
ورداً على سؤال لماذا لم يتم التعامل مع الأزمة في البحرين على غرار ما يجري الآن مع سوريا، قال حمد «إن عدد ضحايا الأحداث في البحرين لم يتجاوز 3 أو 4 قتلى، وقد طلب ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة تشكيل لجنة للتحقيق في الأحداث، ووعد بمحاكمة المتورطين، وتجاوب مع كافة المطالب، والوضع ليس هكذا في سوريا».
من جهته، أكد العربي أن «هدف العقوبات التي تم إقرارها هو الضغط على الحكومة السورية لوقف نزف الدماء، والإسراع بإجراء الإصلاحات المطلوبة»، مجدداً دعوته للحكومة السورية «للإسراع بالتوقيع على بروتوكول بعثة المراقبين، خاصة أنها أعلنت قبولها مبدئياً قبل ذلك، وحددت مسؤولاً معيناً للتوقيع، هو نائب وزير الخارجية فيصل المقداد، لكنها تراجعت عن ذلك».
وشدد العربي على «ضرورة أن يتم تطبيق هذه العقوبات في إطار الحل العربي درءاً لأي تدخل خارجي أو أجنبي، وأن تراعي مصالح الشعب السوري». وقال «إذا قبلت دمشق التوقيع على وثيقة بروتوكول بعثة المراقبين فإنه سيتم عرض الأمر على اجتماع للوزاري العربي للنظر في الموضوع»، مؤكداً أن «الهم الأكبر للجامعة العربية يتمثل في كيفية تجنيب الشعب السوري أي متاعب أو أضرار يمكن أن يتعرض لها نتيجة تطبيق العقوبات».
وكان مصدر عربي مسؤول قال لوكالة أنباء الشرق الأوسط إن أعمال اجتماع اللجنة الوزارية العربية المعنية بسوريا شهدت خلافات بشأن العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية المقرر توقيعها على سوريا والتي أوصى بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي أمس الأول، بمشاركة نائب رئيس الحكومة التركية للشؤون الاقتصادية علي باباجان.
وقال المصدر «إن دولتين على الأقل من بين الدول الأعضاء في اللجنة حذرتا من التعجل في إقرار هذه العقوبات نظراً لأن تأثيرها السلبي سيكون كارثياً على الشعب قبل النظام في سوريا». وأوضح أن «الدول المؤيدة للعقوبات، والتي تقودها قطر، ترى ضرورة تطبيقها ولو تدريجاً، مع البحث عن وسائل وآليات تخفف من وقعها على الشعب السوري».
وقالت مصادر عربية «انضم إلى اجتماع الجنة الوزارية العربية المعنية بسوريا ممثلو الدول المجاورة لسوريا غير الأعضاء في اللجنة، وهي الأردن والعراق ولبنان ودولة الإمارات». وأوضحت أن «اللجنة طلبت مشاركة هذه الدول لسماع وجهة نظرها، وتقييمها لجدوى تطبيق العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية التي أوصى بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي في اجتماعه أول أمس، والتداعيات السلبية للعقوبات على هذه الدول حتى يمكن اتخاذ القرار المناسب لضمان عدم عرقلته في الاجتماع الوزاري العربي».
وكان سفير الجزائر في مصر وممثلها لدى الجامعة العربية عبد القادر حجار أعلن أن بلاده «ليست متسرعة في اتخاذ أي عقوبات ضد سوريا». وقال «نرجو أن تعجل سوريا بالموافقة على قبول بروتوكول الجامعة العربية الخاص بإرسال مراقبين من الجامعة إلى دمشق حتى تتفادى ما سينجم عن مواصلة تجاهلها لهذه المسألة».
وكان وزير الخارجية الأردني ناصر جودة شدد، أول أمس، أن بلاده تؤيد العقوبات، لكنه شدد على ضرورة أن تكون قرارات الجامعة العربية «منسجمة مع مصالح كل دولة»، مشدداً على أن للأردن «مصالح معروفة وواردات تأتي براً من خلال سوريا».
وأكد الوزير الأردني أهمية الروابط التجارية بين الأردن وسوريا اللذين يشتركان في حدود واحدة. وقال «لنا مصالح معروفة. واردات تأتي عبر البر خلال سوريا وأمور متعلقة بشأن المياه وكذلك طلاب موجودون هناك. نحن مع الإجماع. بعض وسائل الإعلام ذكرت أنه يوجد تحفظ ما. كان هناك تحفظ أردني وسائرون مع القرارات العربية التي تؤخذ من خلال إطار المجلس الوزاري، ولكن سجلت ملاحظة الأردن أن تكون هذه القرارات منسجمة مع المصالح للدول المعنية وخاصة الدول المتاخمة لسوريا».
وقال داود أوغلو إن بلاده ستدعم مجموعة العقوبات التي فرضتها الجامعة العربية على سوريا. ونقلت وكالة «الاناضول» عنه قوله، على هامش اجتماع القاهرة الذي دعيت اليه تركيا، ان «تركيا تدعم القرارات والاجراءات التي اتخذتها الجامعة العربية ضد سوريا». وأضاف «لا احد يمكن ان يتوقع ان تبقى تركيا والجامعة العربية صامتتين على قتل المدنيين وعلى قمع النظام السوري المتزايد للأبرياء».
الا ان الوزير اكد على ضرورة معالجة الازمة في سوريا بطريقة لا تقود الى تدخل خارجي. وأضاف «آمل في ان تفهم الادارة السورية رسالتنا، عندها ستحل مشكلتنا داخل العائلة»، مشدداً على ان دول المنطقة لا تريد تكرار احداث العراق وليبيا.
وأشاد وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، في بيان، بقرار الجامعة العربية، ودعا الامم المتحدة الى دعمه. وقال «نرحب بمساعي الجامعة العربية لإنهاء العنف الفظيع في سوريا». وأضاف «ان قرار اليوم غير المسبوق لفرض عقوبات يظهر أن فشل النظام (السوري) المتكرر في الوفاء بوعوده لن يتم تجاهله وأن من يرتكبون هذه التجاوزات الفظيعة سيحاسبون».
وتعهد هيغ بـ«دعم جهود الجامعة العربية في إعادة السلام الى سوريا» وحذر الامم المتحدة من انها «لا يمكن ان تظل صامتة على الوحشية المستمرة. ولهذا نرحب بالتزام الجامعة العربية في الحوار مع الامين العام للامم المتحدة في اقرب فرصة للحصول على دعم الامم المتدة لمعالجة الوضع في سوريا». وتابع «سنواصل الحفاظ على تركيز المجتمع الدولي على سوريا حتى وقف سفك الدماء».
من جهتها، قالت «لجان التنسيق المحلية»، في بيان، «ان اللجان، وهي ترحب بكل جهد عربي للضغط على النظام من اجل وقف جرائمه بحق الشعب السوري المطالب بحريته، تلفت نظر اللجنة الوزارية العربية المكلفة بحث الازمة في سوريا الى أن أي عقوبات اقتصادية لن تكون ذات تأثير جدي على النظام ما لم تكن آليات مراقبة تنفيذ هذه العقوبات صارمة ولا يمكن الالتفاف عليها». وأضافت «إن حكومة العراق، وهي الدولة التي تستأثر بثلث حجم المبادلات التجارية العربية مع سوريا تحفظت على العقوبات، وكذلك لبنان، وهو ما يترك المجال واسعاً أمام النظام للاحتيال على هذه العقوبات وتفريغها من مضمونها».
ميدانيات
وذكرت وكالة الأنباء السورية (سانا) «تجمع الآلاف من أهالي منطقة الدرباسية وريفها بمحافظة الحسكة وفي دمشق وطرطوس دعماً للقرار الوطني الحر ورفضاً لقرارات الجامعة العربية بحق سوريا ومحاولات التدخل الخارجي في الشؤون السورية الداخلية».
                                                                                                                المصدر: السفير+ وكالات

التعليقات

د. محمد ياسين حمودة باحث في التراث العربي والإسلامي yasinh@total.net http://www.total.net/~yasinh كانوا قراصنة ! ثم أمراء ! ثم ملوكاً ! ثم أقزاماً ! ثم بدأوا يَتعملَقون ! أفعلى سورية وزعيمها الآن يتعملَقون ؟ فسبحان ربِّي الذي له في مخلوقاته شؤون ! شاهدتُ في الثمانينيات من القرن الماضي حلقاتٍ أسبوعيةٍ على قناة الـ (PBS) الأمريكية قدَّمتها الشَّابة المدعوَّة "دَيان سُـويَر" التي تذيع حاليا نشرة الأخبار المسائية على قناة الـ (إي بي سي) الأمريكية . كان عنوان البرنامج "Pirates and Kings" يعني "قراصنة وملوك" ! هكذا وصف التلفزيون الأمريكي أمراءََ وملوكََ الخليج ، الذين كانت تدور عليهم دَيان في بلدانهم فتلتقي بهم واحداً بعد الآخر ، فكانوا ينظرون إليها نظر المغشيِّ عليه من الموت . يبثُّون لها همَّهم وقلَّة حيلتهم ونفاذَ صبرهم ، ويعبِّرون عن حُزنهم وعمَّا كان يغلي في صدورهم ، ويشكون ويلطمون من فزَعهم وخوفهم مِن زعيم الثورة الإسلامية في إيران آية اللَّه الخميني" الذي طردَ الشاهََ - شرطيَّ الخليج - ومعه السافاك وأمريكا ومخابراتها المركزية والصهاينة وموسادهم كلَّهم جميعاً ثم رفع علمَ فلسطين فوق سفارتهم ! فالآن جاء دورُهم بزعمهم (أعني أمراء وملوك الخليج) بحجَّة أن زعيم إيران حسَدهم على ثرواتهم النفطية ! فهو يعتزم اجتياح صحراءهم واغتصابها منهم ونزعَ النفط من بين أيدي مستخرجيه الأجانب الذين أصبح من واجبهم الدفاعُ عنه قبل وصول جيوش الخميني إليهم . (لا بد لي من القول أنني كنت أشاهد على التلفزيونات - أيام الشاه محمد رضا بهلوي - الطائرات والمركبات البَرّمائية الإيرانية تنزل في سواحلهم وتتجوَّل كيف تشاء ويدوس الإيرانيون هاماتهم بأحذيتهم من دون أن يُستفزَّ فيهم شرفٌ أو نخوةٌ ، ولم نسمع من واحدٍ منهم نداءً ولا صراخاً ولا شكوى). كان جميع أولئك المساكين – في ذاك البرنامج - بحاجة إلى فرويد ليُعالج أمراضهم النفسية إمَّا بالتنويم الأبديِّ ، أو بشعوذةٍ ُزهق نفوسَهم فيُريحَهم من غمِّهم وتعاستهم الدنيويَّة بعدما انفتحت عليهم كنوزُ الذهب الأسود والذي يَعتبره الأمريكي حقّاً ومُلكاً لمَن استخرجه وليس لمن شاء القدرُ أن ينصب خيامه - على غير علمٍ - فوق آباره . طلبَ كيسينجر من نيكسون - في السبعينيات - أن يُرحِّل بدوَ الخليج ليحلَّ محلَّهم أمريكيون من تكساس فيَقضي على تلك الشِّرذمة التي لا خير فيها ولا نفع منها ، لكن نيكسون رفضََ يومئذ ذاك الطلب الخبيث ! ويا ليتَه فعلَ ( أعلِّق هكذا ، ولكل حادث حديث ، واللَّبيب من الإشارة يفهم . ومَن يدري لعلَّ أولئك المستورَدين الجدد كانوا سيدخلون الجامعة العربية فتظهر فيهم روحُ صدق الإنتماء ، فلا ترى سورية منهم في هذه الأيام ما تعانيه من رعاة الإبل حديثي النَّعمة ومرتزقتهم من الأعراب) . كنتُ أراهم في ذاك البرنامج بين يدي الآنسة ديان يشتهون الركوع أمامَها وهي جالسة كالفهد تراقب بعجب وذهول بعينيها الزرقاوتين وجوهَهم التعيسة البائسة وتتأمَّل في حالهم المذعورة يطلبون منها ومن حكومة أمريكا إنقاذهم من الخطر الماحق الذي ظنوا أنه سيقتلعهم من أصولهم ويرمي بهم في مجاري الخليج ! دام بثُّ تلك الحلقات أسابيعَ طويلة ، كانت أكثر عدداً من " كيانات أكوام رمال الصحراء" التي صنعَ الإستعمارُ منها ممالك وإمارات رجعَ بها أجراؤهم إلى جاهليات ما قبل التاريخ وبزوغ فجر الحضارات الإنسانية . يجب القول أن الذين سمَّوهم في برنامجهم بالأمس " قراصنةً " ثم " ملوكاً " قد حقّقوا فيهم نظريةَ " داروين " في التطوُّر . فلقد كانوا قراصنةً ثم أصبحوا أمراء وملوكاً ، ثم عرفهم العالمُ كلُّه أقزاماً , ثم يريدون الآن أن يصبحوا عمالقة ! يأتوننا بـ " أبو غريب ، وغوانتناموا وخليج الخنازير . هيهات ... هيهات ! أجل ، رأيتُهم أقزاما يتذلَّلون أمام مراسلي التلفزيونات لتقديم الولاء ، ولأداء الطاعة العمياء لأمريكا ! يستنجدون بشياطين ومُخرِّبي الإنس . يحاولون الظهورَ أمام العالَم ومتأسلمي حركاتٍ سمَّوها إسلاميةٍ لا دين لهم ولا أخلاق ، مجهولي الحَسب والنَّسب ، تعيثُ جماعاتُهم المسخَّرة فساداً مِن قتل واغتصاب وتقطيع وتشريد في طول الأرض وعرضها - نعم يريد أولئك الأقزام أن يتعملقوا في وجه سورية التي كانت تستقبلهم في مراعيها – والعهدُ قريبٌ – ليرتعوا فيها أيام قحطِهم يبحثون عن الكلأ بعد مَشيٍ وعناءٍ ، وطولِ جُهدٍ ، يعانون من الفقر والعوَز ، ويهلكون من الجوع والعطش . لقد صدقَ داروين في هذه المرَّة ! فأولئك القرود تطوَّروا مع الزمن فتقمَّصوا وظهروا في فصائل عديدة واحدة بعد أخرى ، ولا أستغرب أبداً إذا ما خرجوا علينا في القريب العاجل بهيئة خنازير تدسُّ خشومَها في الأرض ، تبحثُ عن مكانٍ آمن لها في سورية لا ملجأ لها على الأرض غيرها ، عسى أن ترحمهم وترأف بهم بعدما سيقذفهم - مذمومين مدحورين - سيدُهم بالأمس بعد صحوته هو الآخر مِن سكرة النفط . فسوف لن يَرحم رعاةُ البقر رعاةَ الإبل - الهَمج المتخلِّفين - الذين لا يملكون حضارةً ولا دستوراً ولا قوانين ، بعدما بدأوا يتشبَّهون بهم في كل شيء حتى في العربدة والتقليد ، والتهديد والوعيد . من المضحك أن راعي الإبل الذي انتحل اليوم دورَ الفأر الأمريكي فأخذ يصكُّ أسنانه ليُسمعنا زمجرة الأسد ظنّاً أنه سيُرهب ويُخوّف سورية وقائدها الأسد ! عساك تسأل عزيزي القارئ: هل تستطيع استوديوهات هوليوود أن تَخلق من راعي الإبل أو أن تجعل من فأر الصحراء أسداً حتى ولو قدَّم نفسََه على أنه جِرذاً ؟ أقول: كلاّ ، فلا قِصرُ الأذنَيْن ولا طولُ الذنَب سينفعه في شيء لأن هوليوود تشترط أن يتوفر في الفأر شدَّة الذكاء أولاً ، وقوَّة الذاكرة ثانياً . والغربُ الذي رفض بإصرار وعنصريَّة عضويَّة تركيا في منظمَّته - وطردَ الذِّئبَ الرماديَّ العنصريَّ عن أبوابه - تراه سيُؤي تلك الفصائل من المخلوقات - مجهولةَ الأصلِ والعرقِ والدِّينِ - في حظيرته ؟ لعلَّ الأمر يتطلَّب عودةَ داروين من جديد ليُخبرنا عمّا سيكون عليه تطوُّر تلك الأقزام العجيبة التي لا تحتاج إلى ملايين السنين بل تتلوَّن بين عشيَّة وضحاها فتتبدَّل فيها الجينات ليس على طريق التكامل بل تتحوَّل لتنقلب نجساً وقذارات . يومئذ ستسودُّ وجوهُ وتبيضُّ وجوه ! وإن غداً لِناظره لقريبٌ . د. محمد ياسين حمودة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...