واشنطن والرياض: الهجوم المرتقب على سوريا و "الحل النهائي" للأزمة السورية

30-03-2014

واشنطن والرياض: الهجوم المرتقب على سوريا و "الحل النهائي" للأزمة السورية

الجمل- إيغور بانكراتنكو- ترجمة: د. مالك سلمان:

في الآونة الأخيرة استعرَ لهيب الأزمة السورية مرة أخرى. فالنقاشات الحامية في الدوائر السياسية الأمريكية والخطب العاطفية التي أطلقها المشاركون في مؤتمر الجامعة العربية في الكويت في 25 – 26 آذار/مارس ليست نقاشات لخطط تهدف إلى حل سلمي للنزاع في سوريا؛ إنه جدل حول الطريقة الأمثل والأكثر فعالية للسيطرة على دمشق وإسقاط الرئيس بشار الأسد.

إن الوضع في سوريا بالنسبة إلى المعارضة المسلحة والعصابات الجهادية الدولية والرعاة الأجانب و "وكر الأفاعي" بالجمله وصل إلى طريق مسدود. إذ تمكن بشار الأسد وفريقه من إيجاد تكتيك فعال لمقاومة المتمردين وتدخل الجهاديين؛ ويتكون هذا التكتيك من سحق المعارضة والجهاديين في مناطق استراتيجية هامة وتوجيه الضربات ضد المحاور اللوجستية.

من حيث الجوهر، كان هذا هو التكتيك المتبع في المرحلة الأخيرة من الحملة السوفييتية في أفغانستان، حيث أن الأمر الهام لا يتمثل في السيطرة على كل متر من الأرض بل في تقليص إمكانات الخصم إلى مستوى "خطر إرهابي مقبول". تحقق دمشق النجاح بفضل المهارات القتالية الكبيرة للقوات الحكومية ومقاتلي حزب الله وكتائب المتطوعين الشيعة، ودعم قوات المدفعية الثقيلة، والهيمنة الجوية.

إن الانتصارات التي حققها الجيش السوري عندما أخذ يبرود واستعاد السيطرة على وادي القلمون لا تعني نهاية الحرب أو حتى خرقاً استراتيجياً في هذه الحرب، إلا أنها تجعل من الصعب على القوات المناوئة للحكومة، أولاً أن تصل إلى الموانئ اللبنانية، وثانياً أن تتمكن من الدخول إلى عرسال السنية في وادي البقاع اللبناني والتي حولها المتمردون إلى قاعدة دعم لهم. وهناك فرصة رائعة الآن أمام الشيعة اللبنانيين والقوات الحكومية لتنظيف عرسال التي لم تصبح، نتيجة جهود الجهاديين، قاعدتهم اللوجستية فقط بل مركزاً لإنتاج المخدرات وتهريب الأسلحة والأشخاص.

شكلت نجاحات دمشق العسكرية طريقاً مسدوداً أمام أعدائها؛ فقد تحدث ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز عن هذا الموضوع بحرارة في قمة الكويت، حيث اتهم العالمَ كله "بخيانة المعارضة" وتحويلها إلى "فريسة سهلة للدكتاتور المتعطش للدماء". ترى واشنطن والرياض تريان في التغير في موازين القوى لصالح المتمردين طريقاً للخروج من هذا الطريق المسدود. أما فحوى خطاب ولي العهد فتتمثل في الدعوة إلى تزويدهم بالأسلحة الثقيلة الكفيلة بالحد من السيطرة الجوية للقوات الحكومية والتفوق الناري للجيش.

إن الخارطة السياسية للشرق الأوسط تتغير بشكل سريع، وموضوع الهيمنة السعودية في المنطقة لم يعد مجرد وسيلة لتلبية طموحات العائلة المالكة، بل أصبح مرتبطاً ببقائها. فبعد أن أقنعت الرياض شركاءَها، وليس كلهم، "بمعاقبة" قطر وعززت قيادتها لمجلس التعاون الخليجي، فهي بحاجة إلى نجاح سريع وجدي في السياسة الخارجية.  والهيمنة على دمشق هي الجائزة الكبرى بالنسبة إلى الرياض؛ فمن شأن ذلك أن يعزز موقع السعوديين في العالم العربي ويمكنهم من تنفيذ مخططاتهم الأخرى: تأسيس فدرالية أردنية – فلسطينية، وتشكيل معسكر معاد للشيعة من شبه الجزيرة العربية إلى باكستان.

هنا يكمن سبب التصلب السعودي في الحوار مع أوباما. فالعروض التي تقدمها واشنطن للرياض – أنظمة الدفاع الصاروخية الموجهة ضد إيران، وبرنامج إعادة التسليح، والإشراف على الشؤون الفلسطينية وقضايا المغرب العربي – وعلى الرغم من جاذبيتها المالية ومرابحها السياسية، لا تناسب العائلة المالكة لأنها ذات طبيعة دفاعية ولا تجيب على سؤال السعوديين الرئيسي: "كيف يمكننا وقف تنامي النفوذ الإيراني و ’الصحوة‘ الشيعية؟"

إن هذه العدوانية السعودية، التي تحتاج إلى "حرب رابحة صغيرة" لبقاء الملكية، تضع أوباما في موقف مثير للاهتمام. فمن جهة، تم في الوقت الحاضر تدمير حوالي 46% من الترسانة الكيماوية السورية، مما يجعل من المستحيل تطبيق "السيناريو العراقي" في دمشق. كما أن الرأي العام في الولايات المتحدة يتميز بسلبية قوية تجاه التدخل المباشر في سوريا؛ ولهذا أهمية بالغة قبيل انتخابات الكونغرس في شهر تشرين الثاني/نوفمبر، كما أن السباق الرئاسي ليس بعيداً أيضاً. ومن جهة أخرى، استثمرت الولايات المتحدة حوالي 2 مليار دولاراً لإسقاط الأسد. إذ فقدَ المحافظون الجدد الأمريكيون، الذين وجهوا انتقادات حادة لأوباما لعدم اتخاذه قرارات حاسمة بشأن القضية السورية، عقولهم بعد شبه جزيرة القرم. لم ينفع الابتزاز وفرض العقوبات على روسيا. والآن ينظر الأمريكيون إلى سوريا كوسيلة "للانتقام من القرم" وإلى الهيمنة على دمشق كفرصة لتجريد موسكو من كافة مواقعها في الشرق الأوسط. كما أن اللوبي السعودي، المدعوم بمصالح القطاع العسكري الصناعي والشركات العالمية، يقوم بابتزاز البيت الأبيض مما يهدد بخطر برود العلاقات بين واشنطن والمملكة السعودية. ومع أن أوباما يقاوم هذا الابتزاز إلى درجة ما، فبالنسبة إلى جون كيري وطموحاته الانتخابية تخلق هذه التهديدات عدداً كبيراً من المشاكل في المستقبل.

تم جر الولايات المتحدة إلى سوريا بقوة أكبر مما كان يرغب به البيت الأبيض. فبالإضافة إلى المليارين اللذين تم إنفاقهما على تصدير الديمقراطية إلى سوريا، هناك أربع جبهات أخرى لهذه الحرب غير المعلنة ضد دمشق التي تشنها واشنطن تحت غطاء لغة الخطاب السلمي.

أولاً ،هناك تزويد القوات المناوئة للحكومة بالأسلحة الخفيفة بمعرفة الكونغرس الأمريكي.

ثانياً، تمويل المتمردين (بلغت الأموال المقدمة منذ شهر كانون الثاني/يناير حوالي 3 مليون دولاراً) وتقديم التدريب المكثف لهم. فمنذ نهاية سنة 2012،  يقوم عملاء وكالة الاستخبارات المركزية ومدربو "العمليات الخاصة الأمريكية" بتدريب المتمردين في معسكرات مبنية على الأراضي الأردينة والتركية. ويتضمن برنامج التدريب مهارات استخدام الأسلحة الثقيلة، وخاصة الأنظمة المضادة للدبابات ومنصات الإطلاق المحمولة. وتقوم معسكرات التدريب هذه بتخريج عدة مئات من المتمردين شهرياً، يقوم بعضهم بعد ذلك بتدريب المقاتلين على الأراضي السورية.

ثالثاً، تقديم المساعدات "غير الفتاكة" والتي يتنامى حجمها بشكل كبير (حيث تصل كلفتها في الوقت الحاضر إلى حوالي 80 مليون دولاراً شهرياً) وتخضع لتبدل نوعي الآن. فبينما تضمنت معظم هذه "المساعدات غير الفتاكة" الأدوية والأغذية في أوائل سنة 2013، تتكون اليوم من معدات الاتصالات، وأجهزة الرؤية الليلية، والمعدات الهندسية، والعربات.

رابعاً، هناك أداة واشنطن المفضلة لتصدير الديمقراطية: العقوبات. فقد جمدت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الائتلاف المعادي لسوريا كافة أصول دمشق الأجنبية، كما تم حظر أي استثمارات أو معدات أو تعاملات مع المنتجات النفطية السورية. وعلينا أن نضيف أن هذه العقوبات لا تنطبق على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون.

تقف واشنطن الآن على بعد خطوة واحدة من القرار الرئيسي الذي يتمثل في تزويد المتمردين بالأسلحة الثقيلة ومنصات الإطلاق المحمولة، وكذلك فرض منطقة حظر طيران على الحدود التركية أو الأردنية تشكل نقطة انطلاق للهجوم الجديد على دمشق.

انتهى اجتماع ممثلي المعارضة السورية، الذي انعقد في 6 آذار/مارس في فندق "ويندم" في اسطنبول باشتباكات اندلعت بعد ثلاثين دقيقة و قيل إن أحمد الجربا، الذي أطنب في البلاغة في قمة الجامعة العربية في الكويت، قد شارك في هذه "النقاشات"؛ لكن هذا هو ثمن عملية الاتحاد، إذا صح التعبير.وتبعاً لمصادر استخباراتية غربية فإن حوالي 70% من المجموعات المعارضة الموحدة اليوم "موحدة ومعارضة لنظام الأسد والإسلاميين معاً".

سوف يزور أوباما الرياض في 28-29 آذار/مارس. وفي نهاية الأسبوع سوف يتضح الطريق الذي اختاره خصوم الأسد من أجل "الحل النهائي" للأزمة السورية.

 

http://www.strategic-culture.org/news/2014/03/28/washington-and-riyadh-step-away-from-final-solution-syrian-issue.html

تُرجم عن ("ستراتيجيك كلتشر فاونديشن"، 28 آذار/مارس 2014)

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...