لماذا أعلنَ أوباما الحربَ على سوريا ؟

20-06-2013

لماذا أعلنَ أوباما الحربَ على سوريا ؟

الجمل- فرانكلين لامب- ترجمة: د. مالك سلمان:

الإجابة القصيرة هي إيران وحزب الله تبعاً لمصادر الكونغرس. "كان انتصار الجيش السوري في القصير أكثر مما بمقدور الإدارة أن تقبله بسبب الموقع الاستراتيجي الذي تحتله تلك البلدة في المنطقة. إذ إن الهيمنة عليها من قبل قوات الأسد قد أضاف سوريا إلى قائمة الانتصارات الإيرانية بدءاً من أفغانستان, ولبنان, والعراق, إضافة إلى تأثيرها المتنامي في الخليج."
تؤكد مصادر أخرى أن أوباما لم يكن ينوي, في الحقيقة, التفكير في إرسال مساعدات عسكرية مباشرة للمتمردين الذين يقاتلون لإسقاط حكومة الأسد أو حتى استخدام القوة العسكرية الأمريكية في سوريا لعدة أسباب. ومن بين هذه الأسباب غياب الدعم الشعبي الأمريكي لحرب أمريكية أخرى في الشرق الأوسط, وحقيقة عدم وجود بديل مقبول لحكومة الأسد في الأفق, وموقف المجتمع الاستخباري الأمريكي ووزارة الخارجية والبنتاغون القائل إن التدخل في سوريا سوف ينعكس سلباً على الولايات المتحدة ويأتي على ما تبقى لها من نفوذ في المنطقة. باختصار, يمكن للتدخل الأمريكي في سوريا أن يؤدي إلى نتائج أسوأ مما حصل في العراق عبر تسعير حرب طائفية إقليمية بلا أية نتائج إيجابية منظورة.
يبدو أن أوباما كان جدياً في السابق حول تسوية دبلوماسية تفاوضية قبل مرحلة القصير, حتى أنه كانت هناك إشارات إيجابية تأتي من دمشق وموسكو وطهران, كما زعم جون كيري. لكن هذا تغير لأن روسيا والولايات المتحدة قد تمسكتا بمطالبهما. ونتيجة لذلك, أعلنت إدارة أوباما الآن انسحابَها من الجهود الرامية إلى الحل الدبلوماسي. وقد أخبرني أكثر من مسؤول في الكونغرس أن فريق أوباما وصل إلى نتيجة مفادها أن حكومة الأسد لا تفهم الرسائل الموجهة إليها, أو أنها لا تأخذها على محمل الجدية, وأن انتصارات الأسد العسكرية الأخيرة والدعم الشعبي المتنامي له يعنيان أن مؤتمر "جنيف 2" لن يعقد.
إضافة إلى ذلك, تم إضعاف أوباما مؤخراً نتيجة السياسات الداخلية وعدد من القضايا والفضائح التي تهدد بالانفجار, منها التسريبات حول الخروق الجسيمة للخصوصية من قبل "هيئة الأمن القومي". وفوق ذلك, لا يزال لوبي الحرب, بقيادة جون مَكين وليندسي غريهام, يقرع الطبول ويزعم أن أوباما "ينكث بقسمه الرئاسي ويعرض مصالح الأمن القومي الأمريكي للخطر إذا سمح لإيران بالهيمنة على الأسد حالما يتمكن الأسد من قمع الانتفاضة". وقد رحب السيناتوران بالتقييمات الناتجة عن التحقيق في استخدام الأسلحة الكيماوية. فقد كانا يقولان, طيلة الأشهر السابقة, إن أوباما لا يفعل الكثير لمساعدة المتمردين. فقد قالا في تصريح مشترك: "إن مصداقية الولايات المتحدة على المحك. فهذا ليس الوقت المناسب لاتخاذ خطوات تدريجية. يجب الآن اتخاذ إجراءات حاسمة", مثل استخدام الصواريخ بعيدة المدى لإضعاف القوة الجوية والقدرات الصاروخية للأسد. كما قال أحد المحافظين الجدد, السيناتور روبرت بي. كيسي (الابن), إن قوات المعارضة معرضة للهزيمة بلا أسلحة ثقيلة, لكنه حذر أيضاً من أن ذلك لن يكون كافياً. إذ "على الولايات المتحدة أن تتحرك بسرعة لقلب الموازين على الأرض في سوريا من خلال التفكير في ضرب القوة الجوية السورية بأسلحة ثابتة وحماية منطقة آمنة في شمال سوريا بصواريخ الباتريوت المنصوبة في تركيا".
وتبعاً لبعض المحللين, يمكن لأوباما إعطاء التعليمات بتسليح وتدريب المعارضة السورية في الأردن دون الحاجة إلى منطقة حظر جوي. ويبدو ذلك مستبعداً تبعاً للمسؤولين الذين التقيتهم في واشنطن لأن البنتاغون يريد إنهاءَ الأزمة السورية مع نهاية الصيف, بدلاً من "العمل على المدى الطويل مع شرذمة من الجهاديين لا يمكننا أن نثق بهم أو نعتمد عليهم. ويبدو أن الإدارة وصلت إلى نتيجة مفادها أن عليها أن تتدخل بقوة, بمعنى أنها لن تسمحَ لإيران بالهيمنة على سوريا ولن تسمح لحزب الله أن يضعَ لبنان في جيبه."
التقى وزير الخارجية كيري أكثر من عشرين خبير عسكري بتاريخ 13/5/2013. وقد نقلت "واشنطن بوست" أن كيري يعتقد أن تزويد المتمردين بالأسلحة ليس كافياً ومتأخراً, بحيث لن يؤثر على ميزان القوى على الأرض في سوريا, مما يستدعي "ضربة عسكرية تشل قدرات الأسد العسكرية". وقال مصدر في البنتاغون إن الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين يفكرون في الوصول إلى قرار حاسم لتغيير المعادلة على الأرض واستبدالها بأخرى لمصلحة المتمردين ضمن فترة زمنية لا تتجاوز نهاية هذا الصيف.
بعد بدء الاجتماعات بوقت قصير, هرع الملك السعودي عبد الله إلى السعودية من قصره في الدار البيضاء/المغرب بعد أن تلقى مكالمة من رئيس استخباراته الأمير بندر بن سلطان. ويبدو أن بندر قد أرسل ممثلاً عنه إلى البيت الأبيض أثناء الاجتماع مع فريق اوباما. ويقال إن كيري قد نصحَ الملك عبد الله بأن يتحضرَ لتوسع سريع للنزاع الإقليمي المتنامي.
من المحتمل أن ما سيحدث من الآن وحتى نهاية الصيف سيكون كارثياً للشعب السوري, وربما للبنان أيضاً. لا يتم التعامل مع "خط الأسلحة الكيماوية الأحمر" بشكل جدي في البيت الأبيض بسبب أن "الدليل الواهي" الذي تم الحصول عليه قبل أشهر هو نفسه الذي تم إشهاره بشكل مفاجىء لتبرير ما يمكن أن يتحولَ إلى حرب شاملة على الحكومة السورية وأي طرف يقف في الطريق. إن هذه التهديدات بسبب وفاة 125 شخصاً نتيجة استخدام الأسلحة الكيماوية, بغض النظر عمن استخدمها, لا يقارن ﺑ 50,000 من الضحايا الذين سيموتون في الأشهر القادمة, وهي "الميزانية" التي رصدَها مخططو البنتاغون والبيت الأبيض كسعر لإسقاط حكومة الأسد.
كتب لي أحد المسؤولين في "لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي" قائلاً: "سوف نرى تصعيداً سريعاً للنزاع. فقد اتخذ الرئيس قراراً بتقديم أي مساعدة إنسانية, ودعم سياسي ودبلوماسي, يراه ضرورياً للمعارضة. إضافة إلى الدعم المباشر إلى ‘المجلس العسكري الأعلى’, بما في ذلك الدعم العسكري." وقد اقتبسَ المسؤول كلمات مساعد مستشار الأمن القومي بِن رودز للإعلام بتاريخ 13/5/2013 التي تؤكد الفكرة نفسها.
وكجزء من هذه "المساعدة الإنسانية", سوف تقوم الولايات المتحدة بإقامة "منطقة حظر طيران إنسانية محدودة" على طول عدة أميال على الحدود الأردنية والتركية في بعض المناطق العسكرية في الأراضي السورية, وسوف يتم بناؤها وتقديمها بصفتها مساعدة محدودة لتدريب وتسليح قوات المتمردين وحماية اللاجئين. ولكن في الواقع, وكما رأينا في ليبيا, فإن منطقة حظر طيران في سوريا من المرجح أن تشملَ سوريا كلها.
أوضحت مناطق حظر الطيران الليبية أنه ليس هناك شيء اسمه "منطقة محدودة". وباختصار, فإن "منطقة حظر الطيران" تعني بالضرورة إعلانَ حرب شاملة. فحالما تبدأ الولايات المتحدة وحلفاؤها بإقامة منطقة حظر طيران, فسوف يعملون على توسيعها بالتزامن مع أعمال عسكرية أخرى لحماية هذه المناطق إلى أن تسقط الحكومة السورية. وقد علق مصدر بالقول: "من المثير التفكير في الطريقة التي سينتهي بها هذا الأمر وكيف سترد روسيا وإيران."
يحاول البيت الأبيض الأقلية في الكونغرس وأكثرية الشعب الأمريكي بأن التدخل الأمريكي يمكن أن يكون محدوداً وأن إقامة منطقة حظر طيران لن تتطلبَ بالضرورة تدمير بطاريات الدفاع الجوي السورية. هذا ضرب من الهراء. فأثناء فرض منطقة حظر الطيران في ليبيا, رأيت في صيف 2011 كيف قامت الولايات المتحدة بدعمها بكافة أنواع التزود بالوقود والتشويش الإلكتروني والعمليات الخاصة على الأرض, وفي أواسط شهر تموز/يوليو لم يكن الطفل الذي يقود دراجته في الشارع آمناً. فخلال اﻠ 192 يوماً التي تمت فيها حراسة مناطق حظر الطيران فوق ليبيا, كانت هناك 24,682 طلعة جوية لطائرات الناتو, بما فيها 9,204 عملية قصف جوي. وقد ادعى الناتو أنه لم يخطىء أهدافه أبداً, وكان ذلك كذبة أخرى. فقد قتل المئات من المدنيين في ليبيا بواسطة الطائرات الهجومية التي تحمي مناطق حظر الطيران, التي أخطأت أهدافها وأفرغت حمولتها من القنابل قبل أيام من العودة إلى قواعدها, بينما كانت تنفذ حوالي 48 ضربة جوية في اليوم الواحد مستخدمة عدة أنواع من القنابل والصواريخ, بما في ذلك أكثر من 350 صاروخ "توماهوك".
في جلسة استماع في الكونغرس في سنة 2011, أصابَ وزير الدفاع الأمريكي الحقيقة عندما وضحَ أن إقامة منطقة حظر جوي فوق ليبيا "تبدأ بهجوم مدمر على كافة الدفاعات الجوية ... وبعد ذلك يمكنك إرسال الطائرات في أجواء البلد دون تقلق حول إمكانية إسقاط هذه الطائرات. ولكن هذه هي الطريقة التي تبدأ بها."
تبعاً لتوصيفات نشرت في الإعلام الأمريكي, بمقدور أوباما اللجوء إلى بديل آخر يتمثل في تفويض تسليح وتدريب المعارضة السورية في الأردن دون الحاجة إلى إقامة منطقة حظر طيران. ولكن من غير المرجح أن يحصل ذلك لأن البنتاغون يرغب في إنهاء الأزمة السورية مع نهاية هذا الصيف, لأن الإدارة الأمريكية لا تريد التعاون مع الجهاديين المشرذمين, ولن تقبل بأنصاف حلول, كما ذكر لي مستشار البنتاغون.
ورداً على سؤال وجهته إلى المسؤول المذكور أعلاه حول تصوره عن تصور الأحداث في هذه المنطقة في الأشهر القادمة, أجاب: "بصراحة, من الممكن أن يأتي أحد ما بشيء سحري من شأنه إيقاف الدفع باتجاه الحرب. ولكن بصراحة, أشك في ذلك. فمن وجهة نظري, أراهن أن سوريا كما كنا نعرفها ستتغير بشكل نهائي. وربما ينطبق الأمر نفسه على بعض بلدان المنطقة أيضاً."

تُرجم عن ("كاونتربنتش", 14- 16 حزيران/يونيو 2013)

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...