عمليات تغيير الأنظمة العربية في الخبرة السياسية الأمريكية

07-08-2007

عمليات تغيير الأنظمة العربية في الخبرة السياسية الأمريكية

الجمل:  تزايد التحليلات والتعليقات والدراسات السياسية حول موضوع سياسة (تغيير النظام) الذي ظلت تتبناه إدارة بوش إزاء (الدول المارقة) التي بدأت عملية تنميطها منذ أيام إدارة الرئيس رونالد ريغان بأنها (دول محور الشر)، وفي الشرق الأوسط، ظلت الإدارة الأمريكية ومن ورائها إسرائيل تستهدف سورية والعراق وليبيا والسودان على هذه الخلفية من جهة، وتدعم دولاً أخرى باعتبارها دول محور الخير الحليفة لأمريكا والغرب، ومن أبرزها: مصر، الاردن، ولاحقاً حكومة السنيورة، السلطة الفلسطينية، وحكومة نوري المالكي.
·       سياسة تغيير النظام.. في المفهوم والدلالة والمعطيات التاريخية المعاصرة:
يشير مصطلح تغيير النظام إلى التسمية اللطيفة المخففة لعملية الإطاحة القسرية بالأنظمة والحكومات إما بواسطة القوى والأطراف الخارجية، أو بواسطة الأطراف الداخلية المدعومة خارجياً.
إن فكرة الإطاحة بالحكومات والأنظمة من الخارج واستبدالها بأنظمة وحكومات يتمّ فرضها وفقاً لإملاءات الأطراف الخارجية، هو أمر ترجع جذوره في التاريخ السياسي المعاصر إلى معاهدة بوتسدام، والتي تضمنت توجهات وإملاءات نموذج ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي يجب أن تحذوه ألمانيا، ولاحقاً بعد ذلك خلال فترة الحرب الباردة أصبحت المطالبات بإجراء عمليات (تغيير النظام) أقل حدة وذلك بسبب ميزان القوى العالمي الذي كان يقوم على القطبية الثنائية، والذي أعاق كل من القطبين العظميين عن اللجوء لاستخدام هذا الأسلوب تحسباً من رد فعل القطب الآخر.
·       البلدان العربية وعمليات تغيير النظام:
استطاع الرئيس الأمريكي جورج بوش التسويق لعمليات (تغيير النظام) من خلال خطاباته وتصريحاته فيما قبل آذار 2003م، المتعلقة بنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. وتشير المعلومات الى أن مصطلح (تغيير نظام) لم يأخذ مفهومه الجيوبوليتيكي الذي أخذه الآن، إلا في مطلع عام 2000م، وذلك برغم أن تقاليد استخدام عمليات تغيير الأنظمة ظلت موجودة في الخبرة السياسية الأمريكية، وليس خافياً على أحد أن الإدارة الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بل والجيش الأمريكي، تدخلوا بطريقة أو بأخرى من أجل القيام بـ(تغيير النظام) في كل من: إيران عام 1963، غواتيمالا عام 1954م، العراق عام 1963م، العراق عام 1968م، تشيلي عام 1970م، نيكاراغوا عام 1990م، أوكرانيا 2004م، الكونغو 1963م، السودان 1971م... وغيرها.
·       وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وإشكالية (تغيير) و(تثبيت) الأنظمة العربية:
الدول العربية ظلت مزرعة تجارب لا لعمليات تغيير النظام وحسب، بل ولعمليات أخرى لا تقل عنها خطورة، هي عمليات (تثبيت النظام)، وقد ظلت ومازالت الإدارة الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية تتدخل لتثبيت الكثير من الأنظمة والحكومات التي ترفضها شعوبها.. وحالياً تبذل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية كل ما في وسعها مستخدمة العملاء المحليين الرسميين وغير الرسميين واستخدام شتى الأساليب من أجل إطالة أمد: نظام الرئيس المصري حسني مبارك، نظام الملك عبد الله الأردني، نظام زين العابدين بن علي التونسي، نظام الملك محمد الخامس المغربي، نظام قيلي الجيبوتي، نظام قابوس بن سعيد العماني، وغيره من الأنظمة الخليجية المرتبطة بأمريكا، إضافة إلى حكومة السنيورة، والسلطة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه يتم القيام ببذل الكثير من الجهود واستخدام العديد من الأساليب من أجل استهداف أنظمة سورية، السودان، وليبيا، وإن كان ملف استهداف ليبيا أصبح أقل حرارة عما كان عليه من قبل.. وهناك أقاويل حول احتمالات استهداف السعودية واليمن بسبب مواقفهما الأخيرة..
·       عمليات تثبيت النظام في العالم العربي:
تهدف عمليات تثبيت النظام إلى إسناده وجعله يبقى موجوداً ومسيطراً على السلطة لأكبر وأطول فترة ممكنة، بحيث تستطيع الولايات المتحدة وإسرائيل الاستفادة من وجوده بأكبر ما يمكن من ناحية، واستخدامه من الناحية الأخرى لتقليل خسائرهما في المنطقة بأقل ما يمكن.
إن إلقاء نظرة سريعة للأداء السلوكي السياسي الخارجي والداخلي للأنظمة العربية المدعومة أمريكيا في الوقت الحالي تشير إلى الكم الهائل من الفوائد والمزايا التي حصلت عليها أمريكا وإسرائيل في المنطقة، ففي طريق استغلال السياسة الخارجية للنظام المصري والنظام الأردني استطاعت إسرائيل وأمريكا إضعاف المقاومة الفلسطينية وإحداث الكثير من الخلافات والانشقاقات بين صفوفها. وقد ساعد جهود هذه الدول إسرائيل وأمريكا في الالتفاف والتنصل من تنفيذ أبسط الالتزامات المنصوص عليها في اتفاقيات أوسلو التي وقعها الزعيم الفلسطيني الراحل (المسموم) ياسر عرفات.
كذلك لم تقف المزايا والفوائد عند هذا الحد، فحالياً تنشط أجهزة المخابرات المصرية والأردنية في القيام بشن حرب الوكالة السرية نيابة عن إسرائيل وأمريكا وفرنسا ضد حزب الله اللبناني، وضد حركة حماس وبقية فصائل المقاومة.
الأداء السلوكي لحلفاء أمريكا وإسرائيل في المنطقة ليس حصراً على هؤلاء، بل هناك حكومة السنيورة وقوى 14 آذار، والتي أتاحت لإسرائيل من المزايا والفرص، ما لم تستطع إسرائيل الحصول عليه في كل حروبها السابقة، وقد استطاعت قوى 14 آذار وحكومة السنيورة أن تتفوق على جهاز الموساد الإسرائيلي وجيش الدفاع الإسرائيلي في عملية استهداف سورية وحزب الله والمقاومة اللبنانية.. والمحزن حقاً أن حكومة السنيورة وقوى 14 آذار لم تحصلا على شيء مقابل هذه الخدمات، فالأزمة الاقتصادية لم تقدم لحلها أمريكا وفرنسا سوى الوعود، والجيش اللبناني مازال عاجزاً عن اقتحام بعض البنايات التي يتمترس  فيها بعض السعوديين واللبنانيين، برغم المساعدات العسكرية الأمريكية.
الأداء السلوكي السياسي الخارجي لم يعد يرتبط حصراً بمجالات السياسة الخارجية البحتة، بل أصبح شديد الاندماج مع السياسات الدفاعية والأمنية، وحالياً تتضمن أراضي الوطن العربي واحدة من أكبر وأهم شبكات القواعد العسكرية الأمريكية في العالم، وهي جميعاً تعمل من أجل تحقيق جملة أهداف أبرزها: حماية المصالح الأمريكية، الدفاع عن إسرائيل وعن بقاء واستمرارية الأنظمة الحليفة لأمريكا والتي تتميز بروابطها المعلنة وغير المعلنة مع إسرائيل، هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى تهدف هذه القواعد إلى تهديد استقرار الأنظمة والحكومات الأخرى في المنطقة غير المتحالفة مع أمريكا وغير المرتبطة بإسرائيل.
·       عمليات تغيير النظام في العالم العربي:
من أبرز العوامل التي تلعب دوراً في تحفيز توجهات اللجوء لعمليات تغيير النظام نجد أن أولها يتمثل في أمن إسرائيل، وبكلمات أخرى: فإن كل من يلعب دوراً في تهديد أمن إسرائيل أو يمكن أن يقوم بذلك ولو على المدى البعيد، سوف يكون هدفاً لعمليات تغيير النظام.
عملية تغيير النظام يمكن أن تتم عبر عدة وسائل أبرزها:
-         العقوبات: وتهدف إلى إضعاف قدرات النظام الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية وذلك على النحو الذي يؤدي إلى المزيد من حالات الإحباط المجتمعي وتزايد حدة السخط والمعارضة الداخلية.
-         الغزو العسكري: ويتم وفقاً للعديد من الشروط، أبرزها:
* فشل العقوبات  في الوصول إلى الغاية المطلوبة.
* تفشي حالة  السخط والمعارضة الداخلية.
* وجود الذرائع والمبررات.
* وجود حد أدنى من الإجماع الدولي.
* مساندة دول الجوار.
-         الانقلابات العسكرية: وتتم أيضاً وفقاً للعديد من الشروط، أبرزها:
* وجود نخبة عسكرية قادرة على التحرك عسكرياً في الوقت المناسب.
* وجود سخط عام في صفوف الجيش والمجتمع.
* وجود حد أدنى من قبول دول الجوار.
-         الثورات الملونة: وهي حركات الاحتجاجات الشعبية التي تتبناها بعض الفئات الاجتماعية والسياسة المدعومة خارجياً، وذلك عن طريق القيام بتحريك الرفض الشعبي عن طريق المظاهرات والإضرابات وتنظيم الاحتجاجات حول بعض القضايا التي بدو في (ظاهرها) عادية ولكنها تخفي في باطنها قدراً كبيراً من طاقة اللامعقول وغير الممكن.
تعتبر عملية الإطاحة بنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، النموذج البارز والأكثر وضوحاً وشفافية لقيام أمريكا وإسرائيل وحلفائهما بعملية (تغيير النظام) وقد سارت هذه العملية وفقاً لسيناريو طويل تضمن العديد من السيناريوهات الفرعية، أبرزها:
-         سيناريو العقوبات الدولية: وتسبب في جعل الاقتصاد العراقي يواجه كارثة حقيقية.
-         سيناريو التفتيش الدولي: وتسبب في توفير الذرائع للإدارة الأمريكية وحلفائها القائمة على أساس اعتبارات أن العراق يقوم ببناء ترسانته النووية.
-         سيناريو التحالف الدولي: وتسبب في إيهام ا لمجتمع الدولي بأن الكثير من بلدان العالم ترى في النظام العراقي خطراً مهدداً ينبغي إزالته.
-         سيناريو تحرير العراق: وتسبب في دفع الرأي العام الأمريكي وجزء كبير من الرأي العام العالمي بأن الغزو الأمريكي يهدف إلى تحرير إرادة العراقيين ومساعدتهم في التخلص من الطغيان.
-         سيناريو استقرار وإعادة بناء العراق: وتسبب في توفير المبررات للأمريكيين بإبقاء قواتهم والاستمرار إلى أجل غير محدد في احتلال العراق.
-         سيناريو بناء الديمقراطية: وتسبب في جعل أمريكا وإسرائيل تقومان بتنصيب الحكومة العراقية التي تلبي المواصفات المطلوبة.
وعموماً، بعد هذه المسيرة الطويلة على طريق استراتيجية اللجوء لاستخدام عمليتي تثبيت وتغيير النظام، نلاحظ أن الأنظمة التي سعت أمريكا لتغييرها ظلت أكثر ثباتاً وتماسكاً، أما الأنظمة التي سعت أمريكا لتثبيتها فقد أصبحت هي الأكثر عرضة للسقوط والتعرض لـ(عملية تغيير النظام) برغم الدعم الأمريكي والإسناد الإسرائيلي، وحالياً يترنح معظم حلفاء أمريكا في المنطقة، بحيث بعضهم أوشك على السقوط مثل حكومة نوري المالكي العراقية وسلطة محمود عباس الفلسطينية، وبعضهم الآخر ينتظر نحبه وتغيير نظامه على يد شعبه مثل نظام حسني مبارك المصري، ونظام العاهل الأردني عبد الله الثاني.
كذلك من سخرية القدر أن نرى كيف أن التاريخ في هذه اللحظات قد بدأ يمد لسانه لحكومة السنيورة وقوى 14 آذار بعد سقوط مرشحي تيار الأغلبية بواسطة الناخبين اللبنانيين الذين يقطنون في المناطق التي تعتبر مناطق ونقاط ارتكاز زعماء وقوى الأغلبية!!!
ولم تمد سخرية القدر لسانها لقوى 14 آذار وحكومة السنيورة بل لحركة فتح وسلطة محمود عباس الفلسطينية، والتي لم يتم إخراجها من قطاع غزة بواسطة إسرائيل كما كان يحدث من قبل بل بواسطة الفلسطينيين.
ولن تتوقف سخرية القدر لدى السنيورة ومحمود عباس، بل سوف تمتد لحكومة نوري المالكي والتي تأكد أن أيادي وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والبنتاغون والبيت ا لأبيض التي قامت بتنصيبها هي نفسها الأيادي التي سوف تقوم بعملية كنسها وشطف عناصرها بعيداً.. وبرغم ذلك فسوف يمد التاريخ لسانه عبر الأطلنطي إلى إدارة بوش في الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، بحيث يشاهد العالم الفصل الأخير من سخرية القدر عندما يسقط الجمهوريون، وتتم عملية تغيير النظام في أمريكا وينقلب السحر على الساحر.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...