من المستفيد من حمام الدم السوري؟

05-06-2013

من المستفيد من حمام الدم السوري؟

الجمل - باتريك كوكبيرن- ترجمة: د. مالك سلمان:

يتمثل الأمل في وضع حد للقتل في سوريا في دفع الولايات المتحدة وروسيا لطرفي النزاع للموافقة على وقف إطلاق النار مع احتفاظ كل طرف بالأرض التي يسيطر عليها الآن. ففي حرب أهلية بهذه الوحشية, سوف تفشل الدبلوماسية التي تطمح إلى تحديد الطرف الذي سيحكم في المستقبل, لأن كلا من الطرفين لا يزالان يعتقد أن بمقدوره ربح المعركة.
بدا أن هناك فرصة للمباحثات المثمرة بعد الإعلان في 7 أيار/مايو أن وزير الخارجية الأمريكية جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف قد اتفقا على عقد مؤتمر سلام حول سوريا في جنيف. إذ إن الولايات المتحدة وروسيا وإيران رأت إمكانية انزلاقها في نزاع أكثر عنفاً بدأ ينتشر ويتمدد بسرعة كبيرة. فقد أخذ يزعزع استقرارَ جيران سوريا في الأردن ولبنان مع دعم الشيعة والسنة للطرفين المتحاربين. حتى أن الازدهار الحديث في تركيا أصبح هشاً ومهدداً نتيجة دعمها الكامل للمتمردين السوريين.
ومع ذلك, فقد خبَت فرصة المحادثات في جنيف في الأيام القليلة الأخيرة. فقد رفضت المعارضة السورية الفكرة, على الرغم من هيمنة أسيادها الممولين في السعودية وقطر على نواياها. فالمتمردون, داخل سوريا وخارجها – وبناءً على الدلائل التي يقدمها قادتهم – منقسمون وعاجزون إلى درجة لا تمكنهم من التحدث إلى أحد.
وحتى لو كانت المعارضة أكثرَ تنظيماً, ربما لما كانت تريد التفاوض. فقد قال أحد قادتها: "علينا أن نجعل من إزاحة النظام شرطاً رئيسياً لأي حل سياسي". يمكن لهذا أن يبدو جلياً, لكن ما لا تعلن عنه المعارضة, والذي يشكل جزأ من سياستها, هو أن بمقدورها الانتصار فقط إذا قرر الغرب وحلفاؤه من الدول السنية في الشرق الأوسط التدخل العسكري المباشر لإزاحة الرئيس بشار الأسد. فهم يريدون حلاً على النمط الليبي يتم فيه التخلص من الأسد, كما تخلص الناتو من معمر القذافي في سنة 2011, يقوم بعدها المتمردون باستئصال بقايا النظام.
لكن الحقيقة هي أن الأسد لم يكن قط ضعيفاً سياسياً أو عسكرياً كما تم تصويره في الإعلام العالمي أو, حتى أشهر قليلة, من قبل القادة الأجانب. فبعد سنتين من الحرب, لا يزال يسيطر على كافة المدن والبلدات السورية الرئيسة تقريباً, كما أن نظامه متماسك بشكل كبير. وقد أصبح هذا واضحاً في الشهرين الماضيين, مع تقدم القوات الحكومية وتحقيقها لمكاسب مؤكدة, وإن كانت محدودة.
تغيرت الرؤى الأجنبية. فقبل ستة أشهر من الآن, كانت الاستخبارات الألمانية تتنبأ بسقوط الأسد. أما الآن, فهي تقول في العلن إنها تتوقع أن تحكم الحكومة قبضتها على دمشق وكافة المناطق الجنوبية في سوريا مع نهاية هذه السنة.
قال البيت الأبيض في الأيام القليلة الأخيرة إن أولويته في سوريا تتمثل في تغيير النظام, لكن هذه وصفة لنزاع طويل الأمد. فلماذا يستسلم الأسد وحكومته على الرغم من صمودهم في ساحة القتال؟ وفوق ذلك, يبدو أن واشنطن قد أغلقت البابَ على فكرة حضور إيران, وهي لاعب أساسي, لمؤتمر جنيف. وهذا غير واقعي إذا كان الهدف من المفاوضات إنهاء الاقتتال. كما أن بريطانيا وفرنسا تلعبان دوراً خبيثاً, وإن كان صغيراً, في ضمان استمرار القتل في سوريا. فمن خلال نجاحهما في إنهاء الحظر الأوروبي على توريد الأسلحة إلى المتمردين السوريين, لن تساهما في إنجاح المحادثات, كما تدعيان, بل ستعيقان حصول هذه المحادثات بشكل قاطع. فنوعية الأسلحة التي سترسلانها لن تغير موازين القوى. فالقوات الحكومية أقوى بكثير. إذ إن المأزق الحالي متجذر بقوة في الواقع على الأرض. ولذلك فإن التأثير الأهم لإرسال مزيد من الأسلحة إلى المتمردين هو إقناعهم بأنهم إن رفضوا المفاوضات, فسوف يؤدي ذلك إلى تدخل عسكري غربي كامل على نمط الحظر الجوي الليبي الذي قاد, من الناحية العملية, إلى انضمام قوى الناتو الجوية إلى الحرب.
من المحتمل أن تكون روسيا قد أعلنت نيتها بيع سوريا أنظمة الصواريخ المتطورة المضادة للطائرات (إس-300) للوقوف في وجه هذا المشروع بالذات. فمن خلال تقديم المزيد من الأسلحة, يؤخر الاتحاد الأوروبي احتمالَ تفاوض الطرفين المنهكين بعد أن أدرك كل منهما أنه ليس بمقدوره الانتصار على الطرف الآخر.
في هذه المرحلة, الكره المتبادل بين الطرفين أقوى من أن يسمحَ بعقد صفقة طويلة الأمد تقضي بتشارك السلطة. فالجميع عالق فيما كنا نسميه في بلفاست (إيرلندا) "سياسة الفظاعة الأخيرة". سيكون تشارك السلطة جغرافياً, حيث يحتفظ كل طرف بالمناطق التي يسيطر عليها.
الولوية الرئيسة هي في أن تفرض الولايات المتحدة وروسيا على الطرفين على وقف إطلاق النار. ويجب مراقبة ذلك على الأرض من قبل قوات تابعة للأمم المتحدة. وأتذكر الآن بعثة مراقبي الأمم المتحدة في سنة 2012 وهي تحاول ترتيب وقف إطلاق النار في دوما الواقعة على أطراف دمشق. فهي لم تتمكن من إيقاف إطلاق النار بشكل كامل, لكنها أنقذت حياة الكثير من السوريين.
ربما يكون هناك سبب أكثر خبثاً وشراً دفع الولايات المتحدة لرفع مستوى مطالبها كشرط للمحادثات. فتورط واشنطن أكبر بكثير مما يبدو على السطح لأن معظم أشكال هذا التورط يمر عبر قطر, كما أن "سي آي إيه" تحدد الأطرافَ التي تحصل على المال والسلاح الذي يمر عبر تركيا. ومن شأن هذا أن يوضح أيضاً حرصَ بريطانيا وفرنسا على تزويد المتمردين بالأسلحة.
من الممكن تفسير أفعال البلدان الغربية على أنها لا تريد انتهاء الحرب إلا بانتصار حلفائها. وهذه بالتأكيد وجهة نظر الكثيرين في الشرق الأوسط, من أمثال موفق الرباعي, مستشار الأمن القومي العراقي السابق, الذي قال لي إن الحرب الأهلية "هي الخيار الأفضل بالنسبة إلى الغرب وإسرائيل لأن من شأنها أن تدمرَ سوريا بصفتها مناوئة لسياساتهما وتبقي إيران منشغلة. كما أن حزب الله مهتم الآن بسوريا وليس بإسرائيل. أما فكرة تركيا حول الإمبراطورية العثمانية فقد ذهبت مع الريح."
وهذا تفسير ساخر ولكن ربما صحيح للأسباب التي تجعل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والملكيات السنية لا تريد انتهاء الحرب حتى يمكنها إعلان النصر.

تُرجم عن ("كاونتربنتش", 3 حزيران/يونيو 2013)

الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...