عودة السفيرة الأمريكية إلى ليبيا: الدلائل والمعطيات

30-11-2008

عودة السفيرة الأمريكية إلى ليبيا: الدلائل والمعطيات

الجمل: بعد فترة انقطاع امتدت لثلاثة حقب، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية رسمياً بأن الحكومة الأمريكية سترسل سفيرها إلى العاصمة الليبية طرابلس، وذلك في بادرة تشير إلى اهتمام الإدارة الأمريكية بملف إعادة العلاقات والروابط مع ليبيا.
* السفير الأمريكي في ليبيا:
تقول المعلومات بأن الدبلوماسية الأمريكية جيني كريتزي ستؤدي القسم رسمياً يوم 17 كانون الأول 2008م لتولي مهامها سفيرة الولايات المتحدة في ليبيا وقد سبق أن تم اعتمادها سفيرة أمريكية في ليبيا بواسطة مجلس الشيوخ في جلسة اجتماع يوم 20 تشرين الثاني 2008م. أما بالنسبة لملف السفيرة الجديدة فهو يشير إلى الآتي:
• الخبرة العملية كدبلوماسية محترفة في بعثات الخارجية الأمريكية.
• الخبرة العملية في البعثات الدبلوماسية الشرق أوسطية.
كما تقول المعلومات أنها عملت في السفارة الأمريكية في كل من دمشق والقاهرة وتل أبيب. كما أن لديها خبرة في مجال البعثات الدبلوماسية الآسيوية وتقول المعلومات أنها عملت في السابق في السفارة الأمريكية في بكين وإسلام آباد ونيودلهي.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن الولايات بالمتحدة الأمريكية قد قامت بسحب سفيرها من ليبيا عام 1972م، ثم في العام 1979م غادر بقية الدبلوماسيين الأمريكيين ليبيا بعد أن قام متظاهرون ليبيون بمهاجمة السفارة الأمريكية وإشعال النار فيها، احتجاجاً على الاستهدافات العسكرية ضد ليبيا. هذا، وبدءاً من العام 2004م استأنفت ليبيا وأمريكا العلاقات الدبلوماسية ضمن مستوى منخفض في التمثيل.
* أزمة الدبلوماسية الليبية:
ترتبط السياسة الخارجية بالسياسة الداخلية عادةً، ويتوقف شكل الارتباط على الكيفية التي ترتب الدولة من خلالها أولوياتها. وبهذا الخصوص يمكن الإشارة إلى ثلاثة نماذج:
• النموذج الأول: دول تعطي الأولوية لأجندة السياسة الخارجية وعلى هذا النحو تقوم دوائر صنع القرار بتكييف أجندة السياسة الداخلية وفقاً لمتطلبات دعم السياسة الخارجية.
• النموذج الثاني: دول تعطي الأولوية لأجندة السياسة الداخلية وعلى هذا النحو تقوم دوائر صنع القرار بتكييف أجندة السياسة الخارجية وفقاً لمتطلبات دعم السياسة الداخلية.
• النموذج الثالث: دول تعطي الأولوية لضبط التوازن بين أجندة السياسة الخارجية و أجندة السياسة الداخلية. وعلى هذا النحو تقوم دوائر صنع القرار بحفظ التوازنات بينهما.
وتأسيساً على ذلك، لجهة النموذج الليبي، فقد بدا واضحاً أن أجندة السياسة الداخلية وأجندة السياسة الخارجية تتبادلان الكثير من التقلبات الناتجة عن التغيرات المفاجئة التي ظلت تشهدها العملية السياسية الليبية ومن أبرز المفاعيل التي حظرت على ذلك نجد:
• نفوذ مذهبية النظام السياسي على السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، ومن المعلوم أن الرئيس الليبي معمر القذافي قد وضع مذهبيته الخاصة ضمن ما أطلق عليه تسمية "الكتاب الأخضر" وحاول التكنوقراط والبيروقراطيون الليبيون إسقاط محتوى الكتاب الأخضر على كامل النظام السياسي الليبي.
• اختلال بمعادلة توازنات الدور والمكانة فقد ظلت السياسة الخارجية الليبية تحاول القيام بأدوار عالمية – دولية لا تتناسب مع مكانتها الإقليمية كبلد شرق أوسطي لا يتجاوز عدد سكانه الثلاثة ملايين إضافة إلى أن اقتصاده ريعي يعتمد على استخراج وتصدير النفط الخام دونما أي نشاطات اقتصادية زراعية أو صناعية أو خدمية أخرى تذكر.
• الخلط المستمر بين ما هو استراتيجي وما هو تكتيكي فقد تبنت السياسة الليبية ملف الوحدة العربية ثم تبنت ملف الوحدة الإفريقية ثم حاولت جمع الاثنين في ملف الوحدة العربية – الإفريقية، وقد انعكست هذه التوجهات في السياسة الخارجية الليبية على النحو الذي أفقد الدبلوماسية الليبية مصداقيتها.
دخلت الساسة الخارجية الليبية في الكثير من المواجهات المكشوفة منذ الحرب الأهلية اللبنانية والحرب الأهلية الأوغندية، والحرب الأهلية في جنوب السودان وامتدت أيادي وأذرع الدبلوماسية الليبية إلى الحرب الأهلية الايرلندية والجيش الجمهوري الايرلندي والحركات الانفصالية في جنوب شرق آسيا وحركات المعارضة المسلحة في أمريكا الوسطى واللاتينية. وقد ترتب على هذه الجهود الدبلوماسية الليبية الـ"زائدة" أن أصبحت ليبيا هدفاً، لسياسات القوى الكبرى والعظمى، لجهة قيام الاتحاد السوفيتي ودول الكتلة الشرقية بترغيب ليبيا واستمالتها، وقيام الولايات المتحدة والمعسكر الغربي بتهديد ليبيا والعمل على زعزعة استقرارها.
ولكن، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وتراجع النفوذ الروسي على النحو الذي أدى إلى نشوء ظاهرة فراغ القوة الاستراتيجية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أصبحت ليبيا بلا أي غطاء دولي، وفي حالة انكشاف أمام الاستهدافات الأمريكية. هذا، ويمكن تلخيص ملفات الخلاف الليبي – الأمريكي في الآتي:
• ملف دعم الإرهاب.
• ملف أزمة لوكربي.
• ملف أسلحة الدمار الشامل.
• ملف أزمة الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني.
وعلى خلفية قيام القوات الأمريكية بغزو واحتلال العراق قامت القيادة الليبية بالتراجع 180 درجة وتخلت عن بكل مواقفها السابقة التي  كان من أبرزها:
• تسليم المطلوبين في قضية لوكربي.
• دفع مليار ونصف دولار أمريكي كتعويضات لأسر ضحايا لوكربي.
• تفكيك برنامج أسلحة الدمار الشامل وتسليمه للخبراء الأمريكيين والدوليين.
• إعادة محاكمة الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني المسؤولين عن قتل أكثر من 400 طفل ليبي عن طريق تلويث قدمائهم بفيروس الإيدز، بم أدى إلى تعديل العقوبة من الإعدام إلى السجن ثم ترجيلهم إلى بلغاريا في النهاية.
• إيقاف الدعم الليبي لحركات المقاومة الفلسطينية والاقتصار على تقديم بعض المساعدات الإنسانية للسكان وبعلم الولايات المتحدة.
بالمقابل كان واضحاً بأن القراءة الخاطئة لملف غزو واحتلال العراق والتنكيل بالرئيس صدام حسين قد أدت إلى تراجع القيادة الليبية التي دب في أوساطها الرعب وقطع الذعر أوصالها.
* التحولات البراغماتية في السياسة الخارجية الليبية:
دخلت الدبلوماسية الليبية خلال العامين الماضيين أسواق السياسة الدولية وعرضت الكثير من المزايا والتنازلات للراغبين من القوى العظمى ممثلة بتحركات ليبيا على خطوط باريس، موسكو، واشنطن. وعلى ما يبدو، أن هدف الدبلوماسية الليبية في هذه المرحلة هو إشعال التنافس الدولي حول ليبيا، وإذا كانت الدبلوماسية الليبية تتوقع أن يعود التنافس بالمزايا الإيجابية فإن ما لم تتوقعه الدبلوماسية الليبية يتمثل في أن الأطراف الدولية يمكن بكل بساطة أن تعقد صفقة حول ليبيا طالما أن ليبيا قد سلمت برامج أسلحتها وأصبحت بمثابة من يقف أعزلاً ومجرداً من السلاح بين خطوط النار.
وتأسيساً على ذلك، حتى الآن، وبرغم أن الدبلوماسية الليبية ما تزال واقعة تحت سيطرة أن طرابلس استطاعت الإفلات من العصا الأمريكية وأنها أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الحصول على الجزرة، فإن سيناريو العصا والجزرة ذاك لم يعد الأمريكيون يطبقونه بالطريقة القديمة ذاتها، وإنما وفقاً لأسلوب أن ترفع واشنطن العصا وتلوح بالجزرة وبتراجع طرابلس عن مواقفها فإن أمريكا ستظل تلوح بالجزرة طلباً للمزيد من التنازلات، وتقول التوقعات أن سياسة أوباما المتوقعة ستركز على مطالبة القذافي بالإصلاحات التي سيكون أقلها القبول بشروط المعارضة الليبية المتمركزة في واشنطن والتي تطالب بإقالة القذافي وانتحاب رئيس جديد.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...