حقيقة النوايا الأمريكية من العملية العسكرية داخل الأراضي السورية

27-10-2008

حقيقة النوايا الأمريكية من العملية العسكرية داخل الأراضي السورية

الجمل: نفذت قوات الاحتلال الأمريكي المتكررة في العراق في الساعة الرابعة وخمس وأربعين دقيقة من عصر أمس الأحد عملية عسكرية محدودة ضد الأراضي السورية عندما شنت هجوماً عدوانياً ضد المنشآت المدنية والمدنيين الأبرياء.
* ماذا تقول السردية:
تسللت عبر الأجواء السورية المتاخمة للحدود العراقية ثماني طائرات مروحية تابعة للقوات الأمريكية قامت بالنزول على عمق ثمانية كيلومترات داخل الأراضي السورية بالقرب من مدينة البوكمال الواقعة على الحدود مع العراق. هبط الجنود الأمريكيون وقاموا بارتكاب مجزرة ضد عمال البناء السوريين الذين كانوا متواجدين وأسفرت المجزرة عن مقتل ثمانية عمال وعدد من الجرحى وبعد ذلك استقل الجنود مروحياتهم التي عادت بهم إلى الأراضي العراقية. أما القتلى السوريون فهم: داود محمد عبد الله وأولاده الأربعة، أحمد خليفة، علي عباس الحسن وزوجته.
بعد حدوث المجزرة تحدث مصدر عسكري أمريكي في واشنطن زاعماً بأن العملية العسكرية استهدفت عناصر في شبكة لوجستية تابعة لمقاتلين أجانب وأضاف المصدر أن تراخي سوريا هو الذي دفع واشنطن إلى تولي الأمر بنفسها أما سوريا فقد تمثل رد فعلها باستدعاء القائم بالأعمال العراقي والقائمة بالأعمال الأمريكية وإبلاغهما احتجاج سوريا على العملية الأمريكية.
هذا، وما زالت وكالات الأنباء المقروءة والمسموعة تتناقل تداعيات الحدث باعتباره يشكل واقعة خطيرة لجهة رفع التوتر على الحدود العراقية – السورية وعلى خطوط دمشق – واشنطن ودمشق – بغداد.
* النوايا الأمريكية: أبرز التساؤلات والشكوك:
تخضع العمليات العسكري إلى ما يطلق عليه الخبراء العسكريون تسمية "قواعد الاشتباك" وتقول تفسيرات الدلالة الاصطلاحية بأن قواعد الاشتباك هي المسؤولة عن تحديد:
• من الذي يتم الاشتباك معه لتحديد العدو.
• متى يتم الاشتباك لتحديد الزمان.
• أين يتم الاشتباك لتحيد المكان.
• كيف يتم الاشتباك لتحيد الكيفية والأسلوب.
وتشير قواعد العلم العسكري إلى أن قواعد الاشتباك هذه تتميز وعلى حد سواء بالعمومية والتحديد إضافة لذلك توجد العديد من التقديرات الكبيرة حول طبيعة مفهوم قواعد الاشتباك باختلاف خطاب الثقافة العسكرية الخاص بكل جيش أو جماعة مسلحة إضافة إلى أن المذهبيات العسكرية والقتالية تفاوتت في تفسيرات ودلالات مفهوم قواعد الاشتباك.
عندما أنجزت القوات الأمريكية غزو واحتلال العراق تزايدت في واشنطن الأصوات القائلة بأن المحطة التالية ستكون سوريا، كما تزايدت أصوات أخرى كانت تقول أن المحطة القادمة ستكون إيران. لم تكن هذه الأصوات تتحدث من فراغ فقد كشفت التسريبات الأمريكية آنذاك أن الإدارة الأمريكية قد كونت ما أطلق عليه تسمية "مجموعة تخطيط إيران وسوريا" وتضم عضويتها مجموعة من متطرفي جماعة المحافظين الجدد وصقور الإدارة الأمريكية من غلاة الجمهوريين وقد كشفت التسريبات الصحفية عن أن هدف هذه المجموعة الرئيس يتمثل في فكرة المعلومات التي تساعد البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية الأمريكية لإيجاد الذرائع والمبررات للقيام باستهداف سوريا وإيران.
* ملف استهداف سوريا: بين الأداء السياسي والأداء العسكري:
خلال الفترة الماضية الممتدة من غزو واحتلال العراق حتى الآن فإن تحليل الأداء السلوكي الأمريكي يشير إلى جانبين متناقضين:
• الأداء السياسي يقول أن أمريكا تستهدف سوريا.
• الأداء العسكري يقول أن أمريكا لا تستهدف سوريا على الأقل في الوقت الحالي.
السبب الرئيس وراء التناقض بين الأدائين هو أن الحشد السياسي – الدبلوماسي الأمريكي ضد سوريا لا يقابله حشد عسكري لجهة التأكيد على أن أمريكا قد أعدت العدة لتنفيذ ما هو معلن ومتداول في أروقة واشنطن.
* كيف نقرأ العملية العسكرية الأمريكية الأخيرة:
العملية الأخيرة من الصعب القول أنها التجاوز الخطير الوحيد الذي ارتكبته القوات الأمريكية ضد دول الجوار الإقليمي العراقي، وقد رصدت دول الجوار الكثير من التجاوزات التي ارتكبتها القوات الأمريكية خلال الفترة التي أعقبت احتلال العراق وعلى سبيل المثال لا الحصر:
• انتهكت الطائرات الأمريكية الأجواء التركية بما دفع بأنقرة إلى تقديم احتجاج شديد اللهجة لواشنطن.
• انتهكت القوات والطائرات الأمريكية أراضي الجوار الإيرانية وحدثت الكثير من الاشتباكات المنظمة بين الطرفين ولكن تم التكتم على الموضوع.
• انتهكت القوات الأمريكية البحرية المياه الإقليمية الإيرانية في مناطق الخليج العربي وشط العرب ونفذت بعض العمليات العسكرية الاستفزازية التي كان يمكن أن تؤدي إلى إشعال الحرب الواسعة.
أما بالنسبة للسعودية والكويت والمملكة الأردنية فقد ظلت القوات الأمريكية تستخدم أراضيها بالطول والعرض دون إذن من أحد أو حتى اهتمام بإصدار التصريحات الرسمية التي تدين ذلك، طالما أن أحداً من هذه الأطراف لا يتمتع بالجرأة الكافية لاستدعاء الدبلوماسيين الأمريكيين وتوجيه الاحتجاجات الشديدة اللهجة ضدهم على غرار ما فعلته سوريا وتركيا.
تناولت بعض مراكز الدراسات الأمريكية وتحديداً خلال منتصف عام 2007م الماضي ومدى إمكانية لجوء القوات الأمريكية إلى عبور الحدود العراقية الإقليمية والقيام بتنفيذ العمليات العسكرية في دول الجوار العراقي وتحديداً سوريا وإيران وذلك على غرار ما ظلت تقوم به القوات الأمريكية في أراضي السعودية – الأردن – الكويت، وأشارت التحليلات آنذاك إلى المقصود تحديداً هو استخدام مبدأ "التعقب الساخن" كخيار للقوات الأمريكية في مطاردة الجماعات المسلحة العابرة للحدود. حاولت مجموعة من خبراء البنتاغون إسقاط مبدأ التعقب الساخن بشكل عملياتي وإدراجه ضمن مهام وقواعد الاشتباك التي تطبقها القوات الأمريكية الموجودة في المسرح العراقي.
بالنسبة لحالة سوريا تقول إحدى الوثائق الأمريكية أن الولايات المتحدة يمكن أن تحذو إزاء سوريا نفس حذو إسرائيل إزاء لبنان وطالما أن سابقة استهداف إسرائيل لحزب الله في جنوب لبنان ينظر لها الأمريكيون باعتبارها تتم ضمن إطار الدفاع عن النفس فإن عمليات القوات الأمريكية ضد المسلحين الذين يتواجدون في الجانيب السوري من الحدود العراقية هي عمليات يمكن النظر لها باعتبارها دفاعاً عن النفس.
محاولة التأطير القانوني لجهة التطابق مع الشرعية الدولية ومع ميثاق الأمم المتحدة الذي أعطى الدول حق الدفاع عن النفس هي محاولة لم تسفر عن شيء وكل ما هو متاح في مراكز الدراسات الأمريكية هو مجرد محاولة لاستخدام المعايير المزدوجة التي لا يمكن أن تقنع أحداً.
ولكن، برغم هذه العملية الأمريكية يتوجب الانتباه إلى احتمالات أن تكون القوات الأمريكية في العراق قد اعتمدت مذهبية عسكرية قتالية جديدة تقوم على أساس اعتبارات تطبيق مبدأ "التعقب الساخن".
معطيات خبرة عملية التعب الساخن التي حدثت في مختلف مراحل التاريخ العسكري – الحربي العالمي والتي سبق أن طبقتها القوات الأمريكية نفسها خلال حرب فيتنام ضد أراضي لاوس وكمبوديا، هي معطيات تشير إلى ضرورة توافر العناصر المؤهلة لإيجاد المبررات والذرائع لجهة المطالبة باعتماد خيار التعقب الساخن:
• اندلاع اشتباك داخل مسرح القتال الحقيقي أو منطقة القتال المحددة ضمن قواعد الاشتباك التي هي في هذه الحالة الأراضي العراقية.
• انسحاب الطرف المسلح الذي حاول تفادي الهزيمة الشاملة في المعركة باللجوء إلى عبور الحدود الدولية إلى داخل أراضي الدولة المجاورة وهي في هذه الحالة الأراضي السورية.
• قيام الطرف القوي في المعركة بمتابعة ومطاردة وتعقب العدو المنسحب من أجل استكمال عملية القضاء عليه.
برغم ذلك، فإن حق اللجوء لخيار التعقب الساخن لا يمكن ممارسته وفقاً للتقديرات الذاتية وإنما يتطلب الإذن والتنسيق مع دول الجوار، وفي حالة رفض هذه الدول يتم إخبار مجلس الأمن الدولي مسبقاً بذبك، ومن الواضح وبحسب تصريحات المسؤول الأمريكي الأخير الزاعم بأن العملية هي لاستهداف شبكة من المسلحين الجانب في العراق، فإن تفسيرات العملية الأمريكية كما هو واضح تندرج ضمن مزاعم التعقب الساخن وما هو جدير بالملاحظة هنا يتمثل في أن شروط التعقب الساخن المتعارف عليها غير متوافرة، إضافة إلى أن الإدارة الأمريكية ما تزال تحاول استخدام "طاقة العجرفة" المتزايدة في انتهاك الحقوق السيادية لدول الجوار العراقي بما فيها تلك الدول التي روضت نفسها على غض الطرف إزاء الانتهاكات الأمريكية، وما هو جدير بالانتباه خلال المراحل القادمة هو احتمالات لجوء القوات الأمريكية إلى التذرع بالمعلومات الاستخبارية الكاذبة المفبركة لجهة تبرير القيام بالمزيد من عمليات التعقب الجديدة.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...