الحكيـم يمـوت مرتيـن

28-01-2008

الحكيـم يمـوت مرتيـن

 عاش جورج حبش حياته على أنه بعض «فلسطين»: هي شرط وجوده بقدر ما هي العروبة شرط بقاء فلسطين لأهلها، قضية تحرر ووحدة. ولأنه عاش دائماً داخل حلمه فإنه قد رحل بعدما ضاق عليه حلمه الذي لم يغادره أبداً.
ولعل مما عجل في رحيل هذا المقاوم العريق تلك الصور التي تسنى لجورج حبش أن يراها، قبل أن ينطفئ نور عينيه، للفلسطينيين من أهالي غزة وهم يُسقطون الحدود المصفحة مع مصر، في محاولة عنوانها الرغيف أما هدفها المضمر فهو استعادة شعب مصر الذي قدم لفلسطين من أبنائه مثل ما قدمت وأكثر. لقد رأى اللاجئين (تكراراً) في وطنهم (وقد ضاع منهم) يقتحمون الحدود طلباً لمصر وسائر أهلهم في الدول الكثيرة، تلك الغارقة في الذهب حتى التيه، وتلك المغرقة في دماء أبنائها بالاحتلال الأميركي، وتلك التي انفرد بها حكامها فأغلقوا أبوابها على شعبها وأوهموه أن خلاصه بتنصله من هويته وأعبائها، وكأن العزلة هي أقصر الطرق إلى الرفاه والتقدم والديموقراطية.
مع الحديث عن جورج حبش، تتداعى فوراً أسماء رفاق السلاح سواء الذين سبقوا إلى الشهادة أو ينتظرون، و«أخطرهم» الدكتور وديع حداد، الذي أدخل أساليب عبقرية جديدة إلى الكفاح المسلح، برغم أنها مسّت بقداسة القضية، ثم هاني الهندي، وأبو ماهر اليماني وأولئك الذين بنوا معه حركة القوميين العرب وفيهم العراقي والسوري واللبناني والكويتي واليمني إلخ...
ولفترة، بدا وكأن هذه الحركة قد نجحت في إعادة وصل ما انقطع بين «الأخوة العرب»، وأسهمت في إحياء الأمل ببناء الوحدة العربية، خصوصاً وقد انتشرت خلاياها في مختلف الأقطار العربية، مشرقاً ومغرباً.
لكن مقدمات الهزيمة العربية في حرب ,1967 بعد الانفصال الذي دمر أول وحدة عربية (الجمهورية العربية المتحدة) أخذت «الحكيم» والتنظيم إلى مدى آخر، (فهرب» من القومية إلى الماركسية ـ اللينينية، مفترضاً أنها قد تقرّبه أكثر من الطبقات الشعبية المؤهلة لخوض حرب التحرير، وهكذا وُلدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، على أنقاض «الحركة».
وباختصار فإنه قد جرّب الوصول إلى فلسطين عبر كل الطرق المتاحة: من عمان الأقرب بالجغرافيا، إلى دمشق الأقرب بحس الانتماء القومي، من بيروت الأقرب بحرية السلاح، من طرابلس القذافي قبل أن «يهاجر» فكرياً إلى نظريته الخاصة... ولكن دائماً من القاهرة الأقوى بدولتها متى ارتفعت فيها راية العروبة التي تم تهجيرها منها بعد وفاة جمال عبد الناصر، وبعد إجهاض النتائج الباهرة لحرب العاشر من رمضان التحريرية إلى غربة الصلح المنفرد...
هل من الضروري التذكير بالمأساة الدموية التي نجمت عن «التحول الفكري» المريع الذي أخذ «القوميين السابقين» في عدن إلى المذبحة تحت الرايات الحمراء لماركسية مبتدعة، كانت مهمتها الفعلية تغطية السبق إلى السلطة بتبريرات ليس لها علاقة بأهل البلاد، البؤساء في فقرهم، ولا بثورتهم ضد المحتل البريطاني (في جنوب اليمن) ولا بطموحهم إلى العودة إلى وطنهم الطبيعي: اليمن.
- لم يكن جورج حبش سياسياً، بالمعنى المألوف للكلمة، في أي يوم. ربما لهذا لم يتحرج من تبديل الإيديولوجيا، ولكن دائماً بهدف استنقاذ الحلم: تحرير فلسطين أو استعادتها.
لكنه عاش مناضلاً في مختلف الساحات. وعاش دائماً حيث يفرض عليه النضال.
أذكر أنني التقيته ذات شباط، في «الكريمة» في غور الأردن. كان ضيفاً على بعض الفلاحين الذين أفرحهم أن يصيروا أدلاء لأبنائهم الفدائيين وهم يعبرون «الشريعة» إلى أرضهم التي يعرفونها بالشجرة والصخرة والمصباح الخافت والمحدلة على السطح الترابي.
قال واحد من الفلاحين مخاطباً «الحكيم» وصحبه: يمكنكم أن تهتدوا بآثار أقدام الصحابة من قادة جيش الفتح. من هنا عبروا وهم في طريقهم إلى بيت المقدس، ومن هنا عبروا ثم أقاموا طيلة حصار دمشق، وكثير منهم قضى نحبه ودفن هنا، في هذه الأرض المباركة خلال الحصار، لأن الطاعون ضرب دمشق وأهلها وأصاب من قادة جيش الفتح ومقاتليه الكثير فماتوا ودفنوا في هذه الأرض، وأقربهم إلينا هنا شرحبيل بن حسنة.
قال «الحكيم»: نتمنى على الله أن يكتب لنا الشهادة مثلهم من أجل تحرير الأرض.
- وأذكر أنني التقيت وأنا عائد من لقائه في منطقة جامعة بيروت العربية، ذات يوم من أواسط السبعينيات، الشاعر الكبير محمود درويش، فسألني بأسلوبه المميز: هل ما زال الحكيم يستوطن البديهية؟ ولم يكن بحاجة إلى جوابي للتصديق على حكمه... الثقافي.
وأعرف أن كثيراً من أهل الرأي ورجال السياسة كانوا يعودون من اللقاء مع «الحكيم» آخذين عليه تمسكه بالمواقف المبدئية المجافية لضرورات السياسة. وكان جورج حبش يستغرب اعتراضهم، ويفترض ـ صادقاً ـ أنهم المخطئون، وأن التجربة ـ لا سيما في مواجهة إسرائيل، ومن يتهاون في حربها ـ ستكشف لهم مدى غلطهم، محذراً من «أنك إن لم تواجه العدو فإنه سيأتيك في قلب دارك».
- الحزن عربي أسمر، له ملامح جورج حبش الذي كانت انتكاساته الصحية تعبيراً عن خيبات الأمل المتكررة، وعن نتائج الانحراف السياسي وإضاعة الطريق إلى فلسطين.
ومؤكد أن «الحكيم» سيرفع صوته محتجاً، من قلب مثواه الأخير، معترضاً على إعلان رئيس «السلطة الفلسطينية» الحداد ثلاثة أيام على رحيله، وهو في الطريق إلى القدس المحتلة للقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بينما جماهير الفلسطينيين المجوعين بالحصار المذل يقتحمون الحدود مع مصر لشراء كفافهم من الخبز.
مات جورج حبش مرتين: الثانية لأنه دفن خارج أرض فلسطين. لكن «الوحدوي» فيه سيصبر... كما في حياته.

طلال سلمان- السفير

س/جورج حبش وياسر عرفاتيرة حكيم فلسطين
- فلسطيني.

ـ ولد في مدينة اللد في 2/8/1926 لعائلة أرثوذكسية تعمل في التجارة.
ـ زوجته: هيلدا حبش وهي قريبته تعرف اليها في القدس سنة .1960
ـ تزوج في دمشق في أوائل سنة ,1961 وحضر زفافه كل من وديع حداد، والحكم دروزه، وأحمد الطوالبة، وتيسير قبعة وهاني الهندي، ومحسن ابراهيم، وخالد أبو عيشة (أول شهيد للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين).
ـ ولدت ابنته البكر «ميساء» في دمشق سنة 1961 وكان في السجن، وولدت ابنته الثانية «لمى» في القدس سنة .1966
ـ أنهى دراسته للمرحلتين الابتدائية والثانوية في يافا والقدس، ثم التحق سنة 1944 بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت.
ـ تخرج فيها طبيبا سنة ,1951 وفي اثناء دراسته كان من البارزين في المجال السياسي الذين عملوا من خلال جمعية «العروة الوثقى» في الجامعة، ومن خلال «هيئة مقاومة الصلح مع إسرائيل».
ـ شارك في تأسيس «كتائب الفداء العربي» مع هاني الهندي وجهاد ضاحي وحسين توفيق وعبد القادر عامر. وهذه المنظمة كانت تدعو الى الوحدة العربية وتحرير فلسطين. وقامت هذه المجموعة بمحاولة لاغتيال أديب الشيشكلي، وفي اثر ذلك جرى حلها.
ـ من ناشطي «جمعية العروة الوثقى» في الجامعة الأميركية في بيروت التي كان الدكتور قسطنطين زريق محركها الأساسي. ثم شارك في تأسيس «منظمة الشباب العربي» التي نشأت سنة 1951 ثم أصدرت نشرة «الثأر». وعقدت هذه المنظمة أول مؤتمر لها سنة 1956 برئاسة جورج حبش وانبثق عنه «حركة القوميين العرب»، وكان أبرز أعضاء الحركة وديع حداد وهاني الهندي وأحمد اليماني وأحمد الخطيب وصالح شبل وحمد الفرحان وحامد الجبوري.
ـ ترشح للانتخابات النيابية في الأردن في آب 1956 لكنه فشل.
ـ اتهمت حركة القوميين العرب في الأردن سنة 1957 بالقيام بعدد من التفجيرات، فاضطر الى التخفي والعيش في السر، وفي سنة 1958 تسلل الى دمشق، وحكمت عليه المحاكم الأردنية، غيابيا، بالسجن 33 عاما.
ـ بقي في دمشق طوال فترة الوحدة، وكانت حركة القوميين العرب في هذه الأثناء قد أيدت بقوة الرئيس جمال عبد الناصر، وتولى أحد مؤسسيها (هاني الهندي) احدى الوزارات.
ـ بعد الانفصال بقي في دمشق، وفي سنة 1964 تحولت قيادة اقليم فلسطين في حركة القوميين العرب التي كان يقودها مع وديع حداد وأحمد اليماني الى «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» من دون الاعلان رسميا عن قيام هذه الجبهة الذي تأخر الى سنة 1967 وتألفت هذه الجبهة من 3 مجموعات هي: أبطال العودة، شباب الثأر، جبهة التحرير الفلسطينية (التي كان أسسها أحمد جبريل سنة 1964).
ـ فر الى بيروت سنة 1964 هربا من الملاحقات في سوريا.
ـ تمكن من العودة الى سوريا بعد حركة 23 شباط 1966 التي حملت قيادة جديدة الى السلطة في سوريا وأطاحت قيادة أمين الحافظ وميشال عفلق.
ـ اعتقل في دمشق سنة 1968 سبعة اشهر. غير ان وديع حداد نظم عملية خاطفة لاطلاق سراحه، فهاجم القافلة التي كانت تقله من السجن الى المحكمة متخفيا مع رجاله بثياب الشرطة العسكرية، وتمكن من انقاذ رفيقه وتهريبه الى لبنان، وسافر بعدها الى القاهرة حيث التقى الرئيس جمال عبد الناصر.
ـ تعرضت قيادته في الجبهة الشعبية للصراع وواجه خمسة انشقاقات على النحو التالي:
1 ـ الانشقاق الذي قاده أحمد جبريل في آب 1968 وتمخض عنه استقلاله بتنظيم اطلق عليه اسم «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة».
2 ـ انشقاق نايف حواتمة في 22/2/1969 وتأسيس «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين».
3 ـ خروج أحمد زعرور ويوسف أبو اصبع وتأليفهما «منظمة فلسطين العربية» سنة .1970
4 ـ انشقاق «الجبهة الثورية لتحرير فلسطين» في 6/3/1972 بقيادة عدد من الكوادر أبرزهم أحمد فرحان (أبو شهاب) ونمر نصار وأبو علي اربد وابراهيم زاير (أبو خولة).
5 ـ انشقاق جماعة يقودها أبو نضال مسلمي وهو مسؤول تنظيم الجبهة في غزة، سنة .1994
ـ تخلى عن الخط القومي التقليدي الذي عرف به، وأعلن انتماءه وانتماء الجبهة الى الفكر الماركسي ـ اللينيني وذلك بعد هزيمة حزيران .1967 ثم صاغ مع رفيقه وديع حداد شعارا يقول بمطاردة العدو في كل مكان. وترجم وديع حداد هذا الشعار في عمليات خارجية متلاحقة ضد الطائرات الاسرائيلية، وبرزت فيها أسماء جديدة أشهرها ليلى خالد وأمينة دحبور كمناضلتين بارزتين في المجال الخارجي.
ـ استمرت علاقته بالرئيس جمال عبد الناصر وثيقة جدا لكنها بدأت بالفتور في تموز 1970 عندما وافق الرئيس عبد الناصر على مشروع روجرز.
ـ أسهمت العملية التي قام بها جهاز العمليات الخارجية بقيادة وديع حداد والتي خطف في سياقها 4 طائرات الى الأردن عام 1970 في تقديم الحجة للملك حسين لكي يبدأ قتاله ضد الفدائيين، وأسفرت هذه المواجهات التي عرفت بـ«أيلول الأسود» الى اخراج قوات الفدائيين من عمان.
ـ جاء الى لبنان سنة 1971 بعد انتقال قوات الثورة الفلسطينية الى الجنوب ومخيمات بيروت.
ـ أعلن في 14/3/1972 التوقف عن استراتيجية خطف الطائرات لأنها تتعارض مع تحالفات الجبهة الدولية.
ـ أعلن انسحاب منظمته من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في أيلول 1974 احتجاجا على الاتجاه السياسي الجديد للمنظمة والذي عرف ببرنامج النقاط العشر الذي أقره المجلس الوطني الفلسطيني العاشر.
ـ كان له اسهام بارز في تأسيس «حزب العمل الاشتراكي العربي» في لبنان.
ـ حاولت اسرائيل اعتقاله وقتله أكثر من مرة كان أبرزها محاولة اختطاف احدى الطائرات فور اقلاعها من مطار بيروت متجهة الى بغداد لاعتقادها انه كان بين الركاب، وجرت هذه الحادثة في 10/8/.1973
ـ أجريت له عملية في الدماغ سنة 1980 في الجامعة الأميركية في بيروت.
ـ غادر بيروت في آب 1982 مع القوات الفلسطينية وأقام منذ ذلك الحين في دمشق وانضم الى معارضي ياسر عرفات.
ـ كان له شأن في تأسيس جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطيني المؤلفة من المنظمات المعارضة لقيادة م. ت. ف والتي اتخذت دمشق مقرا لها.
ـ قام في حزيران 1985 بجولة على الكويت وعدد من دول الخليج في جولة هي الأولى من نوعها في تاريخه السياسي، وهو الذي كان يصف دول الخليج بالرجعية، وكان أعداء الجبهة بحسب الشعار: الامبريالية والصهيونية والرجعية.
ـ عارض اتفاق عمان بين م.ت.ف والأردن والذي وقع في شباط 1986 ودعا الى الغائه.
ـ أصيب بجلطة دماغية في تونس في 17/1/1992 نقل في أثرها الى احد مستشفيات باريس. وأثار نقله أزمة سياسية داخلية في فرنسا، استقال في أعقابها ثلاثة مسؤولين.
ـ جاء الى بيروت في 26/7/1999 للمشاركة في حفل تسليم جائزة جمال عبد الناصر التي ينظمها مركز دراسات الوحدة العربية الى محمد حسنين هيكل، وهي الزيارة الاولى له منذ .1982
ـ رفض دعوة ياسر عرفات الى الاجتماع معا في القاهرة في 1/8/1999 وقال ان شرطه لاجراء محادثات معه هو التراجع عن تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني. لكن الجبهة الشعبية كانت اتخذت قرارا بإجراء محادثات مع عرفات وسافر نائبه أبو علي مصطفى الى القاهرة لهذه الغاية في 31/7/.1999
ـ استقال من الأمانة العامة للجبهة الشعبية في 1/5/2000 أثناء عقد المؤتمر العام السادس للجبهة.
ـ زار لبنان وقابل الرئيس لحود في 3/7/,2000 ثم قابل الرئيس الحص في 4/7/.2000
ـ أسس «مركز الغدد العربي» في دمشق في سنة .2002
ـ عاش المرحلة الأخيرة متنقلا بين دمشق وعمان.
ـ أدخل الى أحد مستشفيات عمان في 17/1/2008 لاصابته بجلطة قلبية وتوفي في 26/1/2008

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...