قمة دمشق في الحسابات الجزئية والإستراتيجية

21-02-2008

قمة دمشق في الحسابات الجزئية والإستراتيجية

الجمل: سوف ينعقد اجتماع قمة دمشق العربية ضمن بيئة إقليمية ودولية حافلة بالتعقيدات لجهة المخاطر والمهددات التي أصبحت بشكل متزايد تؤثر سلباً في استقرار وتوازن منطقتي الشرق الأوسط والأدنى، وبرغم الظروف المحرجة، وأهمية القرار العربي الواحد وتفعيل العمل العربي المشترك، فإن بعض الأطراف العربية ما تزال أكثر اهتماماً بالمضي قدماً في تصعيد "المكايدات" على حساب تماسك قوام القرار العربي.
* قمة دمشق: الحسابات الإستراتيجية:
 * الحسابات الجزئية: على الصعيد القطري الجزئي تشهد الدول العربية الكثير من حالات الاضطراب وعدم الاستقرار الداخلي، إضافة إلى مشاكل العراق ولبنان وفلسطين والسودان واليمن، فإن الدول العربية الأخرى كمصر والجزائر والمغرب والسعودية لم تعد بمأمن من تصاعد الخلافات والصراعات الداخلية.
 * الحسابات الكلية: القضايا والملفات العربية أصبحت أكثر تعقيداً بالإضافة إلى الشقوق والتصدعات التي ألمت بالموقف العربي إزاء قضايا لبنان والعراق وفلسطين والاحتلال الإسرائيلي، فإن ثمة قضايا وملفات جديدة بدأت تبرز أكثر فأكثر على النحو الذي أصبح يشكل عنصر ضغط جديد أمام حركة التعاون والعمل العربي المشترك، ومن أبرز هذه العناصر الجديدة: الخلافات غير المبررة وضعف المبادرة، والخروج على روح التفاهم والحوار العربي المشترك.
* قمة دمشق: تأثير "الأطراف الثالثة" الخارجية:
قبيل وقوع أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 كانت البلدان العربية أكثر استقراراً وأكثر استقلالية في عملية صنع واتخاذ القرار العربي وكانت الدول العربية أكثر جرأة في طرح وتقديم منظورها الخاص إزاء القضايا العربية، ولكن بعد ذلك تورطت بعض الأطراف العربية كمصر والسعودية وغيرها في محاور دولية لجهة الارتباط بأجندة السياسة الخارجية الأمريكية المرتبطة بالمشروع الإسرائيلي الذي يتعاكس تماماً مع التوجهات العربية. كما لعبت الضغوط العربية دوراً كبيراً في إضعاف إن لم يكن إقصاء الدورين السعودي والمصري في الساحة العربية، وأصبحت مصر والسعودية حالياً وغيرهم من تجمع المعتدلين العرب في حالة عجز تام عن تقديم أي إسهام حقيقي دون التفاهم مع الإدارة الأمريكية وأخذ الموافقة المسبقة من واشنطن ذلك أن خطاب السياسة الخارجية الأمريكية إزاء الشرق الأوسط يقوم على تفعيل جملة من المفردات التي تعمل باتجاه الآتي:
• استدامة الاحتلال الأمريكي للعراق.
• بناء تحالف عربي ضد إيران.
• عزل سوريا.
• السيطرة على الموارد النفطية والأموال العربية.
• إدماج إسرائيل في المنطقة.
• حرمان سوريا والفلسطينيين من حقوقهم المشروعة.
وعلى هذه الخلفية وبسبب تأثيرات العامل الأمريكي برز انقسام كبير في الساحة العربية بعد هزيمة حزب الله اللبناني للقوات الإسرائيلية في جنوب لبنان وأصبح هناك تياران في الساحة العربية:
• تيار معسكر التمسك بالحقوق المشروعة.
• تيار معسكر التنازل عن الحقوق المشروعة.
وتجدر الإشارة إلى أن تيار معسكر التنازل عن الحقوق المشروعة لم يستطع حتى الآن تقديم أجندة حقيقية تعبر عن موقف عربي موحد، وكل ما هنالك أن هذا التيار يعمل بطريقة ميكانيكية على مسايرة التوجهات الأمريكية. وقد أدرك محور واشنطن – تل أبيب مدى ضعف هذا المعسكر وأصبحت تل أبيب تستخدم "ريموت" واشنطن في توجيه دفة هذا المعسكر ورسم هامش الحركة الخاص به.
الآن، وعلى خلفية بدء العد التنازلي لقمة دمشق، فقد بدا تأثير الأطراف الثالثة وتحديداً في محور واشنطن – تل أبيب يتضح أكثر فأكثر في الأداء السلوكي لأنظمة دول المعتدلين العرب وتوجهاتهم إزاء قمة دمشق، ومن سخرية القدر أن "ذرائع" عدم حضور قمة دمشق هي ذرائع موجهة ضد سوريا وتتبنى نفس مفردات الإدارة الأمريكية الهادفة إلى عزل سوريا، علماً بأن قمة دمشق ليست هي سوريا وإنما هي مكان استضافة القمة، وهذا المكان لم تقرره سوريا وإنما الجامعة العربية، إضافة لذلك، فإن سوريا نفسها لم تعترض على حضور أي طرف إضافة إلى أنها لم تتدخل في توجيه أجندة القمة العربية ولا في التأثير على الأمانة العامة للجامعة أو أمينها العام عمرو موسى.
* قمة دمشق: حسابات الفرص والمخاطر وعوامل القوة والضعف:
إن حضور الأطراف العربية لقمة دمشق ومن بينها السعودية ومصر سوف يتيح لها الفرص الآتية:
• تعزيز مكانتها ووزنها الإقليمي العربي.
• تقوية العمل العربي المشترك.
• القضاء على الخلافات البينية العربية.
• المشاركة وتحقيق الحضور في قيادة وتوجيه العمل العربي المشترك.
أما عدم الحضور فسوف يعرض الأطراف العربية التي لن تحضر إلى خطر الانكشاف أمام المخاطر الآتية:
• الانعزال عن العمل العربي المشترك.
• إضعاف جامعة الدول العربية.
• الاستسلام لخطر التبعية السياسية الخارجية.
• فقدان المصداقية أمام الرأي العام العربي.
• تصاعد الخلافات والأزمات العربية على النحو الذي يؤثر سلباً على الوضع العربي الكلي والجزئي.
من المعروف تماماً أن موقف سوريا القائم على التمسك بالحقوق المشروعة والثوابت العربية هو موقف ينسجم ويتطابق تماماً مع توجهات الرأي العام العربي ولو حدث وتم طرح استفتاء عربي عام حول الموقف السوري وموقف المعتدلين العرب فإن الكفة الراجحة بلا شك سوف تكون لجانب سوريا. وحالياً فقد آن الأوان لزعماء المعتدلين العرب إدراك أن التمادي في المناورات ضد تقاليد الجامعة العربية والعمل العربي وثوابت التمسك بالحقوق المشروعة سوف تؤدي مجتمعة إلى تعميق عوامل الضعف الخارجي لأنظمة دول المعتدلين العرب وأقل ما يترتب على ذلك هو تزايد السخط والمعارضة الداخلية المصحوب بتزايد الضغوط القادمة من محور تل أبيب – واشنطن وذلك لأن معطيات خبرة وروابط التبعية للإدارات الأمريكية قد أكدت تماماً بأن من يلبي مشروطيات الإدارة الأمريكية خوفاً من عقاب واشنطن لن يجد الثواب وإنما سوف يتلق المزيد من المشروطيات التي لن تنتهي إلا بانتهاء هذه الهيمنة نفسها: فهل سيحضر المعتدلون العرب قمة دمشق أم أنهم سيتغيبون تلبيةً لرغبات وإملاءات واشنطن التي بعد إضعافها للقمة العربية ستقدم لهم المزيد من المشروطيات الأخرى التي قد يكون أقلها ابتزاز الأموال العربية في عملية بناء دولة كوسوفو وتمويل نشر قوات حلف الناتو المتوقع قدومها إلى الشرق الأوسط. إن عدم حضور السعودية للقمة العربية بسبب أزمة الملف الرئاسي اللبناني هو الجانب الشكلي المنظور الذي يتعلق بالتفاهم الجاري على خط الرياض – واشنطن وعلى خلفية التفاهم الجاري على خط واشنطن – تل أبيب فإن الجانب الحقيقي غير المنظور هو تغيب السعودي من أجل:
• إضعاف دور السعودية في العمل العربي المشترك.
• تقويض أركان المبادرة العربية التي قدمتها السعودية.
• قطع الطريق على الجامعة العربية في المضي قدماً في أجندة المبادرة العربية المقدمة عن طريق السعودية.
• إضعاف الدور السعودي في لبنان لأن تصعيد خلافات دمشق – الرياض سيؤدي إلى إقصاء الدور السعودي في لبنان والذي أكدت التجربة أنه دور لن يكتسب أي قيمة ميدانية طوال ما كان يحاول المرور بعيداً عن بوابات دمشق وتجربة اتفاق الطائف تؤكد ذلك بوضوح ويقين.
كذلك خرجت مصر والأردن من معركة الصراع العربي – الإسرائيلي بعد توقيع مصر على اتفاقيات كامب ديفيد التي أعلن بعضها وتم الإبقاء على البعض الأخر في طي الكتمان، ثم توقيع الأردن على اتفاقيات وادي عربة التي تم الإعلان عن بعضها وإبقاء بعضها الآخر طي الكتمان أيضاً. ثم حاولت مصر العودة إلى دائرة الصراع ليس كطرف فيه وإنما ضمن لعبة الطرف الثالث واستطاعت استدراج ياسر عرفات والسلطة الفلسطينية، ولكن أدرك الفلسطينيون لاحقاً اللعبة وجاءت نتيجة الانتخابات الفلسطينية بما يؤدي إلى إحراق الورقة المصرية. أما مبادرة السلام العربية التي قدمتها السعودية فقد ترتب عليها نقل الصراع إلى مرحلة جديدة ولما كانت مصر تحاول الاستمرار في لعبة الطرف الثالث عن طريق الانفراد بإدارة أزمة قطاع غزة فإن السبيل الوحيد المتاح أمام القاهرة هو تقويض المبادرة السعودية، ولن يتم ذلك إلا بتغييب الحضور السعودي في العمل العربي المشترك خاصة وأن الدور السعودي في إدارة أزمة غزة هو المنافس الوحيد للدور المصري في هذا المجال طالما أن القاهرة تعتمد على مزايا القرب الجغرافي والرياض تعتمد على مزايا الروابط مع حركة حماس فهل سيكون الحضور السعودي في قمة دمشق مؤشراً لدور سعودي أكبر في المنطقة أم سيكون الغياب السعودي مؤشراً لدور مصري أكبر في غزة؟

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...