العديد من الفرق الراقصة ترك البلاد والباقية لا تحظى بالدعم

22-01-2015

العديد من الفرق الراقصة ترك البلاد والباقية لا تحظى بالدعم

لا يمكن عند الإطلالة على واقع الفرق السورية الراقصة أن نتجاهل حادثة اغتيال الكوريغراف لاوند هاجو؛ الراقص السوري الذي أُحرق جثمانه بعد قتله ونُكل بجسده في شقته بضاحية قدسيا ـ قرب دمشق يوم 12 تشرين الثاني 2008؛ «هاجو» كان قد اختار «رماد» اسماً لفرقته الراقصة التي أسسها مطلع الألفية الثالثة إيماناً منه بجعل الرقص وخصوصاً فن «المسرح الجسدي» في مقدمة الفنون التي تقف وجهاً لوجه ضد القوى الراديكالية في مجتمعه؛ مُقدماً مع فنان الديكور المعروف «نعمان جود» عدة عروض نالت أهم الجوائز في المهرجانات العربية والدولية كان أبرزها عرض «تمرّد العقل -2005» وعرض «رسالة -2007»، حيث نال هذا الأخير جائزة أفضل عرض في مهرجان «الرقص على الحافة» بهولندا، يومها كانت مبادرة الراقص الراحل قد انتزعت موافقة مديرية المسارح والموسيقى على الاحتفال بيوم الرقص العالمي في التاسع والعشرين من نيسان من كل عام؛ لتتوالى بعدها المبادرات التي ظهرت على المسارح السورية، محتفيةً بالرقص على أنه من أهم بذور الحداثة المسرحية في بلاد ما زال جزء كبير من جمهورها يعتبر الجسد مكاناً محرّماً ومحتجباً وموضعاً لطهرانية تسهر على حراستها وصيانة عفافها لوائح الشرف الذي لا يسلم حتى يراق على جوانبه الدمُ. سنوات الحرب الأربع في البلاد شهدت هجرة العديد من الفرق السورية الراقصة، كان في مقدمتها فرقة «تنوين» التي أسستها الراقصة السورية مي سعيفان، مقدمةً عرضها الأول بعنوان «كونتراكت» عن كتاب «تاريخ يتمزق في جسد امرأة» للشاعر السوري أدونيس، حيث لم يكن هذا العرض هو النشاط الأبرز للراقصة السورية التي تقيم اليوم في دبي، بل أقامت «سعيفان» مهرجان الرقص المعاصر عام 2009 وبمشاركة العديد من الفرق الأوروبية والسورية في أوبرا دمشق، كان أبرزها فرقة الكريوغراف الألمانية ساشا فالس، وفرقة الراقصة الهولندية جوليا موريدو، لتنطوي اليوم أصداء ذاك المهرجان الذي تعلق عليه مديرة ومؤسسة فرقة «ليش للمسرح الحركي» الراقصة السورية نورا مراد بالقول: «كان مهرجان الرقص المعاصر حدث في غاية الأهمية شاركتُ في تنظيمه بالتعاون مع مي سعيفان وفرقتها «تنوين» جنباً إلى جنب مع شبكة «مساحات» للرقص المعاصر وتجمع «مقامات» للكوريغراف عمر راجح؛ حيث أضافت «مساحات» دمشق إلى أنشطتها مع كل من مدن رام الله وبيروت وعمان، لكن مثل هذه الأنشطة توقفت للأسف مع اندلاع الأحداث في البلاد، فمن المعروف أن مهرجان الرقص المعاصر في سوريا كان يعتمد على تمويل المراكز الثقافية والمؤسسات الأوروبية التي كانت تعمل على دعم تجارب الفرق المستقلة، والتي كانت فرقتي «ليش» في مقدمتها»، وتتابع مراد التي تشغل اليوم منصب رئيسة قسم الرقص في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق: «اليوم لا يمكن لفرقتي الاستمرار في ظل الحرب؛ وجهات التمويل التي كانت حريصة على تمويلنا كفرقة راقصة مستقلة توقفت، مثلما توقف معها العديد من الفرق السورية التي كانت تعتمد على دعم المؤسسات الأوروبية التي تقول لا توافق على استمرار تقديم التمويل لنا إلا على شرط أن نقدم عروضنا خارج الأراضي السورية في بيروت أو عمان، وهذا يعود إلى صعوبة تحويل الأرصدة المالية لحساب التجمعات الفنية المستقلة جراء العقوبات الاقتصادية المفروضة على البنوك السورية؛ ناهيك عن إغلاق الدول الأوروبية مراكزها الثقافية التي كنا نقدم عروضنا على مسارحها من مثل الثقافي الفرنسي أو الألماني غوته، أو البريطاني».
الهجرة
 الدعم المتوقف منذ نيسان 2011 من المراكز والمؤسسات الأوروبية جعل العديد من الفرق الراقصة السورية المستقلة تختار الهجرة إلى بيروت كما هي الحال مع فرقة «سما» لمديرها علاء كريميد أو إلى دبي كفرقة «أورنينا» لمديرها ناصر إبراهيم أو إلى الدوحة، حيث كان في مقدمة الفرق المهاجرة إلى العاصمة القطرية فرقة «إنانا» لمديرها جهاد مفلح الذي نقل أنشطة فرقته إلى الدوحة منذ العام الأول للأزمة في سوريا، مؤسساً هناك ما يسمى بـ»أكاديمية إنانا» التي تستقطب اليوم عشرات الراقصين والراقصات السوريين إلى صفوفها، وعن هذه النقطة تقول راقصة سورية لـ «السفير» فضّلت عدم ذكر اسمها: «جهاد مفلح كان يتلقى كل الدعم من النظام السوري، وكانت ملايين الليرات تخصص لدعم عروض فرقته إنانا، لكنه ومع الشرارة الأولى للانتفاضة السورية سافر إلى الدوحة، مشتغلاً على مدى السنوات الأربع الماضية على سرقة الراقصين والراقصات من سوريا، وهناك طلاب رقص غير متخرجين من المعهد العالي للفنون المسرحية تعمل إنانا على استقطابهم بأجور خيالية من مثل محمد كمحة الذي ما زال طالباً سنة ثالثة في المعهد، ومها الأطرش وآخرين؛ حيث عمل مفلح جنباً إلى جنب مع ياسر الأيوبي المدير السابق لدار أوبرا دمشق على استقطاب عشرات التقنيين والراقصين والفنانين من الأوبرا السورية للعمل في أوبرا قطر وهم يعدون اليوم لمهرجان الدبكة في الدوحة؛ الذي سيقوم بأدائه خيرة الراقصين والراقصات السوريات».
الباقون
 مقابل هذه الهجرة الجماعية لريبرتوار الرقص السوري يبقى حال الفرق التي ظلت داخل البلاد ليس أفضل حالاً وفي مقدمتها فرقة «جلنار» للمسرح الراقص التي تأسست عام 1997؛ وعن واقع فرقته يقول مديرها الفنان علي حمدان: «لم نتلقَ أي دعم يذكر مع أن فرقة جلنار هي من أوائل الفرق الراقصة في البلاد؛ والتي مثّلت سوريا في أهم مهرجانات العالم من مثل أولمبياد بكين ومسقط وسواها من مهرجانات الرقص العالمي، فلم توافق مديرية المسارح والموسيقى لفرقتي لتقديم أي عرض على مسارحها، بل بالعكس عملت مديرية المسارح على تقديم فرص لفرق راقصة شبه ميتة ومهملة منذ سنوات على نحو فرقة «أميّة» التي وصل أعمار راقصيها وراقصاتها فوق الخمسين عاماً ولم يتم تجديدها أو دعمها بكوادر شابة منذ سنوات، إضافةً للحفل الذي أقامته المديرية لفرقة «المهرة» وهي فرقة لم يسمع بها أحد سوى مدير المسارح، ولم تقدم عرضاً واحداً على مسارح البلد منذ خمس سنوات، في حين أهملت كل الطلبات التي تقدمت بها «جلنار» للرقص على مسرح الحمراء، أضف إلى أن نادي محافظة دمشق استقطب مدربين ليسوا أكفاء لتدريب فرق أطفال في مدراس العاصمة؛ وذلك على حساب أي فرصة تقدم لفرقة عريقة ومعروفة بأنها سفيرة الفلكلور السوري في العالم مثل جلنار، إلا أن وزارة الثقافة انتبهت مؤخراً لهذا الخلل وقدمت فرصاً لفرقتين للعرض على مسارح السويداء واللاذقية وطرطوس، ناهيك عن فرصة عرض لجلنار أعمل عليها وفرقتي حالياً لتقديمها على مسرح دار الأوبرا بعنوان «بلاد الشمس». في ظل هذا الواقع يبقى قسم الرقص في المعهد العالي للفنون المسرحية من أهم الفسحات التي توفر فرصة لإحياء جذوة فن الرقص في البلاد، حيث تقول رئيسته الحالية الفنانة نورا مراد معقبةً: «قسم الرقص يتابع رغم كل ما يحدث حصصه الدرسية، إذ وصل عدد طلابه وطالباته إلى ثمانية وعشرين طالباً يتلقون دروساً عديدة في مجال الرقص الفلكلوري والمودرن والجاز والمعاصر؛ فالقسم نجح في تقديم عدة عروض كان أهمها «يوم من أجل الرقص» وعرض «ليتني حجر» بالتعاون مع الراقصة والكوريغراف حور ملص؛ إضافةً لورشة إيماء بإشراف وسيم قزق، وورشة رقص أمام الكاميرا بإشراف الفنان محمد علي، ورقص طقسي بإشراف الفنان هشام الخطيب، حيث يتوقف هذا الجهد - كما تصفه مراد- على ستة مدرّسين يشكّلون اليوم البنية الأساسية لتزويد الطلبة بالخبرات اللازمة بعد انقطاع زيارة الراقصين ومصممي الرقص من الخارج بسبب الظروف التي تشهدها البلاد». وهنا يعقّب علي حمدان الذي كان يدرّس مادة الفنون الشعبية في المعهد قائلاً: «ما يقدم للطلاب في مجال الرقص الفلكلوري لا يتعدى الحصتين أسبوعياً، وهذا يرجع برأيي إلى توجهات القائمين على قسم الرقص الذين يميلون أكثر إلى مدارس الرقص الغربي، ويحتقرون الرقص الشعبي لبلادهم، والغريب في الأمر هو أن حصتي مادة الفنون الشعبية أُخذتا مني لتعطيا لمحمد طرابلسي الذي ليس لديه الخبرة الكافية لتدريس الطلاب الرقص الشعبي، وعوضاً عن ذلك يتم التركيز في المعهد على رقص الجاز والكلاسيك والمودرن، حيث تساهم هذه المواد في تكريس الرقص الغربي لدى الطلاب الذين سرعان ما ينخرطون في برامج ومسابقات لهذه النوعية من الرقصات على التلفزيونات اللبنانية من مثل برنامج «هل تعتقد بأنك قادر على الرقص معي» على قناة mtv، ومن ثم يهجرون البلاد إلى غير رجعة كونهم لا يرتبطون ببلادهم ولا بهويتها ولا بتراثها الفني الراقص الذي يعمل مدرِّسي الرقص في المعهد على تعليمهم الاستهانة والاستخفاف به على حساب موجات وصرعة الهيب هوب ورقص الصالونات، وسواها من أنواع الرقص العولمي».


سامر محمد إسماعيل

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...