الديبلوماسية السورية والخيارات المفتوحة نحو مؤتمر السلام

20-10-2007

الديبلوماسية السورية والخيارات المفتوحة نحو مؤتمر السلام

لا يتعلق أحد الأسئلة الأساسية التي يواجهها المسؤولون السوريون في محادثاتهم مع مسؤولين غربيين وعرب باحتمال مشاركة سورية في مؤتمر السلام الدولي المقرر في الولايات المتحدة وحسب، بل ان أصدقاء دمشق لا يخفون رغبتهم في تشجيع سورية على «عدم إغلاق أبواب هذه الفرصة» التي تلوح في أفق العاصمة الأميركية.

وبمجرد بدء الحديث عن هذا «المؤتمر» قبل ان يتحول الى «اجتماع»، اتخذ بعض المسؤولين السوريين موقفاً يميل الى عدم المشاركة في هذا المؤتمر بسبب الشكوك باحتمال تحقيقه أي تقدم ملموس وباعتبار ان الرئيس الأميركي جورج بوش أشار إلى ان «الأطراف المعتدلة والمعارضة للإرهاب» وحدها التي ستدعى.

وبعد إلحاح دول عربية وأوروبية، اقتنعت واشنطن بضرورة حضور دمشق باعتبارها «مدعوة في شكل طبيعي لأنها عضو في لجنة تفعيل مبادرة السلام العربية»، كما قالت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، وقوبل هذا التعديل في الموقف الاميركي بموقف سوري تجنب القول صراحة عن حضور الاجتماع أم لا، مع التركيز على معايير الحضور.

وأوضح تعبير عن الموقف السوري جاء على لسان الرئيس بشار الأسد في الأسبوع الماضي عندما اشار الى ان الاجتماع الدولي هو «فرصة يجب اغتنامها» ما يعني ضرورة التحضير «كي يكون جوهرياً وذا معنى» في شكل كاف: المعايير، الأهداف، الجدول الزمني، المرجعيات، القضايا المطروحة، وان يتناول تحقيق السلام الشامل. وأمام إلحاح الزميلة ليز دوسيت من «بي بي سي»، قال الأسد إن سورية لن تشارك ما لم تكن مرتفعات الجولان المحتلة على جدول الأعمال لأن «الأمر لا يتعلق فقط بالفلسطينيين. انا رئيس لسورية ولست رئيساً لفلسطين، وعليّ العمل لمصلحة بلادي. من المهم بالتأكيد ان يستعيد الفلسطينيون حقوقهم وأراضيهم، لكن هذا ليس سلاماً شاملاً».

وفي السياق ذاته، قال وزير الخارجية وليد المعلم إن إرادة «صنع السلام الحقيقي» غير متوافرة لدى حكومة ايهود أولمرت وإدارة بوش، مشيراً الى «غموض المضامين والغايات وافتقار الأهداف والأسس والمرجعيات والإطار الزمني» في الحديث المتداول عن الاجتماع الدولي. كما قال مسؤولون سوريون ان هناك شرطين للحضور: وضع الجولان على الطاولة وتوجيه دعوة رسمية لسورية. 
تزامنت هذه التصريحات مع اعلان مسؤولين في «الجهاد الاسلامي» و «حماس» و «الشعبية - القيادة العامة» تنظيم عقد مؤتمر للمنظمات الفلسطينية في دمشق يومي 7و8 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل لوضع «خطوط حمراء» لا يمكن لأي مفاوض فلسطيني تجاوزها.

وعلم ان المسؤولين السوريين لا يزالون تتجنبون في لقاءات مع مسؤولين غربيين وعرب تحديد موقف من المشاركة او عدمها. كما ان سورية حضرت اجتماع اللجنة الرباعية الدولية مع لجنة تفعيل مبادرة السلام العربية في 23 الشهر الماضي في نيويورك، لكن بخفض مستوى التمثيل من وزير الخارجية الى مستوى سفير.

ويمكن وضع هذه التصريحات والإشارات والخطوات في سياق حرص الديبلوماسية السورية على ترك الخيارات المفتوحة: عدم تأكيد الحضور او عدمه مقابل التركيز على الوصفة المناسبة للمؤتمر، في انتظار تبلور الصورة النهائية. وأمام هذا يقوم مسؤولون سوريون بموازنة سلبيات المنافع والخسائر إزاء الحضور، بانتظار تبلور نتائج الاتصالات الهادفة الى تعديل صيغة المؤتمر.

هناك إجماع واضح على وجود غموض شديد إزاء المؤتمر حتى لدى الدول العربية التي تجري اتصالات مستمرة مع واشنطن. ما يقال الى الآن، ان المؤتمر سيركز على المسار الفلسطيني وعلى إنجاز «إعلان مبادئ» او «ورقة مشتركة» بين أولمرت والرئيس محمود عباس (ابو مازن) تتناول القضايا الأساسية على ان يجرى بحثها بعد اختتام المؤتمر.

الرأي الذي اجمع عليه وزراء خارجية الدول السبع الأعضاء في لجنة تفعيل المبادرة، يقوم على ضرورة ان يتناول الاجتماع الدولي «جميع المسارات بما فيها المساران السوري واللبناني لتحقيق السلام الشامل» مع الموافقة على ان تكون «الأولوية الراهنة» للمسار الفلسطيني. وعلم ان اتصالات ديبلوماسية بين الدول الأعضاء أثمرت عن توافق على نقاط أخرى تتضمن ان يكون هناك جدول زمني محدد يستمر لنحو سنة لتحقيق تقدم ملموس إزاء بحث القضايا الاساسية المتعلقة بالحدود والمستوطنات والقدس واللاجئين.

لكن هذه النقاط التوافقية، لم تجب عن الكثير من عناصر القلق التي تطرحها الأوساط السورية المتعلقة بعدم وجود ضمانات للأطراف المعنية، ولا ان يتناول المؤتمر جميع المسارات التفاوضية. يضاف الى ذلك، الحذر من ان يكون هدف المؤتمر «ترتيب الوضع الداخلي» لكل من بوش وأولمرت أو تعزيز عباس مقابل «حماس» بعد سيطرة هذه الحركة على قطاع غزة وتعميق الانقسام الفلسطيني.
وهناك أيضاً عنصر حذر آخر لدى دمشق من ان يكون هدف المؤتمر دفع دول عربية إلى «التطبيع» مع إسرائيل من دون قيام أولمرت بأي خطوات ملموسة في مجال تحقيق السلام، أو ان يكون الهدف من الاجتماع وضع المسار السوري على الرف الإقليمي. لذلك، يقابل الإصرار على حضور سوري بتساؤلات كثيرة ان لم يكن بشكوك مبطنة من ان الهدف الفعلي هو تحويل سورية الى «شاهد زور».

كما ان دمشق ترى ان فشل المؤتمر في إطلاق حلول سيؤدي الى «كارثة فعلية» تزيد من تعقيد الأمور في الشرق الأوسط، وقال المعلم في نيويورك ان «تضاؤل الآمال لدى شعوب المنطقة أو حتى فقدانها في إمكان صنع سلام عادل وشامل والوضع الراهن في العراق بما يخلّفه من غضب وقلق، أمران يجعلان المنطقة تعيش واقعاً متفجراً يحولها إلى بؤرة توتر ومواجهات».

في المقابل تطرح أوساط ديبلوماسية غربية بعض النقاط الإيجابية يمكن ان تحققها سورية في حال حضورها الاجتماع على مستوى عال. بينها انه يمكن ان تكون الأولوية للمسار الفلسطيني، لكن المشاركة السورية يمكن ان تطلق عملية سياسية تؤدي الى وضع الجولان على الطاولة، وان الاجتماع يمثل «نافذة فرصة» لسورية لإعادة فتح الكثير من الأبواب التي كانت مغلقة مع دول أوروبية وعربية ومسؤولين أميركيين وتعزيز التيار الداعي الى الانخراط مع سورية مقابل إضعاف التيار الآخر الداعي الى «عزل سورية لأنها لا تقوم بأي دور بناء ولا تتجاوب مع أي مبادرة إيجابية في الشرق الأوسط».

ويشير مؤيدو الحضور من الغربيين الى ان الاجتماع سيشكل «فرصة للمسؤولين السوريين كي يضغطوا لوضع الجولان على الطاولة في حال انها لم توضع على جدول الأعمال، وان يقولوا انه لا يجوز التفاوض مع الإسرائيليين في وقت يقوم انقسام فلسطيني - فلسطيني وانه لا بد من تشجيع الحوار بين الفلسطينيين لقيام تفاوض على أساس إجماعي».
وهناك اعتقاد ان الحضور السوري سيشكل إشارة رمزية الى السعودية ومصر في هذه المرحلة لتجاوز البرود القائم وان يساهم في تمهيد الأرضية لاستضافة دمشق القمة العربية في ربيع العام المقبل.

وبين عناصر الحذر السورية والحوافز الغربية، تترك دمشق خياراتها مفتوحة في انتظار نتائج الاتصالات الدولية وخصوصاً التركية، الهادفة الى إجراء تغيير في جدول أعمال الاجتماع لوضع الجولان على الطاولة التفاوضية، وفي انتظار الدعوة الرسمية بحيث تكون مدعوة كـ «طرف في الصراع وليس باعتبارها عضواً في لجنة تفعيل المبادرة» (لبنان مدعو مع انه ليس عضواً في اللجنة).

ولا شك في ان زيارة الرئيس الأسد الى أنقرة والمساعي التركية لترتيب لقاء بين المعلم ونظيرته الأميركية كوندوليزا رايس، ستترك أثراً كبيراً في القرار السوري من حضور «مؤتمر الخريف» الذي لا تريده دمشق ان يكون «محفل علاقات عامة».

إبراهيم حميدي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...