سورية هي الرابح الأول في أنابوليس

06-12-2007

سورية هي الرابح الأول في أنابوليس

لا يكاد يمر يوم إلا وتكون الدبلوماسية الإيرانية قد فتحت صفحات ملف جديد أو اضافت الى ملف قديم متغيرات ومستجدات. فإذا ارتفع معدل القتلى الأميركيين في العراق، استُحضر الدور الإيراني كدافع للتصعيد، وإذا تقلص المعدل كان الايرانيون هم السبب، وكذلك الحال كلما تأزم أو هدأ الوضع الداخلي في كل من لبنان وفلسطين.
ولم ينظر الإيرانيون الى تأخر سقوط الثلوج على طهران هذا العام بكثير من التشاؤم، لأن مصدر التشاؤم كان يتأتى من تهيب المتغيرات بعد نجاح الأميركيين في عقد مؤتمر انابوليس بحضور جميع العرب بمن فيهم سوريا، ومن كلام منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا عن خيبة أمل بعد جولة المحادثات مع المفاوض الإيراني سعيد جليلي في لندن.
كانت الصورة قاتمة كما غيوم طهران التي لم تأتِ بالخير بعد، فمؤتمر انابوليس، قد نجح في الشكل، وأغلب التحليلات وضعته في خانة محاولة واشنطن عزل طهران أو تمهيد الأرضية للقيام بعمل عسكري ضدها. وفي السياق قيل الكثير عن نفور او تنافر بين طهران وحليفتها الاولى في المنطقة دمشق على خلفية مشاركة الأخيرة في انابوليس. اما خيبة امل سولانا، فقد كانت إشارة واضحة لسلة جديدة من العقوبات لا محالة ستخرج عن اجتماع مجموعة الخمس زائد واحد في باريس.
كذلك كانت الأخبار المتواترة عن أزمة انتخابات الرئاسة في لبنان تُنبئ بشر مستطير، بينما لم يكن وضع حماس في قطاع غزة بأحسن حال مع تضييق الحصار واجتماع العرب وإجماعهم على دعم حكومة الرئيس محمود عباس في اجتماع وزراء الخارجية في القاهرة، وتالياً ذهابهم اجمعين طوعاً الى محضر الرئيس الاميركي جورج بوش في انابوليس.
كانت طهران تترصد نتائج انابوليس وتترقب مزيداً من العقوبات بسبب برنامجها النووي، لكن الهاجس الاساس كان رهاب العزلة الكاملة إذا ما كتب لأنابوليس النجاح الفعلي.
انقضت أيام قليلة بساعات ثقيلة، لتستفيق طهران على تبدلات متسارعة. فكلام سولانا في ليل لندن محاه نهار باريس بفشل مجموعة الخمس زائد واحد في الاتفاق على قرار جديد بفرض مزيد من العقوبات. وهاجس العزل تبخر مع انباء حضور الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد قمة دول مجلس التعاون الخليجي غير العادية في ظروف انعقادها.
وعلى ما يقول احد اركان وزارة الخارجية الإيرانية، فإن دوائر القرار في طهران درست إيجابيات وسلبيات حضور نجاد القمة الخليجية. وظهر في الآراء ما يدعو لعدم المشاركة باعتبار ان القمة ستكون منبر انتقاد لإيران وسيردد القادة الخليجيون على مسمع ضيفهم الإيراني لازمة الجزر الثلاث واشتراط تطمينهم بشأن الطموحات النووية الإيرانية لمجرد الحصول منهم على موقف حيادي، لكن الرأي الحاسم جاء لمصلحة المشاركة على اعتبار أن الحضور في الشكل سيكون مفيداً ومتمماً لحركة ايرانية باتجاه الجيران الخليجيين بعد زيارة نجاد الى البحرين ومشاركته في قمة الدول المصدرة للنفط اوبك في الرياض.
ومع المشهد الاول للحفاوة البالغة، وحرص الملك السعودي عبد الله على الإمساك بيد الرئيس الإيراني في احتفالية الدخول الامبراطوري الى قاعة القمة، اشتغلت دوائر التحليل في طهران على استيعاب لحظة الاستغراب لتبدأ في قراءة الانقلاب السريع بين التوجس من حشد العرب في انابوليس، واحتفاء العرب انفسهم بالضيف النووي المقلق. وعندما يُسأل المسؤول في الخارجية الإيرانية عن الاسباب يرد بطرح أسئلة مماثلة عن سر هذا التحول، لكنه يجزم بنوع من الهمس بأن البحث يجب ان يتعدى الدول الخليجية الى البيت الأبيض الاميركي، لأن الأمر ما كان ليتم بهذا الشكل لولا إيعاز أو رضى او على الاقل غض طرف من قبل واشنطن.
وهنا، يفتح المسؤول المذكور المجال على فيض من الأسئلة عن سبب التحول الاميركي بين ليلة وضحاها. ويبدأ من رضوخ واشنطن لضغط بكين وتمنّع موسكو ورغبة برلين في تأجيل فرض مزيد من العقوبات ليصل الى تقرير الاستخبارات الاميركية عن توقف البرنامج العسكري النووي الإيراني منذ عام ,2003 مروراً بتحولات أميركية غير متوقعة تجاه سوريا وتجاه الأزمة السياسية في لبنان.
في مجال التساؤل الاول، يضع المسؤول البارز في الخارجية الإيرانية علامات استفهام كبيرة عن توقيت صدور تقرير الاستخبارات الاميركية حول البرنامج النووي، الذي من المفترض أن يفرمل طموحات صقور إدارة البيت الأبيض في التهور والقيام بعمل عسكري قريب، برغم تصريحات إثبات الذات التي ادلى بها الرئيس الاميركي بعد التقرير عن استمرار الخطر الإيراني، وبرغم سعي زلماي خليل زاد لمشروع قرار جديد في مجلس الامن لا يبدو أن احداً يشارك الأميركيين في الحماسة له، حتى من ضمن الحلفاء في مجموعة الخمس زائد واحد.
اما عن سبب المديح الأميركي غير المعلن لإيران في ما خص الشأن العراقي، مع انخفاض معدل القتلى بين الجنود الأميركيين خلال الشهر الماضي، فلا يعتبر المسؤول الإيراني ان السبب وحده هو ما يُسأل عنه الإيرانيون بأنهم والسوريين قد اقفلوا منافذ تسرب المقاتلين الى العراق وقننوا وصول المتفجرات. كذلك لا تستسيغ طهران الحديث عن صفقة كبرى مع واشنطن بعد الاتفاق الطويل الأمد بين نوري المالكي وجورج بوش حول وجود اميركي بعيد الامد، وبعد زيارة رئيس الائتلاف العراقي الموحد السيد عبد العزيز الحكيم للبيت الأبيض غداة مؤتمر انابوليس، لكن التودد الأميركي لطهران بضرورة استئناف الحوار حول العراق يندرج في سـياق الأسـئلة قيد البحث والتحليل.
وفي موضوع التساؤل الثالث، لم تنته دوائر التحليل في طهران من دراسة جدوى التحول الأميركي تجاه سوريا ودعوتها كضيف الشرف الأبرز في مؤتمر انابوليس. وفي هذا المجال، يرى المسؤول الإيراني ان سوريا خرجت من انابوليس اكثر المستفيدين، فهي نجحت في تأكيد حضورها كلاعب اساس في قضايا المنطقة، واستعادت دورها بعد محاولات عزل متواصلة منذ ثلاثة اعوام، وهي كانت نجم الإجماع العربي في الاجتماع الوزاري في القاهرة بعدما دفعت دول الاعتدال للتنازل وإيفاد الملك الأردني عبد الله الثاني الى دمشق عشية انابوليس.
ومن دون ان يقر المسؤول الإيراني بوجود تنسيق إيراني مسبق او لاحق مع دمشق بشأن مشاركتها في انابوليس، يضع زيارة وزير الخارجية السورية وليد المعلم الى طهران قبل المؤتمر وزيارة نائبه فيصل المقداد بعده، في إطار الاطلاع لا التنسيق، لكنه يعقب بأن لدمشق نهجها المعتمد منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد في التفاوض مع الاميركي وحتى مع الإسرائيلي وفي الوقت عينه تتمسك بالتحالف الاستراتيجي مع طهران وقوى الممانعة في المنطقة.
ومن الموضوع السوري، يبقي المسؤول في الخارجية الإيرانية باب الأسئلة مفتوحاً، ليستغرب التبدل الأميركي في اسلوب معالجة الازمة السياسية القاسية في لبنان. وبعد ان يجد في تغير احوال النائب وليد جنبلاط مؤشراً على مقدمات تغيير اميركي، يتوقف عند تصريحات للسفير الأميركي في بيروت اقرّ بها باستحالة حل مسألة سلاح «حزب الله» في المستقبل المنظور بما يتوافق مع تصريحات جنبلاط الجديدة. كذلك فإن سيناريو إعلان موافقة الأكثرية النيابية على قائد الجيش العماد ميشال سليمان كمرشح توافقي اوحى بأن واشنطن في وارد تهدئة المحور اللبناني على غير ما كانت تدل تصريحات ومواقف المسؤولين الأميركيين في الاشهر الأخيرة. ويرفع المسؤول الإيراني من مستوى الاستغراب بسؤال عن سر الموافقة الأميركية على قائد الجيش، وهو مرشح تحبذه دمشق والمعارضة اللبنانية، ولا يجيب على دوافع هذه الانعطافة الأميركية بانتظار مزيد من التمحيص والتحليل.
اما عن تأثير كل هذه المتغيرات على الثابت الفلسطيني، فيترصد المتابعون في طهران النتائج العملية لمؤتمر انابوليس، ويبدون خشية من أن يكون وضع حماس القائم في غزة هو كبش المحرقة في خضم الحرص الأميركي على تهدئة كل المسارات وإجماع العرب على التبرؤ من دم هذا الصديق.
والى كل هذه الأسئلة، يبقي المسؤول البارز في الخارجية الإيرانية مشهد الحفاوة غير المسبوقة بالرئيس الإيراني في قمة الدوحة في دائرة التساؤل الخاضع للدرس والمناقشة، ويختم بسؤالين: هل اعتنق الرئيس الأميركي جورج بوش، ولو متاخراً، مذهب بيكر ـ هاملتون في أسلوب التعامل مع إيران وسوريا؟ ام ان عدم انتظام دقات قلب اشرس صقور الإدارة الاميركية ديك تشيني قد غير نهج الإدارة من حال الى حال؟

علي الحاج يوسف

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...