«عاصفة السوخوي»: عام من التعقيدات في الجبهات العسكرية والسياسية

01-10-2016

«عاصفة السوخوي»: عام من التعقيدات في الجبهات العسكرية والسياسية

ما قبل التدخل الروسي ليس كما بعده، سواء في ميادين القتال السورية أو حتى في دهاليز السياسة. إلا أن التغيّر الأبرز الذي طرأ على الحرب السورية بعد إعلان التدخّل الروسي المُباشر قبل عام من الآن، هو عولمتها رسميا، وتغيّر التكتيكات السياسية الدولية، والإقرارات الدولية المُتتالية بالتدخّل العسكري المُباشر في سوريا، سواء كطرف رئيسي في هذه الحرب أو في سبيل البحث عن نصيب من «الكعكة السورية».
نظرة مُوسّعة على خريطة الصراع الميداني في الحرب السورية، تُظهر أكثر من عشر دول مُنخرطة انخراطا مباشرا أو غير مباشر في هذا الصراع. ففي وقت تُمثّل فيه روسيا وإيران والصين دول الدعم للجيش السوري، تقود الولايات المتحدة المحور الآخر وسط حقل ألغام من تضارب المصالح بين تلك الدول التي تُعتبر تركيا والسعودية وقطر وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا والأردن أبرزها.
وبوصف سريع لمناطق النفوذ على الخريطة السورية، اختارت روسيا الساحل غرباً كقاعدة لعملياتها، فيما اختارت الولايات المتحدة مدينة رميلان في ريف الحسكة في أقصى الشرق السوري قاعدة لعملياتها. وفي وقت تكفّلت فيه كل من الأردن وإسرائيل في شغل الجنوب السوري، وجدت بريطانيا في المناطق الحدودية مع العراق وفي منطقة التنف تحديداً، موقعاً مناسباً لبناء مقرّ لقوّاتها، وهي الخطوة ذاتها التي اتّخذتها فرنسا التي اتخذت من عين العرب في الشمال السوري مقراً لقوّاتها، وسط زحمة النفوذ التركي الممتدّ نحو الشمال الشرقي، أما السعودية وقطر فتتوزّع الفصائل التابعة لها توزعا رئيسيا بين شمال سوريا ووسطها وأقصى الجنوب، من دون وجود عسكري مُباشر لقوّاتها على الأرض السورية.
وأمام المشهد الميداني السوري المُعقّد، والأطراف العديدة للصراع، تبرز الولايات المتحدة كرأس حربة في هذا الصراع، وهو مركز حاولت الحفاظ عليه بعد التدخّل الروسي المُباشر في سوريا.
تغييرات عاجلة لمواجهة موسكو
 لم تتأخر الولايات المتحدة كثيراً في التحرّك في أعقاب انطلاق التدخّل الروسي. ففي يوم الجمعة، الواقع فيه التاسع من تشرين الأول 2015، خرجت الإدارة الأميركية لتُعلن فشل خطتها ذات الخمسمئة مليون دولار لتدريب مُقاتلي المعارضة السورية في تركيا، وهي الخطّة التي كان قد أعلن البيت الأبيض عنها ربيع العام 2014، وشملت تدريب 15 ألف مُقاتل «معتدل» بمعدل خمسة آلاف مُقاتل كل عام. كان قرار إلغاء مشروع التدريب ذا دوافع عميقة مُتعلّقة باستشعار الولايات المتحدة لعواقب التدخّل الروسي في سوريا، وتأثير ذلك على ساحات المُواجهة بين الطرفين وعلى نفوذ الولايات المتّحدة في الشرق الأوسط، وهو النفوذ الذي تزعزع بسبب عقيدة أوباما التي شملت نقل النفوذ الأميركي إلى جنوب شرق آسيا ضمن ما عُرف بـ «Pivot». وقد لخّص أحد كبار مستشاري أوباما بريت ماكغورك الحاجة للتغيير في أعقاب الدخول الروسي بالقول: «علينا أن نكون مرنين. علينا أن نكون مُتكيّفين».
المرونة الأميركية تجلّت بصور عدّة، أهمها نقل الدعم والتمويل إلى المجموعات المنخرطة أساساً في قتال الحكومة السورية، بدلاً من تشكيل مجموعات جديدة. وبعد يومين أو ثلاثة على الإعلان الأميركي، أعلن ثلاثة عشر فصيلاً، بينها «قوات حماية الشعب» الكردية (YPG) عن تشكيل «قوات سوريا الديموقراطية» وأن الهدف الرئيسي لهذه القوات هو التصدّي لتنظيم «داعش». وفي الشهر التالي، أعلنت «جبهة الأصالة والتنمية» عن انطلاق تشكيل جديد يتصدّى لمهمة محاربة «داعش» باسم «جيش سوريا الجديد».
بعد شهر واحد فقط، أعلنت واشنطن، رسميا، إرسال قوات تابعة لها إلى سوريا. حينها أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما عن إرسال مُدرّبين من القوات الخاصة، لتبدأ بعدها سلسلة التدخّل الأميركي العسكري المُباشر إلى سوريا. ففي الخامس والعشرين من شهر نيسان الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وصول تعزيزات أميركية إلى سوريا. وذكرت وكالة «سانا» السورية للأنباء، في السابع والعشرين من شهر نيسان الماضي، أن 150 جندياً أميركياً دخلوا إلى مدينة رميلان. وأظهرت لقطات بثّتها قناة «فرانس 24» مُشاركة القوات الأميركية مع الأكراد في معارك عدّة.
رأى الكاتب والأكاديمي السوري محد صالح الفتيح، أن الولايات المتحدة، بعد التدخّل الروسي، اعتمدت على المُناورة والتلاعب بكل من الأكراد والأتراك.
وقال: «رأينا كيف دفعت الولايات المتحدة بقوات سوريا الديموقراطية إلى سدّ تشرين في نهاية العام الماضي، وذلك ضمن تهديد ضمني لتركيا لدفعها الى التحرّك للتدخّل في الشمال السوري. ويوم اتّفق الطرفان التركي والأميركي على تنفيذ هذه المهمة، سحبت الولايات المتحدة العناصر الكردية من سدّ تشرين ومحيطه واستبدلتهم بعناصر عربية تطمئن لها تركيا. وبعدما انقضت مهلة الأشهر الستة التي حصلت عليها تركيا، أعادت الولايات المتحدة الدفع بقوات سوريا الديموقراطية نحو منطقة منبج، وهذا ما أدى إلى دفع تركيا للإسراع بالتدخّل في الشمال السوري، وهو التدخّل الذي ما يزال يتعاظم يوماً بعد يوم».
«التحالف الدولي»: 95 % من الغارات أميركية
 وإلى جانب الانخراط المُباشر في الحرب السورية، تقود الولايات المتحدة تحالفاً من نحو 20 دولة تحت مسمى «محاربة داعش» عن طريق الغارات الجوية التي مثّلت فعلياً «غطاء جوياً لتحرّكات الفصائل المدعومة أميركياً»، بكلفة يومية تبلغ تقريباً 12.6 مليون دولار، وتظهر الأرقام الواردة على موقع التحالف الدولي أن 95 في المئة من الغارات في سوريا نفذّتها طائرات أميركية. وبحسب موقع «التحالف»، فإن مجموع عدد الضربات الجوية في كل من سوريا والعراق بلغ، منذ بداية العمليات وحتى مساء 20 أيلول، 15134 ضربة منها 9883 ضربة في العراق و5251 ضربة في سوريا.
استمرار دعم المسلحين
 لم يقتصر دور الولايات المتحدة على توسيع نفوذها في سوريا عبر قاعدة رميلان وتسيير واستثمار الأكراد فقط، بل استمرّت بتقديم الدعم اللوجستي للفصائل المُسلّحة، وحتى تلك المُصنّفة فصائل إرهابية، أو تعمل جنباً إلى جنب مع الفصائل الإرهابية.
ظهرت الأسلحة الأميركية في ميادين القتال السورية، لا سيما في الهجمات الأخيرة على مدينة حلب ومُحاولة فكّ الطوق العسكري المُحيط بالمدينة، لا سيما الصواريخ ضادّة للدروع «تاو» السلاح الأشهر الذي استعملته الفصائل «الجهادية» في سيطرتها على محافظة إدلب، واستمرت باستعمالها حتى الآن.
وفي وقت لا تُوجد فيه إحصاءات دقيقة لكمية الأسلحة الواردة للمُسلّحين، إلا أن المُوثّق منها بعد التدخّل الروسي في سوريا، ما كشفته وسائل إعلام بريطانية أبرزها مجلة «جينز» المتخصّصة في الشؤون العسكرية والتسليح، وصحيفة «الغارديان» في شهر نيسان الماضي، عن إرسال الولايات المتحدة الأميركية أكثر من ثلاثة آلاف طن من الأسلحة المُصنّعة في رومانيا وبلغاريا وأوكرانيا إلى المُسلّحين شمال سوريا، بينها أسلحة متطوّرة وقاذفات صواريخ وكميات كبيرة من الذخائر، وذلك لضمان استمرار استنزاف الجيش السوري وإحباط العمليات الروسية في سوريا.
«البنتاغون» والبيت الأبيض:
صراع القرار
 إضافة إلى التطوّرات الميدانية، ساهم التدخّل الروسي في سوريا بتطوّرات على مسار الحلّ السياسي، وفي هذا السياق رأى الفتيح أن «التدخّل الروسي أدى إلى إطلاق سلسلة من الاجتماعات الجديّة التي أثمرت القرار 2254، الذي وضع خريطة للحلّ السياسي للحرب السورية ووضع الخطوط العامة، الزمنية، للمرحلة الانتقالية»، مضيفاً «رأينا سلسلة اللقاءات الماراثونية بين وزيري الخارجية الروسي والأميركي خلال هذا الصيف لتطوير اتفاق وقف الأعمال القتالية للوصول إلى وقف إطلاق نار مستدام. لولا الوجود الروسي لما كان من الممكن أن تتطور المفاوضات - جديا - للوصول إلى هذه المرحلة، ولكانت الأزمة أخذت أحد مسارين: مسار فرض الإملاءات أو استمرار النزيف من دون أي أفق».
وعلى الرغم من التطوّرات السياسية في القضية السورية، إلا أن صراع القرار الأميركي و «الريبة والتشكّك» لدى «البنتاغون» الذي يتّهم البيت الأبيض بإفساح المجال لروسيا للتضخّم في الشرق الأوسط عن طريق إخلاء الساحة لها ساهم بنسف هذه الجهود وعودة الاحتكام إلى الميدان العسكري الذي يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم.

علاء حلبي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...