هل يمهد مؤتمر "السلام" السوري للحرب؟

04-02-2014

هل يمهد مؤتمر "السلام" السوري للحرب؟

الجمل- كيفين زيس/مارغريت فلاورز- ترجمة: د. مالك سلمان:

يحمل مؤتمر جنيف 2 "للسلام" كافة علائم الزيف. ومن الأفضل للمعارضين للحرب في سوريا أن يتحضروا لمنع الحرب مرة أخرى.
يبدو أن مؤتمر جنيف 2، الذي يدعي محاولة إنهاء الحرب في سوريا، مصمم لكي يفشل ويؤمن ذريعة للتدخل العسكري من قبل الولايات المتحدة وحلفائها. يصف ناشط حقوق الإنسان أجامو بركة المفاوضات على أنها "حيلة أورويلية" مصممة لتقديم ذريعة للحرب، وهناك الكثير من الحقائق التي تدعم وجهة نظره.
المفاوضات مصممة لكي تفشل بسبب الطريقة التي تم ترتيبها بها والشروط المسبقة التي قدمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في المعارضة السورية – حيث طالبوا بتنحي الرئيس بشار الأسد قبل انطلاق المفاوضات.
تنطلق عملية إفشال المؤتمر من المشاركة المحدودة. فقد انكشف زيف المفاوضات عندما قامت الأمم المتحدة، بطلب من الولايات المتحدة والمعارضة السورية، بسحب دعوتها لإيران للمشاركة في المؤتمر. فإيران حليف قوي لسوريا، ولذلك فإن إبعادها عن المفاوضات يهدف إلى إضعاف سوريا وعزلها. وهذه دلالة على رغبة الولايات المتحدة في التوصل إلى نتيجة مرسومة سلفاً بدلاً من المفاوضات العادلة بين الطرفين.
كما أن استبعاد المجتمع المدني السوري من هذه المفاوضات، بعيداً عن المقاتلين المتطرفين، خطوة في غاية الشناعة. فقد كانت معظم هذه المجموعات تعمل على إحراز تحول في سوريا قبل بدء الإرهاب والحرب. ويتجسد أحد الأمثلة في استبعاد النساء، على الرغم من أن نساءً كثيرات من مختلف أنحاء سوريا قد اجتمعنَ وأسسنَ ميثاق النساء للسلام في سوريا، إلا أن طلبهنَ المشاركة في المحادثات قد لاقى الرفض. كما أن النساء والأطفال يشكلون أغلبية الملايين التي تم تهجيرها في الداخل أو إرغامها على الهرب من البلاد. هذا إضافة إلى المعاناة الفظيعة التي لحقت بهم.
تم إشراك مجموعة معارضة واحدة، "الائتلاف الوطني السوري"، وهي المجموعة التي تفضلها الولايات المتحدة وترفضها 13 مجموعة متمردة رئيسة في سوريا. وهناك عشرات المجموعات الأخرى المتورطة في سفك الدماء في سوريا، ولكن لم يتم إشراك هؤلاء المقاتلين على الأرض. كيف يمكن التفاوض على السلام، أو حتى على سلام جزئي مثل وقف إطلاق النار، إن لم يشارك المقاتلون في هذه المفاوضات؟
في الحقيقة، من شأن اتفاق المتفاوضين على وقف القتال أن يوقعَ الأسدَ في الفخ. إذ إن المجموعات المستبعدة من المفاوضات سوف تستمر في القتال، وسيكون على الأسد الرد. وعندما يرد الأسد على هذه الهجمات، سوف يتم اتهامه بخرق اتفاقية السلام. ومن شأن ذلك أن يؤمن ذريعة للتدخل العسكري: "الأسد يخرق اتفاقية السلام؛ وليس هناك أي خيار آخر غير فرض الاتفاق بالقوة العسكرية."
المشكلة الثانية، والأكثر أهمية, في هذه المفاوضات تتمثل في الشرط المسبق الذي قدمته الولايات المتحدة و "الائتلاف الوطني السوري" والقائل بموافقة الأسد على التنحي قبل بدء المفاوضات. تدعي الولايات المتحدة وحلفاؤها، بقدر كبير من الزيف، أنه قد تم الاتفاق سلفاً على تنحي الأسد في "بيان جنيف" الذي وقعته روسيا، حليفة سوريا. فكما يشير شيموس كوك، يطالب البيان بالفعل بالتفاوض على انتقال سياسي، لكنه لا يشير بأي شكل من الأشكال إلى استبعاد الأسد من هذه العملية الانتقالية.
افتتح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري المؤتمر بالمطالبة بإزاحة الأسد من السلطة. وقد أصبح هذا المطلب الرئيس في المناقشات حتى الآن، مما أدى إلى مأزق في المفاوضات. فقد اتهم وزير الخارجية السوري وليد المعلم الولايات المتحدة وحلفاءها في الشرق الأوسط، وخاصة تركيا والسعودية، بدعم المجموعات الإرهابية في محاولة لزعزعة سوريا والعمل على تطبيق خطتهم الرامية إلى خلق حكومة جديدة. أما السوريون فقد قدموا خطتهم التي تنطلق من تخليص البلد من الإرهابيين الأجانب. إذ يقولون إن الشعب السوري هو من يقرر هوية قادته ونوع الحكومة التي يريدها.
كما تزامن انطلاق المؤتمر مع حملة دعائية. إذ زعم تقرير، قامت قطر بتمويله، أن حكومة الأسد قامت بتعذيب وقتل 11,000 سجيناً. هناك تاريخ للتعذيب في سوريا؛ وفي الحقيقة قامت الولايات المتحدة بإرسال أشخاص بغرض التعذيب في سوريا كجزء من برنامج "الترحيل" الذي أشرفت عليه، ولذلك فإن هذا الزعم يتكىء على نوع من الواقعية. ولكن هل تمكنوا من البرهنة على ادعائهم هذا؟
يشير دان مورفي، مراسل "كريستيان ساينس مونيتور"، إلى بعض المشاكل التي تعتري هذا التقرير. حيث يكتب إنه "تقرير من مصدر واحد، من رجل مجهول الهوية، متزوج من عضوة مجهولة في ‘الحركة الوطنية السورية’". و "الحركة الوطنية السورية" هي مجموعة معارضة تمولها قطر التي تحاول إزاحة الأسد منذ عام 2011. وفوق ذلك، تم نشر التقرير على عجالة؛ حيث "حصل اللقاء مع المصدر في 12 و 13 و 18 من كانون الثاني/يناير هذه السنة. وقد تم تقديم التقرير للمراسلين الصحفيين البارحة، 20 يناير." ولذلك لم يتسنَ الوقت لإجراء فحص دقيق لهذه الصور. وإضافة إلى ذلك، يقول مورفي إن الوثيقة تشير في الحقيقة إلى التدقيق في 835 حالة لم يتبين من خلالها أن كافة الضحايا قد تعرضوا للتعذيب أو القتل، كما أن الرقم 11,000 الذي تصدرَ العناوين الرئيسة كان تقديرياً.
ومع ذلك، تم التطبيل والتزمير لهذا التقرير في الإعلام بصفته حقيقة قاطعة. فقد تعاملت مقالة كتبها رئيس تحرير "واشنطن بوست" في 22 كانون الثاني/يناير 2014 مع قصة تعذيب وقتل 11,000 سجيناً وكأنها حقيقة لا يداخلها الشك. فقد اقتبس قولَ كيري إن التقرير يبين أن سوريا تقوم "بتعذيب وإعدام منهجيين لآلاف السجناء". وتبين المقالة كيف أن بمقدور عملية السلام أن تقود إلى الحرب: "من المحتمل أن يقوم السيد أوباما بفرض الإجراءات التي يسعى السيد الإبراهيمي إلى تحقيقها [أي استقالة الأسد] من خلال تخيير الأسد بين تنفيذ هذه الإجراءات أو تلقي الضربات الجوية الأمريكية." من الملفت للانتباه أن "واشنطن بوست" تضع الضربات العسكرية على الأجندة الآن – حتى قبل فشل المفاوضات أو خرق أي اتفاق للسلام.
كان الإعلام الأمريكي يحاول الدفع باتجاه الحرب على سوريا أثناء التحضيرات الأخيرة للحرب، عندما قرر أوباما إرسال القرار إلى الكونغرس. ولكن بفضل المعارضة في الطيف السياسي في الكونغرس وبين صفوف الشعب الأمريكي تم منع الحرب. كما أن تدخل روسيا، التي قدمت تسوية تقضي بتخلص الحكومة السورية من أسلحتها الكيماوية، أمنَ لإدارة أوباما طريقة للتراجع مع حفظ ماء الوجه.
ومنذ ذلك الوقت، تزايدت الشكوك حول مزاعم استخدام غاز السارين من قبل الحكومة السورية من مناطق تسيطر عليها القوات السورية. فقد زعمت "نيويورك تايمز" و "هيومن رايتس ووتش" وأطراف أخرى كانت تفضل الهجومَ الأمريكي أن الصواريخ انطلقت من المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية، استناداً إلى تحليل لزاوية سقوط الصواريخ. لكن هذا الادعاء تهاوى عندما خلصَ الخبراء إلى النتيجة القائلة إن الصواريخ لم تكن تتمتع بالمدى الكافي للوصول إلى الأهداف. وقد وجدت "التايمز" نفسها مرغمة على الابتعاد عن قصة تتصدر الصفحة الأولى وتنطوي على هذه المزاعم.
إننا نسمع سلفاً طبول الحرب الإعلامية. إذ إن الإعلام لا يزال مصراً على تكرار العديد من الأكاذيب حول المفاوضات السورية، حيث يلوم الأسد بشكل مستمر على رفضه التقيد بشروط بيان جنيف غير الموجودة أصلاً. ويمكننا أن نتوقع من الإعلام الأمريكي المحافظ أن يصعدَ من طبول الحرب ويحرض على الدعاية الحربية مع استمرار فشل مفاوضات السلام.
تقول "رويترز" إن الكونغرس قد وافق "سراً" على إمداد "المتمردين" السوريين بالأسلحة. وتشمل هذه الأسلحة الأسلحة المضادة للدبابات والأسلحة الصغيرة. وتكتب "رويترز": "تم تمويل شحنات الأسلحة من قبل الكونغرس الأمريكي، عبر تصويت تم خلف الأبواب المغلقة، في نهاية السنة المالية الحكومية 2014، التي تنتهي في 30 أيلول/سبتمبر. ..." كيف يقوم الكونغرس بالتصويت سراً للموافقة على أعمال حربية؟ وتبعاً لرويترز فإن "الكونغرس وافق على تمويل شراء أسلحة للمتمردين السوريين تبعاً لفقرات سرية من قانون مخصصات الدفاع، كما قال مصدران مطلعان على الموضوع."
إذاً، من جهة تزعم الولايات المتحدة أنها تسعى لتحقيق السلام، ومن جهة أخرى تذكي لهيبَ الحرب بالأسلحة. في العلن، عارض الكونغرس الحرب على سوريا. ولكن في التصويت السري، يقوم بتأمين تمويل الأسلحة للحرب السورية.
يجب على الأمريكيين المعارضين للحرب أن يهيئوا أنفسهم الآن. فهناك أجندة معدة منذ وقت فترة طويلة لإزاحة عائلة الأسد من السلطة ولم تتخلَ مؤسسات السياسة الخارجية الأمريكية عن هذا الهدف، كما لم تتخلَ عنه حليفتا الولايات المتحدة: إسرائيل والسعودية. تبدو هذه مرة أخرى من المرجح فيها لمحادثات السلام أن تمهدَ الطريق للحرب إلا إذا فهمَ الشعب الأمريكي اللعبة القائمة وعمل على إيقافها.

http://www.smirkingchimp.com/thread/kevin-zeese-and-margaret-flowers/53934/is-syrian-peace-conference-laying-the-foundation-for-war

تُرجم عن ("سميركينغ تشيمب"، 31 كانون الثاني/يناير 2014)

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...