ملف (الجمل) حول تداعيات الصراع الفلسطيني على دول المنطقة والعالم

30-06-2007

ملف (الجمل) حول تداعيات الصراع الفلسطيني على دول المنطقة والعالم

الجمل: كل التحليلات المقدمة بواسطة أجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة، بل  وحتى  تحليلات مراكز الدراسات والبحوث، مازالت حتى الآن تسلط الضوء على الوضع الانقسامي الراهن في الأراضي الفلسطينية من زاوية خلافات فتح – حماس.
وسنحاول في هذا التحليل الخاص بموقع صحيفة الجمل الالكترونية أن ننظر إلى الوضع من زاوية مختلفة، وبتطبيق منهجية مختلفة عبر استخدام  وتطبيق منظور نظرية النظم في تحليل الموقف الحالي، على أساس اعتبارات وضع الصراع الجزئي والكلي، والسيناريوهات المحتملة
• الوضع الجزئي للصراع:
النزاع بين حماس وفتح أدى عمليا إلى تقسيم الأراضي الفلسطينية بحيث سيطرت حماس على قطاع غزة، وحركة فتح على الضفة الغربية وترتب على هذا الانقسام المزيد من الانقسامات الأخرى، منها انقسامات حدثت بالفعل وأخرى سوف تحدث شاءت الأطراف الفلسطينية أم أبت.
الانقسامات التي حدثت الآن تمثلت في الانقسام في موارد القوة بحيث أصبحت السيادة الفلسطينية على أراضي القطاع تدافع عنها قوات حماس، وفقا لمذهبية  عسكرية وقتالية إسلامية.
أما السيادة الفلسطينية على أراضي الضفة الغربية فتدافع عنها قوات فتح وفقا لمذهبية عسكرية وقتالية علمانية... واستمرار الوضع الانقسامي الحالي سوف يؤدي إلى نشوء جيشين فلسطينيين كل واحد منهما بمذهبية عسكرية وقتالية مختلفة عن الآخر، والأكثر خطورة على الصعيد العسكري الفلسطيني سوف يتمثل في الآتي:
- ان الفصائل المسلحة الفلسطينية الأخرى سوف تكون مضطرة للوقوف مع أحد الفصيلين، وإلا تعرضت للمواجهة فالموجودة. في غزة سوف يكون لزاما عليها إما التعاون مع قوات حماس أو الذهاب للضفة الغربية، والشيء نفسه بالنسبة للفصائل الموجودة في الضفة الغربية فهي إما أن تتعاون مع فتح أو تغادر إلى القطاع، وذلك لأنه لا مجال للحياد، فحركة فتح بعد أن ذاقت ماذاقت على يد مقاتلي حماس لن تغامر بالمخاطرة مرة أخرى بقبول التعايش مع الفصائل المسلحة الفلسطينية الأخرى التي لا تدين لها بالولاء والطاعة.
- سوف تنشأ معارضة مسلحة في كل منطقة ففي الضفة الغربية سوف تنشط عناصر حماس والفصائل الإسلامية المتحالفة وهو ما لن تقبل به حركة فتح، خاصة وأن دعوات الإسلاميين لـ(الجهاد والشهادة) ليست أمراً موجها ضد اليهود وحسب بل وضد العلمانيين أيضا... وبالتالي فان المواجهات ضد اليهود في الضفة الغربية هي الأكثر احتمالاً، وسوف يؤدي اتساع نطاقها إلى تصعيد التوترات داخل الأردن، وذلك لأن الحكومة الأردنية سوف تعمل على دعم حركة فتح بين الإسلاميين الأردنيين الذين يشكلون أغلبية كبيرة داخل الأردن سوف يدعمون حماس وبالتالي سوف يضطر النظام الأردني إلى قمع الإسلاميين الأردنيين، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى مواجهات سياسية أمنية كبيرة داخل الأردن.
أما بالنسة لقطاع غزة فإن ضغط الحكومة المصرية على حدودها مع القطاع سوف يدخلها في مواجهة مع الحركات الإسلامية المصرية، والتي سوف لن تتردد في توظيف موقف الحكومة المصرية في عملية إثارة الشارع المصري  وتحريك المظاهرات الطلابية والاحتجاجات النقابية.
على الصعيد السياسي، فقد راح الانقسام يشق طريقه إلى داخل هياكل مؤسسات السلطة الفلسطينية وقد بدأ بانقسام السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية، وذلك على أساس اعتبارات أن المجلس التشريعي الفلسطيني سوف يكون ولاءه المطلق لحماس، وهو أمر سوف يترتب عليه انقسام نواب حركة فتح وحلفاءها عن المجلس التشريعي وبالنسبة للسلطة التنفيذية فقد بدأ الانقسام ينخر قواها المؤسسة قبل هزيمة فتح العسكرية في القطاع، بفترة طويلة نسبيا تعود جذورها إلى الخلافات التي برزت حول تشكيل السلطة الفلسطينية ومحاولات محمود عباس الضغط على حركة حماس في توزيع المناصب والحقائب الوزارية، هذا وبعد استيلاء حماس على قطاع غزة بادرت حركة فتح بتوجيه ضربة استباقية سياسية ضد حركة حماس، عندما أعلن محمود عباس حل الحكومة الفلسطينية وقام بتعيين حكومة فلسطينية جديدة من المستقلين.
على الصعيد الاقتصادي فإن العلاقات والروابط الاقتصادية البينية بين قطاع غزة والضفة الغربية سوف تتضرر كثيرا من جراء حالة الانقسام السياسي، وسوف يتضرر القطاع الخاص الفلسطيني بقدر أكبر، وبالذات في الضفة الغربية، وذلك لأن تدفقات السلع القادمة من الأردن عبر الضفة إلى قطاع غزة سوف تتوقف وهو أمر سوف يلحق المزيد من الأضرار المالية لا بالقطاع الخاص الفلسطيني في الضفة الغربية وحسب، بل بالقطاع الخاص الأردني، وذلك لأن خروج قطاع غزة من المعادلة التجارية معناه أن 1,6 مليون مستهلك موجودين في قطاع غزة سوف يقومون بشراء احتياجاتهم من مناطق أخرى، وفي هذا الصدد ربما يستغل المصريون الفرصة، ويقومون بتصدير السلع المصرية إلى قطاع غزة... وبالذات السلع الضرورية المسموح بادخالها إلى القطاع.
• الوضع الكلي للصراع:
الوضع الكلي للصراع يمكن استعراض أبرز ملامحه ضمن جانبين هما، الجانب الإقليمي والجانب الدولي.
- الصراع على المستوى الإقليمي.
الدول التي سوف تنعكس بطريقة أو أخرى تداعيات الوضع الفلسطيني الراهن عليها هي الدول التي تتعرض بشكل مباشر لتداعيات الصراع، وهي إسرائيل، الأردن، مصر، ويرجع السبب في ذلك إلى علاقة الجوار الإقليمي التي تربطها مع الأراضي الفلسطينية وإلى المعاملات الاقتصادية والاجتماعية التي تتم عبر حدودها مع الأراضي الفلسطينية، وأيضاً إلى انخراط هذه الدول في عملية سلام الشرق الأوسط التي بدأت بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو ومازالت حتى الآن وأيضا إلى ارتباط هذه الدول بعلاقات واتفاقيات سلام مع إسرائيل.
وهناك الدول التي تتعرض للتداعيات غير المباشرة للصراع وهي سورية، لبنان ويرجع السبب في ذلك إلى عدم وجود علاقات جوار إقليمي لهذه الدول مع الأراضي الفلسطينية.
بالنسبة لسورية سوف تكون التداعيات سياسية وذلك بسبب موقف سورية إزاء الصراع العربي- الإسرائيلي القائم على أساس اعتبارات التسوية العادلة القائمة على رد الحقوق وإعطاء الأولوية لتحقيق السلام عبر المفاوضات غير المشروطة، وبرغم  أن سورية لا تتدخل في شؤون واستقلالية الأطراف الفلسطينية والعربية الأخرى، إلا أن محور تل أبيب – واشنطن ومعسكر المعتدلين العرب سوف يظل يسعى من أجل توريط سورية في الصراعات الفلسطينية وقد برز ذلك عبر محاولة أحد المسؤولين الإعلاميين في منظمة فتح والسلطة الفلسطينية اتهام سورية وإيران باعتبارهما ضالعتين في عملية استيلاء حركة حماس على قطاع غزة.
أما بالنسبة للبنان فسوف يكون التأثير أكبر وذلك بسبب البنية الداخلية اللبنانية المضطربة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وأمنيا ومن ثم فإن بيئة لبنان المفككة هذه سوف تكون الأكثر عرضة لتأثيرات وتداعيات الصراع الفلسطيني – الفلسطيني وذلك لوجود العديد من العوامل والتي يتمثل أبرزها في:
- ارتباط قوى 14 آذار بالأجندة الإسرائيلية.
- نفوذ وسيطرة السفير الامريكي على مجلس الوزراء اللبناني الذي يتزعمه فؤاد السنيورة.
- التغلغل الفرنسي العميق الجذور في لبنان والذي أصبح مضافا إليه التغلغل الإسرائيلي العميق نسبيا والتغلغل الأمريكي الحديث وهذه التغلغلات المتعددة أصبحت بعد صدور القرار الدولي 1559 تشكل تغلغلا موحدا تشرف عليه وتديره أمريكا بالاتفاق مع إسرائيل ولمصلحة إسرائيل، أما فرنسا فأصبحت حاليا تقوم بدور التابع في لبنان للمصالح الأمريكية- الإسرائيلية.
التأثيرات على لبنان سوف تتم بسبب التحالف الوثيق الذي يربط قوى 14 آذار وحكومة السنيورة بحركة فتح  وبالمعتدلين العرب، وذلك في مواجهة حزب الله اللبناني الوثيق الصلة بحركة حماس... وبالتالي فإن توجهات المعتدلين العرب وحركة فتح التي ترعاها أمريكا وإسرائيل لن تمر دون أن ترافقها وتتلازم معها تحركات معادية لحزب الله تقوم بها قوى 14 آذار وحكومة السنيورة بدعم أمريكي- إسرائيلي.
- الصراع على المستوى الدولي:
الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي تمت أقلمته عندما تحول إلى صراع عربي – إسرائيلي ثم تمت عملية تدويله عندما أصبح مسرحا للمواجهة بين القوى الدولية الكبرى المتصارعة.
تدويل الصراع لم يعد حصرا على دول العالم الكبرى والعظمى، بل اتسعت دائرته لتشمل المنظمات الدولية والعالمية والإقليمية وفي مقدمتها الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الجامعة العربية، منظمة المؤتمر الإسلامي، منظمة عدم الانحياز، إضافة على أن كل المنظمات الدولية والإقليمية الأخرى أصبح لها موقف محدد وثابت إزاء الصراع العربي – الإسرائيلي.
تأثير الصراع على الدول الكبرى والعظمى، وأيضا على المنظمات الدولية والإقليمية يرجع بشكل أساسي إلى الموقف الأمريكي غير المتوازن والذي يتحيز بشكل واضح لجانب إسرائيل وحاليا سوف تعمل أمريكا لدفع المواقف الدولية باتجاه الآتي:
• تقديم الدعم للضفة الغربية التي تسيطر عليها حركة فتح.
• عدم تقديم الدعم لقطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس.
• الضط على الأطراف الآتية:
- الضغط على مصر لكي تنسق مع إسرائيل حول كيفية تشديد الخناق على قطاع غزة ومحاصرة حركة حماس.
- الضغط على الأردن لكي تنسق مع إسرائيل حول كيفية تطبيق المخططات الإسرائيلية المتعلقة بالسلطة الفلسطينية وإدارة شؤون المجتمع الفلسطيني الموجود في الضفة الغربية.
- الضغط على السلطة الفلسطينية التي يدعمها محمود عباس لكي تقوم بتطبيق أسلوب الإدارة الذي يتماشى مع اعتبارات السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية.
- الضغط على الحكومة اللبنانية لكي تقوم بالضغط على معسكرات اللاجئين الفلسطينيين الموجودة داخل لبنان.
- الضغط على السعودية ودول الخليج لكي تقوم بتقديم المساعدات للسلطة الفلسطينية وحركة فتح وقطع المساعدات عن قطاع غزة وحركة حماس.
أما بالنسبة للأطراف الدولية والإقليمية الأخرى فسوف يكون الضغط الأمريكي على النحو الآتي:
- الاتحاد الأوروبي: وسوف يتم الضغط عليه في اتجاه مساندة حركة فتح والسلطة الفلسطينية الموجودة في الضفة الغربية والامتناع عن مساندة حماس والقطاع كذلك سوف توظف فرنسا وبريطانيا عملية استيلاء حماس على القطاع بما يؤدي إلى أدراج حزب الله ضمن قائمة الإرهاب الأوروبية.
- الأمم المتحدة: سوف يستمر دعم أمريكا وتواطؤ فرنسا وبريطانيا والأمين العام لعملية تغييب الجمعية العامة للأمم المتحدة عن النظر في ملفات صراعات الشرق الأوسط وذلك بجعل هذه الملفات ضمن نطاق سيطرة مجلس الأمن الدولي.
كذلك سوف يتم استغلال توظيف مجلس الأمن الدولي في عملية فرض الحصار الدولي المحتمل ضد قطاع غزة وربما يبدأ تدخل مجلس الأمن الدولي بعملية إرسال القوات الدولية للقيام بمهمة مراقبة حدود قطاع غزة مع مصر، وهو أمر كبير الاحتمال بسبب تصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين الذين قالوا بأن الحكومة المصرية لن تستطيع عمليا إغلاق الحدود مع القطاع وذلك لأن الجنود المصريين يتعاطفون مع الفلسطينيين ويساعدونهم في عمليات تهريب السلع والأسلحة عبر الأراضي المصرية إلى داخل القطاع.
- الجامعة العربية: وبسبب سيطرة أمريكا على دول الخليج أصبحت الجامعة العربية عاجزة تماما عن تقديم المساعدات للفلسطينيين وحاليا فإن الجامعة العربية غير قادرة حتى على إصدار البيانات التي تندد بالجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين والجرائم الأمريكية ضد العراقيين.. لذلك يتوقع أن تقوم الجامعة العربية بتبني المشروعات التي تقوم بإعدادها إسرائيل وتقدمها أمريكا لمصر والأردن والسعودية وتؤيدها الحكومات العربية الموجودة في الخليج ولبنان والمغرب وتونس.
وعموما فإن تداعيات سيطرة حماس على غزة سوف يزداد نطاقها على النحو الذي سوف يؤدي بالتأكيد إلى نشوء وتبلور أزمة جديدة كاملة أو بالأحرى فلنقل على نقلة نوعية جديدة في أزمة الشرق الأوسط فسيطرة حماس على القطاع من الممكن أن تعقبها سيطرة حماس على الضفة وفي حالة تضافر ظروف معينة قد يسيطر الإسلاميون على الأردن وخلال هذه الفترة لن يقف حزب الله اللبناني مكتوف الأيدي.
وعلى  هذه الصورة يمكن القول بأن سيطرة هذه الحركات الدينية سوف تؤدي إلى تحويل الصراع العربي – الإسرائيلي إلى صراع ديني أصولي إسلامي سني- شيعي ضد أصولي يهودي وهذا سوف يترتب عليه زلزال كبير في المنطقة وسوف تمتد تداعياته إلى الأقاليم المجاورة وذلك لأن طاقة العنف الأصولي لن تكون محدودة بالحدود الجغرافيا، تعنت الحكومة الإسرائيلية في القبول بمبدأ الحقوق المشروعة العادلة والدخول في مفاوضات السلام إضافة إلى ممارساتها الجائرة ضد الفلسطينيين والمقدسات الإسلامية قد أدت جميعها إلى جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة (مفخخة) بطاقة العنف الأصولي الذي بدأت  احتقاناته تتزايد بقدر أكبر بعد عملية غزو واحتلال العراق وافغانستان وإصدار القرار 1559 وغيرها ومن أبرز الدول التي أصبحت (مفخخة) بالأصولية نجد العراق، مصر، الأردن، تركيا، اليمن، السعودية، دول الخليج، المغرب، الجزائر، تونس ويعود الفضل في ذلك على إسرائيل وأمريكا وحلفائهم العرب المعتدلين.

الجمل قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...