قمة الدوحة تشرّع الفوضى السورية والعربية

27-03-2013

قمة الدوحة تشرّع الفوضى السورية والعربية

كسرت القمة العربية في الدوحة أمس الاعراف السياسية والديبلوماسية التي كانت تشكل الحدود الدنيا للعمل العربي المشترك، حيث كرس الزعماء العرب تحت الرعاية القطرية، مسيرة طرد سوريا، الدولة المؤسسة للجامعة، من عضويتها في الجامعة، وجرى منح وفد من «الائتلاف» المعارض المقعد المخصص للدولة السورية كما غيروا علمها، في سابقة في تاريخ العرب المعاصر، تفتح الباب امام الانظمة العربية المختلفة كلما تنازعت الى سلب الشرعية والتمثيل السياسي من بعضها البعض.
كما أن الدول العربية ومن مثلها في قمة الدوحة، باستثناء لبنان والجزائر والعراق، تبنوا الدعوة إلى تسليح المعارضة، ما ينذر بسفك المزيد من الدماء والدمار في سوريا.
وقالت مصادر ديبلوماسية عربية في العاصمة القطرية ان وظيفة قمة الدوحة كانت سورية بامتياز، وقد حصلت سابقة في تاريخ جامعة الدول العربية عندما تم تغيير العلم السوري وتحديد من يمثل دولة عربية ذات سيادة. وأضافت ان «الموال القطري» يقضي بالذهاب من خلال هذا التثبيت القانوني العربي إلى الأمم المتحدة، من أجل فرض واقع قانوني دولي مماثل باستبدال العلم السوري وتعيين ممثل لـ«الحكومة» السورية المزمع تشكيلها، وبناء على طلبها، ما يؤدي عمليا إلى طرد ممثل سوريا الحالي في الأمم المتحدة بشار الجعفري.
وأشارت المصادر إلى أن المساعد السياسي للأمين العام للأمم المتحدة جيفري فيلتمان كان شريكا كاملا للقطريين في قمة الدوحة في إدارة الملف السوري من ألفه إلى يائه. وأوضحت المصادر أن «هذا السيناريو القطري دونه عقبات كثيرة، في مجلس الأمن (الموقفان الروسي والصيني)، فضلا عن اعتبارات متصلة بالقانون الدولي». وأشارت الى أن الوفد السوري المعارض عبر عن انزعاجه علنا من موقف لبنان في القمة بالنأي بالنفس عن القرار المتعلق بسوريا. وقالت ان الوفد الرئاسي اللبناني حرص على عدم إجراء أي لقاء ولو عرضي مع الوفد السوري المعارض المشارك في القمة، «مع تشديده على احترام ميثاق جامعة الدول العربية، ودعوته الجهات السورية المتعارضة إلى الامتناع عن استعمال لبنان وأراضيه للأعمال العسكرية». ونفت ما تردد في بعض وسائل الإعلام بأن وزير خارجية لبنان عدنان منصور قد غادر قاعة القمة أثناء إلقاء معاذ الخطيب كلمته.
وتحول أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى ما يشبه الوصي على «الائتلاف» المتشرذم، ومرر خلسة موضوع إجلاس رئيسه احمد معاذ الخطيب في المقعد المخصص لسوريا، حيث «استأذن» القادة العرب الموافقة على هذا الأمر ما ان تسلم رئاسة القمة من نائب الرئيس العراقي خضر خزاعي. وجلس خلف الخطيب «رئيس الحكومة الموقتة» غسان هيتو وسهير الاتاسي وبرهان غليون وجورج صبرا.
وألغت قطر بإجلاسها الخطيب في مقعد سوريا، كل الاعتراف بوجود القوى المعارضة الأخرى، كما أنها سمحت بذلك بتغيير علم الجمهورية العربية السورية. ولم يأبه حمد إلى أن «الائتلاف» لا يمثل جميع قوى المعارضة السورية، في وقت يواجه «الائتلاف» حالة تشرذم تجسدت بإعلان الخطيب نفسه استقالته من رئاسته وتعليق عدد من قياداته عضويتهم فيه بسبب اعتراضهم على انتخاب غسان هيتو «رئيسا للحكومة الموقتة».
وخرقت قمة الدوحة احد ابرز بنود ميثاق الجامعة العربية. وجاء في المادة الثامنة من الميثاق «تحترم كل دولة من الدول المشتركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى، وتعتبره حقا من حقوق تلك الدول، وتتعهد ألا تقوم بعمل يرمي إلى تغيير ذلك النظام فيها».
كما خرقت المادة 18 التي جاء فيها «إذا رأت إحدى دول الجامعة أن تنسحب منها، أبلغت المجلس عزمها على الانسحاب قبل تنفيذه بسنة. ولمجلس الجامعة أن يعتبر أية دولة لا تقوم بواجبات هذا الميثاق منفصلة عن الجامعة، وذلك بقرار يصدره بإجماع الدول عدا الدولة المشار إليها». وتجاوزت القمة مبدأ التوافق في الجامعة مع تخطي تحفظات العراق والجزائر عن القرار الخاص بسوريا.
ولا يأتي في أي من بنود ميثاق الجامعة ذكر لموضوع تسليم أي مجموعة معارضة مقعد الدولة التي تنتمي إليها في القمم العربية. وما زالت تسع دول في الجامعة تقيم علاقات ديبلوماسية مع سوريا، وهي لبنان والجزائر والسودان والأردن ومصر واليمن والعراق وسلطنة عمان وفلسطين.
ولم يغط التلفزيون الحكومي السوري اجتماع الجامعة العربية في قطر، وعرض برنامجا عن مساحيق التجميل للمرأة، بينما شنت الصحف السورية هجوما على الجامعة العربية. ومنذ لحظة افتتاح القمة الـ24، ظهر توجه القادة العرب إلى مواصلة دعم المسلحين المعارضين في سوريا وإغلاق الباب أمام أي حل سياسي، بالرغم من تأكيدهم، في البيان الختامي، «أهمية الجهود الرامية للتوصل إلى حل سياسي كأولوية للأزمة السورية».
وذكر البيان الختامي للقمة «رحبت القمة العربية بشغل الائتلاف مقعد الجمهورية السورية في جامعة الدول العربية ومنظماتها ومجالسها إلى حين إجراء انتخابات تفضي إلى تشكيل حكومة تتولى مسؤولية السلطة في سوريا، وذلك باعتباره الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري والمحاور الأساس مع جامعة الدول العربية، وذلك تقديرا لتضحيات الشعب السوري والظروف الاستثنائية التي يمر بها، مع الأخذ في الاعتبار تحفظات كل من الجزائر والعراق والنأي بالنفس بالنسبة للبنان».
وأكد البيان «أهمية الجهود الرامية للتوصل إلى حل سياسي كأولوية للأزمة السورية مع التأكيد على الحق لكل دولة وفق رغبتها بتقديم كافة الوسائل للدفاع عن النفس بما في ذلك العسكرية لدعم صمود الشعب السوري والجيش الحر». وقال الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، في مؤتمر صحافي في ختام القمة التي اختصرت إلى يوم واحد، ان «الحق بإرسال المزيد من الأسلحة إلى المعارضة لا ينهي الجهود السياسية، لكن محاولة لإيجاد توازن بين الأطراف». ودافع رئيس الحكومة وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم آل ثاني عن دعم القمة تسليح المعارضين، قائلا انه «رغم انها ليست السياسة المفضلة الا انه ليس هناك بديل يذكر». واعتبر ان «العرب فعلوا كل ما يمكن عمله من اجل ايجاد حل سلمي، لكن مع الاسف فان هذا الحل لم يتحقق لان النظام كان يراهن على فرض حل بالقوة».
وحث القرار «المنظمات الإقليمية والدولية على الاعتراف بالائتلاف الوطني ممثلا شرعيا وحيدا للشعب السوري، وكافة المؤسسات لتقديم كل المساعدة لتمكين الشعب السوري من الدفاع عن نفسه».
وأشادت القمة «بالجهود التي تقوم بها الدول المجاورة لسوريا والدول العربية الأخرى ودورها في توفير الحاجات العاجلة والضرورية للنازحين، والتأكيد على ضرورة دعم تلك الدول ومساندتها في تحمل أعباء هذه الاستضافة، والعمل على مواصلة تقديم كافة أوجه الدعم والمساعدة لإيواء وإغاثة النازحين في لبنان والأردن والعراق».
ودعا البيان إلى «عقد مؤتمر دولي في إطار الأمم المتحدة من أجل إعادة الإعمار في سوريا وتأهيل البنية التحتية لجميع القطاعات الأساسية المتضررة جراء ما حدث من تدمير واسع النطاق وفق الخطوات التالية: أولا دعوة الدول الأعضاء للمشاركة الفعالة في هذا المؤتمر وتقديم كل ما من شأنه توفير الإمكانيات اللازمة لإعادة الإعمار، وثانيا تكليف المجموعة العربية في نيويورك متابعة الموضوع مع الأمم المتحدة لتحديد مكان وزمان المؤتمر، وثالثا قيام الأمانة العامة بمتابعة الموضوع وعرضها على وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم المقبل».
وكان الخطيب قال، خلال جلوسه على مقعد سوريا الذي وضع عليه علم الانتداب، انه طلب من وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن تساعد القوات الأميركية في الدفاع عن مناطق في شمال سوريا تسيطر عليها المعارضة بصواريخ «باتريوت» متمركزة في تركيا، لكن حلف شمال الأطلسي وواشنطن سارعا إلى رفض الفكرة.

المصدر: السفير+ وكالات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...