في رحيل المخرج يوسف شاهين

28-07-2008

في رحيل المخرج يوسف شاهين

رحل المخرج المصري العالمي يوسف شاهين الأحد، عن عمر ناهز 82 عاماً بعد أسابيع من دخوله غيبوبة عقب إصابته بنزيف حاد في المخ في إحدى مستشفيات العاصمة المصرية القاهرة، بحسب ما نقلته وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية.

ونقلت وكالة أسوشيتد برس أن شاهين فارق الحياة الأحد في مستشفى "المعادي" العسكري في القاهرة، بعد أكثر من أربعة أسابيع من دخوله غيبوبة على إثر نزيف في الدماغ توجب نقله بطائرة خاصة ألمانية من مستشفى الشروق في القاهرة في منتصف يونيو/حزيران الماضي، إلى المستشفى الأمريكي في "نويي" خارج ضواحي العاصمة الفرنسية، باريس.

غير أن صعوبة وضعه حتمت نقله من باريس إلى القاهرة لاحقاً.

هذا ومن المقرر أن يدفن شاهين في مدينة الإسكندرية الساحلية، مسقط رأسه.

شاهين (82 عاماً) الذي شكلت أفلامه منذ مطلع الخمسينات ظاهرة فريدة في العالم العربي وعلاقته مع الرقابة، توج مؤخراً مسيرته بفيلم "هي فوضى"، الذي شارك في إخراجه المخرج المصري الشاب خالد يوسف، حيث ناقش قضية الفساد في السلطة، والعنف لدى أجهزة الشرطة في السيطرة على الشارع المصري، بالإضافة إلى عدد آخر من الموضوعات الحساسة.

ويذكر أن المخرج المولود في الإسكندرية عام 1926، لوالد لبناني ووالدة يونانية، بدأ بإخراج الأفلام في أوائل الخمسينات، واشتهر بداية بالنوع الرومانسي والكوميدي الغنائي، مثل "أبا أمين" فيلمه الأول عام 1950، و"أنت حبيبي" و "ودعت حبك" عام 1957، وهو من قدم الفنان العالمي عمر الشريف للمرة الأولى بشريط "صراع في الوادي" أمام سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة سنة 1954.

ثم كانت لشاهين مسيرة متنوعة بين الأفلام الوطنية "جميلة" و"الناصر صلاح الدين"، والاجتماعية السياسية "باب الحديد" و"الاختيار" و"العصفور" وغيرها.

كما عرف شاهين سينمائياً برباعيته الشهيرة المتعلقة بسيرته الشخصية، وهي: "إسكندرية ليه" (1979) و"حدوتة مصرية" (1982) و"إسكندرية كمان وكمان" (1990) و"إسكندرية... نيويورك" (2004).

وللمخرج أيضاً أفلام رائعة منها "المهاجر" (1994) إلى "سكوت حنصور" (2001) مروراً بـ "المصير" (1997) الذي فاز عنه بجائزة اليوبيل الذهبي في مهرجان "كان" و"الآخر" (1999).

يذكر أن شاهين فاز بجوائز وأوسمة مصرية وعالمية عدة، كما منحته فرنسا وسام شرف برتبة ضابط عام 2006.

________________________________________

شاهين في مكتبه في القاهرة عام 2005.صاحب مدرسة من طراز خاصّ

هناك علامات فنية مفردة تشبه الطفرة في تاريخ الإبداع، لا يمكن النظر إليها في سياق الجموع أو محاكمتها ضمن السائد. لاشك في أنّ سينما يوسف شاهين واحدة من هذه العلامات. صاحب شيفرات سرّية تحتاج إلى تفكيك في مختبر الذاكرة أولاً: ذاكرة المتلقي وذاكرة يوسف شاهين نفسه. فهذا السينمائي المتمرد، بات يصعب تأطيره في تيار أو مدرسة سينمائية. إنه مدرسة من طراز خاص، ابتكر منهجاً ذاتياً وسار عليه، وكان هو أول من يقوم بتحطيم هذا المنهج برؤية مغايرة يفرضها الوعي والقلق اللاحقان. «باب الحديد» (1958)، المغامرة الصعبة والمغايرة التي جاءت في أوج صعود موجة الرومنسية في السينما، كانت صفعة في وجه الذوق السائد: هذا هو سينمائي يدير ظهره لقصص السينما التقليدية، ويباغت مشاهد ذلك الحصر، معلناً أن السينما ليست حكاية مسلية وحسب، بل هي مادة للسجال والجدل والتنوير وتمارين على الحرية والتسامح.
في «باب الحديد»، يتجه إلى قاع المدينة ليحتفي برجل الشارع، ويميط اللثام عن شخصيات تعيش في الظل، لطالما كانت مجرد كومبارس صامت في أفلام الآخرين. هكذا يتوغل في أسباب العيش في «محطة مصر» المكان الذي يعبره الآخرون بوصفه محطة سفر لا أكثر. وإذا به يضج بالحياة والأسرار، وها هي هند رستم في رداء آخر: «هنومة» بائعة المياه الغازية، وعلى الجهة الأخرى من سكة القطار، نلتقي شخصية «قناوي» الفتى الأعرج والمرتبك والمتلعثم والمحروم جنسياً في وليمة من الإثارة المحرّمة (يلعب دوره يوسف شاهين). الفيلم الذي صار اليوم واحداً من تحف السينما العربية، فشل في عرضه الجماهيري الأول. لكن يوسف شاهين في الواقع لم يُصب بالإحباط، بل ازداد ضراوة في مقاربة موضوعات أكثر إشكالية، من «الأرض» مروراً بـ«الاختيار» إلى «العصفور» ليفضح في الأول عبودية الفلاح في ظل نظام إقطاعي مستبد... وليشتبك في الثاني مع علاقة المثقف بالسلطة، وليكشف في الثالث أسباب الهزيمة والأحلام المجهضة.
لكن الانعطافة الحقيقية في سينما يوسف شاهين جاءت مع فيلم «اسكندرية ليه؟» (1978) في أول مقاربة في السينما العربية للسيرة الذاتية، وهو بذلك فتح الباب على مصراعيه أمام تجارب سينمائية أخرى، لم تكن تجرؤ قبله على كشف المستور ونبش المسكوت عنه من دون مواربة، في ما سمي «سينما المؤلف» أو سينما السيرة الذاتية. الشريط الذي مزج ذاكرة المدينة بالذاكرة الشخصية لفتى اسكندراني يحلم بالسفر إلى أميركا لدراسة السينما سوف يتحوّل إلى رباعية، تنتهي بـ«اسكندرية/ نيويورك»، مروراً بـ«حدوتة مصرية» و«اسكندرية كمان وكمان». ولعل هذا الأخير يبلور تصورات شاهين عن تشظّي الذات وتجاور أساليب السرد البصري بأقصى حالات الارتجال. بينما يقوم «اسكندرية/ نيويورك» بجردة حساب شاملة لعلاقته الملتبسة بأميركا والآخر عموماً. هكذا ينبغي النظر إلى موجة من الأفلام العربية خرجت من عباءة شاهين: «أحلام المدينة» للسوري محمد ملص، و«حلفاوين أو عصفور السطح» للتونسي فريد بوغدير و«ريح السد» للتونسي نوري بوزيد و«سرقات صيفية» ليسري نصر الله.
لنتذكر أيضاً أنّ مغامرة يوسف شاهين في سينما السيرة الذاتية قد واكبتها تجربة روائية لافتة. إذ ليس من الجائز في هذا المقام عزل «الخبز الحافي» للمغربي محمد شكري عن المناطق التي اقتحمها شاهين، وربما بجرأة أكبر. ومن ثم ستطرق الرواية العربية دائرة المحرم لتختبر بؤراً سردية كانت خارج المتن الروائي، وسوف تمتد هذه الموجة إلى اليوم عبر عشرات التجارب التي قد لا تنتهي عند رشيد الضعيف مثلاً. أمثولة شاهين تتجلى أيضاً بخلخلة قداسة الصورة في الثقافة الإسلامية وتظهيرها بشفافية عالية، بصرف النظر عن موقفه السياسي من قضايا كانت تلحّ عليه في مراحل سينماه المختلفة والتي قد لا تجد صدى لدى المتلقي على الدوام. إذ إن الفكرة وحدها، كما في «المصير» أو «المهاجر» غير كفيلة بإيصال الشحنة كاملة إلى المتلقي. يكفي أن هذا المخرج الطليعي والتنويري أطاح صورة النجم التي استعارتها السينما المصرية تاريخياً من مصنع هوليوود، واشتغل على انفعالات الممثل في المقام الأول. سعاد حسني في «الاختيار» مثلاً غيرها في أفلام الآخرين، والأمر ذاته بخصوص محمود المليجي ومحسنة توفيق أو يسرا، وحتى لبلبة ونبيلة عبيد.
هذا سينمائي زرع بذور التمرد والغضب في السينما العربية فأزهرت أشجاراً عالية تعاند اتجاه الريح. واجه الرقابة بعنف ففتح عدسة الكاميرا على اتساعها لتؤرشف أوجاع ومصائر وعواطف وشجون بشر وبلاد.
ستفتقد السينما العربية بلا شك الرجل الثمانيني المشاكس الذي ظل طوال نصف قرن يصنع سينماه بقوة الضمير وصلابة الموقف، ولغة الذات. ألم يقل مرةً «لستُ مسلواتياً؟»

خليل صويلح

 

كنا نتوقّع انتصاره هذه المرة أيضاً... ولكن
المراهق الذي كان يخجل من رفاقه الميسورين في «فيكتوريا كوليدج» بسبب حذائه البالي، بات مخرجاً في الثالثة والعشرين، وجسّد أحلامه على الشاشة الكبيرة. الفنّ صار طريقته في اثبات الوجود

- اكتملت سيرته إذاً. غرق يوسف شاهين في نوم عميق، وغالباً سيشعر بالاستفزاز لأنه لن يحوّل أحلامه إلى فيلم جديد. هو الذي اخترق أكبر تابو في السينما العربية، وهو الحكي عن الذات: سيرته وأحلامه، نزواته ورغباته. جو يبتسم الآن ويتمتم بكلمات غاضبة في الوقت نفسه. وهو يحاول أن يحكي أحلامه ويرسمها على شاشة السماء الكبيرة، ولا يجد دار عرض. لن يسمح لجنازته بأن تكون مشهد النهاية. سيبحث عن قفزاته على سلم الحياة خفيفاً.
كان يوسف شاهين يخجل من حذائه المقطوع. هو الفقير بين أرستقراطية الإسكندرية في مدرسة فيكتوريا كوليدج (تخرج فيها ملوك وتجار ونجوم من الملك حسين إلى ادوارد سعيد مروراً بعمر الشريف). أحلامه كبيرة. متعثرة. لا يقدر على شراء بدلة على الموضة ولا حذاء أبيض. يملك فقط خفة الدم. ومهارة الرقص مع البنات في كوكتيلات الطبقة العليا. هذه أدواته في لفت الانتباه وسط محيط الأغنياء المتعجرفين.
ولد يوسف شاهين يوم 25 كانون الثاني (يناير) 1926 في الإسكندرية في عائلة مهاجرة وتحلم بهجرة أخرى. الأجداد تركوا زحلة النائمة في أحضان جبل لبنان وأبحروا إلى الإسكندرية، مدينة «العالم» التي كان يعيش فيها 600 ألف «خواجة». تمتزج ثقافاتهم... وأفكارهم وتتصارع رغباتهم في ملعب الطموح السياسي والمالي، بينهم كان يوسف: نصف خواجة. بربع إمكانات مالية. وعناد شخصي لا حدود له. أبوه المحامي يحلم له بالعبور من خندق الفقر إلى عالم الأثرياء. العائلة متوترة. على سطح من رغبات مكتومة في هجرة ثانية... إلى درجة أعلى في سلم البورجوازية. كان الشاب مرتبكاً دائماً، ويتكلم بسرعة لكي لا يلحظ أحد توتراته الداخلية. ظل معذباً برغبات العائلة وأحلامها في الصعود. وبمحاولة إقناع المحيط الغريب من حوله بإمكان قبوله. مرةً، كان عليه أن يذهب إلى حفلة ولم يستطع لأنّ الاختيار كان إما أن يشتري بدلة مناسبة، أو تشتري أخته فستاناً جديداً.
لم يذهب. لكنه عاد في اليوم التالي إلى المدرسة بفكرة اكتشف معها طريقة جديدة لاستعراض مواهبه. وإثبات أنّه متفوق. يستطيع السيطرة على الانتباه. وقف أمام فصل من 30 تلميذاً «همج كما وصفهم»، وألقى مونولوج الملك «ريتشارد الثاني» أحد أبطال تراجيديا شكسبير. المونولوج كان لحظة حُكِم على الملك فيها بالتنازل عن كل شيء. مصير قاسٍ لشخص يهوي من على عرش إمكاناته وجبروته إلى التسليم. والشاب لعب بكل أعصابه للسيطرة على المشاعر الهائجة والساخطة وأنهى المشهد بدموع ساخنة. وهم استقبلوه بتصفيق حاد.
يومها، اكتشف الفن طريقة من طرق إثبات الوجود. واكتشف المسرح. وشكسبير. هنا تحول الحلم من اللحاق بطابور الجامعة (والتخرج محامياً مثل والده أو موظفاً في بنك ينتظر المرتّب أول كل شهر كما قالت أمه) إلى التمثيل. النجومية. هوليوود. وهنا جمعت العائلة كل طاقاتها المالية (باعوا قطعاً من الأثاث والبيانو..) ليسافر الشاب الطموح ويركب السفينة إلى «باسادينا» في العالم الجديد (أميركا). هناك، اكتشف أنّه لا يصلح ليكون ممثلاً.
هذا قبل أن يعود (يحب جو أن يشبِّه عودته إلى مصر ببطل فيلمه «ابن النيل» المغامر الذي اكتشف وجه المدينة الشرير وعاد ليبحث عن تحقّق في بلده. هو عاد ليكون مخرجاً مصرياً. وليس فقط لأنّ أحوال عائلته المالية تدهورت بعد موت الأب). المهم عاد يوسف وقابل المصور الإيطالي الفيزي اورفانيللي الذي فتح الباب أمام أول تجربة له: «بابا أمين» ليصبح مخرجاً وعمره 23 سنة فقط.
حكى يوسف شاهين حلم الخروج من الاسكندرية في «اسكندرية ليه» الذي انتهى بمشهد اللحاق بالسفينة في اللحظة الأخيرة. أكمل الحكايات في «حدوتة مصرية» و«اسكندرية كمان وكمان» لتكون سيرته على مرآة السينما. حكى فيها بلا رقابة أقرب إلى أسلوب المحاكمة لا الاعترافات. في لعبة يستمتع بها وحده غالباً. يلعن فكرة العائلة. ويكشف مستورها. حتى إنّه في «حدوته مصرية»، يلمّح إلى مغامرات أمه الجنسية، هي التي حكى عنها أكثر من مرة «فكر بأمي وبغيرها. كانت صبية جميلة جداً وكان والدها يقفل عليها في الغرفة ويمنعها من الخروج. زوّجوها برجل بشع يكبرها بحوالى 25 سنة هو والدي. عندما دخل عليها لم تكن تعرف ما هو شكل الرجل. ولا يمكنك أن تطلب منها أكثر مما فعلت».
محاكمة استعاد فيها أسئلة زمن المراهقة. استعادها وهو يضحك على الموت. كما توقّع محبّوه أن ينتصر هذه المرة أيضاً ليستمر علامةً كبيرةً على البهجة في السينما. وأول من أحدثَ نقلة ارتباط الفيلم باسم المخرج. والقادر على صناعة مغامرات كبيرة. كنا ننتظر انتصاره هذه المرة لنرى شوطاً آخر من مغامرات جو المتمرد المشاغب القادر على إثارة المفاجآت، منتقماً من أول مرة فشل فيها فشلاً ذريعاً حين تحول عرض مسرحي أخرجه وهو طالب بكالوريا إلى فوضى كاملة.

وائل عبد الفتاح

- من الغريب أن تكون ردود الفعل الرسميّة الأولى على رحيل شاهين، بل الوحيدة حتّى كتابة هذه السطور، آتية من فرنسا، وليس من العالم العربي. فقد وجّه الرئيس ساركوزي تحيّة إلى الراحل الذي «عمل كل حياته على محاربة الرقابة والتطرف». كما حيّاه كل من رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون والرئيس السابق جاك شيراك.

 

جنازته اليوم ... وبعده «الشارع لمين»؟
من الاسكندرية وإليها يعود. هكذا، اختصرت وفاة يوسف شاهين رحلته الطويلة التي بدأت من الاسكندرية قبل 82 عاماً ويعود إليها بعد الصلاة عن راحة نفسه ظهر اليوم في كاتدرائية «القيامة» للروم الكاثوليك في الظاهر في القاهرة. ثم يوارى جثمانه في الثرى في مقابر العائلة في الاسكندرية. وتلقى محبّو شاهين وجمهوره بارتياح نبأ جنازته في منطقة قاهريّة عريقة، بعدما خشى بعضهم من «جنازة رسمية» تُبعد عنه البسطاء والناس الذين خاطبهم طوال حياته. إذ إنّ شبح ما حدث في جنازة نجيب محفوظ الذي عُزل جثمانه عن الناس من أجل المراسم العسكرية ظهر جلياً بعد إعلان وفاة جو.
لكن شاهين لم يخيّب أمل أصدقائه وتلاميذه ومحبّيه. وحتى في وفاته الهادئة، لم يشأ أن يزعجهم بالرحيل في فرنسا فعاد إلى مصر، ليقيم في مستشفى القوات المسلحة على نيل المعادي قرابة عشرة أيام قبل أن يعلن التلفزيون المصري صباح أمس وفاته. وفي وقت لاحق من عصر أمس، عقد أحمد عبد الحليم مدير المستشفى مؤتمراً صحافياً سريعاً، أكد فيه أن شاهين توفي بعد هبوط حاد في الدورة الدموية أدى إلى توقف التنفس، ولم يكن هناك من إمكان لأيّ تدخل طبي لإنعاش القلب، بسبب ما حدث للمخ من آثار سلبية عقب النزف الذي داهمه قبل ستة أسابيع والعملية الجراحية التي خضع لها في فرنسا. ورفض عبد الحليم التصريح بما يخصّ تفاصيل الجنازة. في الوقت عينه، أدى التأثر البالغ برحيل الخال إلى عصبية في ردود ماريان وغابي خوري على الصحافيين. إذ طالبا بالرجوع إلى شركة «أفلام مصر العالمية» حيث كان موظفو قسم الإنتاج يوفّرون المعلومات المتعلقة بمكان القدّاس والدفن. وحتى الآن، ليس مؤكداً مكان العزاء وتوقيته، وإن كانت المؤشرات تؤكد أنّه سيكون مساء غد لتتاح الفرصة لمن لم ينجحوا في حضور القداس اليوم الاثنين، وخصوصاً أن شاهين ــــ خلال مشوار عمره ستون سنة ـــ شهد ولادة عشرات الفنانين، وساهم في اكتشاف عدد كبير من الممثلين المصريين والعرب. لهذا ترددت الأسئلة طوال أمس عن مدى قدرة عمر الشريف على حضور الجنازة أو العزاء، وهو المشغول بتصوير فيلم أميركي في أوروبا. الأسئلة نفسها طالت زملاء البدايات: فاتن حمامة وأحمد رمزي... وصولاً إلى الجيل الجديد. فمنهم من أكّد حضوره بالطبع مثل خالد النبوي وخالد صالح، فيما ليس مؤكداً إن كانت لطيفة مثلاً ستقطع رحلتها الفنية وتشارك في جنازة الأستاذ الذي قدمها كممثلة لأول مرّة (الوحيدة حتّى الآن) في «سكوت هنصوّر». أسماء أخرى مثل لبلبة وهالة فاخر وهالة صدقي ومنّة شلبي وحنان ترك سينتظرهنّ المصوّرون على باب الكنيسة اليوم، إلى جانب قائمة شاهين التي شاركته رحلته الطويلة، وفي مقدّمهم الفنانة رجاء حسين وزوجها سيف عبد الرحمن والمطرب محمد منير الذي ظهر مع شاهين في فيلمي «اليوم السادس» و«حدّوتة مصرية»... الأغنية الأبرز في مشوار «يوسف شاهين» السينمائي والتي تستعين بها القنوات الفضائية حالياً في البرامج التي تودع صاحب «الأرض».
وينتظر شاهين نفسه حضور الممثل المعتزل محسن محيي الدين الذي غاب عن الأضواء منذ عشرين عاماً. لكن شاهين لم ينس أبداً «عبقرية» الممثل الشاب الذي قدّمه في «الوداع يا بونابرت» و«اليوم السادس» و«اسكندرية ليه» قبل أن يختار محيي الدين التديّن والاعتزال. لكن شاهين تمنّى أن يسير تلميذه السابق في جنازته، فهل يلبّي محسن محيي الدين اليوم أمنية أستاذه؟ وقد امتنع خالد يوسف، التلميذ المقرّب من شاهين في سنواته الـ15 الأخيرة، عن الرد على هاتفه بعد إعلان الخبر.
رد الفعل الفضائي على رحيل شاهين، أمس، لم يكن على مستوى الحدث. الفضائية المصرية اكتفت ببث الخبر في الشريط الإخباري، فيما أعادت «النيل للدراما» عرض برامج وثائقية عن الراحل، وهو ما كررته فضائيات «الحياة» و«دريم» وotv. أما أولى ردود الأفعال على المستوى الدولي، فجاءت من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي وجّه تحية تقدير إلى المخرج الكبير، واصفاً إياه بأنّه «مدافع كبير عن حرية التعبير وبشكل أوسع عن الحريات الفردية والجماعية». بينما احتل نبأ وفاة جو مواقع الصحف الفرنسية على الإنترنت، مثل «لوموند» و«ليبيراسيون».
لكنّ صاحب النصيب الأكبر من الخسارة مع رحيل شاهين سيكون فيلم «الشارع لمين» الذي كان يعدّ شاهين لإخراجه قبل أن يصاب بالنكسات الصحّية المتتالية منذ العام الماضي، «الشارع لمين» اسم فيلم لن يجد مخرجاً بشجاعة شاهين ليقدمه على الشاشة الكبيرة. هكذا، تركنا جو لنتساءل: بعده «الشارع لمين»؟

محمد عبد الرحمن

مواجهة التزمّت بين «المهاجر» و«المصير»
في الشكل، كما المضمون، هو الذي يشبهنا كثيراً، نحن البسطاء... هو من غاص داخل أرواحنا البسيطة ليكون صوتها كما صورتها التي تجاهلها كثيرون... ألم يكن هو من صوَّر عشق المعدم المعتوه، في «باب الحديد»؟... وهو من منح أجنحة لصوت الأرض العطشى، والفلاح الفقير في «الأرض»...
يوسف شاهين، المخرج الإشكالي المتمرد الذي حرص منذ أعماله الأولى، على أن لا يمثل الممثل، وأن لا يكون الحوار إلا بلغة الشارع وبسطاء الناس... هو الراصد لكل أمراض المجتمع ومشاكله وصرخاته وأفراحه، حتى ضحكاته المرّة وسط المأساة: «زرعنا الأرض عشر مرات، وخابت أربعين مرة»... منذ بداياته، آمن أن المبدع مشروع سجين أو منفي أو معدم، حين يكون ضمن مجتمعات ابتليت بالأمية والجوع وسلطة فاسدة. كان يعي ذلك الصراع الطويل بين المبدع وأصحاب القرار... الشاعر والصحافي والكاتب والمفكر، والفلاح المبدع كما الموسيقي والمطرب، كل تلك الشخصيات كانت أبطالاً لأفلامه، ومن أحلام هؤلاء ومآسيهم صنع مذاقها الفريد.
إنّه رائد السينما العربية الحديثة بامتياز. ضحك كثيراً على مزاعم بعض الجماعات ممن اتهمته بسذاجة فاضحة، تناوله قصة النبي يوسف في فيلمه «المهاجر». كان حريصاً على فضح ظاهرة نفي المبدع في مجتمعاتنا، معتبراً أنها بدأت منذ القدم بالنبي يوسف ولم تتوقف حتى يومنا هذا. فعودة الفيلم إلى يوسف كانت غوصاً في أرض المجاز، للتعبير عن المجتمعات المتخلفة التي دأبت على التخلص من كل فكر عقلاني أو نزعة تجديد. «رام» الذي كان يفكر بنباهة وذكاء، كان يشكل خطراً على إخوته المتّسمين بالغباء والتوحش، تماماً كما هو مبدع عصرنا الحالي الذي يشكل الخطر عينه على مواطنيه وأفراد جماعته ممن يشبهون إخوة «رام»...
الصراع مع الجماعات المتشددة لم يقف حائلاً أمام مشروع الفنان المتمرد المؤمن بالإبداع. لقد ذهب إلى عقر دار الذين كفّروه، وردّ عليهم بفيلم آخر، هو «المصير» الذي أعلن فيه موقفه الجريء إلى جانب الاجتهاد والتنوير، وضدّ ذهنيّة التكفير التي تتخذ من القتل والإرهاب منهجاً لها، وغالباً ما يكون المبدع أو المثقّف ضحيتها الأولى. صوَّر شاهين المفكّر ابن رشد، كأنه واحد منا يعيش في نهايات القرن العشرين، مأساته وحرق كتبه هي المأساة نفسها التي يعانيها المثقف والمبدع العربي في وقتنا الراهن. ستون عاماً من السينما... 60 عاماً، والإنسان البسيط يسير إلى جنب المبدع. تلك هي مسيرة شاهين الذي كان يعرف دواخلنا بدقة طالما أدهشتنا، حتى بات واحداً منا!

حسين السكاف

 

وداعاً يوسف شاهين عرّاف الوجدان المصري
شاهين في مكتبه في القاهرة عام 2005 (خالد دسوقي ــ أ ف ب)أقام مع الجماهير علاقة كرّ وفرّ... لكن المعلّم المصري الذي تنقّل بين الواقعيّة والفنتازيا، بين الالتزام السياسي والسيرة الذاتيّة، بين التاريخ والاستعراض، واختبر أشكالاً غير معهودة في السينما العربيّة، وخاض معاركه بشراسة على كل الجبهات، بقي نفسه على امتداد ستين عاماً: المثاليّ المذبوح حيّاً... مثل قرينه هاملت

- هكذا إذاً. أغمض يوسف شاهين عينيه للمرّة الأخيرة من دون أن يبلغ آخر أمنياته. تحقيق فيلم عن هاملت وآخر عن حسن نصر الله... وكانت لديه أمنية ثالثة كشف عنها في «كان» قبل عامين: التفوّق على عميد السينما العالميّة مانويل دي أوليفيرا، المخرج البرتغالي المعروف الذي ما زال منتجاً وقد أطفأ شمعته المئة هذا العام. لكنّ صاحب «باب الحديد» و«الأرض» الذي عاش بكلّ جوارحه واستهلك صحّته وأعصابه، مضى أمس بعد أسابيع صعبة بين القاهرة وباريس ولمّا يتجاوز الثانية والثمانين... هكذا ستبقى سيرته مفتوحة إلى الأبد. سيتواصل عبث «جو» شاهين بعد رحيله، وسنتداول مشاريعه المعلّقة كأنّها أمر واقع، كما نتحدّث حتّى اليوم عن الفيلم الذي لم ينجزه لوتشينو فيسكونتي عن رائعة بروست «بحثاً عن الزمن الضائع».
هاملت وحسن نصر الله؟ نعم إنّهما يختصران وجهي يوسف شاهين بأمانة شديدة. الأوّل هو الطوطم الذي رافقه منذ مقاعد الدراسة في «فيكتوريا كوليدج» حيث احتكّ ابن المحامي اللبناني (الزحلاوي) الأصل، المتحدّر من البورجوازيّة الصغيرة، بكل الثقافات والطبقات الاجتماعيّة، في الاسكندريّة الكوسموليتيّة... البطل الشكسبيري ـــــ ذلك المثاليّ المذبوح حيّاً، صنوه وقرينه ـــــ خيّم طيفه على سينما شاهين، وكان يعود كاللازمة بين حين وآخر، ليختصر علاقته بالفنّ والحياة والثقافة... علماً بأنّه حين أتيحت له الفرصة لتقديم عمل مسرحي على الخشبة، يوم فتح له وزير الثقافة الفرنسي جاك لانغ في عهد ميتران أبواب الـ«كوميدي فرانسيز» في باريس، فضّل «كاليغولا» بطل ألبير كامو، الإشكالي هو الآخر، على أمير الدنمارك. فبقي هاملت مشروعاً مؤجّلاً. أما الثاني، فهو من دون شكّ مسك ختام الأبطال الذين سكنوا ضميره من صلاح الدين الأيّوبي إلى... جمال عبد الناصر. إعجاب شاهين بحسن نصر الله في سنواته الأخيرة، هو العلماني الذي خاض مع الأصوليّة في مصر أكثر من مواجهة ـــــ من «المهاجر» إلى «المصير» ـــــ إن دلّ على شيء، فعلى أن خياراته ومشاغله القوميّة لم تتبدّل مع تبدّل الموضة، وبقيت بوصلته تحسن تحديد الأولويّات السياسيّة والأخلاقيّة في زمن اختلاط المعايير والقيم.
السينمائي المصري الذي كان ليحتفل في العام المقبل بمرور ستين سنة على الرحلة التي بدأها في الثالثة والعشرين مع «بابا أمين»، قال لنا في السينما كل شيء عن حياته وأفكاره. حتّى ليكفي استعادة محطاته الإبداعيّة التي تختصر تاريخ مصر والعالم العربي، فكريّاً وسياسياً وجماليّاً وسينمائياً واجتماعيّاً، لنستكمل الصورة من مختلف زواياها وتدرجاتها اللونيّة. من المرحلة الواقعيّة إلى الأخرى الذاتيّة، مروراً بالأفلام التاريخيّة والرمزيّة والاستعراضيّة، كي يعود من جديد إلى الواقعيّة في آخر أفلامه «هي فوضى» (كان عنوانه الأوّل «أيّام الغضب»).
من الدراسة في «باسادينا بلايهاوس» على مشارف هوليوود، سيحتفظ بمبادئ وتقنيات وتأثرات تجذّرت في التربة المصريّة. هنا ينبغي أن نبحث عن نواة أسلوبه الخاص في التصوير واختيار الكادر، والسرد والتوليف وتقنيات الإبهار. هذا الأسلوب الذي لم يجد حرجاً في التناص مع فدريكو فلليني مرّة، ومع بوب فوس مرّة أخرى، هو علامة شاهين الفارقة، يختصر قدرته على الابتكار وخلط المصادر واللغات البصريّة والأساليب. الخاص والعام، الإنساني والذاتي، الواقعي والفانتازي، الاختباري الطليعي والميلودرامي الذي لم يتبرّأ منه يوماً. كل شاهين هنا منذ الأفلام الأولى التي تحكي صراع الفلاح، ثم العامل، مع قوى الظلم والاستغلال مثل «ابن النيل» و«صراع في الوادي» و“صراع في الميناء”، والتي ستزداد نضجاً وقوة لاحقاً مع «باب الحديد» و«الأرض».
هكذا نتوقّف اليوم عند أعماله السياسيّة (رباعيّة النكسة: «الأرض»، «الاختيار»، «العصفور»، «عودة الابن الضّالّ»)، والذاتيّة (رباعيّة الاسكندريّة: «اسكندريّة... ليه؟»، «حدّوتة مصريّة»، «اسكندريّة كمان وكمان»، «اسكندريّة... نيويورك») أو التاريخيّة («الناصر صلاح الدين»، «جميلة بوحيرد»، «الوداع يا بونابرت») أو الفكريّة («المهاجر»، «المصير»، «الآخر») أو الاستعراضيّة («سكوت حَ نصوّر»)، لنجد يوسف شاهين نفسه رجلاً متعدد الوجوه والمناهل والمشاغل: يطلق لنرجسيّته العنان، فإذا به يتحدث عن وطنه وزمنه. يختار التسلية والسينما الاستعراضيّة، فإذا به يحرّك المبضع في جراح مجتمع مريض بالمخاوف والأسئلة وفقدان التوازن.
لم تدجّنه سلطة ولم يشغله شيء عن إيصال خطابه، وتسليط نظرته العابثة والمثاليّة إلى العالم، بعدما مجّد المشروع الناصري في «الناصر صلاح الدين» (٦٣)، جاء «فجر يوم جديد» (٦٤) ليصدم جمالياً وسياسياً. ثم هاجر إلى بيروت لأنّه، كما قال، مثل بطل فيلمه المذكور، ضاق ذرعاً بوحش البيروقراطيّة الذي «يقضي شيئاً فشيئاً على أحلام الاشتراكيّة». هنا حقق «بياع الخواتم» وأفلاماً أقل أهميّة، وكان لا بدّ من صدمة النكسة كي تعيده إلى القاهرة، وتفتح صفحة جديدة في مسيرته السينمائيّة. وهنا كان عليه أن يواجه رقابة يوسف السباعي، وأن يقبل الحجْر على «العصفور»، فيلم النكسة بامتياز الذي لم يعرض إلا بعد... «نصر أكتوبر»!
وسيبقى شاهين إشكالياً إلى النهاية. فها هم المثقفون يتهمونه في الثمانينيات بالوقوع في فخّ «الخواجة»، بعد قبوله لعبة الإنتاج المشترك مع فرنسا، علماً بأن «بونابرت» فيلم خاص في تاريخ شاهين، يختصر خطابه في العلاقة مع الغرب، منهل المعرفة والنهضة والتنوير من جهة، ومصدّر أشكال الاستغلال والاستعمار والعنف من جهة أخرى. لم يهادن شاهين يوماً ذلك الغرب، رغم كل التهم التي وجّهت إليه. تكفي مشاهدة فيلمه القصير عن «١١ سبتمبر»، وتكفي معاينة مقدار الغضب والخيبة والقسوة التي ترشح من فيلمه ما قبل الأخير «اسكندريّة ــــ نيويورك»، الذي يشكو من مبالغات أيديولوجيّة ونرجسيّة مسلّية.
منذ الثمانينيات اتهم أيضاً بالانغلاق في شرنقة الذاتيّة، وإرضاء مزاجه وأذواق الجمهور الغربي، موغلاً في القطيعة مع جمهوره الحقيقي. لكنّه واصل معاركه من دون اكتراث بأحد. زار بيروت خلال الحصار الإسرائيلي، وبغداد تحت الحصار الأميركي. نزل إلى الشارع ضدّ توريث الحكم في بلاده، كما فعل قبل سنوات بعيدة حين وقف في وجه سعد الدين وهبة أيّام معركة اتحاد الفنانين الشهيرة والقانون ١٠٣. شاهين لا يهادن في مسائل الديموقراطيّة... لقد انتقد مراراً قانون الطوارئ في بلاده، وقوانين الاستثمار في مجال السينما التي تعفي المنتجين الكبار من الضرائب وتعاقب المنتجين المستقلّين الصغار... هذا هو أيضاً يوسف شاهين، كما يمكن أن نجده بأشكال مختلفة في أفلامه.
المعلّم الذي أطلق عدداً من أبرز الممثلين، وتفتّح في جواره بعض أهم مخرجي السينما المصريّة، يتركنا بعد ٣٦ فيلماً روائيّاً و٤ أفلام قصيرة وثلاث عمليّات جراحيّة، ومعارك فكريّة ووطنيّة وسياسيّة لا تحصى، رفع خلالها راية التنوير والحوار مع الآخر، مع تمسّك شرس بالدفاع عن الحقوق الوطنيّة والقوميّة. وإذا استعدنا آخر أفلامه «هي فوضى» (مع خالد يوسف)، ننتبه كيف أن السينمائي الذي طالما أقام مع الجماهير علاقة كرّ وفرّ طوال العقود الماضية، عاد في النهاية إلى نقطة البداية: إلى الواقعيّة. لقد ضرب موعداً وداعيّاً لجمهوره الذي خرج ذات يوم قبل أربعين سنة، من صالة تعرض «جميلة الجزائريّة» في القاهرة إلى السفارة الفرنسيّة لإحراقها. لقد عاد ليجسّ ـــــ مرّة أخيرة ـــــ نبض المجتمع المصري، ويضع يده على الجراح المفتوحة في زمن الفساد والتسلّط والاستبداد البوليسي. وداعاً يوسف شاهين!

بيار أبي صعب

 

«قوانين الاستثمار المصريّة في مجال السينما (1996)، تعفي من الضرائب شركات الانتاج التي يزيد رأسمالها على مئتي مليون جنيه، فيما تحكم الخناق على المنتجين الصغار... أي أولئك الذين صنعوا مجد السينما المصريّة طوال العقود الماضية. إن الدولة المصريّة تحكم بالاعدام على السينما المصريّة الجادة والمستقلّة من حيث تدري أو لا تدري.شاهين في لقطة تعود إلى العام 1977
يوسف شاهين

سيرة

ولد يوسف جبريل شاهين عام 1926 في الإسكندرية، من عائلة لبنانية الأصل انتقلت للعيش في مصر في نهاية القرن التاسع عشر. بعد دراسته الابتدائية والثانوية في الإسكندرية، انتقل إلى كاليفورنيا حيث درس صناعة الأفلام والفنون المسرحية. ثم عاد إلى مصر، منارة السينما العربية يومها، وعمل مساعداً للمصور السينمائي الفيز أورفانالي الذي مهّد لإخراج باكورته «بابا أمين». وبدأ تصويره عام 1949 وعرض في العام التالي، ولم يكن شاهين تجاوز الثالثة والعشرين. وبعد عام، شارك بفيلمه الثاني «ابن النيل» في مهرجان «كان» السينمائي مطلقاً شهرته كمخرج يفارق اللغة السينمائية المصرية المعروفة يومها.
منذ ذلك الوقت لم تتوقف مسيرته التي بلغ رصيدها أكثر من 40 عملاً. تتلمذ على يده العديد من المخرجين مثل يسري نصر الله والراحل رضوان الكاشف وعلي بدرخان وخالد الحجر وخالد يوسف ومجدي أحمد علي وعماد البهات. وقدم وجوهاً مهمة في السينما المصرية أهمها عمر الشريف في «صراع في الوادي». وهو أحد السينمائيين القلة الذين اعتمدوا على أنفسهم في تمويل أفلامهم، وخصوصاً بعد توقف دعم الدولة له بعد «العصفور» الذي هاجم فيه السلطة، محمّلاً إياها مسؤوليّة الهزيمة في حزيران (يوينو) 1967. أسّس شاهين شركته، وعمل على الإنتاج المشترك لتمويل أفلامه، وخصوصاً مع جهات ومؤسسات فرنسيّة.
حصل خلال رحلته الفنية على العديد من الجوائز، أهمها التانيت الذهبي في «أيّام قرطاج السينمائيّة» عام 1970 عن فيلمه «الاختيار»، وجائزة «الدب الفضي» في برلين عن «إسكندرية ليه» عام 1978... وهذا الفيلم هو أول أفلام سيرته الذاتية التي قدمها في أربعة أفلام إلى جانبه «حدوته مصرية» و«إسكندرية كمان وكمان» و«إسكندرية نيويورك».
وتُوِّج عمله بفوزه بجائزة اليوبيل الذهبي لمهرجان «كان السينمائي» عام 1997 عن مجمل أعماله. منحته الحكومة الفرنسية وسام شرف من رتبة فارس عام 2006، وحصل على جائزة مبارك للفنون عام 2007.

 

رحلة التمرّد... من السياسة إلى الإبداع
فوجئ حرس الرئيس جمال عبد الناصر بالمخرج الشاب يوسف شاهين يقتحمهم، ليصل إلى «الرئيس» مع ضيفه الروسي خروتشوف، أثناء الاحتفال بتفجير الجبل الغرانيتي في أسوان لتحويل مجرى النيل (1964). همس شاهين في أذن الرئيس بلهجته المرتبكة: «لو سمحت، لا تضغط على الزر إلا بعد ما أقولك. أوكي؟». ابتسم عبد الناصر موافقاً، وبعدها بثوان قال شاهين: «أوكيه يا ريّس»، فضغط عبد الناصر على زر التفجير، ليصوّر شاهين أحد مشاهد فيلمه «الناس والنيل» (1968).
قصة ذات دلالة، لا تكشف فقط عن «دقة» جو و«حرصه» على مشاهد أفلامه، بل توضح إلى أي مدى وصل «انفلاته» الإبداعي حتى أمام شتظاهر ضد غزو العراق، وتحرّك لإغاثة الفلسطينيين في غزّة. وتضامن مع فقراء «جزيرة الذهب»، وصرخ في ندوة: «لسنا حميراً يا سيادة الوزير»... خصية بقوة عبد الناصر وحضوره، الذي لم يغضبه ما حدث، بل ابتسم له. «المنفلت» ربما كانت الكلمة هي أصدق وصف لشاهين. وربما كانت تلخيصاً لحياته الإبداعية منذ فيلمه الأول «بابا أمين»، وحتى فيلمه غير المكتمل «الشارع لنا» أو حتى على مستوى الممارسة الحياتية: لم يتردد أن يتقدّم الصفوف في التظاهرات ضد الغزو الأميركي للعراق، وتناله هراوات الشرطة، أو يذهب إلى الحدود مع قوافل لإغاثة الفلسطينيين من أجل أن يسمح لها بالدخول. كان أول من يحضر إلى «جزيرة الذهب» المهدّد أهلها الفقراء بالطرد من أجل إقامة أبراج للأغنياء. لم يكن غريباً أن يصرخ في ندوة عامة عن أزمة السينما ضد وزير الثقافة: «لسنا حميراً يا سيادة الوزير»... أو أن يعلن أثناء انتخابات الرئاسة أنه سيهدي للصحافيين وطلبة الجامعة «نبابيت» لمواجهة دروع الأمن وبلطجتهم. وهي الفكرة التي أصبحت فيما بعد فيلمه الأخير «هي فوضى» الذي عدّه النقاد صرخة ضد «السلطة المطلقة» باعتبارها «مفسدة مطلقة»!
هكذا هو يوسف شاهين، احتفظ طوال سنوات عمره التي طويت أمس بروح المناضل وقوة الموقف. لكن الأهم لديه، لم يكن نقد الحكومة أو معارضة النظام. معركته الأساسية الكبرى كانت إبداعية بالأساس. وهو يكاد يكون المخرج الوحيد الذي احتفظ بالروح التجريبية في كل فيلم من أفلامه، بداية من «بابا أمين» أول هذه الأفلام الذى جرّب فيه الشكل الفانتازي، حيث يراقب «رجل ميت» ما يحدث لعائلته من تغيّرات بعد رحيله، بعدها كانت مرحلة الواقعية التي انشغل فيها بقضايا الفلاحين والعمال والإقطاع في ثلاثة أفلام («ابن النيل»، «صراع في الوادي»، و«صراع في الميناء»)، ثم جاءت مرحلة الكوميديا الغنائية في فيلمه «أنت حبيبي».
لكن النقلة الأهم فى مشروع شاهين، حسبما يرى الناقد أحمد يوسف، كانت مع فيلمه: «باب الحديد» الذي «جاء ليقدم بصراحة ووضوح القضية التي تشغل شاهين، وكان يلمسها لمساً رقيقاً في أفلامه السابقة: المسافة التي تفصل بين الفنان وواقعه التي عبّر عنها في هذا الفيلم عبر التناقض الأسلوبي بين عالمين متناقضين». تأمّل البناء الدرامي للفيلم يكشف حسب يوسف «صراع كل فنان مع مادة موضوعه. فالفنان يحاول دائماً أن يقتنص الواقع لكي يضعه في عمله الفني، وإن كان هذا الخطر يكمن في أن يجعل هذا الاقتناص من الواقع مادة جامدة خالية من الحياة».
واستمر التمرد الإبداعي، لكن المؤسسة الرسمية تحاول تدجين الفنان، ويدخل شاهين في صراع معها ويقرر الهروب. ربما كانت هذه المرة هي الأولى التي يتخلى فيها جو عن المواجهة ليسافر في منتصف الستينيات إلى بيروت، ويؤسس هناك بيتاً ويشترى سيارة، ويخرج «بياع الخواتم» و«رمال من ذهب». لكنّه قرر أن يترك كل ذلك خلفه عندما التقى الكاتب الصحافي محمد حسنين هيكل الذي أخبره «ارجع... الريّس يريدك». بعدها مباشرة يحدث زلزال حزيران (يونيو) 1967، ليبدأ مرحلة إبداعية جديدة تحمل السؤال أكثر مما تحمل إجابات. كان سؤالها: لماذا حدثت الهزيمة؟ وليبدأ مرحلة تجريبية جديدة ضمّت أفلاماً كـ«الأرض»، «الاختيار» و«العصفور». وبعد أزمته الصحية التي استدعت إجراء جراحة قلب مفتوح، بدأ بكتابة سيرته الذاتية سينمائياً، ولم تكن سوى سيرة «وطن» يبحث عن حريته. الحرية والتمرد إذاً كانا هاجس كل أبطاله. رحلته الفنية، كما يقول أحمد يوسف، « صاعدة دائماً نحو الحرية، بمفهومها الأشمل، السياسي والإنساني والفني، رحلة مناضل بطريقته الخاصة من أجل حرية السينما وحرية الإنسان».

محمد شعير

 

طيف عبد الناصر: عن الزعيم والمخرج والممثل المفقود
أغرب ما في علاقة يوسف شاهين بعبد الناصر، أنّها امتدت إلى ما بعد وفاة الزعيم العربي، بأكثر ممّا امتدّت قبل وفاته! لا شيء بالمصادفة، واللقطات التي تثير دموع العرب في الجنازة المهيبة لجمال عبد الناصر، هي لقطات تنطق بحرفية على يوسف شاهين الذي صوّر الجنازة الشهيرة واستطاع أن يلتقط ــــ في غمار حزنه ــــ الوجوه الملتاعة ودفقات الهلع التلقائية التي فاض بها البسطاء وفاضت بهم.
بعد سنوات طويلة، يعترف شاهين في حديث صحافي بأنّه فشل في تحقيق حلم إنجاز فيلم عن «ناصر» لأنّه لم يجد «ممثلاً عنده كاريزما ناصر ولا حتى نظرة من عينيه... فين الممثل اللي عنده عيون عبد الناصر؟». لكن مَن قال إنّه لم يقدم هذا الفيلم فعلاً؟ من قال إنّ فيلم «الناصر صلاح الدين»(1963) لم يكن في جوهره فيلماً عن عبد الناصر، عن أفكاره وطموحاته وآماله؟ تحرير القدس ماضياً وحاضراً، مواجهة الإمبريالية (الصليبيين)، حلم توحيد الشعوب العربية. وهو بالتأكيد لم يكن حلم السلطان الأيوبي الذي جعله يوسف شاهين يتحدث العامية المصرية في الفيلم العروبي، على لسان أحمد مظهر الذي كان بدوره أحد رجال تنظيم الضباط الأحرار.
لكن سياسات ناصر الاجتماعية كانت سبباً في التضييق على عشق يوسف شاهين، السينما. فتأميم السينما عام 1962 أطاح دينامية السينما المصرية وتطوّرها الصناعي والتجاري، على رغم ما قدمه القطاع العام من أفلام هامة. هكذا وبعد سنتين من التأميم، وبعدما أفلست المنتجة آسيا داغر من جراء فيلم «الناصر صلاح الدين» الذي أنتجته بالاشتراك مع المؤسسة المصرية العامة للسينما، حمل شاهين كاميراته وذهب الى لبنان. 4 سنوات كان أبرز ما قدمه خلالها «بياع الخواتم» مع فيروز، يعود من جديد عام 1969 ويبدأ مشروع فيلم «الأرض» ويقدم فيلم «الناس والنيل» (1968). ويستعين فيه باللقطات التي صورها لضغطة الزر التاريخية التي حوّل بها عبد الناصر مجرى النيل، أثناء إنشاء السد العالي. ولكن لا يقدَّر للفيلم أن يعرض سوى بعد وفاة عبد الناصر بعامين.
عاد شاهين في أفلامه إلى ناصر مرتين بعد ذلك، في «العصفور» (1972) وتظاهرات رفض التنحي، ثم «عودة الابن الضال» (1976) حيث جنازة الأب الذي لم يعد الوطن بعده كما كان.

محمد خير

«35 شارع شامبليون»
مع خالد يوسف وخالد صالحيحكي رسام الكاريكاتور المصري عمرو سليم قصة ذات دلالة، عندما كان طالباً في معهد السينما، كان شاهين يدرّس مادة الإخراج وقد طلبت منه إدارة المعهد أن يجهّز «امتحاناً» للمادة، رفض شاهين بإصرار. إذ إنّ أساس المادة هو الإبداع والابتكار. ولا يمكن امتحان الطلبة فيهما. وأمام إصرار إدارة المعهد على «الامتحان»، اشترط «جو» أن يسلّم الأسئلة فى يوم الامتحان لا قبله كما يفعل بقيّة الأساتذة، وفي يوم الامتحان دخل الطلبة القاعة، وانتظرت إدارة المعهد الأسئلة، لكنّ شاهين لم يحضر، ولا الأسئلة أيضاً. كان قد حجز على الطائرة المتجهة إلى فرنسا!
هكذا هو يوسف شاهين، أستاذ في مدرسة بلا أسوار وفصول دراسية، ولا يقف على بوابتها حراس، وليس لها مواعيد تفتح وتغلق فيها. إنها مدرسة «35 شارع شامبليون» أو مكتبه في وسط القاهرة الذي مرّ عليه جميع متخرّجي مصر مع استثناءات قليلة، بل تخرّج في هذه المدرسة التي تجاوز عمرها 60 عاماً، كوادر سينمائية ليس فقط في الإخراج أو التمثيل، بل في الديكور، والموسيقى...
«العين اللاقطة» هي الشرط الوحيد للالتحاق بهذه المدرسة. عين ـــــ حسب تعبير شاهين نفسه ـــــ قادرة على التقاط ما هو مبهر وطريف. وثمة شرط آخر وضعه مبدع «الاختيار» لمن يريد أن يكون تلميذاً له: «أن يكون التلميذ عارفاً بلغة أجنبية ومنفتح الآفاق. يلتحق من يختارهم جو بالمدرسة ويعطيهم مرتّباً شهرياً ثابتاً». ويظل يدخل في مناقشات معهم حول «لعبة السينما» حتى يختار منهم مَن يصلح مساعداً له. وهنا تكون البداية دائماً.
أول تلامذة شاهين وأحد أقرب اثنين إليه المخرج علي بدرخان. بينما كان والده المخرج الشهير عبد الوهاب بدرخان، عمل علي بدرخان مساعداً لعدد من أفلام شاهين قبل أن يستقل في 1973 بفيلمه «الحب الذي كان»
جيل السبعينيات السينمائي الذي أسس لاحقاً لتيار «الواقعية الجديدة في السينما»، تخرّج أيضا فى مدرسة «جو»: داود عبد السيد، خيري بشارة، محمد شبل، أسماء البكري. وقد أصابتهم جميعاً لعنة شاهين التي كانت تضع الجمهور في مرتبة أقل، باعتبار أنّ أفلامهم أفلام «مثقفين». ربما حاول بعضهم الخروج من الأزمة بتقديم أفلام تحمل الطابع الجماهيري (داود عبد السيد مثلاً في «مواطن ومخبر وحرامي»).
في المرحلة الأخيرة، كان خالد الحجر، يسري نصر الله، وخالد يوسف الأبرز في متخرّجي المدرسة، ولكل منهم أسلوبه الخاص. خالد يوسف الأقرب إنسانياً لشاهين. وقد اختاره شاهين ليستكمل معه فيلمه الأخير «هي فوضى» بعد مرضه، رغم أن مشروعه يكاد يكون مغايراً لشاهين. خالد نفسه يؤكد أنّ أستاذه «لا يترك تلاميذه يسعون في سوق السينما بدون دليل» موضحاً: «أول أفلامي «العاصفة» كان من إنتاجه، لم يتركني كالقطّ الضّالّ». واستمرت مدرسة شاهين في تقديم المختلف وكان آخر التلامذة: أمير رمسيس وعماد البهات الذي يؤكد «نحن جديرون بالنجاحنتدرب في مدرسة سينمائية فريدة من نوعها، نتدرب عملياً ونظرياً حتى نصل في النهاية إلى ما لم يكن ممكناً أن نصل إليه: إنّنا تلامذة يوسف شاهين»!

محمد شعير

 

مواهب عدّة في رجل واحد
«الأرض» (1969) يعدّه كثيرون أعظم فيلم مصري على الإطلاق، و«باب الحديد» (1958) كان ثورة سينمائية في زمانه... إذا اخترنا قائمة أفضل عشرة أفلام في السينما المصرية، فربما احتل يوسف شاهين نصفها على الأقل

- في لحظة الفوضى الشاملة، اختار يوسف شاهين أن يغيب. فيلمه الأخير لم يحقق رضى النقاد، لكنه نجح في شباك التذاكر لأول مرة في تاريخ «جو». مجنون السينما الذي كثيراً ما أفلس المنتجين بأفلامه العظيمة، يبدو أنّ النجاح التجاري كان الأمنية الدفينة التي أخذ يؤجلها مراراً. وما إن حققها في «هي فوضى» حتى غاب، أم تراه صنع فيلم الفوضى عندما استشعر قرب الغياب؟ لم يعتد يوسف شاهين أن يقدم الأجوبة، الرجل الذي ظل يفجر بجنونه، اعتاد أن يفجر الأسئلة باستفزازية لا تلين.
من يريد تلخيص «شاهين» في أرقام فليبحث عن مراده في الموسوعات، هي مليئة بالمعلومات عن إنجازه السينمائي. نكتفي هنا بأهمّ الأهم، 12 فيلماً من إخراجه في قائمة أفضل 100 فيلم مصري. احتل بذلك المركز الأول في القائمة متقدماً على صلاح أبوسيف، لكن الأرقام لا تعبّر دائماً عن الحقيقة. إذ إن تلك النسبة (12 في المئة) تعطي دلالات غير دقيقة تماماً، فلو اختيرت قائمة أكثر «تلخيصاً» ولتكن أفضل عشرة أفلام في السينما المصرية، ربما احتل يوسف شاهين نصفها على الأقل. يكفي للتأكد من ذلك، أنه رغم ارتباط شهرته بأفلام سيرته الذاتية (حدوتة مصرية/ اسكندرية ليه/ اسكندرية كمان وكمان)، فإن تلك الأفلام على أهميتها، لا تتضمن الروائع الأخرى، وعلى رأسها «الأرض» (1969) الذي يعده كثيرون أعظم فيلم مصري على الإطلاق. «باب الحديد» (1958) الذي عدّ ثورة سينمائية في زمانه، « الناصر صلاح الدين» (1963) الذي لا يحتاج إلى تعريف، وكذلك «عودة الابن الضال» (1976) «العصفور” (1972) و«الاختيار” (1970) كل ذلك دون أن نُدخل في الحسبان أفلاماً أخرى رائعة مثل «اليوم السادس» (1986) «الوداع يا بونابرت» (1985).
في الواقع، روائع شاهين احتلت نسبة كبيرة من إجمالي أفلامه (41 فيلماً)، حتى مع استبعاد أفلام مهمّة مثل «صراع في الوادي» (1953) و«جميلة بوحيرد» (1958) ولم تنتقص من نسبة روائعه سوى الأفلام التي قدمها في السنوات الأخيرة، بدءاً من «المصير» (1997) عندما بدا للنقاد أن تلك ليست أفلام «جو» الذي يعرفونه. بينما كانت تلك هي المرحلة التي بدأ فيها المخرج العالمي تذوّق النجاح الجماهيري. ربما كان لجائزة مهرجان «كان» دور في ذلك النجاح، وخاصة أنّ الدعاية لم تساعد الجمهور على التمييز بين جائزة «السعفة الذهبية» وجائزة «اليوبيل الذهبي» للمهرجان. على كل حال، فإن الجائزة كرست لدى الجمهور مفهوم «عالمية» يوسف شاهين، تماماً كما فعلت جائزة «نوبل» مع نجيب محفوظ قبل ذلك بتسع سنوات، وكما فعلت هوليوود مع عمر الشريف الذي هو اكتشاف شاهين نفسه وخريج مدرسته نفسها في الإسكندرية.
لكن التجربة الشاهينية لا يمكن اختصارها في موهبة رجل واحد. فكما كانت قاهرة القرن العشرين حاضنة المواهب الفنية والثقافية العربية، وكما كانت «أم كلثوم» حاضنة تجارب عباقرة الموسيقى الشرقية، فإن أفلام يوسف شاهين لم تكن مجرد تجربة رائدة في تطوير مفهوم «الصورة» في السينما العربية، بل بدورها صنعت كيمياء بين عناصر فائقة الموهبة، إذ يكفي أنّ «عودة الابن الضال» قد شهد التعاون الوحيد بين الشاعر صلاح جاهين والموسيقار بليغ حمدي، فضلاً عن حوار صلاح جاهين الذي يكاد ينطق شعراً. كما أنّ أفلام «الأرض»، «الاختيار» وغيرهما، شهدت تضافر خبرات وتعاون عدد من أعظم الأدباء المصريين، على رأسهم نجيب محفوظ، عبد الرحمن الشرقاوي، يوسف السباعي وغيرهم، والموسيقيين الذين منهم كمال الطويل، سيد مكاوي وعلي إسماعيل. علماً أن الأخير كتبت زوجته الشاعرة نبيلة قنديل كلمات أغنية فيلم «الأرض». ويبقى ليوسف شاهين فضل أنه بجهده الخاص، قد جمع أولئك المبدعين في تلك التجارب السينمائية المضيئة. كما لم يستكن إلى توافر مواهب التمثيل العظيمة في أجيال الستينيات والسبعينيات، فأعاد اكتشاف محمود المليجي ليقدم معه وبه عدداً من أهم أدوار السينما المصرية، أشهرها «محمد أبو سويلم» في فيلم «الأرض» وصنع الأسطورة الفنية للفنانة محسنة توفيق التي تحولت بها إلى «بهية». أما محسن محيي الدين، الموهبة الطاغية التي اختارت الاعتزال، فلم يفلح يوسف شاهين في تعويضها وكان يعرف أنه لن يفلح.
هناك من يغيبون فيفتقدهم المصريون بشراً وهناك من يغيبون فيفتقد المصريون أهراماً، يوسف شاهين من النوع الأخير. في غيابه تزداد مصر غربةً.

محمد خير

 

«لسّه الأغاني ممكنة»

كانت «الأغاني ممكنة» في سينما يوسف شاهين. لم يستخدم هذا الأخير الغناء ليملأ فراغاً أو ليزيد من الأدوات الفنية المستخدمة في العمل... بل كان يختار اللحظة المناسبة والكلمة المناسبة التي ستفتح لهذا النمط الفني باباً منطقياً ومبرراً لوجوده، حتى يشعر المتلقّي بأنّه كان بحاجة إلى سماع هذه الأغنية في هذه اللحظة بالذات. لهذا كله، لم يكن شاهين يترك شعراء الأغاني يكتبون من دون تدخل منه، فكلماتهم موجودة لأن لها ضرورة، وهو يشير على الشعراء بأن يكتبوا في هذا الاتجاه، لا في غيره، ويوضح لهم علاقة قصيدتهم بالسيناريو والشخصيات.
والمغنّون كانوا دائماً جزءاً لا يتجزأ من أعماله. من منّا لا يذكر صوت الكورال وهو يردد «الأرض لو عطشانة» من كلمات نبيلة قنديل وألحان علي إسماعيل، فيما صورة محمود المليجي غارقاً بدمائه تملأ الشاشة. هل كان يمكن أن يكون هذا المشهد دون هذه الكلمات. الشاعرة والموسيقي نفسيهما سيجتمعان مرة أخرى في فيلم «العصفور» ليقدما معاً أغنية «راجعين» التي باتت أغنية عبور الجنود المصريين (1973). من العصفور أيضاً نذكر أغنية الثنائي إمام ــــ نجم التي اقترنت بالفيلم: «مصر يمّه يا بهيّة/ يم طرحة وجلابيّة»...
تعامل شاهين مع أشهر كتّاب الأغاني والملحنين والمطربين العرب، مثلما وظّف الأغنية الشعبية أيضاً، كما في فيلمه «ابن النيل» حيث حضر المطربان الشعبيان يوسف صالح وسميحة توفيق. وربما كانت سينما شاهين مسؤولة عن تقديم الفنانين بصورة ثقافية تملك موقفاً سياسياً وفكرياً محدداً، مثل أغنية «مفترق الطرق» لماجدة الرومي في «عودة الابن الضال» التي وصفت، بحسب كاتب العمل صلاح شاهين، بـ«واحدة من أروع الأغنيات التي غنتها الرومي» من ألحان كمال الطويل.
أما محمد منير، فقد أتاح له ظهوره في «حدوتة مصرية» و«المصير» أن يبرز طاقته المسرحية، فتألّق من دون رومنسية فاقعة، بل بعصبية وموقف حاد من كل ما يجري من حوادث، فقدم «علِّ صوتك» تأليف كوثر مصطفى وألحان كمال الطويل. مثلما بدت لطيفة التونسية مطربة مختلفة تماماً مع شاهين، واشتهرت بأغنية «تعرف تتكلم بلدي» في «سكوت حنصوّر» من كلمات جمال بخيت وألحان عمر خيرت.
بهذا المعنى استثمرت سينما شاهين طاقات المبدعين، حوّلت مغنّين إلى ممثلين، فالمبدعون مهما كان مجالهم عنصراً سينمائياً قيد التفكيك والمفاجأة.

 

عاشق الممثل
هناك قاسم مشترك بين الكثير من الوجوه الشابة التي ظهرت لأول مرة على الشاشة بفضل يوسف شاهين، من هشام سليم إلى خالد النبوي وصولاً إلى أحمد يحيى. الطول والنحول نفسيهما تقريباً، الطريقة العصبية الحادة في الكلام، القوة في نظرة العينين التي لطالما رأى فيها شاهين تعبيراً عن الموهبة الحقيقية لدى الممثل. ثمة خيط واحد يجمعهم، ربما يكون قربهم من الممثل الذي حلم شاهين أن يكونه. فكثيراً ما بُرر هذا الولع باكتشاف النجوم برغبة شاهين الدفينة في أن يصير ممثّلاً. وقد حاول فعلاً دراسة التمثيل في أميركا، لكن شكله وحضوره كانا عائقين أمامه. ألم يقل في لقاء صحافي مرةً «أبحث عن ممثلين أمثّل من خلالهم، ويا ويل الممثّل الذي لا يكون أنا؟».
لقد اكتشف هشام سليم في «عودة الابن الضال» منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ثم محسن محيي الدين في «اليوم السادس» والثلاثيّة الإسكندرانيّة، وخالد النّبوي في «المهاجر»، وأحمد وفيق ومصطفى شعبان في «سكوت حَنصوّر»، أما هاني سلامة، فقبل أن يسند إليه بطولة «المصير»، أخضعه لامتحان غريب، إذ أمره بأن يستمر في غناء مقطع من أغنية لعبد الحليم، كي يكتشف مقدرته على تجديد الانفعال والتعبير. ومن آخر اكتشافات شاهين، الراقص أحمد يحيى الذي شاهده في باليه «زوربا»، ليصبح بطل «إسكندرية... نيويورك»، ثم خالد صالح ومنّة شلبي في «هي فوضى».
وعبر تاريخه الطويل، كشف المعلّم الراحل عن قدرات نجوم مكرّسين أيضاً، مثل أحمد مظهر، وحسين فهمي، ونور الشريف، ويسرا، وصفية العمري، وشكري سرحان الذي ظل الشاب الرومانسي إلى أن قدمه شاهين في «ابن النيل» ليصبح عنوان الفيلم لقباً له. وهناك طبعاً محمود المليجي الذي تحوّل إلى نجم بعد أدائه شخصيّة محمد أبو سويلم الشهيرة في فيلم «الأرض»، أحد أعظم أفلام السينما العربيّة. وقلّة من القرّاء تعرف أن عمر الشريف نفسه مدين لشاهين بمسيرته. لقد كان صديقه على مقاعد الدراسة في «كليّة فيكتوريا»، وعرض عليه دوره الأول أمام فاتن حمامة في «صراع في الوادي». وهكذا انطلق إلى النجوميّة العالميّة.
أما النجم فريد الأطرش، فقاوم طويلاً هذا المخرج الشاب الذي يريد تغييره... لكنه عاد فاستسلم أمام إرادة شاهين في «إنت حبيبي»، وإذا بالمطرب الصعب المراس يتجدد كممثل مع شاهين. وبعدها بعقود، تولّى إدارة مطرب آخر أمام الكاميرا هو محمد منير في «حدّوتة مصريّة» و«المصير». ثم جاء دور ماجدة الرومي في «عودة الابن الضال»، وأخيراً لطيفة التونسية في «سكوت حنصوّر» الذي ظهرت فيه المغنيّة روبي أيضاً للمرّة الأولى.
كذلك أثّر شاهين في ممثّلين عرفوا بأدوار نمطية، ليقلبهم إلى أبطال كوميديا، مثلما حدث مع حسين رياض، أو يجعل منهم ملوكاً في التراجيديا، مثلما فعل مع محمود المليجي شرير الشاشة، كما ذكرنا أعلاه.

 

من الواقعية النقدية إلى السينما السياسية

ترك يوسف شاهين بصماته المميزة في مسار السينما العربية والعالمية، على مدى ستة عقود من الإبداع قدّم خلالها أفلاماً تنوعت بين الواقعية النقدية في الخمسينيات («ابن النيل»، «صراع في الميناء»، «باب الحديد»...) إلى السينما السياسية التي صنعت شهرته، بدءاً بـ «جميلة الجزائرية» (1958)، ووصولاً إلى «الأرض» و«العصفور» و«عودة الابن الضال» التي قدّمها في النصف الأول من السبعينيات، ثم «اليوم السادس» و«وداعاً بونابرت»، في الثمانينيات. وفي خلال ذلك، قدّم شاهين ثلاثيته الأشهر التي مزج فيها بامتياز بين السيرة الذاتية والهم السياسي والاجتماعي، وطرح جانباً الأساليب الحكائية التقليدية لحساب لغة بصرية مكثفة خوّلته الوصول إلى «العالمية» التي كان يتطلع إليها، وفرضت نهائياً مكانته في مصافّ كبار صنّاع الفن السابع. فبعد «إسكندرية ليه؟» (1978)، قدّم «حدوتة مصرية» (1982) ثم «إسكندرية كمان وكمان» (1989). في عام 2004، قدّم فيلماً رابعاً أراده امتداداً لهذه الثلاثية، وهو «إسكندرية ــــ نيويورك». لكن النفس النضالي المعادي للإمبريالية الأميركية غلب على هذا الفيلم، بحيث لم يرقَ فنياً إلى اللغة السينمائية لـ «الثلاثية» التي أبهر المعلّم الإسكندراني الكبير من خلالها جمهور وصنّاع السينما العالمية على السواء.
ولم يكن شاهين سينمائياً كبيراً، مجدّداً ومبدعاً فحسب، بل كانت له مواقف نضالية وآراء سياسية مدوّية. في عام 1994، اصطدم بالحركات الأصولية المتطرفة، على أثر فيلم «المهاجر»، ما دفعه إلى تقديم فيلمه الأشهر «المصير» الذي استعاد فيه فكر ابن رشد وشخصيّته للمرافعة ضد التطرف والظلامية، الذي نال عنه جائزة الذكرى الخمسين لمهرجان «كان»، سنة 1997. واحتلت السياسية مكانة مركزية في أعمال المرحلة الشاهينية الأخيرة، من «الآخر» (1999) إلى «سكوت هنصوّر» (2001) و«إسكندرية ــــ نيويورك» (2004)، وأخيراً، «هي فوضى» الذي قدّمه الخريف الماضي، وكان أول عمل سينمائي تجرأ على طرق قضية العنف البوليسي في مصر.
على رغم المصاعب الصحية المتعددة التي عاناها شاهين منذ 2001، فإنّه نجح من خلال هذا الفيلم الأخير في تحقيق أحد أحسن أعماله منذ «الثلاثية». «هي فوضى» عاد بمحبي السينما الشاهينية ــــ بعد طول انقطاع ــــ إلى ألق «المرحلة الواقعية» التي صنعت تميّزه، ليطوي السينمائي المصري الكبير قبل رحيله، صفحة «المرحلة الخطابية» التي جعلت أفلامه، منذ «المصير»، تغلِّب النضالية الفكرية على الجوانب الفنية والحسّية، بسبب المعارك السياسية الجريئة التي خاضها، إثر زوابع الجدل والتكفير التي صاحبت محاولة حظر فيلمه «المهاجر».
لم يتخلَّ يوسف شاهين في هذا العمل الأخير عن النبرة النضالية والمرافعة السوسيولوجية التي اشتهر بها ضد مختلف مظاهر الظلم والقمع والاستبداد، حيث تناول عدداً من القضايا الساخنة التي تشغل المجتمع المصري، كالفساد السياسي والاقتصادي والعنف البوليسي، إلا أن الميزة الأساسية لهذا العمل الأخير أن مضمونه السياسي ــــ بخلاف معظم الأفلام التي حقّقها شاهين خلال العشرية الأخيرة ــــ اندرج ضمن قالب فني لم يعتمد فقط على قدرات شاهين الأسلوبية ولغته البصرية المميزة، بل استند أيضاً إلى سيناريو متماسك لم يكتف بمحاكاة الواقع الاجتماعي أو مساءلته، بل نحت منه شخصية محورية مميزة، هي شخصية أمين الشرطة الفاسد (حاتم) التي حملت من العمق الإنساني والدلالة الرمزية ما يخوّلها أن تبقى ماثلة في أذهان محبي السينما الشاهينية... على غرار شخصيات «قناوي» في «باب الحديد»، أو «بهية» في «العصفور» أو «يحيى» في «الثلاثية الإسكندرانية».

عثمان تزغارت

في عين النقد
دراسات ومؤلفات كثيرة خصّصت على مدار السنوات، في مختلف اللغات، لسينما يوسف شاهين. نكتفي بالإشارة منها إلى أربعة مراجع أساسيّة:
الناقد السينمائي وليد شميط واحد ممّن كرسوا جهداً لإجراء دراسة ضمّت حوارات مع شاهين بعنوان «يوسف شاهين ــــ حياة للسينما» (‏2001‏ ــــ دار رياض الريس)، وفي الدراسة بحث في هموم المخرج التي ازدادت تعقيداً مذ تورّط في نبش الواقع بجرأة ومن دون مواربة. ويصف شميط عالم شاهين «بالمعقّد، يمتزج فيه الذاتي بالموضوعي، ظاهره مبهرج وملوّن ومتحرّك، وباطنه عذاب وبحث وصراع وقلق وتوتر وألم». وهو ضمن ذلك يقدم عرضاً مكثفاً لأعماله السينمائية إلى جانب تلخيص المراحل التي رصدها شميط لتطور سينما شاهين، وهي «الألم ــــ الوعي ـــ الالتزام».
وتطرقت الباحثة السينمائية سعاد شوقي إلى «تطور الرؤيا والأسلوب» في أعمال شاهين، باحثة في مفهوم الإغراق في المحلية الذي قاد شاهين إلى العالمية، كما تناولت أدواته الفنية وتأثره بمنطق المسرح.
وكانت سينما شاهين في مرحلة ما بعد فيلم «الأرض» وبالتحديد في 20 عاماً من 1971 إلى 1991. مدار تحقيق الناقد سمير فريد «أضواء على سينما يوسف شاهين» (1997 ــــ الهيئة المصرية العامة للكتاب) الذي تناول سبعة أفلام من الإنتاج المصري المشترك مع الاتحاد السوفياتي والجزائر وفرنسا، وقد عرضت في عشرات المهرجانات السينمائية الدولية.
أما المؤلف والسناريست والناقد السوري رفيق صبّان فقد تناول سينما شاهين في كتابه «أضواء على الماضي»، مستعرضاً رحلة السينمائي الكبير، وكيف اختلفت رؤيته الإخراجية التي اعتمدت حضور الموضوع والذات، وظلّ أميناً لنظرته الناقدة التي لم تغلّب جانباً على آخر.

 

يتامى أفلامه ويتامى رحيله أيضاً...

في أيّ لقطة من أيّ فيلم له، كان المشاهد يدرك بسهولة أن ما يراه هو من صناعة يوسف شاهين. من حركة الكاميرا. من زاوية أخذ اللقطة. من الدسامة التعبيرية لكادر اللقطة ككل... كان الرجل صاحب لغة سينمائية. لا جديد في هذا الكلام طبعاً، لكن فكرة الاهتداء إلى إمضاء شاهين من مجرد لقطة واحدة له ـــــ وانتشار هذه الفكرة كمُسَلَّمة ـــــ تؤكد، بطريقة ما، إلى أيّ حد كانت لغة شاهين شائعة كماركة مسجّلة باسمه. ينبغي أن نضيف أن ذلك كان شائعاً بين جمهور السينما العادي أيضاً لا لدى المختصّين والمهتمّين بها فقط. حتى الذين لم يحبوا أفلامه كانوا يعرفون أن لديه «أسبابه» السينمائية القوية والوجيهة التي تجعله «معقَّداً» وصعب الفهم في نظرهم.
الممثلون الذين رشحهم للعب أدوار في أفلامه، كانوا يتركون كل شيء ويتفرغون له. هؤلاء كانوا يعرفون مسبقاً أنهم مدعوّون إلى وجبة سينمائية مختلفة، وأن العمل مع المعلم «جو» سيضيف علامة فارقة على الفيلموغرافيا الخاصة بكل واحد منهم. كان اختيارهم ـــــ سواء لبطولة مطلقة أو مجرد دور قصير وعابر ـــــ أشبه بالحصول على شهادات «حُسن أداء سينمائي». ولكن ـــــ في الوقت نفسه ـــــ كان العمل معه يخُضعهم لشرطٍ خفيّ يتحولون بموجبه إلى مواد طيِّعة بين يديه... يعيد تكوينها وصوغها كما يريد. من حق أي مخرج أن يفرض رؤيته وأسلوب عمله، ولكن العمل مع صاحب «اسكندرية ليه» كان يتطلب أن يتحول الممثلون إلى مؤدّي أدوار خاضعة لمزاج شاهيني متشدد. نور الشريف هو نور شريف آخر في أفلام شاهين. والحال كذلك بالنسبة إلى يسرا وخالد النبوي ومحمود حميدة ونبيلة عبيد ومحمد منير وهاني سلامة... بل إن ممثلاً مثل محسن محيي الدين الذي لعب بطولة عدد من أفلام شاهين يكاد يكون غير موجود خارج هذه الأفلام. الإمضاء الشاهيني كان يصنع ممثلين شاهينيين.. وحين كان بعضهم يعملون بإدارة مخرجين آخرين كانوا يفقدون «الهالة» التي منحهم شاهين إياها. كانوا أشبه باليتامى خارج أفلامه. وها هم يتامى رحيله أيضاً.

حسين بن حمزة

 

 

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...