قمة شرم الشيخ بين مبارك وبيريز ومحاولة عزل ملك الأردن
الجمل: تداولت وكالات الأنباء والتقارير والمعلومات حول انعقاد قمة شرم الشيخ المصرية التي ضمت الثنائي شيمون بيريز – حسني مبارك، والتي هدفت، بحسب المزاعم الإعلامية الإسرائيلية والمصرية، إلى حل المشاكل العالقة في المنطقة.
* قمة شرم الشيخ وأجواء خيبة الأمل:
تعاني مصر من تراجع دورها الإقليمي كدولة قائدة في منطقة الشرق الأوسط، وتعاني إسرائيل من تراجع قوة الردع الإسرائيلي كدولة متفوقة عسكرياً في الشرق الأوسط، وعلى خلفية هذا السياق التراجعي يمكن القول أن قمة شرم الشيخ التي جمعت الرئيسين المصري والإسرائيلي، سوف لن تتجاوز تأثيراتها حدود البيان الإعلامي المشترك الذي ستصدره القمة.
• البعد الهيكلي: يستند كل طرف على علاقاته مع واشنطن وعلى أساس اعتبارات معادلة العلاقة مع واشنطن فإن تفوق تل أبيب على القاهرة لا يحتاج إلى كبير عناء لاكتشافه.
• البعد القيمي: يركز الإدراك الإسرائيلي على استخدام القمة كوسيلة لتوجيه السياسة الخارجية الإسرائيلية لجهة إظهار الرئيس المصري بأنه الطرف الذي يمثل الشريك الحقيقي الإسرائيلي في المنطقة، وبالتالي فإن على الأطراف الشرق أوسطية الأخرى أن تسعى للقاهرة من أجل الحصول على مساعدة في حل مشاكلها مع إسرائيل، أما الإدراك المصري للقمة فإنه يركز على إبراز صورة استعادة القاهرة لمكانتها كمركز استراتيجي إقليمي للدبلوماسية الوقائية الشرق أوسطية، إضافة إلى إبراز مصر باعتبارها القوة الإقليمية الشرق أوسطية الوحيدة المعادلة لقوة إسرائيل في المنطقة.
• البعد التفاعلي: متابعة وتحليل الأداء السلوكي على خط تل أبيب – القاهرة خلال الفترة التي سبقت قمة شرم الشيخ تشير معطياتها إلى ما يلي:
- على الجانب المصري: برز تكثيف القاهرة لجهودها إزاء ملف أزمة قطاع غزة، وذلك لجهة الضغط على حركة حماس من أجل عقد صفقة إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جيلعاد شاليت، وعدم إطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية إضافة إلى التوافق مع حركة فتح. كذلك برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة ذهاب زعماء من قوى 14 آذار إلى القاهرة وتقول التقارير أن سمير جعجع رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية ووليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي قد زارا القاهرة خلال الأيام الماضية.
- على الجانب الإسرائيلي: تعاني الساحة السياسية الإسرائيلية من مخاطر احتمالات فراغ القوة التنفيذية الذي نشأ بسبب تداعيات استقالة أولمرت وفشل تسيبي ليفني في تشكيل الحكومة حتى الآن، إضافة إلى معاناة نخبة كاديما – العمل المسيطرة على تل أبيب من مخاطر فقدان المصداقية أمام الرأي العام الإسرائيلي الذي أصبح يتحول باستمرار لصالح زعيم الليكود بنيامين نتينياهو، ويعاني تحالف كاديما – العمل العديد من الأزمات المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي كأزمة سيطرة حركة حماس على قطاع غزة واحتمالات تمدد سيطرتها على الضفة الغربية، وأزمة المفاوضات مع الفلسطينيين وعدم قدرة تل أبيب على تقديم التنازلات المطلوبة بواسطة الطرف الفلسطيني وحالياً أصبحت تل أبيب أمام عدة خيارات كلها محرجة: فهي إما أن تقدم التنازلات للفلسطينيين حول القدس بما يؤدي إلى إغلاق الطريق أمام تشكيل الائتلاف الحكومي الجديد الذي سيفسح المجال أمام الليكود وحلفائه في حزب شاس وإسرائيل بيتنا لاستعادة السلطة وانشقاق كاديما على يد موفاز، أو لا تقدم أي تنازلات في موضوع القدس وذلك سيؤدي إلى انهيار المفاوضات وانهيار حركة فتح وصعود نفوذ وقوة حماس وسيطرتها على الضفة الغربية. على الجانب الإسرائيلي كذلك توجد أزمة ملف المفاوضات السورية – الإسرائيلية غير المباشرة ومن الواضح أن الجانب الإسرائيلي قد أصبح على وشك مواجهة أزمة فرعية مع واشنطن بعد نفي الإسرائيليين لتصريحات بوش الأخيرة حول إمكانية انسحاب إسرائيل من الجولان مقابل السلام مع سوريا.
يتجلى من السياقات العامة والخاصة المتعلقة بخلفيات قمة شرم الشيخ التي عقدت اليوم ، أن الطرفين يسعيان إلى تحقيق الأهداف غير المعلنة الآتية:
• إعادة إنتاج مبادرة السلام العربية التي سبق أن قدمتها السعودية في مؤتمر بيروت عام 2002م، ضمن نسخة جديدة تحمل اسم المبادرة الأصلية شكلاً، ولكنها تختلف عنها مضموناً.
• إعادة توزيع الأدوار على خط القاهرة – الرياض، بحيث تتولى السعودية "ملف التطبيع" الإسرائيلي مع البلدان العربية بالبدء أولاً مع البلدان الخليجية ثم البلدان العربية الأخرى المتبقية وتتولى القاهرة ملف لبنان.
توزيع الأدوار هذا بدأ على خط القاهرة – الرياض ويهدف إلى جملة من الأهداف غير المعلنة وقصيرة الأجل التي من أبرزها:
• إقصاء ملك الأردن عن القيام بأي دور في الملعبين الفلسطيني واللبناني لصالح تعزيز دور مصر، خاصة وقد ثبت أن الملك عبد الله الأردني أكثر تأثيراً على الزعماء اللبنانيين والفلسطينيين من الرئيس مبارك.
• توحيد ملف إدارة الأزمة الفلسطينية وملف إدارة الأزمة اللبنانية ضمن دائرة إشراف القاهرة، لجهة تأمين عدد من العوامل أبرزها:
- إتاحة المجال أمام تل أبيب لمعالجة الأزمتين عبر قناة واحدة هي القاهرة.
- دفع القاهرة باتجاه التصادم مع دمشق خاصة وان كل من الرياض وعمان قد فشلتا في القيام بذلك خلال المرحلة السابقة.
- تمهيد المجال أمام القاهرة لمحاولة إدخالها في خط المحادثات السورية – الإسرائيلية وربما عن طريق اللجوء إلى واشنطن لممارسة الضغوط على تركيا لتقبل بذلك.
- محاولة إعادة الحيوية لدور القاهرة في المنطقة خاصة وأن صعود دور دمشق الدبلوماسي الإقليمي والدولي أعطاها وزناً أكبر من وزن القاهرة.
برغم أن الدعم الإسرائيلي - الأمريكي لمصر والهادف إلى استعادة القاهرة لوزنها الإقليمي عن طريق إدارة الملفين اللبناني والفلسطيني، هو دعم يهدف إلى الدفع في مرحلة لاحقة إلى محاولة وضع الملف السوري في يد القاهرة، بما يتيح لمحور تل أبيب – القاهرة توظيف الدبلوماسية المصرية ودبلوماسية أمين عام الجامعة العربية بدبلوماسية وزير الخارجية المصري، القيام بإدارة الصراع التفاوضي السوري – الإسرائيلي بما يتيح فرض الضغوط على دمشق من جهة وإتاحة المزايا النسبية لتل أبيب من الجهة الأخرى.
استراتيجية الدبلوماسية الوقائية التي ينهجها محور تل أبيب – واشنطن ما تزال تعتمد على نماذج السياسة الخارجية المثالية التي ترفض التوجهات الواقعية القائمة على ضرورة اعتماد الحلول العادلة المشروعة، وما هو محير فعلاً هو انه إذا كانت حركة حماس قد رفضت وصاية القاهرة ونفوذها على الملف الفلسطيني فإن على الجميع أن يتوقع بأن دمشق التي سبق مراراً وتكراراً أن رفضت النفوذ الأمريكي ومحاولات الرئيس بيل كلينتون التدخل لصالح إسرائيل في المفاوضات، سوف لن تقبل التنازل عن حقوقها والإذعان لتدخل من هم ليسوا في قامة أمريكا ووزن الرئيس كلينتون.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد