واشنطن تبحث فرض «حظر جوي» على الخرطوم

06-03-2009

واشنطن تبحث فرض «حظر جوي» على الخرطوم

ما أن صدر قرار توقيف الرئيس السوداني عمر البشير، حتى كشف الإعلام الأميركي، أمس، عن مقاربة أميركية محتملة: فرض منطقة حظر جوي فوق إقليم دارفور السوداني من أجل «تسهيل مهمة الدبلوماسية»، في استرجاع فظ لسيناريو طُبّقَ ضد العراق خلال التسعينات ومهد غزو بغداد. تمّ ذلك فيما انتقل عراك المنابر بين الخرطوم والغرب إلى مسألة طرد منظمات الإغاثة غير الحكومية، في وقت خلت فيه جعبة العرب والأفارقة إلا من رهان ضعيف على مجلس الأمن الدولي، لتعليق القرار «مؤقتاً».
وفي الخرطوم، سارت تظاهرات حاشدة شارك فيها البشير شخصياً، فيما تواترت مواقف الدعم من قبل هيئات إسلامية وأهلية وأطراف معارضة في حكومة جنوب السودان و»جيش تحرير السودان» (المتمرد سابقاً). وهتف البشير وهو يلوح بعصاه، أن المحكمة أداة في أيدي «مستعمرين جدد» يسعون وراء نفط السودان، ودافع عن طرد 13 وكالة إغاثة أجنبية أكثرها أميركية وبريطانية وفرنسية، لأنها «تستغل وضعها... للإخلال بالقانون والأمن». وأكد مسؤول في حكومته أنه قد يتم طرد المزيد من المنظمات، متهماً تلك التي شملها قرار الطرد بإرسال «تقارير ملفقة» إلى محكمة لاهاي.
ورقص البشير (65 عاما) وغنى أمام أنصاره، نافياً التهم التي وجهتها إليه المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في دارفور، ومؤكداً بأنها «جزء من مؤامرة غربية». وقال «إحنا رفضنا الركوع للاستعمار علشان كده كان استهداف السودان، لإننا لا نركع إلا لله سبحانه وتعالى»، مضيفاً «الناس يخطئون إذا اعتقدوا أن المحكمة ستشجع السياسيين السودانيين على تغيير البشير من خلال انقلاب، أو التوصل إلى حل سريع للصراع في دارفور».
في هذه الأثناء، ضمّ الاتحاد الأفريقي جهوده إلى جهود جامعة الدول العربية، حيث تم الاتفاق على إرسال وفد مشترك إلى مجلس الأمن الدولي لحثه على استخدام صلاحيته في تعليق تنفيذ أمر الاعتقال لمدة سنة. وبدت مصر متشائمة، حيث قلّلت من حظوظ موافقة المجلس، واستبعدت أيضاً عقد قمة عربية طارئة لمناقشة الأزمة. وقالت مصادر دبلوماسية مطلعة في نيويورك، أن الانقسام حاد في مجلس الأمن حيال الطرح العربي ـ الأفريقي هذا، حيث تؤيده الصين وروسيا وليبيا وبوركينا فاسو وأوغندا وفيتنام وتركيا، مقابل رفض واضح من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، تساندها كرواتيا والنمسا وكوستاريكا واليابان والمكسيك، أي إجمالي ثماني دول من بين أعضاء المجلس الخمسة عشر.
ولم يتوقف مندوب السودان في الأمم المتحدة، عبد المحمود عبد الحليم محمد، عن إطلاق تصريحاته النارية الرافضة لقرار محكمة لاهاي، منذ صدوره، مؤكداً أنه «بعوضة في أذن الفيل».
وأثار قرار طرد منظمات الاغاثة ضجة في الغرب، حيث ألحّ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على البشير بالرجوع عن قراره، لأنه «سيسبب ضرراً يتعذر إصلاحه للعمليات الإنسانية هناك». كما أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أنهما يبذلان، مع دول أخرى، جهوداً «لإقناع» حكومة البشير بالعدول عن القرار، في وقت حذرت فيه هذه المنظمات المطرودة من أن القرار سيترك مئات الآلاف من المشرّدين والمرضى الذين يعتمدون على خدماتها من دون رعاية.
في ما يبدو كاستعادة لاستراتيجية سلكتها واشنطن خلال التسعينات قبل غزو العراق في العام 2003، ووضعت حجرا لفصل إقليم كردستان عن الأرض العراقية، كشفت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أمس، اقتراحاً عرضته الإدارة الأميركية الجديدة لفرض «منطقة حظر جوي» فوق إقليم دارفور المضطرب، الذي كان منبع الأزمة. تزامن ذلك مع إعلان حكومة الخرطوم أن جيشها بسط سيطرته على مناطق جديدة في دارفور، حيث استولى على جبل مرة وطرد حركة «تحرير السودان ـ جناح عبد الواحد نور» الذي زار إسرائيل سائلاً دعمها ضد البشير، في شباط الماضي.
النبأ الذي كشفته «واشنطن بوست»، تمثّل بمقال كتبه بالاشتراك: عضو «مجلس سياسة الدمقرطة» المعني بنشر الديموقراطية في العالم، كورت باسونير؛ والجنرال ميريل ماكبيك، رئيس هيئة أركان القوات الجوية الأميركية بين عامي 1990ـ1994، أي في الفترة التي تمّ فيها فرض منطقة حظر طيران فوق إقليم كردستان العراقي خلال حرب الخليج الثانية. وقال الكاتبان إن الرئيس الأميركي باراك أوباما، ونائبه جو بايدن، ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، والسفيرة الأميركية إلى الأمم المتحدة سوزان رايس، جميعهم، دعوا في غير مناسبة إلى اتخاذ «سياسة فاعلة لإنهاء أزمة دارفور»، عبر خلق «منطقة حظر جوي» فوق الإقليم، من شأنها أن «تغيّر المعادلة على الأرض». وقالا إن كلينتون أقرّت، خلال جلسة استماع أمام الكونغرس، بأن اقتراحاً كهذا «هو قيد البحث».
فرضُ حظرٍ جوي، شدّد الكاتبان، يبقى «المبادرة الواعدة الأهم» من أجل «إنهاء الحصانة التي تتمتع بها الملاحة العسكرية الجوية حالياً»، لافتين إلى «الدور المركزي» الذي تؤديه القوة الجوية في استراتيجية البشير العسكرية. والاقتراح يستدعي، عملياً، انخراط حلفاء الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، وعلى الأخص فرنسا، التي تملك المطار المناسب في آبيتشي في شرقي تشاد. وجادل المقال بأن من شأن حظر جوي مماثل أن يساعد الولايات المتحدة والغرب على الضغط على الخرطوم لإدخال المزيد من القوات الأرضية التابعة للأمم المتحدة إلى البلاد، و»سيسهّل مهمة الدبلوماسية مع تقليص خيارات البشير».
إلا أن الاقتراح لم يحقق تقدماً في حينه، بحسب المقال، بعد معارضة شديدة أبدتها المنظمات الإنسانية العاملة في دارفور، خشية أن تخسر الرُخص الممنوحة إليها من قبل الخرطوم لمواصلة عمليات الإغاثة هناك. أما وقد سُحبت الرُخَص الآن، فمن يدري؟.

المصدر: السفير+ وكالات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...