سولانا في دمشق تلطيف أدوات الضغط وتلويح بفوائد الشراكة

16-03-2007

سولانا في دمشق تلطيف أدوات الضغط وتلويح بفوائد الشراكة

الجمل ـ سعاد جروس:  هل تعني زيارة المنسق الاعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا الى دمشق بأن سوريا جزء من الحل, وليست جزءا من المشكلة؟ ام ان اسولانا مع الرئيس الأسدلجولة ليست سوى ابدال ادوات الضغط من العزلة الى الحوار مع التلويح بجزرة الشراكة؟

ما إن أعلنت الولايات المتحدة الأميركية عن نيتها بالجلوس الى مائدة اجتماع إقليمي دولي حول العراق يضم سوريا وإيران, حتى سارع الاتحاد الأوروبي الى اعلان إنهاء حالة العزل التي كان يفرضها على سوريا منذ عامين, ولتكون ثالث دولة يزورها المنسق الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا بعد لبنان والسعودية. وتركزت مباحثات الجولة على تطبيق القرار 1701, والوصول الى حل للأزمة اللبنانية.
لا يمكن قراءة أسباب ونتائج قرار الاتحاد الأوروبي بإرسال موفد إلى دمشق بمعزل عن التحرك الدبلوماسي النشط الذي تشهده المنطقة, حيث جاءت زيارة خافير سولانا إلى دمشق الأربعاء الماضي في 14 آذار €مارس€ بعد أقل من أربعة أيام على انعقاد اجتماع دول جوار العراق السبت في 10 آذار €مارس€ الحالي. وبعد أقل من 24 ساعة على زيارة مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية ايلين سوربري إلى دمشق لبحث قضية اللاجئين العراقيين في سوريا, المقدر عددهم بمليون ونصف عراقي, وهي أول زيارة لمسؤول أميركي رفيع منذ زيارة نائب وزير الخارجية السابق ريتشارد ارميتاج في كانون الثاني €يناير€ 2005, قبل سحب السفيرة الأميركية في دمشق مارغريت سكوبي إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
التغير الذي شهدته السياسة الأميركية على صعيد التعاطي مع سوريا وإيران وإشراكهما في البحث عن حل لوضع حد لتفاقم الأزمة في العراق, من خلال المبادرة إلى فتح طاولة للحوار في بغداد, تطلب تحركاً أوروبياً سريعاً باتجاه المنطقة, كي لا تجد أوروبا نفسها خارج ما تسعى إليه أميركا من حلول, وبما أنها تمسك بملف العراق كاملاً, فيما الملف الفلسطيني من نصيب الأطراف العربية والإقليمية, ولا سيما وقد تم تحقيق تقدم فيه عبر اتفاق مكة, لم يبق سوى الملف اللبناني الشائك, وتحديداً مسألة الحكومة والمحكمة. بعد إعلان الرئيس الفرنسي جاك شيراك في مؤتمر صحفي عقب القمة الأوروبية في بروكسل موافقته بلا تحفظ على مبادرة سولانا لزيارة دمشق. أقر الاتحاد الأوروبي بالإجماع كسر العزلة السياسة المفروضة على سوريا, قبل أن تغير أياً من مواقفها, وقال وزير الخارجية الإيرلندي ديرموت أهيرن: «إن الاتحاد أدرك الحاجة لاستئناف الاتصالات مع دمشق بسبب دورها الرئيسي في المنطقة». وأضاف, «نريد أن نتصل بهم كشريك, إنهم مهمون للغاية ولهم نفوذ كبير», ومشيراً إلى أن «الدبلوماسية هي الشيء المطلوب, بدلاً من إدارة ظهورنا لهؤلاء الناس», كما ان شيراك وجد من الأفضل أن يكون الاتحاد الأوروبي موحداً في رسائله إلى دمشق, وعبر عن قلقه من إرسال الدول الأوروبية مبعوثين بشكل فردي يحملون رسائل متباينة. محذراً أن ذلك «سيكون له عواقب سلبية» ولذا فمن الأفضل أن «تتحدث أوروبا بصوت واحد عبر سولانا برسالة محددة يؤيدها الجميع».
وحسب مراقبين لم يتأخر الاتحاد الأوروبي في إدراك الحاجة الى التحاور مع دمشق, وإنما تأخر في وقوفه خلف السياسة الأميركية, ولم يكن بإمكانه القيام بهذه المبادرة قبل ظهور بوادر تغيير في سياسة بوش, تبدت بالتوجه نحو الحلول الدبلوماسية وتسريب أحاديث وأفكار عن صفقات في الشرق الأوسط, لن يكون لأوروبا فيها نصيب مرض, خصوصا أن بوادر أزمة أو تصادم بدأت تلوح في الأفق بين أميركا وروسيا وبعض الدول الأوربية, بسبب نشر أميركا لدرع صاروخية في دول أوروبا الشرقية. أما ابعاد أوروبا عن الحلول لأزمات الشرق الأوسط فكان عملياً تحجيماً لدورها في المنطقة, وهو ما لن يسمح به الاتحاد الأوروبي. من هنا برزت الحاجة إلى إعادة فتح الخطوط الدبلوماسية نحو المنطقة عبر الملفات العالقة الأشد تعقيداً والتي تملك فيها أوروبا أوراقاً قوية, وهي الملفات اللبنانية الساخنة, وبالتالي أي حل في لبنان غير ممكن من دون سوريا. وقد اظهر سولانا وداً كبيراً نحو السوريين قبيل قدومه, فأعلن أن الدول الأعضاء فوضته بالقيام بجولة تشمل سوريا ولبنان والسعودية «لنقول للسوريين إننا نريد العمل معكم ومع المجتمع الدولي, ولا سيما حول لبنان». وفي المؤتمرات الصحفية التي عقدها خلال جولته في لبنان والسعودية, كان يتحدث عن السوريين كأصدقاء أو زملاء ينبغي الحديث معهم بصراحة, وبحث إمكانية تغيير مواقفهم. وقد تركزت مباحثاته على ملف المحكمة الدولية, وغابت النغمة السابقة عن نزع سلاح «حزب الله», ليحضر مكانها الحديث عن منع تهريب الأسلحة وضبط الحدود, والطلب من سوريا ممارسة ضغوط على المعارضة اللبنانية, وفي طليعتها «حزب الله» لدفعه لتأييد إنشاء محكمة دولية, مقابل حديث عن استئناف مباحثات عقد شراكة أوروبية, وتأييد حقها في استرجاع هضبة الجولان المحتلة.
سوريا لم تبد ارتياحاً كاملاً لاجتماع بغداد, كون الأميركيين يريدون مناقشة موضوع العراق فقط بمعزل عن القضايا الأخرى, فيما تصر دمشق على حوار يشمل كل القضايا, مرتبطة مع بعضها, واعتبرت الاجتماع بداية لحوار, وقال نائب الرئيس السوري فاروق الشرع, عن عودة الدفء الى العلاقات المتجمدة بين سوريا وأميركا خلال زيارته إلى القاهرة الأسبوع الماضي: إن تحقيق «الدفء» في العلاقات يحتاج إلى حوار عميق وفترة طويلة لإزالة الشكوك المتبادلة, ونحن لا نعلق أهمية كبيرة على ما جرى في بغداد, لكننا لا نتجاهله, لأنه أعاد الحوار بين البلدين. وقال رافضاً مبدأ الصفقات الذي يتم الحديث عنه: «نحن لا نقايض شيئاً بشيء والحوار أخذ وعطاء ومصالح متبادلة وهموم وهواجس قد تكون غير مشتركة, والحوار في حد ذاته هدفه أن لا تكون هناك هواجس».
الموقف الذي عبر عنه الشرع قبيل زيارة سولانا بنحو 12 ساعة, كان إجابة مسبقة لما سيطلبه سولانا من دمشق فيما يتعلق بلبنان, فمبدأ المحكمة لا ترفضه سوريا, وإنما ترفض تسييس المحكمة, وفي الأيام الأخيرة وبعد موافقة دول مجلس الأمن على إسقاط البند المتعلق بالفصل السابع, لم تعد سوريا تتحدث عن تسييس المحكمة ضدها, وإنما هناك توجس من استخدامها ضد المعارضة الحليفة لها في لبنان. كما طالبت سوريا, كما فهم من نتائج زيارة الشرع إلى القاهرة بمشاركة المعارضة في السلطة, من دون أن يعني ذلك إلغاء الأطراف الأخرى. وبمعنى أكثر وضوحاً تريد سوريا حلاً في لبنان يضمن بقاءه متوازناً بحيث لا يشكل خطراً أمنياً على استقرارها, فيما لو سيطرت عليه القوى والتيارات الملتحقة بالغرب وأميركا المناوئة لها. هنا تكمن عقدة صيغة حل «لا غالب ولا مغلوب» التي اقترحها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى, وتم رفضها, ومن ثم عرقلتها, والآن العودة إليها. هذه العقدة تم بحثها خلال الحركة الدبلوماسية التي شهدتها الأسابيع الأخيرة في الرياض والقاهرة وعمان ودمشق, وجاء سولانا الى دمشق ليضغط على سوريا للدفع باتجاه حل على حساب المعارضة اللبنانية مقابل دعم حقها في استعادة الجولان عبر مفاوضات سلام, أي محاولة نزع الورقة اللبنانية من يد سوريا نهائياً, مع أن الاتحاد الأوروبي مدرك تماما لمدى تمسك دمشق بتلازم المسارين السوري ­ اللبناني في عملية السلام, وإنه حتى لو تحقق السلام فإن الواقع الجغرافي والديمغرافي يفرض على سوريا ضمان صيغة توافقية متوازنة تضمن أمن وسلامة لبنان, وتمنع تحوله إلى ساحة لإضعاف سوريا مستقبلاً. وإذا تحدثت سوريا عن تعديلات في بعض بنود مشروع إنشاء محكمة دولية, فهي تهدف إلى وضع نص قانون يحول دون تسييسها ليس ضد سوريا وحسب, بل ضد حلفائها في لبنان. وكان لافتاً موقف زعيم تيار المستقبل النائب سعد الحريري لدى زيارته القاهرة, إثر زيارة الشرع لها, ولقائه الرئيس المصري حسني مبارك, حيث قال حول ما يتعلق بتعديل بعض بنود المحكمة: إن قوى الرابع عشر من آذار مستعدة للانفتاح بشأن بعض التعديلات المتعلقة بالحكومة والمحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بمحاكمة المشتبه فيهم باغتيال والده. وأضاف: «المحكمة ليس فيها أي شيء يعرّض النظام السوري للخطر, إلا إذا ثبت تورّط أحد مسؤوليه في الجريمة», وشدد على أن «هذه المحكمة ليست سياسية, والهدف من إنشائها هو معرفة الحقيقة حتى يمكن أن نطوي صفحة الجرائم في لبنان». وأشار إلى مساع مصرية وسعودية وإيرانية لتهدئة الوضع في لبنان, إضافة إلى ضغوط على أطراف عدة وخصوصا سوريا لإيجاد حل.
دفعت قوى 14 آذار والسعودية جولة خافيير سولانا باتجاه الضغط على سوريا لتمارس بدورها ضغطاً على المعارضة اللبنانية كي تقبل بالصيغ المطروحة ليصار إلى حل الأزمة قبيل انعقاد قمة الرياض نهاية الشهر الحالي, إلا أن نتائج لقاءات سولانا في دمشق مع الرئيس بشار الأسد ونائبه فاروق الشرع ووزير الخارجية وليد المعلم, حسب رأي متابعين في دمشق, بينت أن تلك الجهود لم تفلح ولم تغير سوريا في مواقفها, رغم الإغراءات الكثيرة التي قدمت, على الرغم من الاهتمام الأوروبي بهذه الزيارة, حيث اتصل رئيس الوزراء الايطالي رومانو برودي بالرئيس الأسد عشية لقائه بسولانا, وأكد على أهمية الدور السوري الفاعل والمهم فى الحوار حول قضايا منطقة الشرق الأوسط بهدف الوصول إلى حل عادل لقضاياها. وصدر بيان عن مكتب رئاسة الحكومة الايطالية قال إن زيارة سولانا الى سوريا تشكل فرصة لتنشيط الحوار بين سوريا والاتحاد الأوروبي وللتعاون المثمر في ما يخص قضايا المنطقة. بينما رحب وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير بزيارة سولانا ووصفها بأنها مساهمة هامة فى المساعي الأوروبية الرامية لإحلال السلام والاستقرار في الشرق الاوسط, وقال فى حديث لوكالة الأنباء الألمانية إن المشاركة السورية سيكون لها بالطبع تأثير ايجابي على العلاقات السورية­الأوروبية. أما سولانا فقد وصف مناخ اجتماعه بالرئيس الأسد بالايجابي, وقال: «أننا نرغب في أن تبذل سوريا جهوداً كبيرة لتطبيق القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي». وأضاف أنه دعا سوريا إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد تهريب الأسلحة عبر الحدود إلى لبنان. وأبلغ الأسد أن هناك فرصة لتكون سوريا جزءاً من المبادرات في المنطقة, ومن الضروري أن تتخذ القرارات الجيدة وأن نشارك معاً في عملية السلام لتأمين الاستقرار في كل المنطقة, مشيراً إلى أنه قال للرئيس السوري يجب ترجمة الأقوال بالأفعال. وأضاف سولانا انه بحث مع الأسد الجهود التي تبذلها سوريا من أجل الاستقرار في العراق وعملية السلام في الشرق الأوسط, مشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي يفهم أن السلام عملية شاملة, ونحن نعمل على أن تستعيد سوريا الأراضي التي خسرتها في العام 1967, ونعمل على دفع العملية السلمية كي تتحرك بشكل كامل.
أعرب سولانا عن أمله في العودة إلى دمشق قريباً, إلا أنه ربط ذلك باتخاذ سوريا القرارات المناسبة من أجل «أن نسهم معاً, ليس فقط في دفع المسيرة السلمية, بل في دفع الاستقرار في المنطقة كلها».
وأعربت سوريا من جانبها عن حرصها على تطبيق القرار 1701 وعلى أن تقوم قوات الطوارئ الدولية €يونيفيل€ بأداء مهامها على أحسن وجه في جنوب لبنان. وقال وزير الخارجية وليد المعلم أن سوريا ستسعى لتكون جزءاً من الحل الذي يؤمن استقرار المنطقة. وفي ما يتعلق بالمحكمة شدد المعلم على أن سوريا تنتظر نتائج التحقيق الذي تتعاون معه بشكل كامل. وأضاف أن سوريا لم تقل إنها تعارض إنشاء المحكمة, مشيراً إلى أن هناك خلافات بين اللبنانيين بشأن قواعدها.
لا تتجاوز زيارة سولانا الى دمشق أكثر من مبادرة بالتراجع عن العزلة التي فرضها الاتحاد الأوروبي عليها, بهدف عدم ترك الأميركيين ينفردون في الحوارات الدبلوماسية, لطالما كانت أوروبا مع أميركا في سياسة الإقصاء والتهميش والعزل التي مورست على سوريا. فيما يرى السوريون في مبادرة الاتحاد الأوروبي خطوة أولى في طريق حوار طويل بدأ مع بدء التحول في السياسة الأميركية, ومن المبكر جداً التفاؤل بنتائجه.
 


بالاتفاق مع الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...