خيارات تدخل أمريكا عسكرياً في سورية

05-05-2013

خيارات تدخل أمريكا عسكرياً في سورية

أميركا تعلن عن شن طائرات مقاتلة إسرائيلية غارة جوية على سورية، وإسرائيل تنقل عنها النبأ بعد تردد.. الرواية الأميركية أوضحت أن "الطائرات الإسرائيلية لم تدخل المجال الجوي السوري، بل قصفت هدفاً عن بعد"؛ وكأن الإعلان الأميركي يرمي إلى تجديد المراهنة على الوظيفة الأمنية الإقليمية لإسرائيل، بينما أطلقت الأخيرة تصريحات متسارعة حذرة تنفي التأكيد السابق وعدم تبني المسؤولية عنه. ولم ينسى الإعلان الأميركي الإشارة إلى أن "الغارة" سبقها تحليق مكثف للطيران الحربي الإسرائيلي فوق الأجواء اللبنانية لنحو 24 ساعة متواصلة.

جاء الإعلان الأميركي اللافت في الساعات الأولى من صباح يوم السبت، عطلة اليهود، ويوم سبت النور بعد الجمعة العظيمة لدى الكنائس المسيحية الشرقية وتزامنه مع الإجراءات المتشددة لسلطات الإحتلال تطويق الأماكن المقدسة ومحاصرة كنيسة القيامة المجيدة وإعاقة الاحتفالات الدينية، بل إنشاء طوق أمني حولها أوقف الحركة بالاتجاهين.

توقيت الإعلان الأميركي أتى أيضاً في ظل أجواء تنامي الجدل داخل المؤسسة الأميركية وصناع القرار لإقرار آلية الرد الأميركي على مزاعم استخدام سورية لأسلحة كيميائية، التي وصفها الرئيس أوباما بـ "الخط الأحمر" الذي يستدعي رد تلقائي؛ فضلاً عن إعلان الإدارة حديثاً بأنها في صدد النظر، أو إعادة النظر، بتسليح المعارضة السورية المسلحة.وسال حبر كثيف في نسج السيناريوهات المختلفة همُّها استعادة الهيبة الأميركية في أعقاب تواصل معلومات ميدانية تشير إلى تقدم مضطرد للجيش السوري في القضاء على أهم معاقل المعارضة المسلحة، بعضهم وصفها بالمناطق الإستراتيجية، والتي أضحت تحت سيطرة الدولة السورية.

هناك قول مأثور في الأوساط العسكرية يفيد: الهواة يتناولون أمور الإستراتيجية والتكتيك، أما المهرة والمهنيين فيتناولون الأمور اللوجستية.لو سعينا تطبيق القول على المشهد الأميركي الراهن، فيما يخص سورية، لخرجنا بخلاصة مفادها أن القائد العام للولايات المتحدة حقاً يصطف مع الهواة، بالنظر إلى إفراط تركيز جهوده وتصريحاته في رسم ملامح الحدود التي لا يتعين تخطيها في "الخط الأحمر" باستخدام الأسلحة الكيميائية، فقد نحى جانباً أو رفض الدخول في آليات تطبيق التهديد المعلن؛ بصرف النظر عن تباين الدلائل والقرائن التي يزعم بعض حلفاء واشنطن التوكيد على ترسبات في عينات التربة تشير إلى آثار غازات سامة.

وعليه، اضطر الرئيس اوباما إلى التراجع وسحب تهديداته، مما أفسح المجال لخصومه السياسيين توجيه اتهاماتهم له بالنيل من مصداقية الولايات المتحدة في المنطقة، فضلاً عن التسبب بمزيد من الارتباك بين صفوف حلفائها.

الحقائق العلمية وتحليلات الخبراء العسكريين بشأن التخلص والقضاء على الأسلحة الكيميائية المزعومة في سورية تشير إلى صعوبة تحقيق المهمة، خاصة في ظل الامكانيات التقنية العالية المتوفرة لدى الترسانة العسكرية الأميركية؛ إلا في حال اقرار الولايات المتحدة الدخول المباشر في حلبة الصراع وتخصيص قواتها العسكرية للمشاركة الفعلية.حتى في ظل تلك الظروف فإن تنفيذ المتطلبات اللوجستية لازالة خطر الأسلحة الكيميائية، نظراً لانتشارها على بقعة جغرافية ممتدة، تزيد في تعقيدات المهمة؛ الأمر الذي يحد من الخيارات المتاحة أمام الرئيس الأميركي للقيام بها.

عند استعراض الخيارات المختلفة للولايات المتحدة، بعد أن أشبعت تداولاً، نجد التالي:
القيام بشن غارات جوية على مواقع تخزين الأسلحة الكيميائية: هناك إجماع بين الخبراء على أن تنفيذ ذلك لا يشكل خياراً مواتياً، لا سيما وأن مواقع التخزين محصنة جيداً ضد القصف والإغارة، فضلاً عن أن الإصابة قد تؤدي إلى تسرب وانتشار المكونات الكيميائية في الغلاف الجوي، مما يشكل خطراً أكبر بأضعاف من إمكانية استخدامه من قبل أي من الطرفين.

حظر استباقي لاستخدام الأسلحة الكيميائية: إنه خيار ميؤوس منه في المستوى التطبيقي، سيما وأنه من الممكن مراقبة واستهداف الوحدات المختصة بتركيب رؤوس كيميائية على صواريخ سكود، لكن تدقيق وتتبع وحدة تنوي إطلاق عبوة مدفعية محشوة بالمكونات الكيميائية أمر بالغ الصعوبة.

خيار المهمة المستحيلة: يتخذ الخيار عنوانه من مسلسل تلفزيوني بذات العنوان ويعكس بكل أسف نمط التفكير العسكري التقليدي بين الهواة والمغامرين.محور الخيار المذكور ينطوي على ادخال طواقم مختصة عالية التدريب من القوات الخاصة سراً إلى سورية، لتحييد أي مقاومة مرتقبة، والشروع في إخراج الأسلحة الكيميائية خارج البلاد قبل أن يستيقظ السوريين على ما يجري حولهم.يزعم البعض، ممن يطلق عليهم الخبراء، بأن لدى سورية إحدى أضخم ترسانات الأسلحة الكيميائية في الشرق الأوسط، قوامها بضعة أطنان من المكونات الكيميائية. ويمضون بالقول إن الترسانة موزعة على عدة مستودعات لتخزينها تشمل أنماطاً متعددة من قذائف المدفعية إلى الرؤوس المحمولة على الصواريخ.

إن مجرد التفكير بإدخال متزامن ومنسق لأطقم عدة من القوات الخاصة لتنفيذ هجماتها و"تحييد" الحراسات السورية على المستودعات، ومن ثم إخراج بضعة أطنان من الأسلحة إلى مركبات وناقلات تحملها على متن طائرات لإخراجها من سورية، لأمر بالغ السذاجة. سيما وأن السيناريو لا يأخذ بعين الاعتبار المخاطر البيئية والإنسانية التي ستتسبب بها عملية النقل عبر الأراضي والأجواء السورية. كما أنها ستكون لقمة سائغة وهدفاً دسماً لو وقعت بأيدي قوى تتطلع لاستخدامها وإدانة الدولة السورية بفعلتهم.ليس مستبعداً أن تتعرض الحاويات الكيميائية إلى الضرر والتلف وتسرب مكوناتها إلى البيئة والأجواء الطبيعية نتيجة ذلك.

خيار الإنزال الجوي بواسطة مظليين: أطقم القوات الخاصة المطلوبة، مهما بلغ حجمها، لن تتوفر لديها القوى البشرية المطلوبة لتنفيذ مهام حساسة وشديدة التعقيد بهذا الشمول، ومن ثم قد يمضي البعض في التفكير بإنزال أطقم إضافية في محيط مستودعات الأسلحة قوامها القوات الأميركية والبريطانية والفرنسية (على افتراض توافق تلك الأطراف على طبيعة وأفق العملية). كما تستند إلى فرضية أخرى تتعلق بتوفير قدرة نارية كافية للتغلب على الحمايات الأمنية والحراسات لإطباق السيطرة وإخراج الأسلحة من مهاجعها، ونقلها جواً إلى خارج الأراضي السورية.

من الناحية النظرية، ينطوي هذا السيناريو على حظوظ أكبر من النجاح، بيد أن الترتيبات والتجهيزات اللوجستية لعملية ضخمة بهذا الحجم مذهلة وبالغة التعقيد. إذ تقدر بعض الأوساط العسكرية أن المهمة تحتاج إلى نحو 70 ألف عسكري مدجج بكامل الأسلحة (حسب وصف دورية "فورين بوليسي")، مما يعادل أضعاف الأطقم المحمولة جواً المتوفرة لدى الثلاثي: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. هذا فضلاً عن التداعيات والإنعكاسات السياسية لما سيرافق عملية عسكرية كبيرة بهذا الحجم.

أمام هذين الأمرين ليس مستبعداً قيام تضافر مرحلي بين بعض قوى المعارضة المسلحة فيما بينها والتوحد لمحاربة الغزو الخارجي.ميدانيا، لو تم اعتماد هذا الخيار، فليس من الحكمة تشتيت وتوزيع انتشار رقعة الإنزال الجوي، لا سيما في ظل مواجهة خصم يحسب له ألف حساب سيما وأن حجم قوى الدفاع السورية يفوق حجم القوى المهاجمة عدة أضعاف، وباستطاعتها إلحاق هزيمة محققة بها وما ستتركه من تداعيات سياسية على الرئيس اوباما والمشهد الأميركي الداخلي – ولنا في خطة انزال فرق أميركية خاصة في الصحراء الإيرانية بغية إنقاذ الرهائن الأميركيين وتحطم طائراتها المروحية وفشل المهمة بالكامل، خير مثال.كما أن القوات البريطانية فقدت نحو 80% من قوات المظليين في الحملة الأولى لإنزال جوي فاشل على سواحل هولندا خلال الحرب العالمية الثانية كجزء من حملة أشمل لقوات الحلفاء، مشكلاً مادة سينمائية لفيلم "جسر بعيد جداً"، يحاكي الفشل الذريع للعملية.

على خلفية هذين المشهدين، سيجد سلاح الجو الأميركي نفسه أمام تحدٍ مضاعف لللإبقاء على عدة جسور جوية عاملة في مواجهة أسلحة الدفاعات الأرضية السورية المختلفة وتعريض ناقلاته الجوية متواضعة السرعة إلى هدف سهل الاصطياد. فضلاً عن أن ناقلات الطائرات وعلى متنها مكونات كيميائية قد تتعرض لهجمات تصيبها بالعطل أو تدمرها تماماً وما سينتج عنها من تلويث الاجواء السورية والاقليمية بالعناصر الكيميائية السامة.

تجمع الدوائر الغربية المختصة على حيوية وكفاءة نظم الدفاعات الجوية السورية وبأنها من أفضل النظم على نطاق العالم، والتي جرى تحديثها بمساعدة روسية.

للدلالة، أفرد رئيس هيئة قيادة الأركان الاميركية، مارتن ديمبسي، حيزاً مميزاً "لقوة نظام الدفاع الجوي (السوري) كونه يشكل عامل الإعاقة الأكبر أمام تدخل أميركي"، كما أوردت صحيفة وول ستريت جورنال.أما التجربة الليبية التي ينظر لها بأنها تدخل غير مكلف بشرياً، فيجري استبعادها على الفور من السيناريو السوري.

كما تواجه الولايات المتحدة تحدياً أكبر في هذا الشأن، إذ هي غير متيقنة من مواقع كافة الأسلحة الكيميائية في سورية، كما عبر أحد المسؤولين الكبار لنشرة "ديلي بيست" الإلكترونية، "فقدنا تعقب العديد من هذه الأمور .. ولا ندري أماكن تواجد معظمها". ويعتقد أن القوات العسكرية السورية شرعت بنقل الحاويات التي تحفظ مخزونها من غازات السارين والخردل على متن شاحنات متحركة تجول رقعة البلاد بكاملها، ويتعثر التيقن من أماكنها في لحظة محددة. وقد رصدت أجهزة الاستخبارات الأميركية تحريك سورية لمخزونها من الأسلحة العام الماضي، وزادت وتيرته منذ شهر كانون الاول/ديسمبر.

في العودة للتوقف عند الأبعاد السياسية لاستمرارية الجسر الجوي، قد تتردد بعض الأطراف الإقليمية، مثل تركيا والاردن والعراق وإسرائيل، من توفير أراضيها قواعد جوية للانطلاق وتنفيذ تلك المهام. الأمر الذي يتطلب قيام الولايات المتحدة باستخدام قواعد بعيدة كمنصات انطلاق كالتي تتواجد في ايطاليا، وما يترتب على ذلك من تمديد خطوط الامداد وانعكاساته على الدعم المطلوب توفيره لكل جسر جوي. كما من شأنه تعريض وحدات القوات المحمولة جواً إلى مزيد من الهجمات السورية ضدها.

غزو بري شامل: ينطوي هذا الأمر على حملة عسكرية شاملة لغزو سورية باستخدام القوى النظامية للولايات المتحدة وحلفائها. كما يتطلب الأمر غزو وانزال برمائي للسواحل السورية، وهجمات تشن من أراضي دول مجاورة – على افتراض أنها ستدخل المعركة إما مباشرة أو عبر توفير التسهيلات المطلوبة.

سيناريو من هذا القبيل يتطلب وقتاً أطول لتوفير كل ما يلزم، فضلاً عن إعادة تموقع موارد أساسية وأسلحة تقليدية في المنطقة؛ وانشاء شبكة لوجستية كبيرة لدعم عملية بهذا الحجم. كما ستحتاج إلى بضعة أسابيع، وربما عدة أشهر، للسيطرة على مواقع ومكونات الأسلحة الكيميائية.

في ظل المناخ الأميركي العام لتقليص رقعة انتشار القوات العسكرية التقليدية، لاعتبارات سياسية ومالية واستراتيجية، يواجه السيناريو المذكور جملة عوائق وتساؤلات حول قدرة الولايات المتحدة القيام بذلك وتحقيق اهدافها المرجوة في هذه الفترة الزمنية.

سورية، بلا شك، تمتلك سلاح مدرعات كبير الحجم؛ وبذلت الولايات المتحدة كل ما تستطيع من أساليب استهداف ودمار لأجل تخفيض حجم الوحدات المدرعة العاملة خلال حرب السنتين الماضيتين. من المستبعد نجاح قدرة الولايات المتحدة على حشد قوات نظامية كبيرة للقيام بغزو سورية شبيه بغزو العراق منذ عقد من الزمن.

الإقدام على تنفيذ سيناريو الغزو الشامل سينطوي على عواقب كارثية للولايات المتحدة على الصعيد الدولي. الدول الإقليمية المعدودة في معسكر الولايات المتحدة، بغالبيتها إن لم يكن كلها، ليست على استعداد للتهور في عملية مثيرة للجدل مثل سورية؛ فضلاً عن تحفيز الغزو لكافة القطاعات من السوريين لتوحيد الجهود لمقاومة العدوان الأميركي.

الرأي العام الأميركي أيضا لا يبدي حماساً للتدخل في سورية، حسبما أفادت أحدث استطلاعات الرأي التي أوضحت أن نسبة لا تتجاوز 10% من الأميركيين تؤيد التدخل العسكري، مقابل 61% يعارضونه. وعند سؤال العينات عما ينبغي فعله إن استخدمت سورية أسلحة كيميائية، قفزت نسبة التأييد إلى 27% فقط، مقابل ثبات نسبة معارضي التدخل عند 44% منهم.

بالمجمل، وعند التدقيق في مغزى تهديدات اوباما لعدم تجاوز "الخطوط الحمر،" من العسير التوقف عند خيار عسكري قابل للتنفيذ في هذه الفترة الزمنية. كما من غير المستبعد أن يؤدي أي عمل عسكري أميركي، محدود أو شامل، إلى اندلاع حرب أوسع قد ينطوي عليها تدخل روسي مباشر كرد فعل على النوايا العدوانية الأميركية بكل ما يعنيه من نشوب نزاع عالمي.أمام مواجهة اوباما للخيارات المحدودة ومخاطرها وتداعياتها، يهرب هو وإدارته إلى الأمام لإدخال تعديل على مسار السياسة الأميركية من موقع عدم تزويد قوى المعارضة بأسلحة فتاكة إلى الميل نحو تزويدها بأسلحة مميتة، في محاولة لحرف مسار الانتقادات الدولية والداخلية عنه.

الخيار الواقعي للتعامل الأميركي مع الأزمة مبني على التعاون مع روسيا، لما لها من نفوذ واسع ومعلومات دقيقة حول مجمل الأوضاع السورية ومصير ترسانة الأسلحة الكيميائية على السواء. كما إن روسيا هي الدولة الوحيدة من بين الدول الأجنبية الأخرى، أعضاء مجلس الأمن، مرشحة للسماح لها بتوفير سلامة مستودعات الأسلحة الكيميائية، إن تطلب الأمر.من نافل القول أن تعاون روسيا في هذا الشأن له ما يبرره من أثمان: مطالبة ثنائية روسية سورية لوقف الولايات المتحدة دعمها للمتمردين، وتقديم دعم عسكري روسي إضافي لسورية، وقبول الولايات المتحدة ضمنياً لتواجد قواعد حربية بحرية لروسيا في سورية.

إن استمر الرئيس اوباما في تثبيت خطوطه الحمراء فيما يتعلق بالأسلحة الكيميائية في سورية، يتعين عليه التوصل إلى تسوية ما تضم عناصرها التعهد بالاقلاع عن فكرة تجاوز القيادة السورية والرضوخ لحقيقة توسيع رقعة التواجد والنفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط.


.المصدر: الميادين - بالتعاون مع مركز الدراسات الاميركية والعربية.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...