ما مصير الذهب المسروق في سورية خلال الأزمة؟

01-04-2014

ما مصير الذهب المسروق في سورية خلال الأزمة؟

كما تعرضت عشرات الآلاف من منشآت وممتلكات السوريين ومختلف أنواع الثروات الوطنية لعمليات التخريب والسرقة والنهب أو الإتلاف خلال السنوات الثلاث من الأزمة، لم يكن معدن الذهب الثمين بمنأى عن هذه الاعتداءات.

 ولم يمض يوم من سنوات الأزمة إلا وذاعت أنباء عن سرقة ونهب أو تدمير محال لبيع الذهب في منطقة ما أو عن تعرض العديد من صاغة الذهب لسلب ما جمعوه من حرفتهم إضافة لتعرض العديد منهم للابتزاز لإجبارهم على التنازل عما يملكونه من ذهب.

حتى إن المواطن الذي لا يتخذ من صياغة أو بيع وشراء الذهب حرفة له تعرض للأذى في هذا الجانب من ثروته، ورغم أن هذه الحوادث حصلت وتحصل في أي زمان ومكان بعيداً عن الأزمة الحالية التي نعيشها، إلا أنها خلال السنوات الثلاث السابقة أخذت منحى تصاعدياً خطيراً تكشف للجميع من خلال ما ترويه حكايا وشهادات الناس وأيضاً من خلال إحصائيات وزارة العدل للضبوطات التي تم تنظيمها بسرقة الذهب وذلك منذ بداية الأزمة حتى أسابيع قليلة مضت من الآن.

 أرقام تكشفها «العدل»:

مصادر قضائية أكدت أن نسبة ما يقارب 35% من دعاوى الاحتيال والسرقة في محكمة الجنايات بدمشق وريفها هي دعاوى بخصوص الذهب، لتبلغ في هذه الحالة ما يقارب 300 دعوى سرقة واحتيال في دمشق وريفها.

أما بالنسبة لعدد الدعاوى القضائية المتعلقة بسرقة الممتلكات من الذهب منذ بداية الأزمة في سورية وبيان قيمة المسروقات إن وجدت، وفيما إذا تم استرجاع المسروقات أم لا، فقد كشفت البيانات المتوافرة لدى وزارة العدل وحصلنا على نسخة تفصيلية منها، أن محاكم في ريف دمشق سجلت عشرات الدعاوى من هذا النوع.. وكان في قطنا 25 دعوى قضائية لسرقة مصوغات ذهبية مختلفة تقدر قيمتها بحوالي 6.5 ملايين ليرة سورية منها 9 دعاوى غير محددة القيمة تم استرجاع دعوى واحدة فقط وجميع السارقين في الدعاوى المتبقية معروفي الهوية.

في حين سجلت إحدى المحاكم دعويان بسرقة نحو 10 كغ من الذهب وكمية أخرى غير محددة القيمة والسارقين في تلك الدعويين غير معروفين.

كما سجلت محاكم أخرى بالريف دعاوى بسرقة ذهب بقيمة 14.2 مليون ليرة سورية إضافة إلى كميات أخرى غير محددة القيمة، وذهب بقيمة 3.2 ملايين ليرة وغيرها العشرات من الدعاوى بعضها مقدر القيمة بملايين الليرات وبعضها الآخر غير مقدر علماً أن بعض السارقين معلومين وفي قضايا أخرى بقوا غير معلومين.

كما سجلت محاكم محافظة حماة أيضاً العديد من دعوى سرقة مصاغات ذهبية خاصة ببعض المواطنين، وفي اللاذقية سجلت المحاكم المختصة الكثير من الدعاوى التي تحدثت عن سرقات سلاسل ذهبية وأطقم ذهب أبيض وخواتم ألماس وذهب أصفر من عيارات مختلفة ومن بينها أسوارة قديمة جداً مرصعة بالياقوت والألماس والكثير من المصاغات الذهبية غير المحددة القيمة والكمية من مرتبة ملايين الليرات، أغلبه لم يتم استرجاعه. وفي السويداء سجلت محاكم المدينة دعاوى بهذه السرقات تضمنت سلاسل وعقود وأساور وخواتم وسحبات وطابات وبعض حبات الماس والمبرومات وغيرها من الطرابيش الذهبية المرصعة بالليرات الرشادية والربيعيات الذهبية والأقراص الفضية... إلخ.

وتراوحت قيمة هذا الذهب المنظور به بين عدة آلاف من الليرات في بعض الدعاوى إلى عدة ملايين من الليرات في بعضها الآخر.. قسم منه تم ضبطه وبعضها الآخر لا يزال مجهول المصير.

وكانت أبرز المسروقات الذهبية في محافظة دير الزور عبارة عن سنارات وملاوٍ ومصاحف فيها سلاسل وأطواق وزردات ذهبية وليرات ذهبية بعضها تم استرجاعه.

وسجلت محافظة إدلب بحسب بيانات وزارة العدل تسجيل حالتين للسرقة من هذا النوع الأولى تمت إعادتها للمدعي وهي عبارة عن طوق ذهبي مع أسوارة في حين اختفت الكميات في الدعوى الثانية وتبلغ نحو 6 كغ من الذهب علماً أن السارق معروف لدى القضاء.

في حين وقفت الظروف الراهنة عائقاً أمام إمكانية إحصاء هذا النوع من الدعاوى في العديد من المحافظات السورية الأخرى أو حتى معرفة كميات الذهب المسروقة في تلك المحافظات أو قيمتها المادية.

مع الإشارة إلى أنه لم يتم استرجاع جزء مهم من المسروقات رغم ورود عبارة «السارق معروف» بجانب عدد مهم من القضايا.

 جمعية الصاغة تتحدث:

وقال رئيس الجمعية الحرفية للصاغة بدمشق غسان جزماتي: منذ سنين بعيدة هناك تعليمات صارمة من وزارة الداخلية في هذا الجانب، إضافة إلى أن الجمعية الحرفية تؤكد دائماً لجميع الصاغة في السوق التقيد بعدم شراء أي قطعة أو مصاغ ذهبي من المواطنين أو غيرهم إلا بموجب فاتورة نظامية يقدمها طالب البيع ليتم تسجيلها في دفتر خاص يسمى «دفتر الأمن الجنائي» وهو عبارة عن دفتر المشتريات الذي يقتنيه الصائغ في محله.

وأشار جزماتي إلى أنه من المحظور على الصائغ أن يشتري أي كمية من الذهب من دون عرض فاتورة «وهذا ما نؤكد عليه كجمعية بشكل دائم»، لافتاً إلى أن الأمن الجنائي يقوم بالاطلاع بشكل دوري على هذه الدفاتر المذكورة وفي حال وجد أسماء مشتبه فيها يقوم حينها بمتابعة مهامه في هذا الخصوص. وبيّن جزماتي أن الجهات المختصة تقوم بتسيير دورياتها على مختلف محال سوق الصاغة إضافة إلى المحال الأخرى التي تعمل في مناطق متطرفة من المدينة، الأمر الذي يساعد حتماً في ضبط السرقات إن وجدت.

ورداً على سؤال عن نسبة التزام الصاغة بهذا الأمر أكد جزماتي أن نسبة ضئيلة جداً قد لا تلتزم بهذه التعليمات وإن وجدت فإن نسبتها «واحد بالألف» من مجمل الصاغة، مؤكداً أن الحرفيين لا يشترون الذهب المسروق لأن عواقب هذا الأمر تأتي على الحرفي بالكثير من المشاكل. 

وأضاف: هذه المخالفة تعرض الحرفي للتوقيف والإساءة الكبيرة إلى سمعته فالأمر ليس لعبة بسيطة وفيها الكثير من المساءلات عند الجهات المختصة تتبعها إجراءات قضائية كثيرة قد تنتهي به في السجون بعد مصادرة كميات الذهب في حال كان قد اشتراها بسعر أقل من سعر السوق الرسمية، ولذلك يعزف الصاغة عن هذا الأمر.

وقال: لا تتوافر في الجمعية إحصائية عن عدد الشكاوى التي تقدم بها الصاغة الذين تعرضوا للسرقة أو لعدد المحال التي تعرضت لهذا الأمر ونبرر ذلك بأن أي صائغ سيقوم عند شعوره بالخطر بحمل ما يملكه من ورشته أو محله ووضعه في مكان آمن.

وعن احتمال وصول كميات من الذهب المسروق إلى بعض ورش الصياغة لتتم صياغتها من جديد وإخفاء معالمها الأصلية بعد سرقتها، أكد جزماتي أن أصحاب الورش أيضاً مدركون لحجم المشاكل التي سيقعون فيها في حال قاموا بذلك إضافة إلى العقوبة التي سيتعرضون لها جراء قيامهم بهذا الأمر وذلك مهما كانت المبالغ المالية التي سيجنونها من هذه التجارة غير القانونية.

وعن احتمال تهريب ذهب مسروق إلى خارج البلد خلال الأزمة أكد جزماتي عدم وصول أي معلومات من هذا النوع أيضاً إلى الجمعية خلال هذه الفترة، مبيناً أن من يريد تهريب الذهب إلى خارج سورية يحتاج حتماً إلى من يساعده في هذا الموضوع وخصوصاً في عمان أو بيروت لأن الجهات الأمنية في تلك البلدان لها شروط حاسمة في هذه التجارة، «ولكن في الحقيقة لا علم لنا بتفاصيل هذه الإجراءات في دولة مثل تركيا، ولا ننسى أن تركيا تقوم باستغلال الأوضاع والأزمة في سورية لصالحها وبشكل كبير».

إضرب واهرب..

وخلال جولة على العديد من محال الذهب في دمشق أكد جميع أصحاب المحال ممن سألناهم أنهم يمتنعون عن شراء الذهب المشكوك في مصدره.

أحد الصاغة قال: علينا ألا ننسى أنه في ظل غياب المخافر الشرطية في مناطق معينة من البلد بسبب الظروف فإن كل صاحب محل ذهب عليه أن يكون رقيباً على نفسه وأن يدرك أن هذا البلد للجميع وكما له حصة فيها فإن لغيره حصة فيه أيضاً.

مضيفاً: إن القوانين الناظمة في هذا الجانب موجودة ولكن نعلم أنه يصعب تطبيقها في بعض الأماكن بسبب الظروف وهناك من استغل الفرصة للقيام بهذه الأعمال ظناً منه أن لا محاسبة عليها، كما أن الحرفي الصائغ الذي قام بهذا الأمر ربما يفكر بالعمل لفترة قصيرة ومن ثم يحزم أمتعته ويرحل عن البلد.

سؤال يستحق الإجابة..

من المؤكد أن الكثير من كميات الذهب التي اختفت من أيدي أصحابها خلال هذه الأزمة لم يقم أصحابها بالتبليغ عنها لسبب من الأسباب طوعاً أو قسراً.. ولكن مع هذه الكميات الكبيرة من الذهب المسروق وبحسب ما بينته لنا إحصائيات وزارة العدل يبقى السؤال الأهم: أين ذهب ذلك الذهب بعد سرقته؟ وذلك في الوقت الذي يؤكد فيه الصاغة عدم تعاملهم مع الذهب المسروق ومع التشدد الجنائي في هذا الجانب.

حسان هاشم

المصدر: الوطن

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...