سوريا: فَن الوقوف إلى الجانب الصحيح من التاريخ

01-07-2013

سوريا: فَن الوقوف إلى الجانب الصحيح من التاريخ

الجمل- آندريه فومان- ترجمة: د. مالك سلمان:

من المؤكد أن الأجيالَ القادمة سوف تنظر إلى الأزمة السورية الراهنة بصفتها مثالاً كلاسيكياً على الطريقة التي عمل فيها واقع مزيف تماماً, كما صورَته الطبقة السياسية الغربية المهيمنة ووسائل الإعلام الرسمية, وبشكل غامض على التعزيز الأخلاقي والسياسي للطرف الآخر الذي كان يدافع بيأس عن القانون والعدالة تحت ضغط هائل يمارسه عليه معسكر حربي متعدد الجنسيات.
على الرغم من التشكيك الواضح الذي تم التعبير عنه عشية اجتماع القمة في لاو- إيرن من قبل بعض قادة "مجموعة الثماني" بالموقف الروسي من الأزمة السورية, إلا أن المحادثات تحولت إلى نصر دبلوماسي لبوتين. فقد تمسك بموقفه حول سوريا, بينما وجد القادة الغربيون مرغمين على قبول البديهي: ليست هناك طريقة لإرغام الرئيس الأسد على التنحي عن منصبه بالوسائل القانونية. فشلت قمة "مجموعة الثماني" في لاو- إيرن بممارسة الضغط السياسي على بشار الأسد لاستخدامه المزعوم للأسلحة الكيماوية ضد المتمردين, كما لم تتمكن من احتواء موافقة روسيا على إجراءات إضافية يقوم بها "مجلس الأمن" في الأمم المتحدة لصالح المعارضة السورية.
إن الموقف الروسي الصلب تجاه الأزمة السورية يتقاطع بشكل متزايد مع مقاربات بعض السياسيين العاقلين في الغرب. فقد قال جبينيو بريجنسكي – وهو محلل سياسية ورجل دولة أمريكي معروف من أصل بولندي لا يلتقي مع السياسات الروسية في أي مكان آخر – بالحرف الواحد في مقابلة مع "إم إس إن بي سي" عشية قمة "مجموعة الثماني":
"من المؤكد أن الغرب متورط في حملة دعائية ضخمة تصور النزاعَ السوري على أنه نضال من أجل الديمقراطية مع أن معظم المتمردين يسعون إلى أي شيء باستثناء الديمقراطية. فقد أعلنوا ولاءَهم للقاعدة, ويدعون بشكل علني إلى تطبيق قانون الشريعة, ويقتلون الآلاف من المسيحيين, ويستخدمون الأساليب الإرهابية, ومع ذلك فإن إعلامَنا الفاسد وطبقتنا السياسية الفاسدة يتظاهران بأن تسليحهم سوف يؤدي إلى إحلال الديمقراطية."
ليس من المستغرب أن التزامَ بوتين بجمع كافة فرقاء النزاع على طاولة المفاوضات في جنيف دون أي شروط مسبقة, إضافة إلى إجاباته المباشرة أثناء مؤتمر صحفي مميز مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون, قد لاقى تجاوباً إيجابياً من طيف واسع من المجتمع المدني الغربي. فقد قال بوريس جونسون, وهو محافظ بريطاني وإحدى الشخصيات المؤثرة في لندن, في مقالة نشرها في "تلغراف":
"هذه لحظة وقف إطلاق النار بشكل كامل, ونهاية الجنون. آن الأوان للولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي وتركيا وإيران والسعودية وكافة اللاعبين لعقد مؤتمر شامل لمحاولة وقف العنف. لا يمكننا أن نستخدمَ سوريا كساحة لتسجيل النقاط الجيوسياسية أو استعراض العضلات, ولن نتوصل إلى وقف إطلاق النار عبر تقديم السلاح لهؤلاء القتلة المهووسين."
ويشاركه رأيَه هذا عدد كبير من أعضاء البرلمان البريطاني, من المحافظين والعمال على حد سواء, يطالبون كاميرون بعدم إرسال الأسلحة إلى المعارضة السورية دون موافقة البرلمان.
وقد كتب جيرالد وورنر في صحيفة "سكوتسمان" الأحد الماضي أن بوتين يلاقي الإعجاب المتزايد في الغرب نتيجة لموقفه الثابت دفاعاً عن مبادىء القانون الدولي بشكل عام, وفيما يتعلق بالأزمة السورية بشكل خاص:
"إن الإعجابَ الجديد ببوتين متجذرٌ في تقدير للتناقض الذي يقدمه لدعاة الصواب السياسي الذين يديرون الاتحادَ الأوروبي والولايات المتحدة. وقد عبرت صور قمة مجموعة الثماني الأسبوع الماضي عن كل شيء. فقد أثارَ ‘رجالُ الدولة’ الواقفون أمام الكاميرات – والذين أشار عليهم مستشارو العلاقات العامة بخلع ربطات أعناقهم لكي يبدوا ‘مقبولين’ في محاولة مثيرة للشفقة, حيث بدوا أشبهَ بمجموعة من الآباء وهم يرقصون في ديسكو المدرسة – السخرية والامتعاض اللذين يستحقوهما. سايرَ بوتين العرض, ولكن عندما جاء دور الجد – أي عندما طلب منه الموافقة على خطة أوباما/كاميرون/أولاند بتسليح القاعدة في سوريا – جاء الردُ على شكل قنبلة "مولوتوف": "نييت!"
تم التأكيد في الأسابيع الأخيرة على الإشارات المتكررة في الصحافة الغربية الرسمية إلى أن الشبكات المرتبطة بالقاعدة تهيمن على المجموعات المسلحة المناوئة للأسد. فعلى سبيل المثال, قبل عدة أيام قال هانز- جورج ماسن – رئيس مكتب مكافحة التجسس الألماني - ﻠ "راينيش بوست" إن حوالي 20 جهادياً قد عادوا مؤخراً من سوريا إلى ألمانيا. وعبر عن قلقه من حقيقة أن أكثر من 60 ممن يسمون أنفسهم "مقاتلين جهاديين" قد غادروا ألمانيا في الأشهر الثمانية الأخيرة للمشاركة في "الجهاد" في سوريا. وأكد قائلاً: "عندما يعودون, يتم الاحتفاء بهم كأبطال من قبل جماعاتهم. وفي أسوأ سيناريو ممكن, يعودون إلى هنا مكلفين بمهام قتالية مباشرة."
قام عدد من المواقع الجهادية, من بينها "كافكاز سنتر" ("مركز القوقاز") الذي تتم إدارته من فنلندة, بكيل المديح مؤخراً لمقاتلين شيشانيين تمت تصفيتهما على أيدي القوات الحكومية السورية بالقرب من حلب قبل عدة أيام. وبمقدور أولئك المهتمين بفهم الدوافع الحقيقية ﻠ "القوات المطالبة بالديمقراطية" في سوريا أن يقرؤوا الترجمة الإنكليزية ﻠ "رثاء الشهادة" الذي نشره الموقع والذي لا علاقة له, لا من قريب ولا من بعيد, بالأهداف التي يدعيها الغرب.
إن عددَ الاعتداءات الوحشية والفظيعة التي يرتكبها مثل هؤلاء "المقاتلين الجهاديين" ضد المدنيين السوريين غير مسبوق. حيث إن "يوتيوب" مليء بأشرطة الفيديو التي تصور مثل هذه الجرائم, مع دلائل كافية تستدعي تشكيل محكمة دولية خاصة للتحقيق ومعاقبة المرتكبين. ولكن عوضاً عن ذلك, تعمل البلدان التي تطلق على نفسها اسمَ "أصدقاء سوريا" بالتغطية السياسية على "الجيش السوري الحر" وتزويد الجهاديين بالأسلحة. ومن الواضح أن إدارة أوباما تأمل في استرداد السيطرة على قيادة سليم إدريس لفصائل "الجيش السوري الحر" "المعتدلة", لكن تم البرهانَ على عبثية مثل هذه المحاولات منذ أيام حرب فيتنام (فضيحة نغو دينه دييم, على سبيل المثال). وقد وطئوا على نفس المِدَمَة في أفغانستان.
لا يزال البيت الأبيض يراهن على مارق خارج على القانون لا يتمتع بأي دعم  من أية مجموعة هامة في المجتمع السوري. ومع استمرارها في الإصرار على تغيير النظام في سوريا, لن تقبلَ الإدارة الأمريكية بأي حل سوى منطقة أخرى مزقتها الحرب تحمي فيها قوات المارينز الأمريكية عميلاً يمثلها في دمشق.
إن صدى النزاع السوري يشعل سلفاً التوترات الدينية في لبنان وبلدان أخرى في المنطقة. فقد تزايدت حدة المواجهات الطائفية في العراق بشكل ملحوظ. ومن المحتمل أن حرباً سنية- شيعية جديدة قد تم التخطيط لها من قبل النخب الكونية التي أشعلت فتيل النزاع في سوريا منذ أكثرَ من عامين. وقد تم بالتأكيد التنبؤ بالأثر الذي ستتركه على أوروبا والولايات المتحدة وسوف يتم استخدامه لتشديد قبضة المراقبة الإلكترونية على هذه المجتمعات.
إن ردة الفعل الشعبية على أداء بوتين في مؤتمر "مجموعة الثماني" مؤشر على وجود إدراك واعٍ أو غير واعٍ لهذا هنا. فقد نجح بوتين في إعادة تشكيل التفكير الذي تم فرضه على العقول في الغرب. كما أن السياسيين الغربيين واقعون في أحابيل أكاذيبهم, وخاصة حول المشكلة السورية, إلى درجة أن خطاباً منطقياً وصريحاً يلقيه الزعيم الروسي, بناءً على حقائقَ دامغة وحسٍ سليم, يمكن أن يتركهم فاغري الأفواه ومصدومين وعاجزين عن الكلام. والناس يستشعرون من يقف إلى الجانب الصحيح من التاريخ.

http://dissidentvoice.org/2013/06/syria-the-art-of-standing-on-the-right-side-of-history/#more-49515

تُرجم عن ("ديسيدنت ڤويس", 28 حزيران/يونيو 2013)

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...