روسيا جاءت لتنتصر

03-02-2016

روسيا جاءت لتنتصر

د.جميل م شاهين:

لم يكن ليلفت انتباهـي مؤتمـر جنيـف 1 أو 3 أو 10، ولا “أيامـه معـدودة” ولا الخطـوط الحمـراء والزرقـاء، ولا الناتـو العـربي، ولا كل هـذه الخزعبـلات الإعلاميـة التي هدفهـا الرئيسي تحويـل انتبـاه الناس عمـا يجـري على الأرض.

عندمـا دشـنتْ روسـيا في تشرين الأول 2013، تمثـال السـيّد المسـيح في دير الشـيروبيم شـمال صيدنايـا، والذي تمّ بإشراف جمعية صندوق التراث الروحي للقديس بولس الرسول الروسية، وما يعنيـه الرسول بولس لأوروبـا وسـوريا ودمشـق تحديداً، تأكدتُ أنّ القيصـر قادمٌ رغم مئـات التصريحـات التي أتحفنـا بها مراهقـو السياسة حول تخلي موسـكو عن القيادة السورية.

قبل سـتة أشـهر تحرّك القيصر، وما جـرى منذ ذلك الحين لم يكن سـوى انتصارات للجيش السوري أولاً، الذي لولا تأكـد الكرمليـن من جبروتـه لمـا غامر. لم نرَ الروس بالمقابل يدافعـون عن سلوبودان ميلوسوفيتش أو صدام حسين أو القذافي، رغم أهمية الأول بالنسبة لهم، لكنهم في سـوريا رموا الكرت الأحمر…

يـوم الميلاد، قـام نسـور السـماء بإرسـال زعيـم الإرهـاب السـعودي في دومـا إلى حوريـات الرياض، بطـرد يُسـلم شـخصيا لعزرائيـل. وهذه كما قلتُ إشـارة لمن يفهـم.

حاول كلب صيـد الناتـو العصملي عرقلة عمل الروس، فأسقط الطائرة الروسية وانظمّ للكسعي في عض الأصابع، وها هو يتوسـل على أبواب الساحة الحمراء لقاء بوتين. كان يظنُّ بجنون عظمته أنّ الناتـو سيقاتل من أجله، لكنه استنتج أنه مجرد موبايـل مهتـرئ انتهى شـحنه، ولا أحد مستعد لخوض حرب من أجل “تسـبيلة” عينيـه الفاجرتين، بينما أرسلت موسكو، له وللناتو عبره، رسائل قوية غير مباشرة، منها ما جاء على لسان فلاديمير جيرينوفسكي، رئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي، عندما طالب الرئيس فلاديمير بوتين بضرب مدينة إستنبول بقنبلة نووية، قائلاً: “إن هجوماً نوويا يستطيع تدمير استنبول بكل سهولة، قنبلة نووية واحدة في مضيق استنبول ستمسح المدينة”.  وربما سيصرّ الغرب على بقاء بوتين، كي لا يأتي بعدهُ مَنْ يمسـحُ الأسـتانة بمن فيها عن وجه البسيطة.

كثفتْ روسيا هجماتها على الحدود التركية، وشاحنات الإغاثة “الإنسانية” وصهـاريج بـلال بن أيردوغـان الداعشي، ومخيمات اللاجئين في مناطق لطالما اعتبرها الأتراك آمنة، قصفت المقاتلات الروسية باب الهوى وتطايرت الشظايا لتصيب الجيش التركي. حُرّر ريف اللاذقية، وريف حلب قادم، وانتهى حلم المنطقة الآمنـة التي سـعى إليها حاكم أنقرة بحوافره.

بدأ الروس العمل بقاعـدة القامشلي العسكرية، وسط اعتراض أيردوغان الذي صرّح أنـه لن يتحمل وجود الروس من حدود العراق إلى المتوسـط، لكنّـه بالتأكيـد سـيتحمل أكثر… وابتدأ اللعب بالورقـة الكرديـة، وكالعـادة يتنقل الأكـراد من عاصمة لأخرى، فتـارة في حضن موسـكو وأخرى في حضن واشنطن، وما بين مطـار الرميلان وعفريـن، لن يحصد الإنفصاليـون منهم سـوى الهـواء في النهايـة، لأن سـوريا الموحـدة هي الضمان الأقوى لروسـيا. بعد هذا يأتينا خبير كباب عسـكري ليقول: “لن يصمت الأتـراك طويـلاً”، الأتراك خرسـوا أيها الخبيـر…

لم نعـد نسـمع اليـوم عن تخلي الروس، أو عن أيـام معدودة، انتقلـوا إلى وفد بحجـاب ووفد برياض الأطفـال، وغداً تشكيل حكومـة توافقيـة وبعدهُ صاحب الكنزة الحمراء يزرع شـعيراً، وهكـذا ينشـغلُ الناس بأخبـار “الجنيفـات” بينمـا رجـال الله يحررون حلب تحت غطـاء من أخطـر مقاتلـة في العالـم.

عندمـا تُرسـل روسـيا خارج حدودها ولأول مرة في تاريخها صواريخ إس 400 الأفضل عالميـاً، ودبابـات تي 90 الأحدث، ثم سوخوي 35 إس، وهي أخطـر مقاتلة في العالـم وأفضل من الأمريكية إف 22 روبوتر، بالإضافـة لما هـو فوق وتحت البحر، فهل فعلت هذا من باب التسلية؟ عندما تقف البارجـة موسـكو قبالة السواحل التركية منتظرة أي خطأ تركي كي ترد عليه. عندما تتحرش الطائرة سوخوي 34 السبت الماضي بالأجواء التركية، رغم نفي موسكو ذلك، فهل هذا لهـو عشـاق؟

روسـيا قادرة عسكرياً على تعطيل سلاح الجو التركي خلال ساعات، وباستخدام سلاح تقليدي، فيما إذا اضطرت لذلك، وقادرة على شلّ الجيش التركي خلال 24 ساعة، لكنها ستتمهل بفعل ذلك بانتظار حماقة تركية كبيرة، ولن أستغرب أن تكون ردات فعل الناتو عبارات شجب وتهديد، وتحريك استعراضي للأسطول السادس، بينما يثور الملايين من الدونيين أتبـاع العصملي وعاشقي خوازيقـه، ويخرجون في مظاهـرات ويحرقوا العلم الروسي، ثم يعودون إلى جحورهـم…

الانتصـار الروسـي يتم تحت العلـم السـوري، وبفضـل رجـال الله. ولنا الحق كلّ الحقّ باستقدامهم حتى وإن تفلسف أحدهم متحدثاً عن انتقاص السيادة السورية، فهل وجود إرهابيين من 107 دولة في غرف نـوم نسـاء المُعارصـة،  ثم قتالهم الجيش السوري بأسلحة غربية، وتسـول المُعارصَـة على أعتـاب الرياض واستنبول والدوحـة، كي ترضى عن المُعارص فلان، هو إعلاء للسيادة السورية؟

دعكـم من المؤتمـرات واللقاءات والتصريحـات، فكل هذه حلقاتٌ من مسلسل “باب الهوى”، انظروا ما يجري على الأرض، وما الذي يتم التحضير لهُ، وأهداف الحليف الروسـي البعيدة، فروسيا تهمهـا مصلحتهـا القومية أولاً، ولن تزجّ بهذه القـوة العسـكرية الجبارة للقضـاء على الإرهابيين فقـط. عندما يكون الفاصل بين القوات الروسية والأميركية هو 47 كلم فقط وعلى الأرض السورية، فاللعبة أكبر من مجرد مُؤتمر جنيف 3 ومُعارصَـة يُمثلها أطفال الحارة الذين لم يتفقوا على اللعب سوية، كي يمثلوا وطنـاً.

عندمـا يكون الروس والأمريكـان على هذه المسافة، فإنّ أمراً هـاماً وخطيراً يُحـاكُ، باتفاق أو بالتقـاء مصالح غريمين لإنهـاء وجود دولـة أقيمت على شـتات دول أخرى… الروس جاؤوا فقـط لينتصـروا…

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...