حصاد 2006 في الآداب العالمية: كواكب تنطفئ ونجوم تعلن عن ولادتها

27-12-2006

حصاد 2006 في الآداب العالمية: كواكب تنطفئ ونجوم تعلن عن ولادتها

قد يكون من الصعب وضع عنوان عريض يختصر جملة الأحداث الادبية التي شهدها العالم هذه السنة. فبين ظهور وأفول، كانت سنة 2006 الادبية العالمية على صورة الحياة وسنّتها: من جهة كواكب تنطفئ تاركة إرثاً راسخاً في ميادين الخلق الادبي المتنوعة، ومن جهة ثانية نجومٌ تعلن عن ولادتها وتحاول ان تجد لنفسها مكاناً في سماء لا تحتفظ الا بالتوهج وحده، بينما شُهبٌ تمر سريعاً من دون أن تترك ما يذكّر بها. عندما نجري نظرة بانورامية سريعة الى ما تخلل 2006 من احتفالات ومئويات واصدارت وجوائز وترجمات وغياب أسماء وبروز أخرى، يخيّل إلينا ان هذه السنة عرفت أكثر من سواها قدراً من الحراك الأدبي المتنوع، لكن ذلك لا يتعدى كونه جزءاً من حركية الحياة نفسها. فلنقل إنها سنة لم تخرج على المعتاد مع بعض الالتماعات هنا وهناك، يبقى أقواها وقعاً غياب أكثر من كاتب وشاعر أميركي كان لهم الأثر الكبير في تطور هذين النوعين في الولايات المتحدة، أهمهم الروائي وليم ستايرون، فضلاً عن "قنبلة" جوناثان ليتل الروائية أو "المفاجأة" النوبلية غير المفاجِئة التي أحدثها فوز الروائي التركي أورهان باموق، في ما عدا ذلك يستمر الأدب بالوتيرة نفسها محاولاً، كما فعل على الدوام، خلق مساحة أخرى ممكنة للعيش في عالم يتخبط في رمال حروبه المتحركة وصراعاته المتنقلة.

هي الحاصدة نفسها التي تحدّث عنها فيكتور هوغو، لم توفر هذه السنة أسماء مهمة في عالم الأدب. نبدأ من الولايات المتحدة التي خسرت ومعها العالم و"جحيم الرواية"، أحد أهم الروائيين وأكثرهم تمرداً، وليم ستايرون الذي رحل عن 81 عاماً بعد مسيرة حافلة بالمعارك الادبية من كل نوع، وأعمال غاص خلالها في استكشاف روح الشر في الانسان، مؤمناً ان مشكلة البشر الرئيسية "ليست سوى الحياة". حياةٌ غادرتها كذلك الشاعرة الأميركية توري دنت عن 47 عاماً، بعد صراع مع الايدز دام سبعة عشر عاماً، فانطفأت تاركة شعراً يختصر تجربتها مع الألم، و"يتدفق بألفي حيوية، كأن الكلمات فيه ادوات مناعة مكتسبة، او وسائل دفاع بدائية"، كما وصفه الشاعر الاميركي الكبير ستانلي كونيتز. كونيتز نفسه الذي نال في 2000 لقب شاعر الولايات المتحدة، سرعان ما خطفه الموت عن عمر يقارب المئة، بعد مسيرة شعرية استمرت نحو ثلاثة أرباع قرن واثنتي عشرة مجموعة منها "الشجرة الممتحنة" و"عبور".
الى دنت وكونيتز، خسرت الولايات المتحدة والعالم أحد الاصوات الشعرية الأهم التي تركت أثراً كبيراً في مسيرة تطوّر الشعر الاميركي المعاصر، الشاعرة الحداثية باربرا غيست التي رحلت عن ستة وثمانين عاماً و29 كتاباً في الشعر والسيرة والرواية والنقد الفني والمقالات.
الى ألمانيا الآن، حيث غابت واحدة من أهم شاعراتها في القرن العشرين، هيلدا دومين، بعدما عاشت لأكثر من عقدين في المنافي هرباً من النازية الألمانية مرة، ومرة أخرى من الفاشية الايطالية. نضال آخر ضد النازية طواه الموت هذه السنة، هو نضال الشاعر والكاتب والمترجم المجري جورج فالودي الذي رحل قبل ثلاثة اسابيع من حلول عيد ميلاده السادس والتسعين بعد مسيرة أدبية وحياتية وشعرية عرفت كيف تكون صرخة ضد مآسي القرن العشرين.
فرنسا بدورها خسرت الشاعر جان غروجان الذي ولد في 1912، وبعد دراسات لاهوتية في فرنسا، زار الشرق الاوسط في اواخر الثلاثينات وعاش لفترة من الوقت متنقلاً بين لبنان وسوريا والعراق وفلسطين، رغبة منه بالعودة الى الينابيع الاولى "لكي يرى" كما كان يقول. ترك غروجان العديد من المؤلفات والترجمات، يبقى أهمها ترجمته مجموعة الكتب النبوية من العبرية، والقرآن كاملاً من العربية، وسوفوكل من اليونانية وسواها. كما غاب شاعر فرنسي آخر على علاقة وطيدة بالترجمة هو كلود إستيبان المولود في 1935 والذي امضى حياته متنقلاً بين الفرنسية والاسبانية، وهما لغتان منحتاه مقاربتين مختلفتين للعالم عبّر عنهما في أكثر من أربعين مؤلفاً شعرياً ونثرياً، من دون ان ننسى نقله عن الاسبانية كلاً من بورخيس ولوركا وأوكتافيو باث وخورخي غيلين وسواهم.
شهدت 2006 كذلك رحيل أحد الروائيين الايرلنديين الاكثر شهرة واثارة للجدال بعد جيمس جويس وصموئيل بيكيت، جون ماكهرن الذي غاب عن واحد وسبعين عاماً. وغادر أيضاً المؤرخ الفرنسي الكبير بيار فيدال ناكيه عن عمر يناهز الستة والسبعين، ليخسر العالم عموماً والعالم العربي في شكل خاص أحد أبرز الوجوه اليهودية الادبية معارضةً للمجازر الاسرائيلية ودفاعاً عن حق وجود الدولة الفلسطينية. وكان موقفه المعارض للحرب الأخيرة التي شنتها اسرائيل ضد لبنان هذا الصيف، أحد المواقف الأخيرة التي أطلقها قبل موته بوقت قصير.

- "هنا الموت يربح، ابهاماً وراء ابهام، مساحته الصامتة. اتقوّس. يستطيع الموت كل شيء وانا لست شيئاً". الكلام ليس لأحد الذين غادرونا هذه السنة ولكن للشاعرة الكندية ماري أوغي التي توفيت في 1981 في السادسة والعشرين من عمرها، وشهدت هذه السنة صدور يومياتها عن دار "بوريال" الكندية بعدما انتظرت عشرين عاماً قبل وصولها الى القرّاء. في هذه اليوميات التي قررت كتابتها في 1977، في السنة نفسها التي بُترت فيها ساقها، في محاولة لمنع سرطان العظم من التمدد أكثر في جسمها، تسرد أوغي معركتها ضد المرض، فضلاً عن عواطفها المتنازعة بين حبها لزوجها ورفيق حياتها ستيفان كوفاك ومشاعرها تجاه طبيبها بول.
لم يضطر محبّو الشاعر الدانماركي الراحل كلاوس بونابيرغ الانتظار كثيراً لقراءة قصائده الأخيرة التي واصل كتابتها طوال فترة مرضه حتى عشية وفاته في 2004، اذ صدرت خلال هذه السنة بعنوان "الأحد بعد منتصف الليل" بعدما جمعتها زوجته ماريا وحررتها بشكلها النهائي بحسب رغبته، بمساعدة صديقهما توماس بوبيرغ. وصدر في الدانمارك ايضاً كتاب "في وجودي انتصار"، عبارة عن مختارات للشاعرة الفنلندية الاسوجية اديث سوذيكرين (1892-1923) جمعتها تسع شاعرات دانماركيات بارزات وقمن بترجمتها من الاسوجية الى الدانماركية وصدرت لدى دار "نانسن كيذه انتيكفارييتس".
أما في الولايات المتحدة فصدرت أنطولوجيا باللغتين الفرنسية والانكليزية للشاعرة اللبنانية ناديا تويني بعنوان "لبنان، قصائد في الحب والحرب" عن دار جامعة سيراكوز بالاشتراك مع "دار النهار".

- على صعيد الاعمال الجديدة، لا يمكن الا ان نبدأ بالقنبلة الأدبية التي فجّرها جوناثان ليتل من خلال روايته "المتسامحات"، لتكون عنوان الموسم الادبي الفرنسي بلا منازع، وتحل على لوائح كل الجوائز الفرنسية المهمة، وتسيّل من الحبر ما لم تسيّله اي رواية فرنسية في السنوات الاخيرة، ولاسيما انها أولى لأميركي شاب يكتب بالفرنسية وهي مؤلفة من 900 صفحة. يروي فيها ليتل على لسان بطله المضاد، الضابط السابق في الجيش النازي، الفظاعات والجرائم التي ارتكبت على الجبهة الشرقية خلال الحرب العالمية الثانية، في أسلوب صدامي ومتفجر يقدم الجريمة من وجهة نظر مرتكبها وبلسانه، طارحاً إشكالية الجلاد من زاوية جديدة. يذكر أن ليتل زار لبنان هذا الشهر ضمن نشاطات auteurs en direct الفرنكوفونية التي استعيض بها عن معرض الكتاب الفرنسي.
من الأعمال الاولى المكتوبة باللغة الانكليزية، نتوقف عند رواية "في بلاد الرجال" الصادرة عن دار "فايكنغ" للكاتب الليبي الاميركي المقيم في لندن هشام مطر والتي وصلت الى نهائيات جائزة "بوكر". أما بالايطالية فنذكر عملاً أول كان له صدى جيد وأثار حوله الجدال، رواية "مع اسوأ النيات" للايطالي أليساندرو بيبرنو التي صدرت لدى واحدة من كبريات دور النشر في ايطاليا محققة نجاحاً مدوياً ومبيعات وصلت الى 80 الف نسخة خلال اسبوعين، وتروي قصة ارتقاء عائلة سونينو اليهودية ومن ثم انحطاطها في الفترات المتعاقبة بعد الحرب العالمية الثانية وصولاً الى الثمانينات.

- بدورهم، كان يوسا وساراماغو وكويتزي وإيكو وكيرتيس من بين أبرز الكتّاب المكرّسين الذين شهدت هذه السنة ولادة أعمال جديدة لهم تنوعت بين البحث والرواية والحوار. نبدأ بالروائي البيروفي ماريو فارغاس يوسا الذي زار لبنان هذا الصيف، وصدرت روايته "شقاوة الفتاة السيئة" في اسبانيا لدى دار "الفاغوارا"، يمزج فيها بين الذاكرة والفانتازيا لينسج خيوط علاقة حب مضطربة على خلفية الاوضاع السياسية والاجتماعية التي شهدتها نهاية القرن العشرين. وقال النقاد ان هذه الرواية قد تكون من بين رواياته كلها الاقرب الى تجربته الشخصية في ميادين السياسة والادب والحب.
الدار الاسبانية نفسها التي أصدرت كتاب يوسا، قدمت هذه السنة ايضاً "تقاطعات الموت" للبرتغالي جوزيه ساراماغو. تفتتح الرواية بالجملة الآتية: "في اليوم التالي لم يمت احد"، وتتمحور حول فكرة غرائبية مفادها اعلان الموت عن وقف القيام بوظيفته.
أما الجنوب افريقي وحامل نوبل للأدب في 2003 جون ماكسويل كويتزي فصدرت له رواية "الرجل البطيء" عن دار "فايكينغ" وتمكنت من الوصول الى نهائيات جائزة "بوكر". تدور الرواية حول قصة بول رايمنت، وهو رجل ستيني تبتر ساقه بعد ان تصدمه سيارة يقودها مراهق طائش. "نوبليٌّ" آخر هو المجري إيمري كيرتيس صدر له كتاب بعنوان "ملف ك." في بودابست، عبارة عن حوار طويل مع الكاتب أجراه الباحث زولتان هافنر خلال عامي 2003 و2004. بدوره، أصدر الايطالي أمبرتو إيكو كتاباً بعنوان "مشية السرطان" ضم مقالات وخطباً كُتبت بين 2000 و2005 تتطرق الى مجموعة من الحوادث السياسية والاعلامية البارزة التي شهدها العالم منذ بداية القرن الجديد وتفضح كلها عالماً يسير الى الوراء يوماً بعد يوم. أما الفرنسي جيرار جينيت البالغ السادسة والسبعين من العمر ويُعتبر منذ الستينات احد "بابوات" النقد الأدبي المعاصر والبنيوي تحديداً ومؤسس مجلة poetique وصاحب مؤلَّف "أشكال" الشهير، فأصدر هذه السنة أول عمل أدبي له حمل عنوان "باردادراك" جاعلاً من نفسه موضوع الكتاب الذي كُتب بلغة لا ينقصها حس الفكاهة، ويصعب فيه التمييز بين الحقيقة والخيال، ليتحول الى ما يشبه السيرة الذاتية التي تختلط فيها الآراء والمواقف النقدية.كما صدرت "اعمال شعرية 1" للشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي لدى دار "لا ديليفرانس" لتضيء على نضاله الطويل والاليم. من ناحيته، سار الفرنسي برنار هنري ليفي في "الدوار الاميركي" على خطى ألكسي دوتوكفيل فمضى الى الولايات المتحدة ليكتشف عن قرب النموذج الاميركي، وقد أثار هذا الكتاب حوله جدالاً واسعاً في فرنسا بين مؤيد ومعارض.
من بين الأعمال المهمة التي ترافق صدورها كذلك مع اهتمام نقدي ودعاية كبيرين، نذكر "قصص متوازية" للمجري بيتر نادش الذي نال جائزة "شاندور ماراي" الادبية. أما الروائي الايطالي أندريا كاميليري ابن الثمانين الذي صار ظاهرة ادبية وثقافية تخطت حدود ايطاليا واوروبا لتصل الى اميركا واليابان، فأصدر هذه السنة كتاباً بعنوان "بنسيون حواء" تدور حوادثه في الثلاثينات داخل بيت دعارة شرعي في المرحلة الفاشية.
ومن الروايات المهمة نذكر كذلك سريعاً: "أورانيا" للفرنسي جان ماري غوستاف لوكليزيو التي يروي فيها قصة حضارة في طور الزوال. "رحيل" للطاهر بن جلون ترصد تمزقات جيل من الشباب المغاربة على خلفية المغرب في منتصف التسعينات. "رح عش حياتك" الرواية الرابعة عشرة لنادين غورديمر تتناول قصة ايكولوجي جنوب افريقي يخضع لعلاج مضاد لسرطان الغدد. "المتنزه القمري" للأميركي بريت إيستن اليس الذي يجعل من نفسه بطل الرواية ليكتب سيرة ذاتية مخادعة. "كل رجل" للأميركي فيليب روث. "النوبة الليلية" للانكليزية سارة واترز وكانت مرشحة لجائزة "بوكر". "بودابست" للبرازيلي شيكو بوارك التي صدرت بالاسبانية لدى دار "سالامندرا" بالتزامن مع صدورها بالبرتغالية في ريو دي جانيرو، وهي رواية تهكمية تنشغل بشخصية الفرد القلق في مجتمعات متأزمة. "قياس العالم" للألماني الشاب دانيال كيلمان التي حازت اعجاب القراء والنقاد على السواء. "صاخب جداً وشديد القرب" للشاب الاميركي جوناثان سايفران فوير. "هول العالم" للكاتب والباحث والمترجم الايطالي تشيزاري دي ماركي وقد فازت بجائزة "فرينيانو" الادبية. "المحبوبة" للروائي الأميركي راسل بانكس، في مقاربة متعددة التيمة لايديولوجيا المثالية الاميركية من خلال قصة امرأة تدعى هانا ماسغروف.
أما على الصعيد الفرنكوفوني اللبناني فنشير الى روايات "تقبرني، او مخيم المية ومية" لغبريال بستاني لدى منشورات "لافون" التي تدور حوادثها على خلفية الاوضاع السياسية والاجتماعة في لبنان في اواخر ثلاثينات القرن الفائت وبداية الاربعينات. و"منزل القراص" لفينوس خوري غاتا لدى "أكت سود". و"صمت التينور" لألكسندر نجار عن دار "بلون". و"خزانة الظلال" وهي الرواية الاولى لهيام يارد صدرت لدى منشورات "سابين ويسبيزير".
أخيرا، على الصعيد الانغلوفوني، عملان بارزان يستحقان الاشادة: "الجنسانية في العالم العربي" للدكتور سمير خلف، الذي سيكون لنا غوص في عوالمه قريباً، و"لبنان لبنان" الذي جمعت فيه "دار الساقي" مجموعة من النصوص لكبار الكتّاب العرب والأجانب دعما لضحايا الحرب الاسرائيلية الأخيرة على لبنان.
- اذا لم تكن هذه السنة استثناء في ما خص الطفرة الروائية التي يشهدها العالم منذ سنوات، فإنها كذلك لم تأت بجديد في موضوع الانحسار الواضح للاصدارت الشعرية الجديدة. مع ذلك لا يمكن الا ان نتوقف عند بعض الاعمال المهمة، نبدأ بكتابين بالفرنسية هما "تجهيز العظام" للكاتب والمغني والمؤلف الموسيقي والرسام برنار أسكال الصادر لدى منشورات "لو تان دي سوريز" مع مقدمة لبرنار نويل، و"جوع الظلال" لجان باتيست بارا الصادر لدى دار "أوبسيديان"، ويعمد فيه هذا الكاتب والناقد والمترجم عن الايطالية والروسية والهندية، الى الكشف عن جمالية شعره الخاصة من دون ان يتنكر لمن ترجمهم، على غرار الشاعر الهندي ميرزا غالب وبسطي نظام الدين وكوندراتي ريلييف، بل يستحضرهم موجهاً اليهم تحية من نوع آخر هذه المرة.
أما في الانكليزية فنذكر "في عمق اعماق بلاد اخرى" لإيتل عدنان الذي تمزج فيه، كما تقول أمييل الكالاي في المقدمة، "الشعر والنثر، التبصر السياسي والتأمل الفلسفي مع ذكريات من التاريخ في انصهار تام... بينما عيناها ابداً على ذلك الطريق الضيق المؤدي الى المذبحة!".

- على صعيد الاصدارت المختلفة في البحث والنقد والحوار والانطولوجيا وسواها، قد يكون اهم حدث شهدته هذه السنة هو حدث ألماني، وذلك بصدور الجزء الاخير المخصص للشعر من سلسلة "دير كانون - الادب الالماني" للكاتب والناقد الالماني الكبير مارسيل رايش رانيكي. جاء الاصدار ليتوج المشروع الثقافي الادبي لهذا الرجل والقاضي بتقديم "ما يتوجب على المرء قراءته في الادب الالماني"، وهو أكبر مشروع ادبي تشهده المانيا منذ أكثر من نصف قرن، ولقي احتفاء اعلامياً وثقافياً كبيراً. صدرت المجموعة الاولى من هذه السلسلة في 2002 وكانت مخصصة للرواية في عشرين جزءاً تضم عشرين رواية لسبعة عشر كاتباً، بدءاً بغوته وصولاً الى غونتر غراس. في 2003، صدرت المجموعة الثانية من عشرة اجزاء مخصصة للقصة والسرد، لتليها في 2004 ثمانية اجزاء مخصصة للدراما. أما هذا الجزء الأخير المخصص للشعر فضم 270 شاعراً و1370 قصيدة.
على الصعيد الفرنكوفوني، صدر كتاب "الرواية العربية (1834-2004)" للشاعر والناقد العراقي كاظم جهاد لدى منشورات "أكت سود" الفرنسية. في جهد توثيقي كبير وعمل يراوح بين البحث والانطولوجيا، عمل جهاد على رصد تطور الرواية العربية على طول أكثر من قرن ونصف قرن من خلال اعمال نحو مئتين واربعين روائياً.
من الاصدارات التي تناولت كاتباً في عينه نذكر "برفقة بورخيس" للكاتب والمترجم ألبرتو مانغويل الذي صدر لدى دار "تيليغرام" بالانكليزية. مزيج من المذكرات والسيرة التي ترسم ا حميميا لبورخيس في اطلالة على شخصيته وأهوائه وآرائه. أما لور أدلر فصدر لها لدى "غاليمار" كتاباً بحثياً بعنوان "في خطى حنة أرندت" تتابع فيه درب هذه الفيلسوفة الالمانية متوقفة عند ابرز محطات حياتها ولقاءاتها وتطورها الفكري. في حين صدر لدى منشورات "سوي" الفرنسية كتاب "أحاديث مع أدونيس، والدي" لنينار إسبر. وقرأنا هذه السنة ايضاً كتاباً بحثياً لصلاح ستيتية بعنوان "آرتور رامبو" صدر لدى منشورات "فاتا مورغانا" بالاشتراك مع "دار النهار"، وفي هذا السياق لا ننسى كتاب "لبنان" الفخم الذي تضمن نصوصا لصلاح ستيتية تترافق مع صور لكارولين روز (عن "دار النهار"). نشير كذلك الى دراسة مثيرة للاهتمام صدرت لدى "أكت سود" الفرنسية للباحث فرانك ميرمييه عن واقع قطاع النشر في العالم العربي بعنوان "الكتاب والمدينة".
في المجال التاريخي والسياسي كتاب "ان تكون عربياً" لدى منشورات "أكت سود" الفرنسية في سلسلة "سندباد" وهو حصيلة اسئلة طرحها الصحافي الفرنسي كريستوف كنتشف على الكاتبين السوري فاروق مردم بيه والفلسطيني الياس صنبر وتغطي مرحلة تاريخية تمتد من النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى اليوم اي ما يشبه بانوراما عربية على امتداد مئة عام.

- لا يمكن الحديث عن الجوائز الأدبية من دون ان نبدأ بجائزة نوبل للأدب ونالها هذه السنة التركي أورهان باموق الذي لم يكن فوزه مفاجأة كبيرة في الوسط الثقافي عموماً، اذ كان اسمه مطروحاً بشدة بين الاسماء المرشحة لنيل الجائزة، هو الذي اشتهر بدعوة حكومته الى الاعتراف بالمجزرة الارمنية. واذا كان فوزه جعل كثراً يتحدثون عن رسالة سياسية موجهة الى تركيا، فإن لا احد في وسعه أن ينكر انه من أبرز محدثي الرواية التركية وأكثرهم جرأة.
في الجوائز التي تُمنح لعمل نبدأ من "متسامحات" جوناثان ليتل التي ظفرت بجائزتي "الاكاديمية الفرنسية" و"غونكور" بعدما حلت على لوائح تصفيات كل الجوائز الفرنسية المهمة. أما "إمباك" الايرلندية فنالها كولم تويبن عن رواية "الزعيم" ليكون اول روائي ايرلندي يفوز بالجائزة منذ تأسيسها. تتناول الرواية ببراعة فائقة قصة الكاتب الاميركي هنري جيمس لترسم صورة عن حياته وعالمه المضطرب بين العامين 1895 و1899. كانت "بوليتزر" الشعر من نصيب الشاعرة كلوديا ايمرسون، في حين ذهبت "بوليتزر" الرواية الى جيرالدين بروكس عن رواية "مارتش" وهي العمل الثاني لهذه الصحافية الاوسترالية المتزوجة من اميركي، وأول اوسترالية تحوز الجائزة لتنضم بذلك الى لائحة كبار الكتاب الاميركيين الذين نالوها قبلها على غرار ارنست همنغواي وتوني موريسون ونورمان مايلر وهاربر لي وفيليب روث وسواهم. فيما نالت الهندية كيران ديساي التي تبلغ الخامسة والثلاثين جائزة "بوكر" عن روايتها "ارث الخسارة" لتكون بذلك اصغر كاتبة تنال الجائزة.
اسبانياً، حاز ألفارو بومبو جائزة "بلانيتا" الخامسة والخمسين عن "ثورة ماتيلد توربين" وهو أحد ابرز الاصوات الادبية في شبه الجزيرة الايبيرية. اما في ألمانيا ففازت الكاتبة الشابة كاترين باسّيغ (من مواليد 1970) بجائزة "باخمان" لأفضل عمل روائي غير منشور عن مخطوطتها "هنا ينوجدون".
نعود الى فرنسا، ورغم كل الاضواء التي سرقها ليتل فإن ذلك لم يمنع بروز أعمال أخرى نالت جوائز مهمة على غرار "رونودو" التي ذهبت الى الكونغولي ألان مابانكو عن "مذكرات شيهم" و"انترالييه" الى ميشال شنايدر عن "ماريلين، الجلسات الاخيرة" و"فيمينا" الى الكندية نانسي هيوستن عن "خطوط التصدع".
على صعيد آخر أُدرج إسم الروائي الاسباني خافيير مارياس في قائمة أهم لغويي اسبانيا وكتّابها، أي في سجل أكاديمية اللغة الاسبانية كاعتراف للكاتب الشاب نسبياً (مواليد 1951) بإنتاجه الروائي، واهمّه "غداً في المعركة فكّر بي" و"قلب ناصع البياض".

- ربما من أهم الترجمات الشعرية التي تحققت هذه السنة، ترجمة الشاعر والباحث كاظم جهاد لأشعار راينر ماريا ريلكه الفرنسية كاملة (دار الجمل)، وترجمة الرسام والباحث المصري عادل السيوي لأعمال الشاعر الايطالي جوزيبي اونغاريتي كاملة، وستكون لنا عودة نقدية مفصلة الى الكتابين. أيضا صدرت مختارات للشاعر المكسيكي من أصل لبناني خايمي سابينس (ترجمة قيصر عفيف عن دار نلسن)، و"ستون قصيدة المانية" (ترجمة بهجت عباس عن المؤسسة العربية للدارسات والنشر)، ومختارات بعنوان "رغباتنا أمس احلامك غداً" للشاعرة جويس منصور، في ترجمة للشاعر المغربي رشيد حتي صدرت لدى دار "آفاق". يأتي الاصدار ليلقي الضوء على جزء مهم من التراث الخلاق الذي خلّفه السورياليون من اصول عربية ضمن "حركة الفن والحرية"، بعدما ظلت الايديولوجيات المختلفة تحول دون وصول هذا الإنتاج الى المكتبة العربية. تضم الترجمة هوامش وملحقات فضلاً عن مقدمتين لكل من اندره بروتون وجورج حنين وسواها من الوثائق التي تضيء على تلك المرحلة.
على المستوى نفسه صدرت "الاعمال الشعرية" بالعربية لجورج شحادة بعنوان "الحالم الممتزج بالهواء" في ترجمة لأدونيس ضمن العدد مئة من "كتاب في جريدة"، وكان سبقه إصدار ثنائي اللغة لدى دار "التوباد" في تونس بعنوان "السابح بحب وحيد" في ترجمة لخالد النجار. كما وصلنا الديوان الشعري الأخير للتشيلياني بابلو نيرودا، "كتاب التساؤلات"، الصادر لدى دار "أزمنة" الاردنية بترجمة سحر أحمد. أما من الاعمال الشعرية الأكثر معاصرة فقرأنا مجموعة "ليل القراص" لفينوس خوري غاتا الصادرة عن "دار النهار" في ترجمة لزهيدة درويش جبور، ومجموعة "مع الريح" للسينمائي الايراني عباس كياروستامي في تعريب لشيرين بارسا لدى "ديوان الكتاب".
من الترجمات المهمة كذلك "باريس عندما تتعرى" لإيتل عدنان (ترجمة مي مظفر)، و"النور والفراشة" لغوته لدى منشورات "الجمل" (ترجمة عبد الغفار مكاوي) ويتناول رؤية الكاتب والفيلسوف الالماني للاسلام وللأدبين العربي والفارسي. و"اعترافات في الثمانين" لدى دار "التوباد" التونسية في ترجمة لخالد النجار، والكتاب حوار اجراه الكاتب والناشر الفرنسي كريستيان دو بارتيا مع الكاتب الاميركي هنري ميللر. أما في البحث فنذكر "الأدب والالتزام" للباحث والاكاديمي البلجيكي بونوا دوني في ترجمة لمحمد برادة عن "المجلس الاعلى للثقافة" في القاهرة، و"عنف اللغة" لجان جاك لوسركل عن "المنظمة العربية للترجمة"، ترجمة محمد بدوي.
في الرواية نشير الى "في خطو السرطان" لغونتر غراس (ترجمة كاميران حوج)، "ليل الخطاطين" لياسمينا غاتا (ترجمة جبور الدويهي)، "جنوب الحدود، غرب الشمس" للياباني هاروكي موراكامي و"المفتاح" للياباني جونئيشيرو تانيزاكي وكلتاهما عن "المركز الثقافي العربي"، ترجمة صلاح صلاح، و"حرفة القتل" للنمسوي نوربرت غشتراين عن دار "أزمنة" ترجمة سمير جريس، و"قبلة يهوذا" للفرنسي أوبير برولونجو، ترجمة فارس غصوب، و"المقبرة الغارقة" للكرواتي غوران تريبوسون، ترجمة خالد نسبين، وكلتاهما عن دار "الفارابي". ووصلتنا روايات صينية أضاءت على التحولات الثقافية والسياسية والاجتماعية التي تعيشها الصين اليوم، على غرار "باب السلام السموي" لسان شا (ترجمة اسكندر حبش) و"بجعات برية" ليونغ تشانغ و"بالزاك والخياطة الصينية الصغيرة" لداي سيجي و"نصف الرجل امرأة" لزانغ كزيليانغ و"جبل الروح" لغاو كيسينغيان و"شنغهاي بيبي" لوي هيوي.

- وبينما كان العالم يودع أسماء ويستقبل أخرى، كان يتذكر كباراً تركوا أثراً عميقاً في التاريخ الأدبي العالمي من خلال احتفالات ومئويات نعددها سريعاً: مئة وستون عاماً على ولادة السلف الحقيقي للسوريالية لوتريامون. مئة وخمسون عاماً على رحيل "ابي الحداثة الالمانية" الشاعر هاينرش هاينه. مئة وخمسون عاماً على ولادة ابي التحليل النفسي سيغموند فرويد. مئة عام على ولادة الشاعر والأكاديمي ورجل الدولة ليوبولد سيدار سنغور. سبعون عاماً على وفاة الشاعر الاسباني فيديريكو غارثيا لوركا. 70 عاماً على غياب الكاتب الروسي مكسيم غوركي. اربعون عاماً على وفاة الشاعر الفرنسي وبابا السوريالية أندره بروتون. 25 عاماً على رحيل الشاعر الايرلندي بوبي ساندز. عشرون عاماً على وفاة الكاتب الفرنسي جان جينيه. عشرون عاماً على وفاة الكاتب الارجنتيني خورخي لويس بورخيس. عشر سنين على رحيل الكاتبة الفرنسية مارغريت دوراس.
كما احتفل العالم بمرور مئة وخمسين عاماً على ولادة "مدام بوفاري" للفرنسي غوستاف فلوبير، وخمسين عاماً على ولادة قصيدة "عواء" للشاعر الاميركي ألن غينسبيرغ، وخمسة وعشرين على فوز رواية "اسم الوردة" للايطالي امبرتو إيكو بجائزة "ستريغا" المهيبة.
كلمة أخيرة: لا تدّعي هذه العجالة الإحاطة بكل ما شهدته سنة 2006 من محطات مفصلية في مجال الآداب العالمية، ولعلها تغاضت عن أحداث مهمة في هذا المجال، لكنها محاولة متواضعة لتقديم مراجعة "ضمير" أدبية لـ"بعض" طلعات هذه السنة ونزلاتها.

سيلفانا الخوري

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...