تعاون أمريكي - اسرائيلي لإخراج سوريا من تحالف إيران حزب الله

29-08-2006

تعاون أمريكي - اسرائيلي لإخراج سوريا من تحالف إيران حزب الله

عادت سوريا الى احتلال حيّز مهم في الصحافة الإسرائيلية، كجزء من الاهتمام بما يُسمى باليوم التالي بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان. وفيما يتناقض موقف السياسيين الإسرائيليين، تختلف الآراء بين المعلقين. ونشرت صحيفة هآرتس مقابلة مطوّلة مع السفير الأميركي السابق في إسرائيل مارتين أنديك.
ونصح أنديك والذي سبق أن خدم طويلاً في اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، حكومة ايهود أولمرت بالابتعاد عن سوريا وتركيز جهدها لتعزيز الحلف الصامت القائم بينها وبين العالم العربي السني. وطالب انديك، في مقابلة نشرتها هآرتس نقلاً عن أسبوعية يهودية استرالية، إسرائيل ببذل الجهد أيضاً من أجل إبرام اتفاق سلام مع الحكومة اللبنانية.
وأعطى انديك، الذي يترأس حالياً مركز صبان في معهد بروكينغز في واشنطن، تفسيراً استراتيجياً للحرب الإسرائيلية على لبنان. وقال إن هذه الحرب ستترك آثاراً إيجابية برغم أن حزب الله أفلح في خلق انطباع بانتصار ميداني، فإن إسرائيل إن أجادت استخدام الأوراق التي بيدها، تستطيع تحويل هذا الانطباع إلى انقلاب أساسي وإيجابي في علاقاتها مع الدول العربية.
ورفض أنديك تقرير من انتصر في هذه الحرب. وقال فمن الناحية العسكرية كان أداء حزب الله مذهلاً. وقد أفلح في الصمود أمام القوات الإسرائيلية. وحتى لو خسر في النهاية في كل مواجهة ومعركة، فإن الصورة في الشرق الأوسط هي الواقع، والصورة والرأي السائد هو أن حزب الله وجه ضربات لا تقلّ عن تلك التي تلقاها، وأنه حقق أكثر مما حققت إسرائيل.
ومع ذلك قال أنديك إن المسألة هي مَن الذي سينجح في تحويل نتائج المعركة إلى أفضلية سياسية، وهنا أغدو أكثر تفاؤلاً. فأولاً ألقت الحرب في لبنان ضوءاً على المخاطر التي تواجه العالم العربي السني من المحور الشيعي بقيادة إيران من إيران والعراق، حيث تخضع الحكومة للسيطرة الشيعية، إلى نظام الأقلية العلوية في سوريا وحزب الله في لبنان.
واضاف إن هذا ينتج عملياً مصلحة مشتركة للعالم العربي السني مع إسرائيل، وثمة تعبيرات مثيرة للاهتمام في ذلك، بينها حقيقة أن مصر والأردن والسعودية متصادمون الآن مع سوريا بسبب نية هذه الدول استئناف مبادرة الملك السعودي عبد الله، التي تضع شروطاً لإنهاء الصراع، الاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها. وكذلك الحال مع رئيس الحكومة السني في لبنان (فؤاد السنيورة)، الذي يقوم فعلاً بتنظيم جولات أمام وسائل الإعلام العالمية بين الأنقاض في جنوب بيروت ويتهم إسرائيل بجرائم حرب، ولكنه في الوقت نفسه يحمل غصن الزيتون.
وعن السلام مع سوريا، قال انديك إنه كان من أصحاب الرأي بأن على الإدارة الأميركية منح الأولوية للتسوية بين سوريا وإسرائيل. وأشار إلى أن من الأرباح الاستراتيجية لذلك قطع سوريا عن إيران، وتوفير القدرة على تجريد حزب الله من سلاحه بأيدي القوات السورية البالغ تعدادها 15 ألف جندي والذين كانوا يتواجدون حينها في لبنان، وزيادة الضغط على الفلسطينيين لاختراق الطريق المسدود في العلاقات مع إسرائيل. في تلك الأيام كانت هناك أفضليات كثيرة لخيار سوريا أولاً.
واضاف: ولكن لا أؤمن بذلك اليوم. وليس هناك ما يمنع الحديث عن مباحثات مع سوريا إذ إن على إسرائيل أن تكون طوال الوقت معنية بالمفاوضات من أجل السلام. ولكن لأسباب استراتيجية أعتقد أن هذا يشكل خطأ الآن. والآن الأمر الأساس هو الإقرار بشراكة المصالح بين إسرائيل والعالم العربي السني. والنظام السوري ليس نظاماً سنياً. المعارضة سنية، وأنا هنا لا أتحدث فقط عن الإخوان المسلمين.
وقال إن الرئيس السوري بشار الأسد ليس كوالده في ما يتعلق بحزب الله. فالوالد استخدم حزب الله لأهداف تكتيكية، فيما الابن صار معلقاً بالحزب، لأنه يحتاج إليه لمنع تقدّم إسرائيلي نحو دمشق من البقاع اللبناني. وقد وفّرت له هذه السياسة عوائد.
وقال انديك إن التحالف السوري مع إيران قام لأسباب استراتيجية جيدة من وجهة النظر السورية، وإن الرأي القائل بإمكان فك هذا التحالف هو مجرد أمانٍ.
واضاف أن كل حديث مع سوريا في الشأن اللبناني هو نوع من الدعوة اليها للعودة لممارسة نفوذها هناك. ولذلك فإن على إسرائيل أن تحاول على الأقل العمل مع الحكومة اللبنانية، وهي حكومة معادية لسوريا وتطلق إشارات باستعدادها للتفاوض مع إسرائيل، والعودة إلى بنود اتفاق الهدنة بين الدولتين. وقال رئيس الحكومة ذلك بشكل صريح جداً في الأيام الأخيرة.
وكانت الصحف الإسرائيلية قد اهتمت كذلك بالموضوع السوري. وأشارت افتتاحية هآرتس إلى أن إسرائيل تطالب بنشر مراقبين على الحدود بين سوريا ولبنان. لكن الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان وقبل سفره إلى المنطقة، أعلن أن القوات الدولية يمكن أن تنتشر على الحدود السورية اللبنانية فقط بهدف إفشال عمليات تهريب الأسلحة لحزب الله، وهذا لن يتمّ إلا إذا أعلنت حكومة السنيورة عن رغبتها بذلك بصورة واضحة. وعلى ضوء الاعتراضات السورية لنشر هذه القوات على الحدود مع لبنان، ليس من الواضح ماذا سيكون عليه الموقف اللبناني بهذا الشأن.
وفي معاريف وتحت عنوان الخطر الحقيقي، كتب عاموس جلبوع أن حزب الله وبرغم الضربات الإسرائيلية ظل يحتفظ بحوالى ألف منصة إطلاق صواريخ للمدى القصير (حتى 30 40 كيلومتراً) في جنوب لبنان، مع آلاف الصواريخ. وأنه فقد حوالى 500 مقاتل، من قوة نظامية تبلغ 1500 مقاتل ونحواً من 4 آلاف من رجال الاحتياط. بقيت قيادته كاملة على التقريب. يدرس مع الإيرانيين الآن العِبر، ويهدف إلى إعادة بناء نظام الصواريخ الثقيلة الذي أُصيب.
وأشار جلبوع إلى أن حزب الله يطفح بإحساس النصر، في الأساس نتيجة المعركة الدفاعية الساكنة العنيدة التي أدارها في جنوب لبنان، وقدرة البقاء العالية لمنصات إطلاق الصواريخ قصيرة المدى في جنوب لبنان. إنه يهتمّ بتعزيز قصص بطولته في العالم العربي.
وبعد أن يعرض وضعية حزب الله الراهنة في محيطه المباشر والإقليمي، يرى أن لا مصلحة له في الدخول الآن وفي المستقبل القريب، على الأقل، في أي مواجهة مع إسرائيل. وهو لم يُرد ذلك أيضاً قبل الحرب. إنه يحتاج الآن إلى مهلة زمنية طويلة من أجل إعادة البناء العسكري والاقتصادي، في جنوب لبنان المُدمّر أساساً، ولمعالجة التحديات اللبنانية الداخلية، وليُفتت مكانة شركائه الجدد في جنوب لبنان. بكلام آخر، إن اتفاق وقف إطلاق النار ليس هشاً جداً كما اعتاد كثيرون عندنا تسميته، وتجدّد إطلاق النار في الأشهر القريبة، كما تُكثر الدوائر العسكرية التنبؤ، ليس الأكثر معقولية. بالطبع قد تُشعل حادثة مجنونة عندنا وعندهم، النار في الجبهة اللبنانية، لكن الأخطار الحقيقية ليست هناك. إنها في الشرق، ربما تكون سوريا مُقدِمة الخطر الحقيقي الوجودي، الذي يجب أن يُجند كل جهدنا الوطني لمواجهته ألا وهو إيران.
أما رافي مان وتحت عنوان تاريخ العمى، فكتب أيضاً في معاريف عن الرسائل المتناقضة التي تصل إلى إسرائيل من العاصمة السورية. وأشار إلى أنه من أجل فهم الرسائل من دمشق، يجب أن نُدرجها في السياق التاريخي. في هذا الصيف يُكثرون استثارة الهزة الأرضية في 1973 من الذاكرة. مصطلحات منذ ذلك الحين، مثل مفاجأة الصواريخ المضادة للدبابات، والفشل الاستخباراتي، والتصور العام، ولجنة التحقيق ومسؤولية المستوى السياسي، تعود وتظهر في الخطاب الحماسي. لكن أقوال الأسد تُعيدنا إلى جذور الإخفاق، وتُذكرنا مرة أخرى بما نُصر على نسيانه.
ويضيف ما الذي يقوله لنا الأسد، بصوت صافٍ واضح: أنا أريد إجراء تفاوض للحصول على الجولان الذي احتُل في العام .1967 إذا رفضت إسرائيل الجلوس إلى الطاولة، فيوجد طرق أخرى أيضاً، قال، منها المقاومة المسلحة. هذه الأقوال تثير القشعريرة، لا بسبب خطر حرب أخرى تنتظرنا وراء الزاوية فقط. يجب أن تُزعزعنا جميعاً لنتنبّه ولنصغِ، لأن الحديث مرة أخرى عن الخطأ التاريخي نفسه الذي اقترفته الحكومة في بداية السبعينيات.
وأشار إلى أن الأسد الأب والابن بعده، سارا منذ سنين في هذه الطريق. سمع عدد من المبعوثين في القصر في دمشق نداء شبه يائس من أجل البدء في التفاوض. تيري رود لارسن عاد مع رسائل مفصلة كهذه، ومثله عدد لا يُحصى من السياسيين الأجانب، الذين أبلغوا القدس بمحادثاتهم. بخلاف السادات، لا يتحدث عن تسوية مفروضة، بل عن تفاوض وعن سلام. بيد أن حكومات إسرائيل عرفت دائماً كيف تجد شروحاً تُبين لماذا لا توجد قيمة للأقوال. إنه يودّ فقط تحسين مكانته الدولية، كما قالوا، وتخليص رقبته من الضغط الأميركي وأشياء كثيرة أخرى. أكوام من الدعاوى، شرط ألا تبدأ محادثات تفضي إلى سلام في مقابل إخلاء الجولان.
ويخلص مان إلى أنه يجب أن نُذكر بأن السادات أيضاً لم يوقع على اتفاق السلام بعد تلك الحرب الفظيعة، لأنه فجأة امتلأ بحب شديد للدولة الصهيونية. لقد أراد أن يحصل على الأراضي التي احتلت في العام ,1967 وأن ينتقل نهائياً من الكتلة السوفياتية إلى المعسكر الغربي. استطعنا أن نساعده، وأن نساعد أنفسنا في الحصول على هذه الأهداف قبل العام 1973 بالطرق السلمية، لكننا غطينا على أعيننا بتعجرف وتجاهلنا الأمر. بعد أكثر من 2300 ضحية، وصدمة وطنية فظيعة، تنبّهنا لنفهم أنه وُجدت طريقة أخرى. خلقت تلك الحرب الظرف الدولي الذي أراده السادات، والذي أفضى في نهاية الأمر إلى الأهداف التي حدّدت سلفاً. ألا يرى إيهود أولمرت وعمير بيرتس وتسيبي ليفني هذا الواقع؟ هل يعود ذلك العمى مرة أخرى ليهاجمنا؟ أليست تلك غاية استراتيجية إسرائيلية واضحة أن تستلّ سوريا من محور إيران حزب الله؟ أليس واضحاً أن حرباً أخرى ستعيدنا إلى خطوط العام 1967 في الجولان أيضاً ولكن بثمن باهظ أكثر بأضعاف مضاعفة من المحادثات السلمية؟.

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...