معركة ساركوزي الانتخابية وتأثير العامل الأمريكي على السياسة الفرنسية

28-03-2011

معركة ساركوزي الانتخابية وتأثير العامل الأمريكي على السياسة الفرنسية

الجمل: تحدثت التقارير الإخبارية الصادرة صباح اليوم عن الهزيمة النكراء التي مني بها أنصار الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي في الانتخابات المحلية الفرنسية، هذا وأجمعت كل تحليلات الخبراء وآراء المعلقين السياسيين، بأن الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي قد أصبح يواجه شبح الهزيمة المتوقعة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي سوف تنعقد جولتها في العام القادم: فما هي معطيات الصراع السياسي الفرنسي ـ الفرنسي الحالي، وما علاقة هذا الصراع بملفات العلاقة بين السياسية الداخلية الفرنسية والسياسة الخارجية الفرنسية وعلى وجه الخصوص  الشرق أوسطية؟
* مسرح الصراع السياسي الفرنسي ـ الفرنسي: توصيف المعلومات الجارية
تقول المعلومات بأن جولة الانتخابات المحلية الفرنسية قد انعقدت خلال فترة السبعة أيام من 20 إلى 27 آذار (مارس) 2011 م، وفي هذا الخصوص أسفرت النتائج عن الآتي:خارطة فرنسا
• حصل الحزب الاشتراكي وحلفاءه على 36% من الأصوات.
• حصلت الجبهة القومية اليمينية المتطرفة وحلفاءها على 11.7% من الأصوات.
• حصل الاتحاد من اجل الحركة الشعبية الذي يتزعمه الرئيس ساركوزي وحلفاءه على 20% من الأصوات.
أشارت التحليلات إلى أن هذه النتيجة تشير بكل وضوح إلى الآتي:
• مؤشر حفاظ الحزب الاشتراكي الفرنسي على موقعه المتقدم.
• مؤشر حصول الجبهة القومية اليمينية المتطرفة على حجم أكبر لجهة الشعبية والوزن السياسي.
• مؤشر تراجع كبير في موقف الاتحاد من أجل الحركة الشعبية الحاكم.
وبكلمات أخرى، فقد تراجع حجم ووزن تيار يمين الوسط الذي يتزعمه الرئيس نيكولاس ساركوزي، وحافظ تيار يسار الوسط الذي تتزعمه سيغولين رويال زعيمة الحزب الاشتراكي الفرنسي، إضافة إلى التطور اللافت للنظر المتمثل في التزايد الكبير في شعبية ووزن وحجم تيار اليمين المتطرف الفرنسي.
* لماذا الانقلاب الكبير في توجهات الرأي العام الفرنسي؟
استطاع تيار يمين الوسط الفرنسي أن يحقق نمواً كبيراً خلال فترة العشرة سنوات الماضية التي سبقت عام 2008 م، ولم يقتصر الأمر على فرنسا وحدها، وإنما شمل كافة بلدان غرب ووسط وشرق القارة الأوروبية، وذلك على حساب تراجع وزن ونفوذ تيار اليمين المتطرف والتيار الاشتراكي، وفي هذا الخصوص جاء صعود الزعيم نيكولاس ساركوزي إلى قصر الإليزيه حاملاً معه توجهات السياسة الفرنسية، التي تقوم على أطروحات ومقاربات تيار يمين الوسط الفرنسي المستمدة من مشروع جماعة المحافظين الجدد، وفي هذا الخصوص يمكن ملاحظة الآتي:
• السياسة الخارجية: تزايد النزعة التدخلية في السياسة الخارجية الفرنسية، وعلى وجه الخصوص في منطقة الشرق الأوسط، ومناطق النفوذ الفرانكفوني في القارة الإفريقية.
• السياسة الداخلية: تزايد النزعة الليبرالية الاقتصادية في السياسة الداخلية الفرنسية، وعلى وجه الخصوص المصحوبة بزيادة النفقات العسكرية وزيادة معدلات الضرائب المصحوبة بتقليل الدعم للشرائح الفقيرة وذوي الدخل المحدود.
لم تتقدم رهانات تيار يمين الوسط الفرنسي وزعيمه نيكولاس ساركوزي كثيراً، فقد اصطدمت بالعديد من الصعوبات، والتي أدت تداعياتها إلى تراجع قوة ونفوذ هذا التيار وعلى وجه الخصوص بفعل تأثير الضربات الكبيرة الموجهة التي تلقاها قصر الإليزيه خلال الفترات الماضية بسبب الإضرابات والاضطرابات والأزمات المالية، إضافة إلى ما أدى إليه ذلك من تحريك لمفاعيل النقد السياسي الداخلي والخارجي.
تقول أبرز التحليلات بأن انتكاسة تيار يمين الوسط الفرنسي الحالية، جاءت  بفعل التداعيات السالبة لقيام الرئيس ساركوزي بتوريط فرنسا في قيادة التحالف الدولي العسكري ـ السياسي ـ الأمني الناشط حالياً ضد ليبيا، وفي هذا الخصوص فقد أصبح الرأي العام الفرنسي أكثر إدراكاً لمخاطر سياسات تيار يمين الوسط الفرنسي الخارجية التدخلية، والتي بدت أكثر اهتماماً لجهة التسويق لنظرية الخطر الخارجي على النحو الذي يتيح لها إنفاذ لعبة حشد التعبئة الداخلية تحت تأثير مخاوف الخطر الخارجي. وهي لعبة أتقنتها النظم السياسية الأوروبية السابقة وعلى وجه الخصوص خلال فترات الصراعات العسكرية الأوروبية ـ الأوروبية.
* مستقبل السياسة الخارجية الفرنسية الشرق أوسطية: التراجع أم الهروب إلى الأمام
حتى الآن لا يوجد دليل يفيد إلى أن قصر الإليزيه سوف يسعى إلى إعادة تقويم توجهات السياسة الخارجية الفرنسية، وعلى وجه الخصوص إزاء منطقة الشرق الأوسط، ولكن، وخلال الفترة القليلة القادمة، وعلى خلفية الدرس المستفاد من نتائج هزيمة تيار يمين الوسط في الانتخابات المحلية الفرنسية الأخيرة، فمن المتوقع أن تسعى دوائر صنع واتخاذ قرار السياسة الخارجية الفرنسية لجهة إجراء التعديلات المطلوبة بما يمكن أن يساعد الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي في استعادة شعبيته التي تآكلت وأصبحت في أدنى مستوياتها بسبب التورط في العمليات العسكرية الدولية الجارية حالياًَ ضد ليبيا، هذا ومن المتوقع أن تشمل عمليات التخمين والتقويم العوامل الآتية:
• تأثير العامل الأمريكي على السياسة الخارجية الفرنسية: تقول التسريبات المسنودة بالمعطيات السلوكية السياسية الجارية حالياً، بأن الرئيس نيكولاس ساركوزي قد تورط في الصراع الداخلي الأمريكي بين تيار الجمهوريين وجماعة المحافظين الجدد وتيار الديمقراطيين. وبكلمات أخرى: يسعى الديموقراطيون بقيادة الرئيس أوباما إلى تقليل النزعة التدخلية العسكرية الأمريكية. في مواجهة الجمهوريين وجماعة المحافظين الجدد وجماعات اللوبي الإسرائيلي والتي تضغط باتجاه ضرورة تصعيد النزعة التدخلية العسكرية الأمريكية في العالم، وبسبب العلاقات الوثيقة على خط واشنطن ـ باريس، لوحظ أنه عندما يتفاهم البيت الأبيض مع قصر الإليزيه، فإن موقف الرئيس ساركوزي يأتي متطابقاً مع مواقف الجمهوريين وجماعة المحافظين الجدد وجماعات اللوبي الإسرائيلي، وعلى وجه الخصوص في الملفات والمسائل المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، وروسيا، والعراق وأفغانستان. وتشير التسريبات إلى أن الديموقراطيين أصبحوا أكثر وعياً وإدراكاً لمدى خطورة دور توجهات ساركوزي في إضعاف نفوذ الحزب الديمقراطي داخل أمريكا، وإضافة لذلك تشير التسريبات إلى أن واشنطن تدرك وتفهم مدى توجهات الرأي العام الفرنسي الرافض للنزعات التدخلية العسكرية. الأمر الذي دفع البيت الأبيض لإفساح المجال أمام نيكولاس ساركوزي  لجهة الصعود إلى دور القائد للعملية العسكرية الدولية الجارية حالياً ضد ليبيا. بما يدفع ساركوزي بالضرورة إلى التورط في مواجهة سياسية مع الرأي العام الفرنسي. وهو ما حدث حالياً، فقد جاء رد الفعل الشعبي الفرنسي واضحاً من خلال الانتخابات المحلية الفرنسية.
• تأثير العامل الأوروبي على السياسة الخارجية الفرنسية: يتضمن العامل الأوروبي العديد من المكونات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والتي تعمل ضمن إطارين، أحدهما جزئي على مستوى كل دولة أوروبية والثاني كلي على مستوى تكتل الاتحاد الأوروبي. وتسعى الأطراف الأوروبية إلى مراعاة تحقيق الانسجام بما يحقق استمرارية الإجماع السياسي الأوروبي، وفي هذا الخصوص فإن هامش الحرية المتاح أمام السياسة الفرنسية هو هامش محدد بسقف الاتحاد الأوروبي، ولكن، وبسبب توجهات ساركوزي الأخيرة. فقد أصبحت باريس أكثر سعياً لجهة ليس العمل ضمن سقف الاتحاد الأوروبي. وإنما العمل لجهة توسيع سقف سياسات الاتحاد الأوروبي بما يتيح لطموحات ساركوزي وقوى يمين الوسط هامشاً إضافياً للحركة.. ولكن، جاءت الصدمة هذه المرة بواسطة ألمانيا وإيطاليا اللتان أكدتا على المزيد من المواقف المتحفظة إزاء السعي المفرط للتمادي في استخدام القوة العسكرية الأوروبية بواسطة الدول الأوروبية أو بواسطة حلف الناتو ضد ليبيا. الأمر الذي أدى إلى إدراك الرأي العام الفرنسي بأن من يسعى إلى الإضرار بالإجماع السياسي الأوروبي هو رئيسهم نيكولاس ساركوزي وليس بقية الأوروبيين.
• تأثير العامل الشرق أوسطي على السياسة الخارجية الفرنسية: يمثل الشرق الأوسط أحد أهم المجالات الحيوية الجيوستراتيجية والجيوبوليتيكية لجدول أعمال السياسة الخارجية الفرنسية، وما هو لافت للنظر أن توجهات السياسة الخارجية الفرنسية قد أسفرت عن تراجع كبير في الحضور الفرنسي الدبلوماسي الشرق أوسطي، بما أدى إلى قيام الحضور الدبلوماسي الأمريكي بالتقدم لملء الفراغ الفرنسي في منطقة الشرق الأوسط، وإضافة لذلك، وما لم ينتبه إليه الكثير من المحللين السياسيين تمثل في أن علاقات خط باريس ـ واشنطن قد شهدت خلال السبعة سنوات الماضية المزيد من أنواع الحرب الباردة الدبلوماسية الناعمة المنخفضة الشدة فقد نجحت واشنطن في الآتي:
ـ إذلال باريس في ملف الحرب ضد العراق.
ـ إذلال باريس في ملف أزمة البرنامج النووي الإيراني.
ـ إذلال باريس في ملف أزمة عملية السلام في الشرق الأوسط.
ـ إذلال باريس في ملف الأزمة التونسية.
ـ إذلال باريس في ملف الأزمة الموريتانية.
وحالياً، ما تقوم به واشنطن هو إذلال باريس في ملف الأزمة الليبية، ما هو إلا صفحة جديدة في عمليات الإذلال الدبلوماسي، فقد سعت واشنطن إلى ترتيب السيناريو على أساس أن تقوم واشنطن بالدور الأكبر الرئيس في العمليات العسكرية. وتركت لنيكولاس ساركوزي مهمة القيام بالدور الإعلامي السياسي بما يجعله يتحمل المسؤولية عن كل ما يحدث، ومن سخرية القدر أن قصر الإليزيه الذي يتحدث حالياً باهتمام بالغ عن الديمواقراطية وضرورة حماية السكان المدنيين في ليبيا، هو نفسه قصر الإليزيه الذي يقف زعيمه ساركوزي عاجزاً عن فتح فمه بكلمة واحدة عما يحدث في اليمن والبحرين والمغرب والأردن!

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...