مخاوف أوروبية من انقسام «نظري» لسوريا

26-07-2013

مخاوف أوروبية من انقسام «نظري» لسوريا

تتكثف السحب السوداء مجددا في قراءة ديبلوماسيين أوروبيين لسيناريوهات سوريا المقبلة. ويعتقد غالبيتهم أن الصراع الطويل الأمد، الذي يتفسخ إلى صراعات عقائدية ومذهبية ومصلحية يوما بعد يوم، ربما لن يستغرق وقتا طويلا قبل أن يتخطى عتبة جغرافيا سوريا إلى ما وراءها.
ويشير أحدهم إلى متضادين تجليا في تصريحين حادين نقلهما تقرير لـ«مجموعة الأزمات الدولية» بعنوان «انتشار ورم الصراع في سوريا».
ويقابل التقرير دعوة أئمة سنة من على منبر مصري في حزيران الماضي للجهاد في سوريا، بإعلان آخر يؤكد تعمق الخلفية المذهبية للصراع، بالقول «لندعم إخواننا في سوريا بإرسال المال والأسلحة إليهم، وتقديم المساعدة لإنقاذ الشعب السوري من هذا النظام الطائفي».
الإعلان عن حرب تشن «ضد الإسلام والمسلمين» في سوريا، قابله رد صريح من مسؤول في «حزب الله» وفقا للمصدر، بقوله «إذا ارتفع عدد المقاتلين الأجانب في سوريا، فإن إيران قد ترسل مئة ألف عنصر من الحرس الثوري، وقد ينضم عدد أكبر من العراقيين إلى القتال».
لذا يميل أحد الديبلوماسيين الغربيين إلى الاعتقاد أن النار التي اشتعلت في سوريا، ربما تبدأ قريبا في لسع المتفرجين عن قرب. مثال يسوقه، عن الحدود المنفلتة لتركيا، والذي أكده صحافيون أجانب لـ«السفير» تنقلوا بين ضفتي البلدين. «أشبه بمنطقة حرة للحركة. يمكن رؤية رجال ملتحين بلباس افغاني يتنقلون بكل حرية كأنهم في مهرجان تسوق». هذه الشهادة ليست يتيمة، سبق وأكدها ديبلوماسيون معنيون بالملف السوري تنقلوا في ذلك القسم من البلاد بحرية مطلقة. لذا يجد أحدهم أن إعلان الشك بأن مصيرا مشابها للمصير السوري ربما يصيب تركيا، أمر بديهي.
ويستعين الديبلوماسي بتذكر التكتيك الذي اتبعته السلطات السورية في مرحلة الغزو الأميركي للعراق، حين وفرت إمكان تنقل «الجهاديين» من سوريا إلى العراق وبالعكس، ووفرت للمتحمسين من سعوديين وإماراتيين وباكستانيين وسوريين أيضا، كل سبل الوصول إلى «جنة الجهاد» ضد الأميركيين.
«تحول الشمال إلى ما يشبه فوضى الغرب المتوحش، عبر تحكم عصابات متعددة الولاءات بالمناطق، سيلقي بآثاره على تركيا آجلا». يقر كثيرون أنه ما من إمكان لأفق واعد، حيث يرسم ناشطون صورة مأساوية لمناطق النزاع على اختلاف ظروفها.
السلطة اتخذت قرارها بإعطاء المنطقة الوسطى والساحلية الأولوية، عبر محاولة حسم الصراع فيهما، لتأمين الحد الأقصى من الأمان للعاصمة دمشق، حتى لو تطلب ذلك إعادة تشكيل خريطتها بعد تسوية معظم مناطق ريفها بالأرض. كما ضمان خروج حمص، المحافظة الأوسع امتدادا، من إمكان التأثير في الصراع، وعزل حماه، وتأكيد حماية الخاصرة الرخوة للحدود مع لبنان. لذا لا يبدو أن ثمة حماسة حقيقية حتى الآن لمعركة حلب، التي تسعى المعارضة للاستحواذ عليها.
ويتخوف ديبلوماسي مراقب للوضع السوري عن كثب من أنه في حال تمكنت المعارضة المسلحة من الاتحاد للحصول على حلب، فإن ذلك سيأخذ الصراع في منحى تخسر فيها سوريا وحدتها الجغرافية تماما. ويشرح أن «الشمال المتوحش» يعاني تعدد صراعات بين المجموعات المختلفة بلا شك، إلا ان سقوط مدينة كبيرة، بحجم حلب، بيد المعارضة سيترك أثرا كبيرا على الطموحات الإقليمية المتعلقة بالصراع، خصوصا أن حلب كانت دوما مطلبا تركيا، وهي حقيقة يعرفها المسؤولون السوريون، تماما كما يدركون أن الصراع في جزئه الأعظم هو مع تركيا، أو تحديدا مع حكومة «العدالة والتنمية» المشاركة إلى الحد الأقصى في تأمين لوجستيات المعارضة.
لذا ترتسم صورة إقليم لحلب وريف حلب تسيطر عليه تحالفات هشة بين «الجيش الحر» وكتائبه والمجموعات الإسلامية، بينما سيصعب على مقاتلي المعارضة منافسة تنظيم «القاعدة» في الشمال وسعيه لاستثمار آبار النفط، والأكراد في سعيهم الى الاستقلال الذاتي.
وتوحي قراءة الديبلوماسيين الغربيين بإحساس ذريع بالفشل، في إدارة الأزمة السورية، يواكبها عجز عن التراجع أو التقدم في المكان، خصوصا بعد ثبات تقارير، تليها تقارير مشابهة، عن امتداد وتمركز نفوذ «القاعدة» في الشمال السوري، قريبا جدا من القارة الأوروبية.
ويستشهد ديبلوماسي آخر بكلام المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني بأن الرئيس السوري بشار «الأسد لن يحكم كل سوريا مجددا»، في إشارة إلى قراءة واشنطن الحالية للحرب، والتي ترجح مجددا حصول انفصال عملي في الإدارة بين أطراف سوريا، على أن تبقى هيكلية الدولة فعالة، بمعنى استمرار عمل البنية التحتية، بحيث تستمر الحكومة في تأمين حاجات تلك المناطق، من كهرباء واتصالات وما شابه، مقابل حصولها على اعتراف ضمني بوجودها، ولو نظريا.
هل من مخرج من هذا الاستعصاء ؟ تسبق «لا أعلم» المحبطة، أجوبة ديبلوماسي غربي أبقت حكومة بلاده على شعرة معاوية مع السلطة. «انتصار عسكري لن يحدث، لأي من الطرفين وهذا نعرفه جميعا. هناك حل سياسي ولا سبيل غيره»، مضيفا أن هذا الحل لا يمكن أن يكون سوى باجتماع الأطراف المعنية، سوريين من الطرفين، وحلفائهم الى طاولة التفاوض، مشيرا إلى أن ثمة مساعي تقوم بها بلاده، وبلدان أوروبية أخرى، لا تمتلك مصلحة مباشرة في الصراع، لجمع المعارضة على كلمة واحدة، تستطيع أن تقابل كلمة النظام، مبديا تفاؤلا حذرا تجاه تقدم الفكرة.
وينبه آخر، معني بالشؤون الأمنية أكثر من الديبلوماسية، الى أن «تقدما سياسيا يجب أن يحصل، قبل أن يصل إلينا الخطر الذي يكبر في سوريا».

زياد حيدر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...