مؤتمر بوش الدولي: أنياب أميركية للتطبيع الخليجي

04-08-2007

مؤتمر بوش الدولي: أنياب أميركية للتطبيع الخليجي

في القاموس الاميركي الجديد تشكل صيغة 1­2­6 فرصة تاريخية لمحاصرة ايران ونفوذها في المنطقة على اساس ان اسرائيل لم تعد عدواً, بالرغم من ان كثيرين لا يفهمون طبيعة الربط الأميركي ­ الاسرائيلي بين ايران وسوريا و«حزب الله» و«القاعدة».
وفي مواجهة «العدو الجديد» ­ او العدو البديل, حملت كوندوليزا رايس €يرافقها روبرت غيتس هذه المرة€ مشروعاً تسليحياً ودبلوماسياً في آن يقضي بتطوير القدرات الهجومية لدول الخليج ومصر والاردن, وتمكين اسرائيل من المحافظة على تفوقها العسكري, لأن الخطر يهدد الجميع. والمفارقة ان المشروع التسليحي الذي يستهدف ايران €لا اسرائيل€ يتزامن مع التحضيرات التي تجري لعقد مؤتمر دولي للسلام في الخريف المقبل يشكل توظيفاً اميركياً مباشراً لتلهف العرب على انهاء الصراع, والمطلوب في النهاية تسريع ضم المعسكر الخليجي, بدءاً بالمملكة العربية السعودية, الى قافلة التطبيع.
ماذا ايضاً في جولة رايس ­ غيتس؟

كما في رام الله كذلك في شرم الشيخ, وكما في القاهرة كذلك في القدس, حديث لا ينقطع عن «التهديد الاستراتيجي» الذي تشكله ايران على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة, وضرورة استئناف المسيرة السلمية سواء عبر الاتصالات الجارية مع اسرائيل لتسويق المبادرة العربية, او المؤتمر الدولي الجديد للسلام الذي تعد له الادارة الاميركية. ولأن المطالب الاسرائيلية ­ الاميركية متشابهة, والمصالح واحدة في النهاية, فان ما يهدد الأمن الاميركي يهدد الأمن الاسرائيلي, والمسائل المتصلة بالمساعدات العسكرية للدول العربية المعتدلة واسرائيل في آن واحد تتقاطع في نقطة واضحة هي المشروع الاميركي على امتداد المنطقة.
والاسرائيليون ليسوا قلقين من حجم التسلح المصري ­ الاردني ­ السعودي, لأن هذا التسلح يفيد المصالح الاميركية من جهة والمصالح الاسرائيلية من جهة اخرى. وتقول مراجع اسرائيلية رسمية ان تعزيز القدرة العسكرية السعودية بالاقمار الصناعية وتحسين اداء الطائرات السعودية المقاتلة وتزويد المملكة بزوارق حربية متطورة, عملية رادعة لما يسمى «الخطر الايراني» ولا علاقة لها باسرائيل. ثم ان اسرائيل سوف تحصل في النهاية على اسلحة تضمن تفوقها النوعي وعلى زيادة في المساعدات العسكرية تصل الى مليارين واربعماية مليون دولار سنوياً في مرحلة اولى ثم الى ثلاثة مليارات في مرحلة لاحقة.
وفي معلومات محدودة التداول ان اسرائيل سوف تتدخل في الوقت المناسب لضمان حصر التسليح السعودي في دائرة مواجهة ايران, فتطالب بتركيز الاسلحة المتطورة شرق المملكة لا في الغرب والشمال كي يكون واضحاً ان هذه الاسلحة موجهة ضد ايران, على ان تبقى إمرة العمليات العسكرية السعودية تحت الرقابة الاميركية. واذا ما قدمت الولايات المتحدة اسلحة مماثلة لمصر فان اسرائيل سوف تشترط عدم وضع الطائرات والاسلحة الجديدة في المناطق الشمالية بل في المناطق الغربية والجنوبية من مصر. كل هذا في مواكبة الالتزام الاميركي التقليدي بتقديم اسلحة متطورة جداً الى الدولة العبرية كي تحافظ على تفوقها التكنولوجي.
على وقع هذه التوجهات الاستراتيجية بدأت رايس يرافقها غيتس جولتها الاخيرة في المنطقة, ورافقت الجولة تسريبات تتحدث عن تلقي سوريا كميات كبيرة من الاسلحة الروسية, وتهريب شحنات اسلحة جديدة الى «حزب الله» عبر الحدود السورية ­ اللبنانية. وعندما انعقد اجتماع شرم الشيخ الذي ضم رايس ووزراء الخارجية العرب في غياب وليد المعلم وزير خارجية سوريا, وزعت مصادر الوفد الاميركي معلومات مفادها ان المؤتمر الدولي الذي سوف ينعقد في الخريف لن تشارك فيه سوريا و«سوف تبقى خارج الاجماع العربي». في الوقت نفسه فسر راديو اسرائيل الامتناع السوري عن المشاركة بأن دمشق غاضبة بسبب صفقة الاسلحة الكبيرة التي سوف تعقدها الولايات المتحدة مع السعودية ودول الخليج.
في هذه الاجواء انعقدت اجتماعات شرم الشيخ «من اجل التشجيع على احلال السلام والامن في المنطقة» ­ كما ورد في البيان الختامي ­ وبالرغم من تأكيد هذا البيان على تبلور «رؤية مشتركة» حيال المشروع السلمي الشرق اوسطي, فقد عبّرت بعض الاطراف العربية المشاركة عن تخوّف من تراجع دعم المبادرة العربية السلمية التي تتضمن الالتزام بتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي 242 و338 و1397 و1515 وإنهاء الاحتلال القائم منذ العام 1967 وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ومتصلة جغرافيا تعيش في سلام وأمن مع جميع جيرانها.
الدكتور مصطفى هاني الخبير السياسي في «مركز دراسات الشرق الاوسط» قال بعد الاجتماع ان رايس عقدت مثل هذا اللقاء قبل ذلك في نيويورك والقاهرة والبحر الميت ومدينة الكويت ولم يتحقق شيء على الارض. واشار الدكتور هاني الى ان واشنطن تستغل لهفة العرب لإنهاء الصراع مع اسرائيل لتحقيق اهدافها وحل مشاكلها في المنطقة, فعندما وقعت حرب الخليج الثانية سعت واشنطن الى مؤتمر مدريد وبعد الاحتلال الاميركي للعراق تحدثت باللهجة ذاتها عن عملية السلام, والآن بعد المأزق الاميركي في العراق تقول رايس انها تريد مساعدة العراق لكن في الحقيقة هي تريد مساعدة جيشها الذي يعاني كل يوم في العراق. واكد الدكتور هاني ان صيغة 1­2­6 موجهة ضد ايران وتشكل حلفاً جديداً في المنطقة على اساس وضع الدول المعتدلة في مواجهة سوريا وايران و«حزب الله» واستبعد ان ترسل الدول العربية سفراء لها في العراق, وقال الدول العربية لا تتقبل تصرفات حكومة المالكي الطائفية لكنها مضطرة لمساعدتها تحت الضغط الاميركي الذي استطاع اقناع الجميع بأن ما يحدث في العراق سوف يؤثر في استقرار المنطقة ككل.
وما يؤكد ان قرارات هذا المؤتمر لن تحقق شيئاً لعملية السلام هو اكتفاء البيان الصادر عن المؤتمر بالاعراب «عن القلق البالغ حيال الاوضاع الانسانية للشعب الفلسطيني خصوصاً في غزة» والتأكيد فقط على «اهمية استمرار المساعدات والدعم للشعب الفلسطيني وللسلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمد عباس وحكومته», وادانة جميع اعمال العنف والدعوة الى احلال القانون والنظام في ظل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة. وقد حث المجتمعون اسرائيل والفلسطينيين على الوفاء بجميع تعهداتهم السابقة والالتزام بدعم الجهود الرامية الى تهيئة مناخ ايجابي لتحقيق تقدم في المسارات الثنائية من اجل التوصل الى تسوية عادلة وشاملة, وفي مقابل هذا الدعم الهزيل لعملية السلام كما وصفه الخبير في الشؤون الاسرائيلية الدكتور سعيد عرفات رحبت رايس بالزيارة المشتركة لوزيري خارجية مصر والاردن لاسرائيل في الخامس والعشرين من تموز /يوليو/ الماضي بتفويض من لجنة متابعة مبادرة السلام العربية المنبثقة عن جامعة الدول العربية.
وقد وجد الوزراء العرب فرصة للتأكيد على ما قطعه بوش على نفسه اخيراً بشأن الدولة الفلسطينية عندما رحبوا بالالتزام الذي اعلنه الرئيس الاميركي في خطابه في السادس عشر من شهر تموز /يوليو/ الفائت لتعزيز الجهود السياسية والدبلوماسية من اجل تحقيق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين واقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ومتصلة جغرافياً ووعده بدعم الجهود لتحقيق تلك الغاية.
وفي ظل المخاوف من حرب اهلية عراقية وتقسيم العراق الى ثلاث دول جاء تأكيد المشاركين على سيادة ووحدة اراضي العراق والاستقلال السياسي والوحدة الوطنية للعراق وعلى حرمة الحدود العراقية المعترف بها دولياً, وحرصت الولايات المتحدة على تشديد الجميع على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للعراق, وذلك بعد الاتهامات الاميركية للسعودية بأنها تتدخل في شؤون العراق الداخلية ولا تريد الاستقرار للعراق. ومن اجل تحقيق هذا الغرض اكد المشاركون التزامهم بالتطبيق الكامل لقرارات مجلس الأمن الدولي 1511 و 1618 و1637 و1723 وحثوا جميع جيران العراق على التنفيذ الكامل لتلك القرارات ودعوا الى وضع نهاية لجميع التدخلات في العراق بما في ذلك عمليات الامداد بالسلاح والتدريب للميليشيات والجماعات المسلحة التي تعمل خارج الاطار الحكومي.
مصدر مصري كان قريباً من محادثات شرم الشيخ قال لـ«الكفاح العربي» ان وزراء الخارجية للدول العربية الثماني شددوا على ضرورة قيام حكومة المالكي بعدد من الخطوات ابرزها الاسراع في المصالحة الوطنية والقضاء على الميليشيات وطرح النقاط الخلافية في الدستور للنقاش والمراجعة. المصدر نفسه قال ان هذه المطالب العربية قديمة ومن هنا حرص الجميع على الدعوة الى تنفيذ المبادئ التي جرى الاتفاق عليها خلال الاجتماع الوزاري في شرم الشيخ خلال شهر أيار /مايو/ 2007 للدول المجاورة للعراق ومصر مع الاعضاء الدائمين في مجلس الامن الدولي ومجموعة الثماني, واكدوا مجدداً التزامهم بمنع انتقال الارهابيين الى العراق والاسلحة للارهابيين والتمويل الذي من شأنه ان يدعم الارهابيين والى تعزيز التعاون بين العراق وجيرانه في هذا الخصوص كما دعوا العراق وجيرانه الى تبادل المعلومات التي تتعلق بمكافحة الارهاب.
وفي رسالة واضحة الى ايران اعرب الوزراء عن دعمهم الثابت لأي دولة من دول الخليج تواجه تهديدات خارجية لسيادتها ووحدة اراضيها واتفقوا على ان السلام والامن في منطقة الخليج هما امران حاسمان لسلامة وقوة الاقتصاد العالمي والاستقرار الدولي مؤكدين الحاجة الى استمرار الاستقرار في منطقة الخليج باعتباره يمثل مصلحة وطنية حيوية للجميع. واعترافا منهم بالتهديد الخطير الذي يمثله انتشار اسلحة الدمار الشامل على الامن الاقليمي والعالمي ورغبة منهم في تجنب نشوب سباق تسلح نووي يزعزع استقرار المنطقة, اكد المشاركون في اجتماع شرم الشيخ على اهمية تحقيق البعد العالمي لمعاهدة حظر الانتشار النووي وضرورة التزام سائر الاطراف بصورة كاملة بهذه المعاهدة وبجميع قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة والتي من بينها القراران 1737 و1747 واكد المشاركون اهمية الهدف المتمثل في جعل الشرق الاوسط منطقة خالية من الاسلحة النووية.
وباختصار يمكن القول ان اجتماع شرم الشيخ الذي سبق لقاءات رايس في اسرائيل والاراضي الفلسطينية المحتلة شكل مراجعة سريعة للاتصالات العربية على مستوى تسويق «المبادرة» التي اجراها في اسرائيل كل من وزيري خارجية مصر والاردن, على خلفية الدعم الذي تقدمه خارجية مصر والاردن, على خلفية الدعم الذي تقدمه «الدول العربية المعتدلة» للمؤتمر الدولي الذي يفترض ان ينعقد في الخريف والذي يرجى منه تسريع خطوات التطبيع السعودية مع اسرائيل, وكل هذا في غياب سوريا وغياب اي كلام عن مفاوضات سورية ­ اسرائيلية قريبة. وصفقة الاسلحة الاميركية للسعودية وبعض الدول الخليجية تندرج في سياق طمأنة المجموعة الخليجية الى أمنها واستقرارها في مواجهة «الخطر الايراني», بقدر ما تندرج في سياق تحصين القدرة السعودية على المضي في التطبيع.
وقبل ان تغادر رايس المنطقة بعد محادثات أجرتها مع القيادات الاسرائيلية والفلسطينية, ذكر تقرير لراديو اسرائيل ان تل ابيب مرتاحة للمشاركة السعودية في مؤتمر السلام لأن هذه الخطوة ستكون ذات اهمية بالغة, ولأن المشاركة السعودية قد تستتبع مشاركة دول عربية اخرى كالمغرب وتونس من خارج الدائرة الخليجية. وقال الراديو ان الهدف من المؤتمر هذه المرة واضح, وهو بلورة ائتلاف قوي ضد ايران قبل انتهاء ولاية جورج بوش الثانية وتحييد التأثير الايراني في القرار العربي (لبنان والعراق وفلسطين), واضاف ان المؤتمر في النهاية هو لقاء مصالح بين اسرائيل والسعودية والدول العربية المعتدلة للجم النفوذ الايراني. اما الاسلحة التي سوف تعطى للسعودية فترمي الى تعزيز قدراتها في وجه ايران ودفعها الى التفاوض المباشر مع اسرائيل وبدء مشروع التطبيع. ومعروف ان السعودية ابلغت رايس خلال جولتها ترحيبها بالمؤتمر الدولي بلسان وزير الخارجية الامير سعود الفيصل, في مقابل التزام اميركي بدفع مشروع الدولة الفلسطينية في اتجاه التنفيذ خلال الفترة المتبقية من ولاية بوش ومدتها حوالى سبعة عشر شهراً.
في ضوء محادثات شرم الشيخ والحصيلة الاجمالية لجولة رايس العربية والاسرائيلية اكد الامين العام المساعد في الجامعة العربية احمد بن حلي, في حديث الى «الكفاح العربي» ان المؤتمر الدولي للسلام الذي دعا اليه الرئيس بوش هو في الاساس مشروع عربي انطلق منذ سنوات لانهاء النزاع العربي ­ الاسرائيلي, والمشاورات العربية تتكثف منذ اكثر من شهرين لإزالة العوامل السلبية التي لا تزال تعيق هذا المشروع, علماً ان السلطة الفلسطينية تشارك العرب تخوفهم من تكرار الكلام المعسول في مؤتمر السلام المرتقب من دون نتائج عملية على الارض, ومن هذا المنطلق هناك تهيؤ عربي واعداد جيد للمؤتمر من اجل ان يؤتي ثماره المرجوة.
وعن تقرير وزير خارجية مصر والاردن حول محادثاتهما الاسرائيلية قال عمرو موسى ان المجلس الوزاري العربي تجاهل تقييم السلوك الاسرائيلي خلال الفترة السابقة على اساس ان الموقف الاسرائيلي سوف يتبلور عندما تتوسع دائرة الدول العربية التي تتحاور مع اسرائيل, علماً ان التجاوب الاسرائيلي قائم لكنه لم يرق بعد الى مستوى التعاطي الايجابي الواضح مع مبادرة السلام العربية.
 


المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...