بايدن يفشل في ضم العراق لحملة التجييش ضد سورية

03-12-2011

بايدن يفشل في ضم العراق لحملة التجييش ضد سورية

غادر نائب الرئيس الأميركي جو بايدن أراضي العراق، بخفي حنين، بعد جولة مكوكية جال فيها على مقرات الزعامات السياسية الرئيسية بالبلاد، لم يحقق منها كامل مبتغاه الذي جاء من أجله، وإنما أكتفى بالهدف الرئيسي المعلن لهذه الزيارة وهو رسم علاقات جديدة بين بغداد وواشنطن بعد رحيل آخر جندي أميركي نهاية شهر ديسمبر الحالي.
طائرة المسؤول عن الملف العراقي في البيت البيضاوي، أقلعت من مطار أربيل عاصمة إقليم كردستان (شمال) العراق عصر الجمعة - بإتجاه تركيا التي تقود الى جانب دولة قطر الخليجية تصعيدا إقليميا ودوليا ضد دمشق - بعد لقاءات جمعته مع القيادات الكردية الحليف الأبرز لبلاده في الساحة العراقية، إن لم تكن في منطقة الشرق الأوسط برمتها.
بايدن جاء للعراق لمناقشة أمور آخرى يعتبرها البعض "أكثر أهمية" من الهدف المعلن لزيارته في مقدمتها الازمة السورية، كما يؤكد العارفين بخفايا تلك الزيارة.
إذ حاول من خلال مباحثاته مع القيادات العراقية الأكبر ثقلا تغيير موقف بغداد "الداعم" لدمشق، لكنه فشل في ذلك وترك هذه المهمة "الشاقة" لرئيسه باراك اوباما الذي سيلتقي بعد عشرة ايام من الان رئيس الوزراء نوري المالكي في واشنطن العاصمة.
ودائما بحسب اولئك العارفين وجلهم من الساسة المقربين لدائرة الحكم في العراق الذين تحدثوا للـ"عربي برس" في حوارات جانبية، فأن ثاني أعتى رجل في أميركا لم يتوصل الى نتائج ملموسة عندما بحث مع المسؤولين العراقيين، مسألة المدربين الذين تجمح بلاده وبقوة في سبيل الإبقاء عليهم وبعدة الاف في مناطق عراقية مختارة وضمان الحصانة القانونية لهم، بعد إنسحاب قواتها العسكرية نهاية العام الحالي.
بايدن ناقش أيضا، لكن بأختصار مسألة التدخلات المتوقعة لدول الجوار في الشأن الداخلي العراقي بعد الإنسحاب الاميركي، وموضوع عناصر منظمة "مجاهدي خلق" الأيرانية، حيث تشير الأنباء الى إن السلطات العراقية تتهيأ لنقلهم الى مكان آخر داخل البلاد، أو ترحيلهم حسب رغبتهم الى دول أجنبية.
وتسود حالة من الإتفاق بين مسؤولين ونواب عراقيين مقربين من الدوائر الضيقة لسلطة صنع القرار في بلادهم، على إن "الهدف الرئيسي لزيارة المسؤول الأميركي هو التجييش ضد سورية في الداخل العراقي ومحيطه الإقليمي أيضا، من خلال تأليب أطراف محلية على بعضها البعض في آطار ملف الازمة السورية، وتنسيق المواقف حيالها مع المحيط العربي والدولي".
وسرب مسؤول حكومي بارز بعض ما دار في كواليس الإجتماع الذي عقده بايدن مع احد الرؤوساء الثلاث الكبار في العراق للـ"عربي برس"، فيما يخص الملف السوري تحديدا، قائلا "حاول بايدن جاهدا الضغط باتجاه تغيير الموقف العراقي المتحفظ على قرارات تعليق عضوية دمشق في الجامعة العربية وفرض عقوبات أقتصادية عليها".

وأضاف "لقد فشل في ذلك خلال لقاءاته مع رئيس الجمهورية جلال طالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي، مما دفعه في لقائه الثالث مع رئيس البرلمان اسامة النجيفي الى حض الاخير للدفع باتجاه اثارة القضية داخل قبة مجلس النواب وتشجيعه على تشكيل قوة برلمانية ضاغطة بهدف تغيير موقف الحكومة من الازمة السورية".
التسريبات هذه لها ما يؤكدها في كلام المالكي عندما التقى بايدن الاربعاء الماضي، وقال "أننا في العراق نؤسس بلدا لا يتدخل في شؤون الآخرين، ولا يسمح بالتدخل في شؤونه وأن يكون محوريا في منطقة مستقرة خالية من التقلبات لا أن يكون محورا ضد محاور أخرى"، مؤكدا هدف بلاده أن "يكون أخا وصديقا ومعينا لكل شركائه وأصدقائه في المنطقة".
كما وجدت صدى داعم، بعد أنباء عن مطالبة أعضاء في مجلس النواب بتشكيل لجنة تعمل على بلورة موقف موحد تجاه الأحداث التي تشهدها سورية، على ان تأخذ تلك اللجنة على عاتقها الحيلولة دون اتخاذ الحكومة لمواقف تخالف توجهات القوى السياسية الداعمة لتحقيق إرادة الشعوب، وفقا للنائب محمد إقبال عن تحالف "الوسط" المنضوي تحت لواء كتلة "العراقية" النيابية التي يعتبر النجيفي احد قادتها البارزين.
لكن هناك من قلل من أهمية كلام المسؤول الحكومي فيما يخص تشجيع بايدن للنجيفي، إذ فند آيدن أقصو المستشار الاعلامي لرئيس البرلمان، تلك "الادعاءات" التي قال أنها "مجرد خلط للاوراق لأن النجيفي يمثل إقلية داخل البرلمان كونه لا يملك أي أدوات لتشكيل قوة ضاغطة بإتجاه تغيير الموقف الحكومي".
وبعد أجتماعاته في بغداد التي خرج منها خالي الوفاض، راح بايدن يبحث عن "نصير" لفكرته بشأن الملف السوري في أربيل ولجأ الى حليف بلاده مسعود بارزاني زعيم إقليم كردستان، ورئيس الحكومة الفيديرالية برهم صالح نائب طالباني في الحزب.
إذ تشير الأنباء المسربة من الإقليم الكردي، الى أنه حضهما على ضرورة بذل الجهود بهدف العمل على تغيير موقف طالباني الذي يقف فيه الى جانب المالكي حيال الازمة السورية، وبالتالي إمكانية تشكيل أغلبية داخل مجلسي النواب والوزراء تجبر رئيس الحكومة على تغيير موقفه من الاحداث في الجارة العربية.
ومنذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية في عدة مدن سورية قبل تسعة اشهر قريبا، يوصف الموقف العراقي الرسمي بانه "داعم" لنظام الحكم البعثي الماسك بالسلطة منذ اكثر من اربعين عاما في الجارة العربية، حيث أمتنعت بغداد عن التصويت على قرار تعليق عضوية دمشق في مجلس جامعة الدول العربية وتحفظت على قرارات معاقبتها اقتصاديا.
وما ان أنهى بايدن أجتماعته مع المسؤولين الأكراد التي حضرها أيضا مساعد وزير الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان، حتى أعلن فلاح مصطفى مسؤول دائرة العلاقات الخارجية بحكومة الإقليم، أن "الحكومة الإتحادية لن تستأثر بقرارات العراق مجدداً".
صحيح ان المقصود من أعلان المسؤول الكردي يخص الجانب النفطي، لكن مصادر رسمية في بغداد تؤكد وجود مؤشرات تدل على ان كردستان وعبر ممثليها في البرلمان المركزي والحكومة الاتحادية ستعتمد موقف جديد مخالف للموقف الرسمي الذي يعتبر"مناصر" لنظام حكم الرئيس السوري بشار الاسد.
وفي دليل قاطع يدعم صحة المعلومات التي أوردها كلا من المسؤول الحكومي والعارفين بخفايا زيارة بايدن ذات الاهداف المتعددة، وأشير فيها الى تركيز الزائر الاميركي على الملف السوري تحديدا، فأن الأخير دعا الرئيس السوري الى التنحي عن السلطة فور وصوله أنقرة التي أجرى فيها مباحثات مع الرئيس التركي عبدالله غول حول تطورات الساحة الإقليمية، وقضية حزب العمال الكردستاني المعارض.
وبذلك فأن جل ما حققه - صاحب مشروع تقسيم العراق الى ثلاث دويلات على أساس قومي وطائفي - من زيارته المفاجئة، هو إلقائه خطاب "وداع رئاسي" أمام نخبة عسكرية أميركية في "قصر الفاو" الرئاسي الذي تم بناءه في عهد صدام حسين قرب مطار بغداد، وأتخذته القوات المحتلة مقرا لها بعد إحتلالها بلاد الرافدين عام 2003.

هذا الخطاب الوداعي الذي حمل تفاصيل مماثلة لخطابات كان قد ألقاها بايدن نفسه في مناسبات سابقة خلال زياراته المتكررة للعراق، حضره طالباني والمالكي، فضلا عن حشد من المسؤولين والعسكريين والديبلوماسيين من كلا البلدين.
وأضافة لذلك الخطاب الحماسي، فقد حقق الضيف غير المرحب به من قبل اوساط عراقية سياسية ودينية وشعبية "شو أعلامي" من خلال البيانات الصحافية التي صدرت عن مكاتب القيادات العراقية التي ألتقاها بيدن، أو في التصريحات التي نقلتها وكالات أنباء محلية وعالمية وأدلى بها عقب اللقاءات تلك أوعند لحظة وصوله أرض مطار بغداد ليل الثلاثاء الماضي.
يذكر إن زيارة بايدن غير المعلنة - كعادة زيارات المسؤولين الأميركيين - تأخرت لأكثر من مرة بسبب إنكشاف مواعيدها السابقة مما أعتبر خرقاً أمنياً قد يعرض حياته، الى خطر سيما وأن الجماعات المسلحة لها إمكانية في إيصال صواريخها وبدقة متناهية الى أي بقعة في الميناء الجوي العراقي، وهو ما حدث خلال مناسبات مماثلة في سنوات سابقة.
أما السبب الآخر الذي عطل الزيارة التي كان مقررا لها أن تتم مطلع نوفمبر الفائت، فتتمثل بحال الخلاف القائم مذ اشهر بين بغداد وواشنطن، حيال الرغبة الأميركية الجامحة للإبقاء على عدة الاف من جنودها في مناطق مختارة من بلاد الرافدين بصفة مدربين وخبراء لوجستيين، وهو ما ابتغاه بايدن من زيارته التي أستغرقت ثلاثة أيام تقريبا، ويحتمل ان تجد لها تسوية ما في اللقاء المرتقب بين اوباما والمالكي.

حيدر نجم

المصدر: عربي برس

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...