ألغام عربية تزرع على طريق عودة التقارب السوري الأمريكي

25-11-2006

ألغام عربية تزرع على طريق عودة التقارب السوري الأمريكي

الجمل ـ سعاد جروس:رحلة وليد المعلم وزير الخارجية السوري الى بغداد, التي اعادت ربط ربع قرن من «الانقطاع الدبلوماسي» تحمل دفعاً جديداً لدور سوريا الاقليمي. وأهمية هذا الربط انه يأتي في لحظة مراجعة واسعة للسياسات الاميركية في المنطقة من اجل اتاحة فرص حقيقية امام العملية السياسية في العراق. والسؤال: هل يقود التعاون الامني بين العراق ودول الجوار الى احتواء التوترات الداخلية تمهيدا لجدولة الانسحابات الاميركية؟

دمشق اعتبرت أن زيارة وزير خارجيتها وليد المعلم لبغداد, اعتراف اميركي ودولي صريح بأنها جزء من الحل في المنطقة, وليست جزءاً من المشكلة. وقد كتبت صحيفة «تشرين» في تعليقها على الزيارة: «ان المجتمع الدولي وخصوصا الإدارة الأميركية, يعرف ان سوريا حذرت من مخاطر وتداعيات التدخل الأجنبي في العراق, ثم رفضت هذا الغزو... ولأجل ذلك عوقبت سوريا أميركياً على الأقل لأنها رفضت احتلال العراق».
وليس خافياً أن واشنطن منعت عودة العلاقات بين سوريا والعراق, فقد سبق وزار رئيس الحكومة العراقية السابق أياد علاوي سوريا في صيف 2004, واستقبل بحفاوة بالغة على الرغم من اعتراف سوريا الجزئي بشرعية حكومته, وتم توقيع العديد من الاتفاقيات, كان أهمها الاتفاق على تشكيل لجان أمنية لدراسة امكانية ضبط الحدود بين البلدين, إلا أن أياً من الاتفاقات لم ينفذ. كما لم يتم أي اجتماع للجان الأمنية بين البلدين, وحالت إدارة بوش دون توجيه الحكومة العراقية اللاحقة دعوة للمسؤولين السوريين لزيارة بغداد بهدف استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين, على الرغم من التأكيدات السورية المستمرة على تبادل السفراء. وفي الاشهر الأخيرة راح المسؤولون السوريون يتساءلون صراحة عن سبب امتناع الحكومة العراقية عن تنفيذ ما جرى الاتفاق حوله مع علاوي, ويلقون بالمسؤولية على عاتق المسؤولين العراقيين الذين لا يمكنهم مخالفة التعليمات الأميركية.
وكان واضحاً خلال زيارة الوزير المعلم إلى بغداد الأسبوع الماضي حجم اهتمام الإدارة الأميركية بالزيارة, من خلال الجهود الكبيرة التي بذلتها القوات الأميركية في المطار والمنطقة الخضراء لتوفير الحماية اللازمة. إضافة إلى متابعة كل وسائل الإعلام الأميركية المقروءة والمسموعة الحدث. هذا الاهتمام لم يكن وارداً لولا وصول إدارة بوش الى اقتناع بأنه من غير الممكن وضع حد لتفاقم الأزمة في العراق من دون تعاون كل من سوريا وإيران, فالاتصالات بين سوريا والحكومة العراقية لم تنقطع, وفي العام الماضي سجلت محاولة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية إلا أن الضغوط الأميركية وبعض الأطراف في الحكومة العراقية لم تكن راغبة أيضاً في تحسن العلاقات.
اليوم تدرك سوريا أن التحول في السياسة الأميركية بهذا الخصوص لم يتم إلا بعد تنامي أعمال العنف, وتفاقم الانفلات الأمني, بالإضافة إلى نتائج الانتخابات الأميركية التي جاءت عكس ما تشتهي سفن المحافظين الجدد, الأمر الذي عزز الموقف السوري وجعله يتمسك بمواقفه ومطالبه السابقة من الحكومة العراقية أولاً, ومن الإدارة الأميركية ثانياً. أول مطالب الوزير المعلم من الحكومة العراقية كان إلغاء برنامج استئصال البعث, الذي سبق وأعده المحافظون الجدد, وسعى بريمر إلى تنفيذه. كما طالب المعلم بوضع برنامج لانسحاب القوات الأميركية من العراق, لأنه السبيل الوحيد للحد من القتل اليومي. وتم الاتفاق على أن القوات الأميركية يجب أن تبقى في العراق في الوقت الحالي, وفي المقابل شدد المسؤولون العراقيون على مسائل التعاون الأمني, وطلبوا من المعلم الضغط على المعارضة العراقية الموجودة في دمشق, فكان رد المعلم: «نحن لا نضغط على أحد... نحن ننصح وندعم العملية السياسية الجارية في العراق». وكان واضحاً أن موضوع المعارضة العراقية الموجودة في دمشق أكثر الموضوعات المختلف حولها, فالحفاوة البالغة التي أظهرها رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي لم تمنعه من توجيه عتب لسوريا بالقول في بيان صدر عن مكتبه: «كنا نتوقع ان تكون سوريا اكثر تفهماً لنا كما كنا في مرحلة معارضة النظام السابق». وقد ركز عبد العزيز الحكيم زعيم لائحة الائتلاف العراقي الموحد التي تضم 128 نائبا, خلال لقائه بالمعلم على أن المطلوب التعاون: «خصوصا في الملف الأمني الذي يعني تبادل المجرمين والمعلومات وضبط الحدود». وبدوره حرص المعلم على تأكيد الجواب السوري ذاته وهو: «إن سوريا تدين بشدة كل إرهاب يستهدف الشعب العراقي ومؤسسات العراق».
وكما كانت زيارة أياد علاوي لدمشق في العام 2004 «ناجحة وناجحة جداً» بحسب وصف وزير الخارجية السوري آنذاك فاروق الشرع, وأثمرت العديد من الاتفاقيات الأمنية والمالية والاقتصادية, كذلك كانت زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم والتي حظيت بحفاوة كبيرة, وأثمرت اتفاقيات عدة بعد حوارات ومناقشات معمقة وصفها وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري بـ«الواضحة والصريحة والأخوية والتي أكد خلالها القادة العراقيون ترحيبهم بالزيارة وبمبادرة حسن النية السورية في هذا الوقت بالذات, وأنها سوف تكون فاتحة خير لعهد جديد في العلاقات بين البلدين». لكن ما تجدر الإشارة إليه أن الشرع حين وصف زيارة علاوي بالناجحة نفى أن يعني ذلك تراجع سوريا عن مبادئها, واليوم بعد أكثر من سنتين لا يبدو أن سوريا غيرت شيئاً في قناعاتها فيما يخص الموقف من الاحتلال الأميركي, وحيثيات زيارة المعلم تؤكد ذلك, إلا أن ما تغير هو اضطرار واشنطن لتعديل سياستها في العراق بما يمكنها الخروج من المأزق من دون المساس بأهداف مشروعها في المنطقة, وهنا تكمن عقدة الحوار بين سوريا وأميركا والتي لا شك ستنعكس على العلاقات بين سوريا والعراق, إيجابياً أو سلبياً.
وقد سجلت خلال وجود المعلم في بغداد عودة الأميركيين الى اسطوانة «ضبط الحدود», فأعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال الأميركي في العراق الميجر وليام كولدويل أن «ما يقرب من 100 مقاتل يدخلون العراق عبر الحدود مع سوريا شهريًا». وأضاف «لا نعرف إلى أي مدى سيظل السوريون يعيقون هذه الجهود». وكانت هذه الاسطوانة قد توقفت لبعض الوقت, ربما لأن اسطوانة التحقيق الدولي بشأن اغتيال الرئيس رفيق الحريري كانت كافية لصم آذان دمشق. ومن اللافت أنه وعلى الرغم من الترحيب الأميركي والدولي بالتواصل بين دمشق وبغداد, وكذلك بالدعوة التي وجهتها طهران لكل من الرئيس العراقي والرئيس السوري لعقد قمة ثلاثية, لم تغب لغة التشكيك بنجاح المساعي الدبلوماسية, وإن دل ذلك على شيء, بحسب مصدر دبلوماسي عربي, فيدل على أن واشنطن مترددة في تلبية مطالب دمشق, وهي لا تزال مصرة على الحصول على تعاونها بالإكراه. ويمكن على هذه الخلفية قراءة مسارعة أميركا بدفع من فرنسا الى توجيه أصابع الاتهام لسوريا في جريمة اغتيال وزير الصناعة اللبناني بيار الجميل الثلاثاء الماضي, قبيل عودة المعلم من بغداد, كما تمت المطالبة بتوسيع عمل لجنة التحقيق الدولية ليشمل اغتيال الجميل, هذا ناهيك عن الضغط لتسريع الموافقة على مسودة قرار تشكيل المحكمة الدولية في مجلس الأمن, ومطالبة الرئيس بوش بدعم حكومة فؤاد السنيورة على الرغم من فقدانها شرعيتها بعد استقالة ستة وزراء واغتيال السابع؛ الأمر الذي فسره المراقبون بأنه تأكيد أميركي لسوريا على ضرورة عزل الملف اللبناني عن باقي الملفات في المنطقة, وتحديد المطلوب من سوريا وهو التعاون في الملف الفلسطيني لتليين موقف «حماس» من تشكيل حكومة وفاق وطني. وقد أثمرت جهودها على هذا الصعيد, وبرز ذلك خلال زيارة وزير الخارجية الفلسطيني محمود الزهار لدمشق الثلاثاء الماضي, ومن ثم إعلان القيادي في «حماس» خالد مشعل ذهابه الى القاهرة لبحث الشروط الجديدة لتشكيل حكومة تكنوقراط. إلا أن ما كانت تأمل دمشق الحصول عليه في لبنان لن يتم, وبالتالي فإن ما حققته زيارة المعلم معرض للإجهاض أو التجميد, بحسب الرسائل الأميركية؛ يعيد الدبلوماسي العربي ذلك الى مساعٍ من قبل أطراف عربية لإعاقة عودة الحوار الأميركي­السوري. ويقول المصدر ان لا مصلحة لكل من السعودية ومصر والأردن التي تصنفها إدارة بوش ضمن محور «المعتدلين» في تحقيق سوريا لأي نجاح في العراق, لأن ذلك سيفسح المجال أمام ايران وتركيا وسوريا للعب أدوار رئيسة في العراق, وبالتالي سيكون ذلك بمثابة نجاح لمحور الممانعة المؤلف من التحالف الايراني السوري وفصائل المقاومة في لبنان وفلسطين, ما يعني بشكل غير مباشر ذهاب كل التنازلات والهبات التي قدمت من محور المعتدلين هباء, وفي ذلك خسارة مضاعفة لهم على صعيد العلاقة مع أميركا, إذ ان أي تحسن في العلاقات الأميركية مع محور«الممانعة» سيكون من حساب العلاقة مع محور «المعتدلين», وقد يؤدي إلى تعديل في أولويات مشروع الشرق الأوسط الجديد, تنعكس على الأوضاع الداخلية لتلك الدول, التي خسرت الكثير من شعبيتها بعد موقفها الفاضح من تأييد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان, ما سيوقعها في ورطة حقيقية أمام شعوبها, إذ سيثبت فشل سياسة المهادنة مقابل نجاح سياسة الممانعة, ناهيك عن مخاوفها من المد الإيراني الشيعي في المنطقة, لتكون تلك الأسباب كافية لدفع دول محور المهادنة «محور المعتدلين» لإفشال مساعي عودة الحوار المباشر بين سوريا وأميركا, وبالتالي التشكيك بجدوى الدور السوري في العراق وحتى تعطيله, ومن المؤسف يقول الدبلوماسي العربي: «أن يكون لبنان هو الساحة التي سيتم من خلالها توجيه السهام الى سوريا, وعلى حساب استقرار وأمن لبنان, وقد بدأ ذلك فور وقوع جريمة اغتيال الوزير الجميل».
ومع أن التطورات على صعيد الملف اللبناني تفتح الاحتمالات نحو الطرق المسدودة, إلا انه وبالتوزاي معها وبالقوة ذاتها تظهر معطيات أخرى تترك باب الاحتمالات الأخرى مفتوحاً. فقد أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي جورج بوش سيزور الأردن الأسبوع المقبل ويلتقي رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي, عقب مشاركته في قمة حلف شمال الأطلسي €الناتو€, وسيناقشان التطورات الراهنة والتقدم الذي أحرز في اتجاه نقل المسؤولية الأمنية إلى العراقيين, ودور البلدان المجاورة في عودة الاستقرار. يأتي ذلك مع الإعلان عن عقد قمة عراقية إيرانية في طهران, قد تشارك فيها سوريا على خلفية الدعوات في الغرب والولايات المتحدة لإشراكها وإيران في إيجاد حل للأزمة العراقية. وفي انتظار ما ستؤول تداعيات الأحداث على الساحة اللبنانية, تكون سوريا قد قامت بعدة خطوات تثبت حسن نياتها, لتبقى النتائج مرهونة بما تريده أميركا, فإما المضي في طريق تغيير سياستها في العراق والمنطقة أو الاستمرار في لعبة شد الحبال. وكما قال عضو مجلس العلاقات الخارجية الأميركي فالي ناسرز: «هناك لعبة إقليمية في المنطقة, وبالتالي فإن سوريا وإيران لن تقفا في معزل عنها».


 بالاتفاق مع الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...