6 حقائق للواقع السوري: ما هي وعلى ماذا تدلّ؟

31-10-2012

6 حقائق للواقع السوري: ما هي وعلى ماذا تدلّ؟

منذ 15 آذار من العام 2011، تُحدّد مصادر النظام السوري مواعيد للحسم ضد "المسلّحين الإرهابيّين" في هذه المنطقة أو تلك، في مقابل تحديد مصادر المعارضة مواعيد للحسم ضد "شبّيحة النظام" في هذه المنطقة أو تلك أيضاً! لكن اليوم، وبعد مرور نحو 17 شهراً على تفجّر أحداث سوريا الدمويّة، لا النظام إستعاد سلطته وهيبته على كامل الأراضي السورية، ولا المعارضة تمكّنت من إنجاح إنتفاضتها المسلّحة لتتحوّل من مجموعات إنقلابية إلى ثورة ناجحة! فما هي الوقائع والمعطيات الحالية، وعلى ماذا تدلّ؟

أولاً: من الملاحظ أنّ المعارضة السوريّة المسلّحة تمكّنت من الإحتفاظ بسيطرتها على العديد من المناطق والمعابر الحدودية، خاصة في الشمال على الحدود مع تركيا، وعلى منطقة أعزاز، وأقسام مهمّة من مدينة حلب. لكنها خسرت إدلب مثلاً، ولم تتمكّن من البقاء في دمشق، وهي تحاول التسلّل إليها عبر الضواحي الشرقية للعاصمة. ولا تزال المحافظات الساحليّة السوريّة حيث الأغلبيّة العلويّة تحت سيطرة قوات النظام بشكل محكم، بعكس ما هي الحال في محافظة دير الزور الواقعة على الحدود مع العراق. ويجب ألا ننسى وجود مناطق باتت خاضعة للجماعات الكرديّة السوريّة المستقلّة نسبياً، مثل القامشلي. وفي الوسط السوري، لم تتمكّن حمص من مقاومة قوّات النظام بنفس فعالية مقاومة بلدات الرستن والقصير وتلبيسة لها. وإلى الجنوب، لا تزال المحافظات والمناطق ذات الأغلبية الدرزيّة، مثل السويداء، تحت سيطرة النظام السوري. ووجود المعارضة الفاعل يقتصر على ريف درعا. وهذه الخريطة المختصرة تدلّ على إنقسام مذهبي عرقي واضح من جهة، وعلى فشل المعارضة في الدخول إلى عمق المدن، وبقائها في الأرياف، من جهة أخرى.
ثانياً: من الملاحظ أنّ وتيرة إستخدام سلاح الجوّ السوري قد تصاعدت بشكل لافت. وفي هذا السياق، وبعد أن كانت الغارات مقتصرة على بعض صواريخ جوّ-أرض تطلقها الطوافات الهجومية، صارت اليوم مشاركة الطائرات الحربيّة النفّاثة أكثر كثافة بفارق كبير. وازدياد الطلعات الجويّة العسكرية للطيران السوري، يدلّ من جهة على عزم النظام السوري على إستخدام كامل القدرات العسكرية التي يملكها، ويظهر من جهة أخرى تراخي المجتمع الدولي وغضّ نظره عن هذا الفارق الكبير في موازين القوى، وفي طبيعة تسليح الطرفين المتنازعين.
ثالثاً: من الملاحظ أنّ عدد المنشقّين عن الجيش السوري النظامي قد صار نادراً ومحدوداً. وبالتالي، من كان يرغب بالإنشقاق، ومن كان قادراً على تنفيذه، نفّذ قراره وإنتقل إلى الجبهة المقابلة، أو فرّ خارج الحدود السورية. وهذا يعني أنّ الوحدات العسكرية التي لا تزال محافظة على ولائها للنظام، هي غير راغبة بالإنشقاق.
رابعاً: من الملاحظ أنّ وتيرة الإنفجارات قد تصاعدت بشكل كبير. فبعد أن كان الأمر مقتصراً في السابق على إنفجار واحد كل أسبوع أو أسبوعين، صارت الإنفجارات القويّة تتمّ بمعدّل إنفجار واحد كل يومين. وفي بعض الأحيان يحصل أكثر من إنفجار خلال يوم واحد! والمواقع المُستهدفة لم تعد مقتصرة على مراكز عسكريّة، بل صارت تطال مبان مدنيّة أيضاً. وهذا الأمر يدلّ على إزدياد عدد الإنتحاريّين والمتشدّدين الذين يدخلون إلى سوريا، ويُتقنون أساليب التفخيخ وإعداد العبوات الناسفة والتفجير، وهم يعملون وفق "أجندات" مختلفة عن أهداف "الجيش السوري الحرّ".
خامساً: من الملاحظ أنّ الجهات الداعمة للمعارضة السورية بالسلاح والعتاد العسكري، تواصل نقل الأسلحة الخفيفة والذخائر إلى المقاتلين المعارضين. لكن وعلى الرغم من إبداء عدد من الدول العربيّة نيّتها بتزويد المعارضة بأسلحة نوعيّة، جرى إفشال كل المحاولات الخارجية لإمداد "الثوّار" بصواريخ مضادة للدبابات وللدروع، على غرار صاروخ Law (Light Anti-Tank Weapon) الخفيف والذي يُطلق عن الكتف من قبل فرق المُشاة. وجرى أيضاً إفشال كل المحاولات لنقل صواريخ أرض–جوّ من نوع Stinger، والقادرة على إسقاط الطوافات والطائرات النفّاثة، شرط تحليقها على علوّ منخفض نسبياً، ولا يزيد على 3,800 متر. وهذا الأمر يدلّ على إستمرار خوف الدول الكبرى من وصول الأسلحة المتطوّرة، إلى يدّ منظّمات إرهابية، في حال تسليمها إلى المعارضين السوريّين، ويؤكّد الحزم الغربي في عدم تكرار تجربة أفغانستان.
سادساً: من الملاحظ أنّ عدد اللاجئين السوريّين قد تجاوز عتبة الثلاثمئة وخمسين ألف (350.000) لاجئ، منهم أكثر من مئة ألف لاجئ في تركيا، وعدد قريب في لبنان. ولم يُحرّك هذا الواقع المنظّمات الدوليّة بالشكل اللازم، ما يُنذر بمزيد من المعاناة لهم مع قدوم فصل الشتاء. وهذا الأمر يظهر عدم جدّية الطروحات الداعية إلى فرض مناطق عازلة لإيواء النازحين، لا داخل الأراضي السورية، ولا على حدودها.
في الخلاصة، لا أسلحة نوعيّة للمعارضة السورية حتى إشعار آخر! وبالتالي، لا مجال لمواجهة طيران الجيش النظامي، ولا حتى دبّاباته بالشكل المناسب، ما يعني أنّ المعارك ستبقى غير متكافئة في المدى المنظور! لكن في الوقت عينه، إنّ تمرير المتفجّرات والأسلحة الخفيفة مستمرّ، ما يعني أنّ عودة الهدوء والأمن إلى سوريا غير ممكن في المستقبل القريب. وكل ما سبق يعني أنّ النزف الدموي في سوريا متواصل، مع بقاء النازحين خارجها، وإستمرار العلاقات المتوتّرة بين الدول المعنيّة. وأيّ تغيير في الأمر الواقع الحالي غير ظاهر في الأفق، في إنتظار نضوج تسوية ما، بين الجهات التي تقف وراء الأطراف المتصارعة، أو ربّما إتخاذ قرار جدّي بقلب النظام بالقوّة – كما حصل في ليبيا، أي عبر فرض حظر جوّي كمرحلة أولى، وقصف قوّات النظام في مرحلة ثانية. لكن لهذه الخيارات قصّة أخرى، ومقالات أخرى!

ناجي س. البستاني

المصدر: النشرة االكترونية اللبناينة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...